باحث أمريكي: فض "رابعة" عكس الفشل الكلي لـ"الإخوان".. والجماعة أصبحت مقطوعة الرأس
قال مقال تحليلي لإريك تراجر الزميل في معهد "واشنطن" لسياسات الشرق الأدنى، إن الذكرى الثالثة من فض اعتصام رابعة عكست الفشل الكلي لاستراتيجية "الإخوان" ما بعد مرسي وهزيمتهم في الصراع على السلطة مع الحكومة المدعومة من قبل الجيش الذي تولى زمام الحكم إثر الإطاحة بمرسي، وبعد ثلاثة أعوام، لم تسترد الجماعة عافيتها بعد، إذ أن الآلاف من قادتها يقبعون في السجون أو في المنفى فيما قُتل مئات آخرون على الأقل، ولم تعد "الجماعة" لاعبًا مهمًا على أرض الواقع.
وأضاف إريك، أن قادة الإخوان كانوا يعتقدون بأن الجيش يقف فى صف محمد مرسى، كما إنهم لم يشكوا فى هذا المعتقد على الرغم من تحذير الجيش لمرسى فى الأول من يوليو 2013، وأن المؤسسة العسكرية ستقوم بتنفيذ خارطة الطريق التى وضعتها إذا رفض مرسى تلبية نداء المتظاهرين فى غضون يومين من التحذير.
وتابع: "عندما أعلن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، وهو محاط بمجموعة واسعة من الشخصيات المصرية، عن الإطاحة بمرسي مساء 3 يوليو، رد الإخوان على عجل. فقد أمرت الجماعة كوادرها من كافة أنحاء البلاد بالتجمع في ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة، حيث كان الإخوان يتظاهرون لما يقرب من أسبوع دعمًا لمرسي، وأصبح هذان الميدانان منطقتين محظورتين على الشرطة المصرية بعد الإطاحة بمرسي وشكلا ملاذًا استطاع من خلاله قادة الإخوان المطلوبين تجنب الاعتقال، وعقد الاجتماعات، والتواصل مع وسائل الإعلام الدولية".
وأوضح الكاتب، أنه "على الرغم من التقدم الملحوظ الذي حققته المؤسسة العكسرية من ناحية الأسلحة والقدرات، كان الإخوان يتوقعون فعلًا أنهم سيكسبون الصراع على السلطة، فقد اعتقدت الجماعة أن عدداً صغيراً فقط من الجنرالات قد أيد إسقاط مرسي، وأن تظاهراتها ستُحدث شرخاً داخل المؤسسة العسكرية وبالتالي تعيد مرسي إلى السلطة، واعتقدت جماعة الإخوان أيضاً أنه باستطاعتها الصمود أمام أي محاولة لتفريق الاحتجاجات بما أن أعضاءها كانوا مستعدين للموت من أجل قضيتها".
ونقل الكاتب عن المتحدث باسم الجماعة، جهاد الحداد للصحفي ماجد عاطف ما يلي: "إذا ما أرادوا تفرقة المعتصمين فعليهم أن يقتلوا 100,000 متظاهر، ولا يستطيعون القيام بذلك لأننا مستعدون للتضحية بـ 100,000 شهيد".
وفي الوقت نفسه، دعا الإخوان إلى تنظيم احتجاجات مؤيدة لمرسي في كافة أنحاء البلاد. وقد أغلق المتظاهرون الطرق واشتبكوا مع قوات الأمن، وكانت تلك الأنشطة بأجمعها تهدف إلى توجيه رسالة واضحة جداً للنظام الجديد مفادها أن مصر لن تنعم بالاستقرار.
وتلقى النظام الرسالة وكان مصمماً أيضاً على كسب الصراع على السلطة، ونقل إريك عن حازم الببلاوي، الذي كان رئيس وزراء مصر خلال تلك الفترة، في مقابلة معه في أكتوبر 2014: "كنا واثقين من أمر واحد وهو أنه لا توجد بلاد تستطيع الصمود إذا كان قسم من شعبها لا يعترف ببساطة بالسلطة ويتحداها، وهذا غير مقبول".
