أحمد فايق يكتب: الحقيقة الكاملة فى قضية نتنياهو والسد الإثيوبى وسامح شكرى
زهافا جلائون عضوة الكنيست وزعيمة المعارضة السابقة: رحلة نتنياهو "مهرجان استعراضى" تكلف 28 مليون شيكل من جيوب الشعب الإسرائيلى
«هاآرتس» تبرز العلاقة بين زيارة نتنياهو لإفريقيا وبين زيارة شكرى لإسرائيل إسحاق هرتزوج: رئيس الوزراء سافر إلى إفريقيا هربا من المشاكل الداخلية وترك وراءه دولة ليس لديها أى حلول لمواجهة عناصر المقاومة الفلسطينية رئيس الوزراء الإسرائيلى ظهر على السطح ويحاول الرد على عودة مصر إلى إفريقيا
هل تابعت رحلة نتنياهو إلى إفريقيا؟
هل استمتعت بصور سامح شكرى ونتنياهو وهما يشاهدان نهائى أمم أوروبا؟
هل ضحكت على آلاف من التعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعى؟
إذا كنت من مجيدى "الهرى" لا تزعج نفسك بالقراءة أما إذا أردت أن تبحث عن الحقيقة وأعطيت لنفسك فرصة للتفكير تعالى نحاول أن نفهم؟
قبل كل شىء عليك أن تستبعد كل الصور التى ظهر فيها وزير الخارجية سامح شكرى منحنيا أمام نتنياهو فهى صور مفبركة لا علاقة لها بالواقع، لا تصدق "هرى" أن مصر تنهار وتفقد قوتها، لا تلتفت إلى فيديو مقتطع عمره سنوات.
عليك أن ترتب مشاهد أخرى وترى ردود فعلها، ماذا لو هناك صورة جمعت بين نتنياهو و٢٨ وزير دفاع فى إفريقيا؟
عليك أن تتخيل ردود الفعل على كل مواقع التواصل الاجتماعى، ماذا لو أعلنت إسرائيل عن تعيين بعثات دبلوماسية كاملة فى دول حوض النيل؟
ماذا لو أعلنت إسرائيل توقيع أكبر صفقة سلاح مع روسيا ودخول طائرات السوخوى ٣٥ والميج ٢٩ وأحدث منظومة دفاع جوى فى العالم؟
الحقيقة الوحيدة التى يجب أن تصدقها أن نتنياهو قام بجولة إفريقية ثمنها ٢٨ مليون شيكل من أجل أن يتم تصويره وبعد نشاط قوى لمصر فى إفريقيا خلال العامين الماضيين، لقد قررت إسرائيل أن تلعب فى إفريقيا بشكل معلن رغم أنها اختارت أن تعيش فى الظل طوال السنوات الماضية، قررت أن تلعب فى العلن بعدما شعرت بالقلق من التحركات المصرية.
لقد بدأت مصر علاقتها بالدول الإفريقية تقريبا من الصفر بعد ثورة ٣٠ يونيو، كانت أول زيارة خارجية للرئيس السيسى كانت للجزائر لإعادة بناء العلاقات على أطلال أزمة الكرة الشهيرة، ثم جاءت بعدها زيارة إلى غينيا الاستوائية، لقد حاربت مصر من أجل أن تعود إلى الاتحاد الإفريقى وساعدتنا الجزائر.
المشهد بدا رائعا بعد شهور قليلة و٢٨ وزير دفاع إفريقيا فى مصر بمