منال لاشين تكتب: 4 إجراءات لمواجهة تخفيض «المركزى» للجنيه

مقالات الرأي



■ تلميحات طارق عامر حول تخفيض الجنيه بدت رسائل للمستثمرين الأجانب ولكنها أشعلت السوق السوداء

1- اقتراض 10 مليارات دولار من مؤسسات دولية

2- رفع أسعار البنزين والسولار والمازوت

3- احتكار الحكومة لاستيراد المواد الغذائية

4- خصخصة بنوك وشركات عامة

تركب مؤسسات الدولة سيارة حتى لو كانت سريعة، ولكن رجال الأعمال يركبون طائرة لتحقيق أهدافهم، فما أن ألمح محافظ البنك المركزى طارق عامر لتخفيض جديد فى سعر الجنيه حتى بدأت الضغوط والتحليلات تتجه لتعويم الجنيه. أو بالأحرى ترك الجنيه إلى مصيره أمام الدولار، يغرق أو يفطس مش مهم. ولكن الأقرب هو تخفيض جديد للجنيه بعد أن خفض المركزى السعر بـ14٫5% منذ عدة أشهر. ويوم الثلاثاء الماضى كان أول موعد للتخفيض لأنه كان موعد أول عطاء دولارى يطرحه المركزى للبنوك بعد تلميحات طارق عامر بالتخفيض. ولكن طارق ثبت سعر الجنيه دون تخفيض. وهكذا ستظل السوق منتظرة لقرار التخفيض على صفيح ساخن جدًا.

تخفيض سعر الجنيه لوحده لن ينتج سوى مزيد من ارتفاع الأسعار والتضخم. ولكن ما تعد له مؤسسات الدولة هو خطة من عدة نقاط قد يكون التخفيض أول الطريق، وليس آخره. مجرد خطوة البداية الضرورية لاستكمال مشوار طويل، ولكنه يبدو لكبار المسئولين فى الدولة مشواراً حتمياً، وطريقاً لا رجعة فيه.

1- كنز من الدولارات

منذ عدة أيام جرى اجتماع للرئيس السيسى مع محافظ البنك المركزى ورئيس الحكومة. فى هذا الاجتماع طلب السيسى البحث وزيادة الموارد من الدولار، والعمل على خفض عجز الموازنة. وهما هدفان بدا لبعض الخبراء متناقضين. لأن زيادة موارد الدولار تقتضى خفض الجنيه. وبهذا الخفض سيذهب الناس بدولاراتهم للبنوك بدلاً من السوق السوداء. ولكن خفض الجنيه يجب أن تتبعه زيادة سعر الفائدة. والإجراء الأخير من شأنه زيادة عجز الموازنة لأنه سيرفع سعر الفائدة على سندات وأذون الخزانة، والنتيجة زيادة الدين المحلى وزيادة عجز الموازنة. هكذا فإن كل هدف من هذين الهدفين يلعب ضد الهدف الآخر.

الحل أو الخطة هو إيجاد موارد من الدولار ضخمة فى نفس توقيت خفض سعر الجنيه. كان لدى مصر طموح فى قدوم نحو 10 مليارات دولار لاقتصادها، 4٫5 مليار دولار من الإمارات والسعودية. و5٫5 من صندوق النقد. ولكن مع تأخر منح الخليج، نظرًا لحكم المحكمة الخاص بقضيتى تيران وصنافير ، فإن الاعتماد فى جلب هذا المبلغ اتجه للمؤسسات الدولية. صندوق النقد بنحو 7.8 مليار دولار والبقية من البنك الدولى. وربما تفسر تلك الأرقام الاختلاف فى التصريحات بين كل من وزيرة التعاون الدولى سحر نصر ومحافظ البنك المركزى طارق عامر. فبدون الدعم الخليجى ستزيد قيمة قرض صندوق النقد الدولى.

حتى الآن تتأرجح مؤسسات الدولة فى الإعلان رسميا أو الذهاب فورا لصندوق النقد. والحصول على قرض ضخم منه. وزراء يصرحون بأننا سنذهب للصندوق. محافظ البنك المركزى طارق عامر قال فى تصريحاته الأخيرة لدينا برنامج إصلاحى ومن يريد أن يدعمه أهلا وسهلا. وكلام طارق عامر كان إجابة عن سؤال حول قرض صندوق النقد.

الذهاب للصندوق لم يعد سؤالا ينتظر الإجابة بنعم أو لا.

