لماذا سميت غزوة حنين بهذا الأسم
إنّ غزوة حنين هي واحدة من غزوات النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - وذلك في شهر شوّال من السّنة الثّامنة للهجرة، وقد ذكرت غزوة حنين في القرآن الكريم، قال الله تعالى:" ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثمّ وليتم مدبرين "، وقد سمّيت غزوة حنين بهذا الاسم نسبةً إلى المكان الذي وقعت به غزوة حنين، وحُنين هو وادي سحيق ووعر، يبعد عن مكة المكرمة مسافة ستة وعشرين كيلو متر من الجهة الشّرقية، ويسمّى اليوم بمنطقة الشّرائع عند السّعوديين، ويقع وادي حنين تقريباً بين مكة والطائف.
لقد كان فتح مكة كما قال ابن القيم :" الفتح الأعظم الذي أعزّ الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمـين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدي للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين. وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء...ودخل الناس به في دين الله أفواجًا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجًا ".
وقد كان لهذا الفتح العظيم ردّ فعل معاكس لدى القبائل العربية الكبيرة المجاورة لمكة، وفي مقدّمتها كلّ من قبيلتي هوزان وثقيف، فقد اجتمعت رؤوس هذه القبائل، وقاموا بتسليم قيادة أمرهم إلى مالك بن عوف سيّد قبيلة هوزان، ثمّ أجمعوا أمرهم على المسير لقتال المسلمين، قبل أن تتوطدّ دعائم نصرهم، وتنتشر طلائع فتحهم، وقد كان هذا هو السّبب المباشر وراء غزوة حنين.
موقف أم سليم:
إنّ من أهمّ المواقف المشرّفة في هذه الغزوة موقف الصّحابية أم سُليم رضي الله عنها، حيث كانت مع زوجها أبي طلحة رضي الله عنه، وقد روت كتب الحديث والسِّيَر بسند صحيح وقائع خبرها، فعن أنس رضي الله عنه، أنّ أم سليم رضي الله عنها اتخذت يوم حنين خنجرًا، فكان معها فرآها أبو طلحة، فقال: يا رسول الله! هذه أم سليم، معها خنجر، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما هذا الخنجر؟ قالت: اتخذته، إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يضحك، قالت: يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء، انهزموا بك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا أم سليم! إنّ الله قد كفى وأحسن.
مواقف تربوية من غزوة حنين:
هناك مجموعة من المواقف التربوية المستفادة من غزوة حنين، منها:
عدم الرّجوع إلى الوثنية، حيث خرج مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إلى غزوة حنين بعض من حديثي العهد بالجاهلية، وقد كانت لبعض القبائل ـ قبل دخول الإسلام ـ شجرة عظيمة خضراء، يقال لها ذات أنواط، يجيؤون إليها في كلّ عام، فيقومون بتعليق أسلحتهم عليها ليتبرّكوا بها، ويذبحون عندها، ثمّ يعكفون عليها، فبينما هم سائرون مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إذ وقع بصرهم على تلك الشّجرة.
يقول أبو واقد الليثي:" .. إنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لمّا خرج إلى حنين مَرَّ بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط، يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لتركبن سنّة من كان قبلكم "، الترمذي.
عدم غلبة المسلمين من قلة، وأنّ الغرور هو ما يمنع النّصر، وفي حال كانت غزوة بدر قد قرّرت للمسلمين أنّ القلة لا تضرّهم شيئاً بجانب كثرة أعدائهم، فإنّ غزوة حنين أكّدت بشكل واضح أنّ كثرة المسلمين أيضاً لا تفيدهم بشيء، ولا تنفعهم في حال لم يكونوا صادقين، إذ كان عدد المسلمين في غزوة حنين أكبر منه في أيّ معركة أخرى كانوا قد خاضوها من قبل، ومع ذلك لم تكن تلك الكثرة بنافعتهم شيئاً عندما دخل إلى قلوبهم العجب والغرور، فقد حجب هذا الغرور النّصر عنهم عند بداية المعركة، حينما قال رجل من المسلمين:" لن نُغْلب اليوم من قلة "، فشق ذلك على النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله:" لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ "، التوبة/25.
تأليف قلوب المسلمين، حيث غنم المسلمون في حنين مغانم كثيرة، وقد كانت قسمة هذه الغنائم من رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قد بنيت على أسس سياسة حكيمة، لكن لم يفهم الجميع هذه السّياسة، وقد اعترض البعض عليها.
فقد كان رأي النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أن يقوم بتأليف قلوب البعض بالغنائم، وذلك لحداثة عهدهم بالإسلام، فقد منح لزعماء قريش وغطفان وتميم عطاءً عظيماً، حيث كانت عطيّة الواحد منهم تساوي مائةً من الإبل، ومن هؤلاء: أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وحكيم بن حزام، وصفوان بن أميّة، وعيينة بن حصن الفزاري، والأقرع بن حابس، ومعاوية ويزيد ابنا أبي سفيان، وقيس بن عدي.