مى سمير تكتب: التطور السياسى للمايوه البكينى.. 70 سنة بكينى
هل هناك علاقة تربط بين البكينى والقنبلة النووية؟ سؤال قد يراه البعض غير منطقى، ولكن مع احتفالات العالم بمرور 70 عاماً على ظهور أول قطعة مايوه بكينى فى العالم، سيكون من السهل اكتشاف تلك العلاقة القوية التى تربط بينه وبين القنبلة النووية. فالمصمم الفرنسى لوى ريرا، قدم تصميمه للمايوه البكينى الحديث، المكون من قطعتين، وتم عرضه لأول مرة فى 5 يوليو 1946، وأطلق عليه اسم بكينى من وحى جزر بكينى المرجانية، والتى شهدت تجارب نووية فى أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وكما ارتبط ميلاد البكينى بتجارب عسكرية للسلاح الأكثر خطورة فى تاريخ البشرية، ارتبط أيضاً زى البحر ذو القطعتين بكثير من الأحداث السياسية والاجتماعية وتحول إلى صناعة وصل حجمها سنوياً فى السنوات الأخيرة إلى 811 مليون دولار.
انتشار واسع
لم يشتهر المايوه البكينى فى الشواطئ العامة بالدول الغربية إلا مع منتصف الستينيات، ومع نهاية القرن العشرين لم يعد البكينى مجرد مايوه يتم ارتداؤه فى الأماكن العامة ولكنه أصبح جزءاً فى عالم الألعاب الأوليمبية، ثم ارتدته ملكة جمال ولاية الميرلاند، فى مسابقة ملكات جمال أمريكا، لتكون أول متسابقة خلال 50 عاماً ترتدى البكينى فى المسابقة، مع نهاية القرن العشرين أصبح البكينى أكثر ملابس البحر انتشاراً ومبيعاً فى العالم، رغم أن 85% من النساء اللاتى يشترينه، لا ينزلن به فى البحر.
البكينى الشرقى
وفى الشرق استغرق الأمر أكثر من 20 عاماً قبل أن ينتشر البكينى ويتحول إلى موضة معترف بها، وتسبب الفيلم الهندى الشهير «سهرة فى باريس» والذى ارتدت فيه لأول مرة ممثلة هندية مايوه بكينى، فى انتشار المايوه، ومع نهاية القرن العشرين أصبحت الصين تمتلك صناعة مايوهات بكينى ضخمة تنافس الصناعة البرازيلية الرائدة فى المجال، حيث حققت الصين رقماً قياسياً عالمياً فى عام 2012 لأكبر عرض لمايوهات البكينى ضم أكثر من ألف مشتركة.
1- البكينى والتجارب النووية فى المحيط الهادئ
بعد 4 أيام فقط من إجراء الولايات المتحدة لاختبارات نووية، قرب جزر البكينى فى المحيط الهادئ، قرر المهندس الميكانيكى لوى ريرا، تقديم تصميمه للمايوه البكينى الحديث، وحسب قوله فإنه كان يأمل أن يحدث تصميمه الجديد، انفجاراً تجارياً ورد فعل ثقافى لا يقل أهميةً أو تأثيراً عن الانفجارات النووية التى شهدتها الجزر.
فى اللغة اللاتينية تعنى كلمة «بي» اثنين وبالتالى أصبح اسم البكينى يعنى المايوه من قطعتين، أما مخترعه فهو فى الأساس مهندس ميكانيكى، ولكنه ترك عالم السيارات والآلات، ليقوم بإدارة أعمال والدته التى كانت تمتلك متاجر لبيع اللانجيرى، فى منطقة قرب باريس.
وبدأ تفكير ريرا، فى تصميم البكينى، عندما لاحظ أن النساء فى شواطئ سانت تروبيز، لايشعرن بالراحة فى ملابس البحر التقليدية، لأنها لا تمكنهن من الاستمتاع بحمام الشمس، والحصول على اسمرار لكامل أجسادهن، وفكر فى هذا التصميم ولكن فى مايو 1946، أنتج جاك هايم، مايوها من قطعتين أطلق عليه «أتوم» أو الذرة، ونشر إعلاناً كتب فيه «أصغر ثوب للسباحة»، كان الجزء السفلى من التصميم واسعاً بما يكفى لتغطية السرة، وللترويج لتصميمه الجديد، تعاقد هايم مع طائرات صغيرة لتحلق فوق منتجعات البحر الأبيض المتوسط، حاملة لافتة «أصغر ثوب سباحة فى العالم».
