بعد عام من حفر قناة السويس الجديدة.. هل حققت أهدافها؟ (فيديو جراف)
قبل ستون عامًا.. خطت مصر خطوة جديدة نحو استقلالها وسيادتها بقرار تاريخي للزعيم الراحل جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس واستعادة السيادة الوطنية عليها، حيث كانت تخضع لسيطرة دول أخرى تستفيد من عائداتها بينما تتعرض مصر لتعنت البنك الدولي إزاء تمويل مشروعها القومي لبناء السد العالي.. ومن هذا المنطلق جا قرار تأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956 لتصبح القناة تحت السيادة المصرية الكاملة.
حتمية القرار:
ربما كان رفض البنك الدولي تمويل مشروع مصر لبناء السد العالي سببًا مباشرًا وراء قرار تأميم قناة السويس، إلا أن إدراك مصر للأهمية الاقتصادية للقناة كان سببًا أقوى لقرار التأميم الذي جاء بعد 35 يومًا فقط من توقيع اتفاقية الجلاء مع بريطانيا.
ماهو "التأميم":
بمقتضى قرار تأميم قناه السويس تم نقل ملكيتها من الحكومة الفرنسية إلى الحكومة المصرية، وتحويل الشركة العالمية لقناة السويس البحرية إلى شركة مساهمة مصرية وانتقلت إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات، وحل القرار جميع الهيئات واللجان القائمة على إدارتها.. وينص قرار التأميم على تعويض المساهمين وحملة حصص التأسيس عما يملكونه من أسهم وحصص بقيمتها، مقدرة بحسب سعر الاقفال السابق على تاريخ العمل بالقرار في بورصة الأوراق المالية بباريس على أن يتم دفع هذا التعويض بعد اتمام استلام الدولة لجميع أموال وممتلكات الشركة المؤممة.
الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية:
سجل التاريخ أن مصر كانت أول بلد حفر قناة عبر أراضيها بهدف تنشيط التجارة العالمية.. وتعتبر قناة السويس أقصر الطرق بين الشرق والغرب، ونظرا لموقعها الجغرافي الفريد فهي قناة ملاحية دولية هامة حيث إنها تربط بين البحر الأبيض المتوسط عند بور سعيد والبحر الأحمر عند السويس.
كما تعتبر هذه القناة أول قناة اصطناعية تستخدم في السفر والتجارة ، وأول قناة تربط مباشرة بين البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر في العصر الحديث.
وتتعاظم أهمية القناة بقدر تطور و تنامي النقل البحري والتجارة العالمية؛ حيث يعد النقل البحري أرخص وسائل النقل ولذلك يتم نقل ما يزيد عن 80% من حجم التجارة العالمية عبر الطرق والقنوات البحرية ( التجارة المنقولة بحرا).
توفير الوقت والمسافة هو ما تحققه القناة وبالتالي وفر فى تكاليف تشغيل السفن العابرة لها يؤكد ما لهذه القناة من أهمية.
مميزات قناة السويس:
• أطول قناة ملاحية في العالم بدون أهوسة.
• نسبة الحوادث فيها تكاد تكون معدومة بمقارناتها بالقنوات الأخرى.
• تتم حركة الملاحة فيها ليلاً و نهاراً.
• مهيأة لعمليات التوسيع والتعميق كلما لزم الأمر لمجابهة ما يحدث من تطوير في أحجام وحمولات السفن.
مراحل تطور القناة:
كان عمق القناة عند افتتاح القناة لأول مرة للملاحة في 17 نوفمبر 1869 نحو 8 أمتار، ومساحة القطاع المائي للمسطح المائي 304 أمتار مربعة، وأكبر حمولة لسفينة يمكن أن تعبر القناة 5000 طن، وكان ذلك يتناسب مع حمولات السفن في ذلك الوقت.
طورت شركة قناة السويس العالمية المجرى الملاحي ليناسب تطور ضخامة السفن حتى وصل غاطس السفن إلى 35 قدمًا ومساحة القطاع المائى للقناة إلى 1200 متر مربع قبل تأميم القناة في 26 يوليو 1956.
وزاد غاطس قناة السويس إلى 38 قدما ومساحة القطاع المائى للقناة إلى 1800 متر مربع وانتهت هذه المرحلة في مايو 1962.
في يونيو 1966 أعلنت إدارة القناة عن خطة طموحة لتطوير القناة على مرحلتين لتصل بالغاطس إلى 48 ثم 58 قدما على التوالي، وبدأ هذا البرنامج ثم توقف بسبب حرب يونيو1967 حيث توقفت الملاحة في القناة.
