صراع عسكري بين تركيا وإيران في "الموصل"
تنشط المناورات العسكرية والسياسية بشأن معركة الموصل وفق
مسلّمة أن استعادة المدينة من تنظيم داعش باتت ناجزة وأن الاستراتيجيات الحالية تلهث
وراء تثبيت واقع ما بعد الموصل. ويعتبر المراقبون أن قرار إسقاط المدينة بات متّخذا
في موسكو وواشنطن وبغداد وأنقرة، وأن الانتهاء من ذلك ليس سوى مسألة وقت.
ووفقا للعرب اللندنية، لا يخفي سياسيون عراقيون أن الجدل
الحالي في العراق حول ماهية القوات التي ستشارك في المعركة إضافة إلى الجيش العراقي،
إذ تتسابق قوات البيشمركة الكردية وميليشيات الحشد الشعبي الشيعية المدعومة من إيران
للوصول أولا والسيطرة على الموصل بغية سد الطريق على الآخر، الأمر الذي يفاقم الجدل
حول مستقبل محافظة نينوى برمتها ومآلات موقعها داخل الخارطة السياسية للمنطقة كما داخل
خارطة القوى السياسية في العراق.
ولفت دبلوماسيون إلى أن الطرف الكردي قد باشر الزحف في اتجاه
الموصل، فيما النقاش مازال دائرا حول حجم وجغرافيا مشاركة الحشد الشعبي في المعركة
المقبلة.
وأعلنت مصادر في قوات البيشمركة الأحد، أن الأكراد تمكنوا
من تحقيق المزيد من التقدم صوب مواقع تنظيم داعش، واستعادوا أربع قرى جنوب شرق الموصل
شمالي العراق بعد عملية عسكرية بدعم من طيران التحالف الدولي.
وقال النقيب شيرزاد زاخولي إن قوات البيشمركة سيطرت على قرى
أبزخ تاخ وتل حميد وقرقشة وحمرا، في الطريق نحو الموصل.
وأضاف زاخولي “العملية العسكرية تتم في عدة محاور هي الكوير
ومخمور والخازر، وقوات البيشمركة تتقدم في المحاور الثلاثة”، لافتا إلى أن استعادة
تلك المناطق من الناحية العسكرية “تمثل أهمية استراتيجية كبيرة، لأن داعش يتخذها منطلقا
لقصف قوات البيشمركة بالقذائف”.
وبدأت العملية، حسب مصادر كردية، بإشراف مباشر من رئيس الإقليم
مسعود البارزاني الذي التقى بريت ماكغورك المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لإدارة التحالف
الدولي ضد داعش، وبحثا معا مسألة استعادة مدينة الموصل من قبضة التنظيم المتطرف.
بيد أن أوساطا عراقية بدأت تحذّر من أن سقوط الموصل سيفتح
معارك أخرى لن تكون القوى الإقليمية “إيران وتركيا” بعيدة عنها، ذلك أن الأكراد يعتبرون
أن الموصل جزء من كردستان تاريخيا ولا يخفون رغبتهم في ضم المدينة إلى مناطقهم.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن يزيد صايغ، الخبير في مركز كارنيغي
ببيروت قوله إن “هناك الآن ما يمكن أن نسميه انتصارا على داعش، بسيطرة البيشمركة على
المناطق التي كانت تحت سيطرة الحكومة العراقية، لتوسع المنطقة التي تحكمها الحكومة
الكردية الإقليمية بنسبة 50 في المئة”.
وتواجه الأحلام الكردية معوقات كبرى، فالموصل مدينة غالبيتها
من العرب السنّة وهو ما سيسبب توترا وتصادما مع السنّة، كما أن الحكومة المركزية في
بغداد لن ترضى بالتخلي عن الموصل، وقد سبق قبل أشهر أن تسبب هذا التنافر في اندلاع
اشتباكات بين قوات البيشمركة وقوات الحشد الشعبي الموالية لبغداد والمدعومة من إيران
في مدينة طوزخورماتو شمالي شرقي العراق، راح ضحيتها 27 مقاتلا.
وتجاوزا للصراع الداخلي حول مستقبل الموصل، فإن لإيران مصلحة
في تحديد مصير ثاني أكبر مدينة عراقية “يبلغ تعداد سكانها حوالي 2 مليون نسمة قبل سيطرة
داعش عليها، وتبعد عن العاصمة بغداد 465 كلم”، وهي قريبة من حدودها، فيما تعتبرها تركيا
جزءا من فضائها الأمني في شمال العراق. وإذا ما كانت طهران تعتمد على الحكومة في بغداد
والميليشيات الشيعية التابعة لها في هذا الصدد، فإن تركيا تعتمد مقاربة ذات شقيّن.
يستند الشق الأول على دعم مباشر لإقليم كردستان برئاسة مسعود
البارزاني، وبالتالي دعم البيشمركة في معركتها لاستعادة الموصل. والشقّ الثاني يستند
على دعم ميليشيات الحشد الوطني المكون من العشائر العربية التي يقدر عددها بحوالي
6500 مقاتل بقيادة محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي والتي يتم تدريبها في معسكر بعشيقة،
وهو القاعدة العسكرية التي أنشأتها تركيا في شمال العراق بمباركة الحكومة الإقليمية
الكردية وبمعارضة الحكومة العراقية المركزية في بغداد، وبتنسيق وتعاون مع الولايات
المتحدة لمحاربة داعش. وكان أسامة النجيفي زعيم ائتلاف متحدون قد أبلغ المبعوث الأميركي
ماكغورك “موقفه وموقف أهالي نينوى وقادة تحالف القوى العراقية، برفض مشاركة الحشد الشعبي
في معركة تحرير الموصل”.
وفيما تسود شكوك في نوايا قوات البيشمركة بشأن مستقبل المدن
التي ستسيطر عليها وفي ما إذا كانت أربيل تنوي ضم هذه المناطق إلى كردستان العراق،
فإن أنقرة المتخوّفة من ذلك أيضا والمتجنّبة إغضاب حليفها مسعود البارزاني تنتهج وسائل
أخرى وتسعى إلى مقاربة المسألة بسبُل جديدة.
وتروم الاستراتيجية التركية الدفع في اتجاه دعم قوى كردية
عربية مشتركة لانتزاع المدينة والسيطرة على المنطقة وإبعاد النفوذ الإيراني عنها، وصولا
إلى رعاية صيغة تعايش بين السنّة والأكراد برعاية أنقرة. لكن تلك الاستراتيجية ستقابل
باستراتيجية إيرانية مضادة ستجعل من معركة الموصل ميدان تسابق محموم، لا علاقة له بالصراع
ضد تنظيم داعش، لفرض أمر واقع تنطلق منه القوى المتعددة لتمرير أجنداتها المتنافرة.