دفعت هذه التطورات لوى ريرا، لتنفيذ تصميمه الجديد بسرعة، وكان يتميز عن غيره من المايوهات ذات القطعتين، بأنه يكشف عن السرة، وبعد أن رفضت عارضات الأزياء الفرنسيات ارتداءه اختار جيرا، الراقصة ميشيلين برناردين، 18 سنة، والتى كانت تعمل فى كازينو باريس.
وعقد جيرا مؤتمراً صحفياً على حمام سباحة يسمى، موليتور، الشهير فى فرنسا، لعرض تصميمه الجديد الجرىء حيث كان مصنوعاً من قماش مطبوع برسومات مستوحاة من ورق الجرائد، وارتدته ميشيلين، ونجح المؤتمر الصحفى فى إحداث ضجة كبيرة، فنشرت جريدة انترناشيونال هيرالد تربيون، 9 موضوعات مختلفة عن الاختراع الجديد، وتحولت ميشيلين إلى واحدة من أشهر النساء فى باريس وأوروبا وتلقت أكثر من 50 ألف رسالة من المعجبين، وتعاقد ريرا هو الآخر مع طائرات تحلق بإعلانات التصميم الجديد، تضمنت عبارة «أصغر من أصغر ثوب سباحة فى العالم».
المايوه ذو القطعتين، لم يكن اختراعاً جديداً حيث ظهر منذ الثلاثينات من القرن الماضى، ولكن البكينى اختلف عنه بكونه أول مايوه يكشف عن السرة، وصرح ريرا أن البكينى مثل القنبلة النووية صغير ومدمر، بينما وصفته ديانا فيرلاند، الناقدة المتخصصة فى أخبار الموضة بأنه القنبلة النووية لعالم الأزياء، وأشارت إعلانات البكينى إلى أنه لا يكون أصلياً إلا إذا نجح مرر من خاتم الزفاف. جريدة لو فيجارو الفرنسية اعتبرت البكينى أكثر من مجرد تصميم جديد لملابس البحر، وقالت إن الأمر بالنسبة للمرأة مختلف، فمع ارتداء البكينى، تشعر أنها تحررت.
2- البكينى والتاريخ
ما بين ظهور ملابس البحر إلى تصميم البكينى، هناك الكثير من الأحداث التى اندمجت فيها السياسة بالأوضاع الاجتماعية وبالمتعة والترفيه، حيث أشار المؤرخ جيمس ميلرات، إلى وجود صور لإحدى الآلهة بالأناضول فى العصر النحاسى، أى فى عام 5600 قبل الميلاد، وهى ترتدى زيا أشبه بالبكينى، كما يمكن العثور على صور قريبة منه تعود للعصور الرومانية حيث كانت السيدات ترتدينه أثناء المشاركة فى بعض الألعاب الرياضية، وفى فسيفساء إحدى الفيلات الرومانية فى صقلية الإيطالية توجد صور لنساء يمارسن ألعابا مثل رمى القرص والجرى ويرتدين ملابس قريبة من المايوه البكينى.
عرف الغرب ملابس السباحة منذ القرن الثامن عشر، وكانت عبارة عن ثوب بأكمام طويلة تغطى الجسد بأكمله للحفاظ على الحشمة، أما التطور الأكبر فى ملابس البحر فكان فى عام 1907، عندما تم القبض على السباحة الأسترالية، أنيت كيلرمان فى بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، بسبب ارتدائها زى سباحة ملتصق بالجسد رغم أنه يغطيها بالكامل، وكان هذا الزى منتشرا فى أوروبا وأستراليا ولكن أمريكا كانت تعتبره خادشاً للحياء.
وفى عام 1913 تم تقديم أول مايوه مكون من قطعتين من تصميم كارل جانتزن، وكان التصميم من وحى مشاركة النساء فى مسابقات السباحة فى الألعاب الأوليمبية، وكان التصميم عبارة عن شورت وقطعة علوية بأكمام قصيرة، لكن فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، تحولت زيارة الشواطئ إلى واحدة من أهم وسائل الترفيه الغربية، وطقس اجتماعى مهم يشهد التمتع بالشمس، وانعكس هذا التطور الاجتماعى على ملابس البحر التى أصبحت أكثر جمالا وأناقة.
وفى هذا الإطار كشفت دراسة عن المتعة وقضاء وقت الفراغ، جرت عام 1934، تحت إشراف الجمعية الوطنية للترفيه بالولايات المتحدة، أن السباحة، بحرية بفضل تصميمات ملابس البحر الجديدة تحتل المرتبة الثانية بعد الذهاب إلى السينما كأثر الأنشطة الممتعة.