مصر ستذهب للصندوق وتطلب القرض. السؤال الآن متى؟ وكم حجم القرض؟ بحسب خبراء لكى تستطيع مصر الخروج من أزمتها الخانقة فهى بحاجة إلى ضمان استمرار ضخ نحو 10 مليارات دولار على ثلاث سنوات. وتخفيض الجنيه هنا هو محور العملية، فالتخفيض سيساهم فى الاستفادة من هذه المليارات وفى دفع عجلة الاقتصاد، وبشكل خاص التصدير والسياحة. ولكن من ناحية أخرى فإن تخفيض الجنيه أحد شروط الاتفاق مع صندوق النقد. ولكن الحكومة تسعى إلى الخفض قبل الذهاب للاتفاق مع الصندوق. ربما لأنها لا تريد أن يربط أحد بين قرار خفض الجنيه وقرض الصندوق. فالحكومة والنظام حريصان على التأكيد أن ثمة برنامجًا إصلاحيًا حكوميًا وطنياً يرسم ويحدد خطواتها وقراراتها، وربما لأن الحكومة ترسل رسالة للصندوق بأنها تسير على الطريق الصحيح، وعلى درب روشتة الصندوق.

فالبنسبة لبعض الخبراء فإن تلميحات طارق عامر حول خفض الجنيه كان رسالة للمستثمر الأجنبى والمؤسسات الدولية، رسالة عبر رويترز وبلومبنرج وغيرها من الوكالات، ولكن هذه الرسالة باللغة العربية أدت إلى اشتعال الدولار فى السوق السوداء.

2- دولارات البيع

زيادة موارد مصر من الدولار لن تقوم فقط على القروض من المؤسسات فقط، أو حتى انتظار الدعم الخليجى، فى حزمة الإجراءات وفى القلب منها طرح حصص من بنوك وشركات عامة فى البورصة المصرية. وطرح بنك المصرف المتحد لمستثمر أجنبى. بيع البنك قد يوفر من 1.5 إلى 2 مليار دولار. بالإضافة إلى أن حصصًا من شركات البترول قد تكون جاذبة للمستثمر الأجنبى. وهو الأمر الذى يوفر دولارات للخزانة المصرية، ولذلك كان من البديهى أن تكون إجراءات البيع مطروحة فى اجتماعات الرئيس السيسى مع كل من محافظ البنك المركزى وكل من وزيرى قطاع الأعمال والاستثمار. فالطرح المبكر لحصص البنوك والشركات العامة فى البورصة له فائدتين. الأولى إنعاش البورصة وجذب استثمارات لها. أما الفائدة الثانية فهى جلب دولارات للاقتصاد المصرى الذى يعانى من نقص شديد من المعروض منه.

هناك إجراءات على المدى المتوسط تقوم بها البنوك العامة. فقد بدأت بعض البنوك فى التوجه لفتح فروع جديدة لها فى دول الخليج. وربما يساهم هذا الإجراء مع تخفيض الجنيه فى جذب كل مدخرات المصريين فى الخارج للبنوك، وذلك بدلاً من بيع أموالهم فى السوق السوداء.

3- القرار الصعب

من بين الإجراءات المتعلقة بخطة الإصلاح الحكومى وبروشتة الصندوق هى إلغاء الدعم على المواد البترولية. هذه الخطة بدأت فى عام 2014 وتم رفع أسعار الكهرباء والبنزين والسولار والمازوت. وكانت الخطة إلغاء الدعم على كل هذه المنتجات خلال خمس سنوات. ولكن أدت الشكوى من ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء إلى تمديد الفترة الزمنية لإلغاء الدعم لتصل إلى عشر سنوات. وكانت الحكومة مع انخفاض أسعار البترول قد أوقفت زيادة المواد البترولية. ولكن الآن ستعود الخطة إلى العمل. ففى فكر الحكومة أن هذا الإجراء ضرورى لوقف نزيف آخر من موارد الدولة. ولهذا فإن تخفيض الجنيه سيواكبه عودة زيادة أسعار المواد البترولية، ولكن بنسب أقل من عام 2014. وبهذا الإجراء ستبدو الحكومة متوافقة مع روشتة صندوق النقد لإصلاح الاقتصاد المصرى. لأن أحد شروط الصندوق فى قروضه هى إلغاء الدعم المخصص للمواد البترولية. وسيبقى فقط دعم المواد الغذائية المرتبطة بكروت التموين فقط. ما تقدمه الحكومة لدعم الصحة والتعليم من خلال المستشفيات الحكومية والمدارس والجامعات العامة.