ويقول "تراجر" إن الحكومة كانت على استعداد لاستخدام القوة ضد احتجاجات الإخوان، فقد قتل 51 شخصًا من عناصر الإخوان فى 8 يوليو 2013 خارج مقر الحرس الجمهورى، حيث كان مقر احتجاز مرسى، ثم فى 24 يوليو، دعا وقتها الرئيس السيسي لمظاهرات حاشدة لتفويضه بمكافحة لإرهاب وبالفعل استجاب الشعب وتظاهر بعد يومين، إلا أن الحكومة قامت وأرجأت فض الاعتصام بعد انتهاء شهر رمضان الذى تزامن مع الإطاحة بمرسى.
وقال الببلاوي: "كنا ندرك أن مثل هذا الأمر لا يمكن حله دون وقوع ضحايا، إنما أردنا تأخير ذلك بقدر الإمكان، ولكن ليس إلى الحد الذي يجب أن يتدهور فيه مفهوم الإحترام للحكومة".
وأضاف الباحث الأمريكي: "عندما فشلت المفاوضات، اجتمع مجلس الوزراء المصري في 31 يوليو وفوّض وزير الداخلية باتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لتفرقة المظاهرات أو الاعتصامات، وللحد من إراقة الدم، اقترح بعض الوزراء أن تقوم قوى الأمن بمحاصرة مواقع الاحتجاج والسماح للمتظاهرين بالمغادرة، من دون السماح للمتظاهرين الجدد أو السلع الجديدة بالدخول، صحيح أن هذا النوع من استراتيجية الحصار كان لينهي التظاهرات بطرق أكثر تدرجًا، ولكن كان ليؤدي أيضاً إلى وقوع عدد أقل بكثير من الإصابات، ولكن وفقًا للببلاوي، رفض وزير الداخلية هذه الفكرة، معتبرًا أن استراتيجية الحصار من شأنها أن تسمح لجماعة الإخوان بأن تقرر متى تشن أعمالًا عدائية ضد قوى الأمن، الأمر الذي كان ليضع الشرطة في وضع غير مميز. وبطبيعة الحال، ليست هذه الطريقة التقليدية التي تعتمدها الشرطة للتعامل مع التظاهرات، بل هي طريقة التخطيط التي يتبناها الجنرالات خلال الحرب. وهكذا بالتحديد كانت تنظر الحكومة الجديدة إلى تلك اللحظة المعينة من الزمن. وبالتالي رضخ مجلس الوزراء في النهاية لوزير الداخلية، فأعطى بذلك الشرطة صلاحية تفريق الاحتجاجات متى كانت مستعدة لذلك".
وذكر: "في نهاية عام 2013، أصبحت بنية الجماعة التراتبية بشكل واضح مقطوعة الرأس بالكامل، مما جعلها غير قادرة على تنفيذ أي نوع من الاستراتيجيات الوطنية داخل مصر. وفي حين تستمر جماعة الإخوان بنشر أفكارها ونهجها السياسي انطلاقاً من قاعدتها الفعلية في إسطنبول، إلا أنها لم تعد تشكل تهديداً ملحوظاً للحكومة الحالية وبالكاد يمكن رؤيتها في مصر اليوم".
وسألت الكاتب، الببلاوي ما إذا كان يساوره أي إحساس بالندم بشأن "رابعة"، اعتبر الببلاوي أن مستقبل مصر كان على المحك ولم يكن يتصور بديلاً أفضل عما حصل، قائلاً: "كان الأمر مؤلماً للغاية، ولكن عندما تذهب إلى الحرب، يفقد عدد من أبنائك... ذراعهم أو حتى حياتهم، ولكنك بالمقابل تنقذ بلادك. كان الأمر فظيعاً وسيئاً للغاية ولم يكن القرار سهلاً إنما حتمياً".
وأكد أنه "في الأشهر الأخيرة، بدأت الجماعة تعيد تقييم استراتيجية قادتها الفاشلة خلال تلك الفترة، وتعكس عمليات إعادة التقييم موضع البحث التغيير الأهم الذي حصل داخل جماعة الإخوان خلال الأعوام الثلاثة منذ فض رابعة، وهو أن المنظمة أصبحت مجزأة على نحو متزايد، فقادة الإخوان إما في السجن أو مختبئون أو مبعثرون بين دول مختلفة في المنفى، مما ولّد صراعاً داخلياً على السلطة لم تتم معالجته بعد. بعبارة أخرى، ما زال هناك العديد من أتباع الإخوان، إلا أن الجماعة لم تعد ناشطة، على الأقل في الوقت الراهن".