وكما كان للحرب العالمية الأولى تأثيرها المباشر فى عالم ملابس البحر، كان أيضاً للحرب العالمية الثانية تأثيرها المباشر فى ظهور البكينى، فأثناء المعارك وبسبب استهلاك كميات واسعة من الأقمشة المتعددة الأنواع فى مستلزمات الحرب، أصدر مجلس إنتاج الحرب الأمريكى فى عام 1942 قانوناً ينص على التوقف عن استخدام الألياف الطبيعية فى صناعة الملابس، وخفض بنسبة 10% من استخدام الأقمشة فى صناعة ملابس البحر النسائية.
ولتطبيق هذه القوانين الجديدة بدأت مصانع إنتاج ملابس البحر فى صناعة مايوهات أكثر جرأة وبأقمشة أقل خاصة أن حجم الطلب على ملابس البحر، انخفض وتحديداً فى أوروبا التى كانت تعانى من دمار الحرب العالمية الثانية، ومهد هذا القانون لفكرة ملابس البحر بأقل قدر من الأقمشة وفتح الباب لابتكار تصميم مثل البكينى الفرنسى.
3- ثورة اجتماعية
رغم النجاح الكبير الذى حققه المؤتمر الصحفى لإطلاق المايوه البكينى، إلا أن أغلب النساء فى مختلف أنحاء العالم، فضلن ارتداء المايوه القطعة الواحدة، ولم ينتشر البكينى بسهولة وتعرض لانتقادات من قبل العديد من مشاهير صناعة أزياء البحر، وعلى رأسهم إمبراطور صناعة ملابس البحر الأمريكى، فريد كول الذى قال لمجلة التايم فى عام 1950، إنه يشعر بالسخرية تجاه البكينى الفرنسى، واعتبرته مجلة مودرن جيرل، أشهر مجلات الموضة، غير لائق وقالت إنه لا توجد فتاة تتمتع باللياقة يمكنها أن ترتديه.
فى عام 1951، نظم إريك مولى، مؤسس مسابقة ملكة جمال العالم، مهرجان مسابقة البكينى ضمن احتفالية ضخمة تحت عنوان «مهرجان بريطانيا»، احتفت الصحافة بالمهرجان وأطلقت على السويدية كيكى هاكنسون، الفائزة لقب ملكة جمال العالم، والتى وضعت تاج المسابقة على رأسها، وهى ترتدى البكينى، ولكن المسابقة أثارت ثورة عارمة، وأدان بابا الفاتيكان، هاكنسون، وهددت إسبانيا وإيرلندا بالانسحاب من المسابقة، ولذا تم استبدال البكينى بملابس السهرة، واستبعاده من العديد من مسابقات الجمال بالعالم.
المدافعون عن البكينى يؤكدون أنه رمز لحرية المرأة وتحررها من القيود، بينما تعتبره كثير من الحركات النسائية وكذلك الدينية والثقافية رمزا لاستغلال جسدها.
وفى بداية ظهور البكينى تم منع ارتدائه فى الساحل الفرنسى الأطلسى، وإسبانيا، إيطاليا، البرتغال وأستراليا، وفى عدد من الولايات الأمريكية، كما نص قانون إنتاج الأفلام الأمريكية فى عام 1934 على السماح بظهور المايوه بقطعتين فى الأفلام السينمائية، ولكنه حظر البكينى الذى يسمح بظهور السرة
4- محطات نجاح
كلمة السر فى انتشار البكينى، كن نجمات السينما العالمية، حيث لجأت كثيرات منهن فى خمسينيات القرن الماضى مثل إيفا جاردنر، ريتا هيوارث، لانا تيرنر، إليزابيث تايلور، مارلين مونور، إلى ارتداء البكينى لإلتقاط صور فنية تبرز جمالهن، وفى عام 1950 حضرت نجمة السينما البرازيلية، إيلفيرا باجا، إلى حفل افتتاح كرنفال ريو مرتدية بكينى ذهبى، أثار جدلاً شديداً.
واكتسب البكينى شهرة واسعة فى عام 1953، أثناء مهرجان كان السينمائى حيث تم التقاط صور للنجمة المراهقة فى ذلك الوقت بريجيت باردو، وهى ترتديه، وساهمت هذه الصور فى انتشار ظاهرة البكينى فى العالم.