رفع أسعار البنزين والسولار والمازوت ولو بنسب صغيرة سيؤدى إلى أثر مضاعف على رفع الأسعار. لأن التجار يتعمدون رفع سعر كل المنتجات بحجة زيادة تكاليف النقل. وبذلك سيدفع المواطن ثمن الزيادة فى المواد البترولية مرتين مرة من خلال الرفع المباشر للأسعار على وسائل النقل والسيارات الخاصة، مرة أخرى من خلال زيادة أسعار السلع نتيجة لزيادة تكاليف النقل.

وتبدو الحكومة مترددة أمام إجراءات أخرى فى خطة إصلاح الاقتصاد، على رأس هذه الإجراءات رفع أسعار تذاكر المترو والسكك الحديدية. مرة تسرب الحكومة فكرة رفع الأسعار، ومرة أخرى تقول أنها ستربط زيادة الأسعار برفع مستوى الخدمة فى كل من المترو والسكك الحديدية. وقد تم رفع الأسعار فى السكك الحديدية من خلال القطارات المكيفة الجديدة التى دخلت الخدمة مؤخرا.

فى حالة رفع أسعار المترو فإن الأثر الاجتماعى للرفع سيؤثر على ملايين الطلبة ومن ثم ملايين الأسر المصرية.

4- مواجهة واقعية

زيادة الأسعار لم تقتصر على النقل. فالأثر الأكثر فداحة لخفض الجنيه هو زيادة أسعار المواد الغذائية أو بالأحرى زيادة جديدة أو قفزة جديدة فى الأسعار. فقد حقق التضخم أعلى معدل شهرى فى الشهر الماضى منذ نحو سبع سنوات. وهذا التضخم يعكس الارتفاع الجنونى فى أسعار المواد الغذائية. ولذلك فإن الاتجاه لتخفيض الجنيه يؤدى إلى ارتفاع أسعار مشتعلة بقدر لا يمكن تحمل زيادة جديدة. ولذلك فإن حزمة الإجراءات تشمل قواعد جديدة لاستيعاب ارتفاع الأسعار. على رأس هذه الإجراءات احتكار الدولة لاستيراد المواد الغذائية من الخارج. وتلك الخطوة من شأنها أن تؤدى إلى خفض تكاليف استيراد السلع الأساسية، وبالتالى خفض سعر بيع هذه السلع. ربما تشمل هذه الخطوة استيراد الدولة للقمح بدلا من ترك هذا المجال للقطاع الخاص. وهذه خطوة كبيرة لأن لوبى استيراد القمح لم يسمح بتنفيذ هذه الخطوة لسنوات طويلة. وفى إطار مواجهة زيادة الأسعار فإن الحكومة ممثلة فى وزارة التموين تسعى لزيادة المجمعات الاستهلاكية وفروع جمعيتى والاتفاقات مع السوبر ماركت.

5- حلول ناقصة

ولكن حزمة الإجراءات ستظل ناقصة، فقد جربنا من قبل تخفيضًا حادًا مؤثرًا للجنيه. ولكن هذا التخفيض بدون خطة عمل حقيقية من الحكومة ضاع أثره. فالحكومة لم تبد حسما فى مسألة الاستيراد وتضخمه. وهذا الأسبوع حذر تقرير لمؤسسة موديز من استمرار زيادة الاستيراد. ولوبى المستوردين يعرقل اتخاذ خطوات حاسمة لتقليل حجم الاستيراد. والحكومة ممثلة فى وزارة الصناعة لم تنته من عملية إحلال المنتج الوطنى محل المستورد فى الصناعة. وكان المجلس التنسيقى بين الحكومة والمركزى قد نصح بإحلال المنتج المحلى بالمستورد فى الصناعة. ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة الصناعية. وعلى الرغم من مبادرة السيسى للمشروعات الصغيرة، فإن الخطوات لا تزال بطيئة جدًا. وتخفيض الجنيه مرة أخرى دون نشاط اقتصادى حقيقى ودون النجاح فى جذب استثمارات أجنبية لم يؤد إلا لرفع الأسعار فقط. ولم نجن منه سوى معاناة الملايين من ارتفاع جنونى فى أسعار السلع الغذائية.

لأن الدولار وشحه وارتفاع سعره مجرد عرض وليس مرضًا. المرض الأساسى هو شلل الاقتصاد المصرى. وبطء معظم مسئولى الاقتصاد فى مصر فى مواجهة المشكلات. وبدون حلول سريعة للاقتصاد فإن التركيز على الدولار فقط سيدفعنا إلى مغامرات جديدة لم نجن منها سوى مزيد من الضغوط على المواطن المصرى. وفى هذه الحالة يجب أن نسأل أنفسنا إلى أى مدى يمكن أن يتحمل المواطن؟ وإجابة هذا السؤال الخطير تدخل فى إطار السياسة وليس الاقتصاد.