أعيد فتح القناة للملاحة الدولية في يونيو 1975 بعد تطهيرها من مخلفات الحروب ورفع السفن الغارقة بين حربي 1967 و1973 ولتظل القناة بنفس العمق والقطاع المائى لها قبل الإغلاق.
أغلقت قناة السويس أمام الملاحة مرتين في الفترة المعاصرة.. الإغلاق الأول كان وجيزا وذلك بعد العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على لمصر في عام 1956، وكان الدافع الرئيسي للغزو هو تأميم المجرى المائي للقناة، وأعيد فتح القناة في عام 1957.. والإغلاق الثاني وقع بعد حرب يونيو 1967 مع إسرائيل واستمر حتى عام 1975 ، عندما وقعت مصر وإسرائيل إتفاق فك الاشتباك الثاني.
استمرت الإدارة المصرية بعد ذلك في مشروعات التطوير حتى بلغت حمولة السفينة المسموح بعبورها 210 ألف طن بكامل حمولتها، حيث وصل الغاطس إلى 62 قدما ومساحة القطاع المائى إلى 4800 متر مربع وطول القناة إلى 191.80 كم في عام 2001.
قناة السويس الجديدة 2015:
تعود فكرة المشروع لنهاية السبعينيات عندما طرحه المهندس حسب الله الكفراوي وزير الإسكان حينها على الرئيس أنور السادات، لكن المشروع ظل حبيس الأدراج حتى أُعيد طرحه على الرئيس المخلوع حسني مبارك، و لكن لم يخرج المشروع للنور ولم تتخذ أي خطوات تنفيذية تجاهه.
في عام 2012 قدمت جماعة الإخوان مشروع تنمية محور قناة السويس ضمن مشروعهم المسمى "مشروع النهضة" أثناء انتخابات الرئاسة المصرية 2012.
وفي عام 2013 أقامت حكومة الدكتور هشام قنديل مؤتمراً صحفياً في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي أعلنت فيه أنه سيتم الاتفاق مع المكتب الاستشاري الذي سيتولى تنفيذ المخطط العام للمشروع والتعاقد معه بحلول الأول من سبتمبر 2013، حيث سبق أن تم الطرح الأول لتنفيذ المخطط العام في نهاية أبريل 2013، ومدة تنفيذ المخطط العام ستكون 9 أشهر، إلا أن المشروع توقف نتيجة للأحداث السياسية التي أطاحت بالرئيس الأسبق محمد مرسي.
في عام 2014 بدأ التنفيذ الفعلي للقناة بعد ما تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي فترته الرئاسية.. وحُفرت قناة موازية للقناة الرئيسية تبدأ من علامة الكيلو 60 وتصب فى القناة الأساسية مجدداً عند الكيلو 95 لتشكل بذلك جزيرة بين القناتين، وتبدأ من الكم 17 جنوب بورسعيد شمالا حتى البحر الأبيض المتوسط شرق مدينة بورفؤاد لتسمح للسفن المتجهة شمالا للوصول إلى البحر بدون الدخول إلى ميناء بورسعيد.
مميزات القناة الجديدة:
- يصل غاطس السفن المسموح لها عبور القناة إلى 66 قدما في عام 2010
- تستوعب القناة حاليا جميع سفن الحاويات حمولة حتى 17000 حاوية تقريبا.
- القناة مزودة بنظام إدارة حركة السفن (VTMS) ، وهو نظام يقوم على استخدام أحدث شبكات الرادار والكمبيوتر، ليكشف ويتابع حركة السفن على طول القناة، ويتيح بذلك إمكانية التدخل في أوقات الطوارئ.
- تستوعب القناة عبور السفن بحمولة مخففة، لحاملات النفط الخام الكبيرة جداً (VLCCs) والضخمة (ULCCs) وكل السفن الفارغة مهما كانت حمولتها.
التكاليف والعمالة:
بلغت تكاليف حفر القناة الجديدة 67 مليار جنيه مولها المصريون بالاكتتاب العام في 8 أيام فقط ، حيث دعا الرئيس السيسي جموع المصريين للمشاركة في حفر قناة السويس الجديدة من خلال شهادات استثمارية بعائد 12% على 5 سنوات.
وتوزعت تكاليف المشروع بقيمة 29 مليار جنيه لعملية الحفر الجاف و38 مليار جنيه للتعميق والتكريك، ومدته 360 يومًا.
