"العرب اللندنية": صراع خفيّ حول ترشح "السيسي" لفترة ثانية.. و"الرئيس" تنبأ
قالت صحيفة العرب اللندنية، إنه على رغم أن الوقت لا يزال مبكرا بشأن الانتخابات الرئاسية المصرية، إلا أن وتيرة التوقعات والتكهنات حول ترشح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لفترة رئاسية ثانية، تزايدت بشكل كبير في الفترة الأخيرة نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتصاعد حدة الانتقادات التي يواجهها النظام، ومحاولاته المستميتة لتخفيف الضغوط والأزمات، وهو ما فتح الباب لطرح تساؤلات حول مستقبله قبل نحو عامين من الانتخابات الرئاسية.
وتابعت
الصحيفة خلال تقريرا لها: شهدت الأيام الماضية عدة مستجدات دفعت إلى الحديث عن هذه
القضية، فبعد أن أعلن عالم الفضاء المصري عصام حجّي عزمه تشكيل بديل مدني استعدادا
لخوض الانتخابات المقبلة، نصحت دوائر إعلامية غربية الرئيس السيسي بعدم الترشح لفترة
رئاسية ثانية.
مقابل
ذلك، دشن مؤخرا سياسيون مغمورون، في خطوة وصفها متابعون على أنها نوع من جس النبض،
حملة تطالبه بالترشح، وجدد آخرون مطلب سابق بخصوص تعديل الدستور لزيادة فترته الرئاسية،
من 4 إلى 6 سنوات، ويبدو أن الجدل المبكر بشأن ترشح السيسي لفترة رئاسية ثانية، غرضه
الخروج من أجواء الركود السياسي في مصر، والذي أضحى يميل نحو التسليم باستمراره، في
ظل الفراغ الراهن، وعدم وجود منافسين حقيقيين، لكنّ أنصاره يخشون من المفاجآت، فسارعوا
بتوسيع نطاق حملتهم.
يدور
الصراع الخفيّ في اتجاهين متقابلين، أحدهما يأخذ بعدا داخليا والآخر ذو بعد خارجي،
لكنه لا تعوزه الروافد والامتدادات الداخلية، على الصعيد الأول، هناك نوع من القبول
بضرورة ترشحه مرة أخرى لظروف سياسية وإقليمية متذبذبة لا تحتمل المجازفة والتغيير.
وعلى
النقيض، فإن بعض الدوائر الغربية بعثت برسائل عدة نصحته فيها بعدم الترشح، في ظل تدهور
الوضع الاقتصادي الراهن والإحباط السائد من البيروقراطية التي تدار بها البلاد.
بعض
الإشارات التي أطلقت مؤخرا، ربما يكون هدفها فتح مجال الحريات على مصراعيه، أو الدفع
باتجاه إبرام مصالحة مع جماعة الإخوان التي تحظى بدعم غربي، لجذبها إلى حقل مواجهة
التنظيمات المتشددة
وفسر
مراقبون “النصائح” على أنها تعكس الصورة السياسية المتدهورة لمصر في الخارج، والتي
تأثّرت سلبا بما يجري في الداخل من تراجع في مستوى الحريات وتفاقم الأزمات الاقتصادية،
ما جعل النظام غير قادر على الإمساك بزمام المبادرة في قضايا إقليمية مشتعلة.
وقال
سعيد اللاوندي، الخبير في شؤون العلاقات الدولية لـ”العرب”، إن الغرب لم يعد يهتم كثيرا
بالأشخاص في ظل التغيرات الكثيرة التي حدثت في مصر والمنطقة العربية، لكنه يضغط في
الاتجاه الذي يحقق مكاسب سياسية لبعض الأطراف التي يدعمها.
وأضاف
أن بعض الإشارات التي أطلقت مؤخرا، ربما يكون هدفها فتح مجال الحريات على مصراعيه،
أو الدفع باتجاه إبرام مصالحة مع جماعة الإخوان التي تحظى بدعم غربي، لجذبها إلى حقل
مواجهة التنظيمات المتشددة.
وأشار
اللاوندي إلى أن تحرك عصام حجّي حول تكوين فريق رئاسي من الولايات المتحدة، في نفس
توقيت مطالبة “الإيكونومست” البريطانية السيسي بعدم الترشح، مؤشر قوي على تناغم موقف
الغرب من ترشحه مرة أخرى.
وعبر
سياسيون مصريون في أكثر من مناسبة عن أن هناك إشارات عن نزوع متصاعد لبعض الأطراف الغربية
للضغط على الرئيس المصري لعدم استكمال فترته الرئاسية الأولى أو عدم الترشح لفترة ثانية،
وهو ما ظهر للعلن عبر تقارير عدة، كان يتم تداولها في الغرف المغلقة. بينما تنطلق دوافع
الداخل للتمديد من نفس النقطة التي ينطلق منها الخارج، لكن النتيجة مختلفة، فهناك قطاعات
كبيرة ترى ضرورة منحه فرصة كاملة لاستكمال مشروعاته، وتحمّل الأزمات المتراكمة.
