وزير الشؤون الإسلامية: العلماء هم القوة الحقيقية للأمة و3 مسارات واجبة عليهم
أكّد وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ، أن لقاء العلماء هو القوة الحقيقية للأمة الإسلامية، مبيناً أن العالم الذي يتولى قيادة الناس في الشأن الديني هو الذي يتولى قيادتهم في التوجيه، والإرشاد، وبيان ما يجب عليهم تجاه أنفسهم، وتجاه أمتهم.
جاء ذلك في اللقاء العلمي الذي عقده، الشيخ صالح آل الشيخ؛ مع الأئمة، والمفتين، ومديري المراكز والمدارس الإسلامية، في قاعة المحاضرات الكبرى بمكتبة الغازي خسرو بك الإسلامية بجمهورية البوسنة والهرسك، ضمن فعاليات زيارته الحالية للبوسنة والهرسك.
في بداية اللقاء شكر الوزير، رئيس العلماء للمشيخة الإسلامية في البوسنة والهرسك المفتي العام الشيخ حسين كافازوفيتش؛ على إتاحة هذه الفرصة للقاء بهم، وقال: لقد بدأ الإسلام برجلين: إمامنا وقدوتنا وسيدنا ونبينا محمد بن عبد الله – عليه الصلاة والسلام – وبصاحبه أبي بكر الصديق، وبامرأة هي أم المؤمنين زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – خديجة بنت خويلد. بدأ الإسلام على هذا الضعف في العدد؛ لكنه كان القوة الكبيرة العظيمة في النفوس؛ فالإسلام حقٌّ ماض وقويٌّ، والحقُّ يحمل في داخله القوة ولكن لا يصلح للآلة القوية أن يَحْملها الضعفاء. ولذلك ربَّى النبي – صلى الله عليه وسلم – صحابته الأوَّلين والرعيل الأول؛ ربَّاهم على قوة القلب بالصلة بالله - جلّ وعلا - بقوة التوحيد والعقيدة والإخلاص في النفوس لله – جلّ وعلا - وبصدق الإيمان بهذه الرسالة، وكما يُقال: الإسلام إما أن يَحملك وإما أن تَحمله.
وأوضح "آل الشيخ"؛ أن الإسلام باقٍ وماض بوعد الله - جلّ وعلا – الحقِّ، وكفى بالله شهيداً، ولكنَّ الشأن ليس في بقاء الإسلام وليس في نور الإسلام وقوته، ولكن الشأن هل نصدُق مع الله - جل وعلا - فنحمل هذا النور أم يحملنا الإسلام مع مَن يحمل حتى يمضوا في هذه الحياة وينتقلوا إلى الدار الآخرة.
وشدّد الوزير على أهمية العلم وعظيم مكانته ومكانة حامليه؛ ولا سيما الذين يتولون المناصب الشرعية قائلاً: إن العالم لا يتميز إلا بأن يكون وارثاً حقيقياً للنبي – صلى الله عليه وسلم – كما جاء في الحديث الصحيح: (إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)، ولذا قال في أوله: (العلماء ورثة الأنبياء)، ولكن العالم الذي يحمل الإسلام وينشره ويبلِّغه ويؤديه يجعل وجودَه في هذه الحياة فرصة عظيمة ومنة من الله تعالى على أن يتشرف بحمل هذه الرسالة. وإذا كان العلم بهذه المنزلة وهذا الشأن في شأن العلماء الذين يحملون هذا الدين؛ فإن من يتولون المناصب الإسلامية عليهم من المسؤولية في حمل الرسالة، ما ليس على عموم العلماء.
حمل الرسالة شرف عظيم وإذا كان معه وظيفة شرعية كانت نعمة من الله تعالى أن تُهيأ للعالم الوظيفة الشرعية لكي تكون وسيلة لنشر الهداية والرسالة.. علماء الأمة الإسلامية كثير - ولله الحمد - وعلمهم بالكتاب والسنة وبالفقه الإسلامي كبير جداً.