وصل عدد العمال بالمشروع إلى15 ألف عامل، و40 شركة، بالإضافة إلى كتيبتين من القوات المسلحة تابعة للهيئة الهندسية، بعدد 100 بلدوزر و900 حفار و2750 قلاب و20 كراكة.
الأهداف والأرباح المتوقعة:
- توقعت الحكومة المصرية زيادة عائدات قناة السويس لتصل إلى 13.226 مليار دولار بحلول عام 2023 مقارنة بالعائد الحالي المقدر 5.3 مليار دولار.
- زيادة القدرة الاستيعابية للقناة الجديدة ستكون 97 سفينة قياسية في اليوم عام 2023 بدلا من 49 سفينة يوميا عام 2014، بالإضافة إلى أنها ستمكن السفن من العبور المباشر دون توقف لـ 45 سفينة في كلا الاتجاهين.
- تخفيض زمن انتظار السفن عند عبورها القناة إلى ثلاث ساعات فقط، بدلاً من 11 ساعة، مما يعمل على زيادة عدد السفن العابرة للقناة، حيث تمر بالقناة حالياً في المتوسط 49 سفينة يوميًا، بالإضافة إلى زيادة دخل القناة بنسبة 2,95% سنويًا.
وتوقع الدكتور أشرف سالمان، وزير الاستثمار السابق، أن تصل إيرادات القناة إلى 10 مليارات جنيه سنويًا، حيث تقدر الإيرادات الإضافية المتوقعة من وراء تنفيذ مشروع توسيع قناة السويس بنحو4.7 مليار دولار سنويًا، تضاف إلى نحو 5 مليارات دولار، هي الإيرادات المقدرة للقناة عن عام 2014، مرجحين أن ترتفع هذه العوائد إلى أكثر من ذلك في حال اكتمال المشاريع المرتبطة بالمشروع (تنمية إقليم قناة السويس).
مشروعات تنمية القناة:
نشرت الهيئة العامة للاستعلامات في أغسطس من عام 2015 ملامح الخطة التنفيذية لمشروع تنمية محور قناة السويس، وتتضمن 42 مشروعًا، منها 6 مشروعات أولية أساسية، بالإضافة لقائمة مشروعات يمتد أجل تنفيذها حتى 2030، وفق ما أعلنته الهيئة، ولكن لم يتم تنفيذ أيًا من المشروعات الأساسية حتى الآن، وجاء أبرزها كالأتي:
1- "تطوير طرق القاهرة/ السويس -الإسماعيلية– بورسعيد إلى طرق حرة، للعمل على سهولة النقل والتحرك بين أجزاء الإقليم والربط بالعاصمة.
2- إنشاء نفق الإسماعيلية المار بمحور السويس للربط بين ضفتى القناة "شرق وغرب".
3- إنشاء نفق جنوب بورسعيد أسفل قناة السويس لسهولة الربط والاتصال بين القطاعين الشرقى والغربى لإقليم قناة السويس.
4- تطوير ميناء نويبع كمنطقة حرة.
5- تطوير مطار شرم الشيخ.
6- إنشاء مأخذ مياه جديد، على ترعة الإسماعيلية حتى موقع محطة تنقية شرق القناة لدعم مناطق التنمية. الجديدة.
7- تنمية منطقة التجارة واللوجيستى شرق بورسعيد.
8- تنمية المنطقة الحرة برفح.
9- تنمية منطقة التجارة واللوجيستى شرق الإسماعيلية.
10 - تنمية منطقة التجارة واللوجيستى شمال شرق السويس.
الايردات الحالية:
شهدت إيردات قناة السويس تراجعًا حادًا بعد 5 أشهر من افتتاح القناة الجديدة، واستمرت التراجعات حتى سبتمبر الماضي حيث بلغت نسبة التراجع لشهر سبتمبر الماضي ما يقرب من 8،448 مليون دولار، بانخفاض في تعداد السفن المارة بما يقرب من 1515 سفينة من إجمالي 1585 سفينة عبرت القناة في أغسطس الماضي، بحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الهيئة العامة لقناة السويس.
وسجلت البيانات الرسمية تراجع الإيرادات عن شهر أغسطس بمعدل 147 مليون دولار، بما يعادل مليار و176 مليون جنيه مصري،ووجاءت نسب التراجع كما يلى:
مايو 2015، 449.6 مقابل 471.7 مليون دولار مايو 2014.
يونيو 2015، 431.6 مليون دولار مقابل 443.9 مليون دولار يونيو 2014.
يوليو 2015 ،437.7 مليون دولار مقابل ، 482.2 مليون دولاريوليو 2014.