ومر البكينى بعدد من المحطات المهمة جعلت منه أيقونة ملابس البحر، ونشرت مجلة التايم أهم الأعمال الفنية التى حفرت للبكينى مكانة خاصة فى التاريخ، وفى عام 1960 حققت أغنية «بيتسى...بكيني»، لبريان هايلاند، نجاحاً كبيراً وتحكى الأغنية قصة فتاة مراهقة تشعر بالخجل من ارتداء البكينى، ما أدى لانتشار المايوه فى العالم.
ثم عرف البكينى طريقه إلى غلاف المجلات، حيث نشرت مجلة البلاى بوى، أول غلاف لها بالبكينى فى عام 1962، وبعد عامين بدأت مجلة «سبورت إيلسترداد» الشهيرة فى إصدار عدد خاص بملابس البحر، وظهرت على غلافه عارضة الأزياء بابيت مارش، مرتدية بكينى أبيض، أما البكينى الأبيض، الذى ارتدته الممثلة أورسلا اندريس، فى فيلم دكتور نو، ضمن سلسلة أفلام جيمس بوند، فتحول إلى رمز للبكينى إلى يومنا هذا ويعرف باسم «بكينى دكتور نو» ويتم تصميم موديلات مستوحاة منه، وأكدت الممثلة السويسرية، فى العديد من الحوارات الصحفية أنها تدين لمشاهد البكينى بنجاحها، لذا تم بيع المايوه الشهير فى مزاد عام 2001، مقابل 35 ألف دولار.
وفى عام 1963، فتح فيلم «حفلة الشاطئ» لانيت فانشيلو وفرانكى أفالون، الباب لموجة عارمة من الأفلام التى جعلت من البكينى رمزا لثقافة البوب، رغم أنه تم منع أنيت، من ارتداء البكينى وفقاً للتصميم الفرنسى الذى يسمح بإظهار السرة.
واستمرت ظاهرة البكينى فى الانتشار، وفى بداية الثمانينيات ظهر فيلم «أوقات سريعة فى مرتفعات ريدجمونت» للنجوم شون بن وجينفر جيسون لى، وتضمن مشهد للبكينى يتم تصنفيه ضمن أكثر مشاهد السينما إثارة على الإطلاق، حيث لعبت بطولته الممثلة الشابة فوبيى كاتس وارتدت فيه بكينى أحمر، وبحسب قائمة مجلة التايم يأتى المايوه الذهبى للأميرة ليا، التى لعبت دورها كارى فبشر، فى سلسلة أفلام حرب النجوم كأحد أهم المشاهد التى لعب فيها البكينى دور البطولة.
5- البكينى المصرى
فى كتابها «ثورة جيل: على خط الجبهة بين التقاليد والتغيير فى الشرق الأوسط» الصادر فى يونيو 2016 ترسم الكاتبة الأمريكية الشابة راتشيل اسبدين، صورة متنوعة لحياة عدد من الشباب المصرى فى ظل التغيرات التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتتطرق إلى ما وصفته بظاهرة أفلام البكينى فى السينما المصرية، والتى بدأت بعد حرب 1967 فى محاولة من النظام الحاكم، لتخفيف حدة الغضب لدى الشعب.
ولكن الكاتبة الأمريكية لم تتطرق لهذه الظاهرة بنفس العمق الذى اتسمت بها مذكرات الرقيبة المصرية، اعتدال ممتاز التى حملت عنوان «مذكرات رقيبة سينما» والتى أشارت فيها بوضوح إلى أنه فى أعقاب حرب 67 صدرت تعليمات للرقابة على المصنفات الفنية بالسماح بالمشاهد الجريئة الأمر الذى فتح الباب أمام مشاهد البكينى، التى ظهرت فيها نجمات مثل ميرفت أمين، ونجلاء فتحى، وسهير رمزى، وشمس البارودى وناهد شريف.
وبعيداً عن ظاهرة أفلام البكينى، كان المايوه جزءا من العديد من الأفلام المصرية، ولكن هناك مسافة واسعة تفصل بين مايوه هنا شيحة فى فيلم «قبل زحمة الصيف» للمخرج محمد خان، ومايوه نجلاء بدر البكينى، فى فيلم «قدرات غير عادية» للمخرج داود عبد السيد، وكليهما تم عرضه خلال العام الجارى، وبين مايوهات نجمات سينما الأبيض والأسود، حيث أثارت مايوهات هنا ونجلاء، حالة من الجدل خاصة بعد سنوات من شعار السينما النظيفة الذى اقتحم عالم السينما المصرية منذ نهاية التسعينيات.