وقال: إن الشأن اليوم هو في أداء حق هذه الرسالة.. مشيراً إلى ثلاثة مسارات واجبة على العلماء: أولها، أن يحمل العلماء الرسالة بحق، والثاني، أنه لا يمكن أن تكون لنا قوة في التأثير إلا بأن نكون كما أراد الله أمة واحدة، والأمة الواحدة لا تنظر إلى ما قد يكون من وجود بعض الاختلافات في النظرة إلى أمور الحياة الدنيا، وإنما تنظر إلى عظم الجامع بينهم وهو (لا إله إلا الله محمد رسول الله) لذلك قال الله - جلّ وعلا -: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} والنفس أحيانا يُحبب إليها أن تخالف، ولذلك قال الله بعدها: {وَاصْبِرُوا}؛ لأن الصبر على عدم تعظيم الخلاف مأمورٌ به ومحتاجٌ إليه؛ فسهلٌ أن يذهب الإنسان مع نفسه ويعظِّم الخلاف ويقويه وتتفرق الأمة، لكن الصعب أن يحمل نفسه على الصبر حتى تجتمع الأمة وتتقوى.
وتابع يقول: المسار الثالث أن العلماء يعيشون ولهم قدوة كبيرة وأسوة وهم الرسل الكرام، خاصة أولي العزم من الرسل الخمسة وآخرهم أشرفهم وأفضلهم محمد بن عبد الله – عليه الصلاة والسلام – فأولو العزم من الرسل سمّاهم الله – جلّ وعلا – أولي العزم؛ لأنهم أهل عزيمة وأهل صبر؛ عزيمة على تحقيق الهدف، وصبر فيما يعترض طريقهم من عقبات، قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ}؛ مستشهدا معاليه بصبر نوح - عليه السلام - حيث مكث ألف سنة إلا خمسين عاماً يرى الشرك الأكبر بالله - جلّ وعلا - وعبادة الأوثان، ويدعو قومه ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، ويأتي كل طريقة دون نتيجة، قال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً}.
وحذّر من الاستعجال والاستخفاف قائلا: إن الفتنة العظيمة التي تصيب الإنسان الذي يتبع الأنبياء، وخاصة العلماء، هي الفتنة بالزمن الذي لا يُنصر فيه الحق، مبيناً أن من المهمات العظيمة للعلماء أن يهتموا بصواب المسيرة لا بالنتائج قال الله – جل وعلا -: { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}، فالاستخفاف يعمله الأعداء ليحملوا أهل الإسلام، أتباع الرسول – صلى الله عليه وسلم – هذه الأمة، العلماء ليحملوهم على أن يتصرفوا التصرف الخطأ؛ مؤكداً أن وعد الله حق والصبر واجب، وكذلك عدم الالتفات إلى الاستخفاف الذي يجعل المرء يخرج عن طبيعته وطوره ويفقد صواب العمل وصواب التفكير فيتصرف تصرفات تضر به وبالحق الذي يحمله.
وأوصى بتربية الناس على نوعين من العلم: أولهما تعليم الديانة، والآخر تعليم العقل والحكمة، موضحاً أن المقصود بالعقل والحكمة ليس الدراسات الفلسفية وإنما حُسن تصور الأحوال والأوضاع وكيفية التصرف؛ وأن الحكمة يعرِّفها بعض العلماء بأنها وضع الأمور في مواضعها الموافقة للغايات المحمودة منها، فالقرار الحكيم هو الذي ينظر فيه المرء إلى ما يترتب على تصرفه على مدى سنين طويلة لمصلحة الأمة الإسلامية.
وفي ختام اللقاء، شكر الشيخ صالح آل الشيخ؛ الحضور، واستمع إلى مداخلاتهم، وأجاب عن أسئلتهم، كما التُقطت الصور التذكارية بهذه المناسبة.
من جانبه، أشاد رئيس العلماء للمشيخة الإسلامية في البوسنة والهرسك المفتي العام، الشيخ حسين كافازوفيتش؛ بالكلمة الضافية التي ألقاها الوزير الشيخ صالح آل الشيخ، التي حملت نصائح وتوجيهات تجمع – بإذن الله – شمل الأمة وتوحِّد صفها، وتنير الدرب للدعاة إلى الله والعاملين في مختلف مجالات العمل الإسلامي، وعلى رأسها الدعوة إلى الله – سبحانه وتعالى.. مثمّناً الدور الكبير الذي يقوم به الوزير في خدمة العمل الإسلامي في ظل توجيهات القيادة الرشيدة لبلاد الحرمين الشريفين – حفظها الله.
الجدير بالذكر أن زيارة الوزير صالح آل الشيخ؛ للبوسنة والهرسك تحظى بعناية واهتمام كبير من العلماء والساسة في المجتمع البوسني، من خلال الاستعداد الكبير لها والتصريحات التي صدرت في وسائل الإعلام البوسنية المختلفة.