وتبدو
أولويات المصريين في تلك المرحلة منصبة على أهمية بقاء الدولة، باعتبار أن النظام الحالي
يوفّر ضمانة قوية لعدم استئثار تيار بعينه بالسلطة، مثلما كان الحال في فترة حكم الإخوان،
وتخشى العناصر المؤيدة من أن يؤدي خروج السيسي إلى عودة رجال الحزب الوطني المنحل للهيمنة
على الحياة السياسية والاقتصادية مرة أخرى. المفارقة تكمن في موقف بعض قوى المعارضة
التي تؤيد هذا الطرح، فهي تدرك أن بديل السيسي قد يكون الإخوان أو فلول الحزب الوطني،
وتعي أيضا أنها غير قادرة على المنافسة مع أيّ منهما في الوقت الراهن.
ويضمن
استمرار نظام السيسي جانبا من المشاركة السياسية للأحزاب القائمة حاليا في حدود إمكاناتها،
انتظارا لأن تأتي الفرصة المناسبة للحصول على أكبر قدر من المكاسب. كما أن الحركات
الشبابية الثورية ترى أنها تستطيع ممارسة المزيد من الضغوط عليها من أجل الإفراج عن
المعتقلين، بعيدا عن العودة للحالة الثورية التي لا تقدر على استعادتها في ظل الأوضاع
الراهنة.
وبشكل عام فإن المعارضة ترى أن التغيير يجب أن يكون
من خلال السياسات، وأن الأشخاص غير جديرين بأن يكونوا أدوات مضمونة في هذا الفضاء،
ومجرد التغيير فقط لن يؤدي إلى تطور حقيقي، إذ أن تجربة إزاحة نظام حسني مبارك ثم الإخوان
تعزّز هذه النتيجة.
وقال
حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة لـ”العرب”، إن الداخل المصري يعي
جيدا أن الحالة الاقتصادية الضاغطة في الوقت الحالي جاءت نتاج موروث قديم وليس نتاج
سياسات حالية، والنظام الحاكم، بمقدوره توفير حلول وسط الدعم المؤسسي والشعبي للسيسي.
وأوضح
أن المخاوف من تحوّل مصر إلى ليبيا أو سوريا أو اليمن تعلو فوق أيّ أزمات يمكن التغلب
عليها في المستقبل. وما يبرهن على ذلك أن أغلب الانتقادات التي توجّه تكون من نصيب
الحكومة وليس الرئيس. ويعتقد كثيرون أن هناك فجوة بين رغبات وطموحات الرئيس وآليات
التنفيذ التي يعتمد عليها، ما يؤدي إلى عرقلة حل المشكلات الحالية.
لكنّ
خبراء آخرين قالوا لـ”العرب” إن استمرار النظام في سياساته الحالية في التعامل مع الأزمات
وتجاهله الانتقادات الخارجية، قد يضعه أمام مأزق كبير قبل انتهاء الفترة الرئاسية الأولى
للسيسي. وفي تلك الحالة لن يفيد النظام، لا الداخل ولا الخارج، حيث سيفقد القدرة على
الاستمرار بسبب الرفض الشعبي الواسع الذي ربما يواجهه، عقب إغراقه بالمشكلات دون أن
يدري. وهذا الخطر تحديدا هو ما تنبأ به السيسي قبل الجميع ودفعه للتصريح في أكثر من
مناسبة بأن أيّ نظام لا يمكن له الاستمرار، طالما أن هناك رفضاَ شعبياً له.
وأكد
محللون لـ”العرب” أن نقطة الاتفاق تكمن في القلق من فراغ المجال العام، بعدما ضيقت
الحكومة المصرية الخناق على القوى السياسية ومنعتها من القيام بأدوارها، وهو ما أفضى
إلى هشاشة المشهد السياسي، وعدم استبعاد اهتزازه أمام العواصف الشعبية المحتملة. في
ظل هذه الأوضاع لا شكّ أن الوضع المصري بشكل عام يحتاج إلى مراجعة عاجلة تتطلب فتح
نوافذ الحوار العام والاستماع بجدية إلى المطالب المجتمعية ورفع المظالم السياسية بالإفراج
عن كل المعتقلين الذين لم يتورّطوا في أعمال عنف.
وفي محاولة لامتصاص الاحتقان المتصاعد، أعلن الرئيس المصري السبت أن الدولة تحتاج إلى ضبط الدعم، وأكد أنه لن يتردد في اتخاذ اجراءات اصلاح اقتصادي صعبة كان يتجنبها الرؤساء السابقون خشية اندلاع احتجاجات شعبية. وقال السيسي، خلال افتتاح مجمع للبتروكيماويات بالإسكندرية، إن قضيتي الإرهاب والفساد كانتا عاملين لإضعاف القدرة الاقتصادية المصرية، محذرا من الواقع الاقتصادي والذي وصفه بأنه تحد ضخم يؤثر على كافة قطاعات الدولة.