أغسطس 2015، 462.1 مليون دولار، مقابل 510 ملايين دولار أغسطس 2014.
من جانبه قال مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، في بيان له يناير الماضي، إن قيمة إيرادات القناة مقومة بالدولار تراجعت بنسبة 5.3% لتبلغ 5.175 مليار دولار عام 2015، مقارنة بـ 5.465 مليون دولار عام 2014، ما يعادل 290 مليون دولار.. إلا أن الإيرادات مقومة بالجنيه المصري ارتفعت في عام 2015 بنسبة 3.0% وبلغت 39.769 مليار جنيه، مقارنة بمبلغ قدره 38.619 مليار جنيه في عام 2014 بزيادة قدرها 1.149 مليار جنيه. وفقاً للبيان.
وأوضح "مميش" أن ذلك نتيجة انخفاض حجم تداول التجارة العالمية، متوقعًا زيادة حجم الإيرادات إلى 13.2 مليار دولار سنويا في عام 2023.
وتبعاً للإحصائيات الرسمية، تراجعت إيرادات قناة السويس بنسبة %6,5 منذ افتتاح القناة الجدي حتى نهاية ديسمبر الماضى، لتصل إلى 2,197 مليار دولار، مقارنة بـ 2,350 مليار خلال الفترة نفسها من 2014، بما يعادل 153 مليون دولار، لتستحوذ على %52,7 من إجمالى خسائر العام الماضى.
وكشفت هيئة قناة السويس أن إيرادات الهيئة ارتفعت مقومة باليورو، إذ سجلت العام الماضى 4,666 مليار يورو، مقارنة بـ4,121 مليار فى 2014، بزيادة قدرها 544,7 مليون يورو.
وعن عام 2016، قال "مميش" إن ايرادات القناة ارتفعت خلال الربع الأول من 2016، مقارنة بنفس الفترة من عام 2015 بمقدار 592.4 مليون جنيه رغم انخفاض حجم التجارة العالمية، مشيرًا إلى أن عدد السفن التى عبرت قناة السويس خلال الربع الاول من العام 2016 بلغ 4178 سفينة بزيادة 111 سفينة وبنسبة زيادة 2.7% عن عدد السفن العابرة لنفس الفترة من العام 2015 والبالغ عددها 4067 سفينة.
وأوضح رئيس الهيئة أن الحمولة الصافية التي عبرت القناة خلال الربع الاول من 2016 بلغت 238.8 مليون طن مقارنة ب 238.1 مليون طن في الربع الاول من 2015.
كما أكد ارتفاع إيرادات القناة خلال الربع الأول من العام الحالي من العملات الأجنبية حيث بلغ إيرادات القناة نحو 1.2 مليار دولار في حين بلغت في نفس الفترة من العام 2015 نحو 1.236مليار دولار ونحو 1.125مليار يورو في الربع الاول من 2016 مقابل 1.099مليار يورو في نفس الفترة من 2015.
ولفت "مميش" إلى أن وحدة التعامل "الاس دى ار" بلغت نحو 882 مليون في الربع الأول من 2016 مقابل 876 مليونًا في نفس الفترة من العام 2015 وذلك على الرغم من تباطؤ حركة التجارة العالمية في الفترة الحالية.
وقال الفريق إن إيرادات قناة السويس بلغت في العام 2015 نحو 40 مليار جنيه مصري لأول مرة في تاريخ القناة، مشيرًا إلى أن الحساب يكون بالجنيه المصري وليس الدولار كون عائدات القناة تذهب إلى وزارة المالية والبنك المركزي والذي يحولها إلى الجنيه المصري.
في ذات السياق علق الرئيس السيسي على تراجع إيرادات القناة خلال كلمته في الاحتفال بإعطاء إشارة البدء لحصاد القمح في مشروع زراعة 1.5 مليون فدان، نقلها التلفزيون الرسمي قائلًا: "سمعت حد بيقول إيرادات القناة قلت، لأ طبعاً، ولما اقول لكم لأ طبعاً يبقى ده كلام مسئول، لأ طبعاً وزادت واحنا بنتكلم فى سنة"..
ويتحمل الاقتصاد المصرى فاتورة ضخمة من الأعباء على مدار الخمس أعوام الماضية، رغم الإعلان عن عدد من المشروعات القومية وتلقى حزم مساعدات ضخمة من دول الخليج، ما أدى إلى تقهقر مؤشرات أساسية للخلف، أو بقائها على حالها في أقل تقدير.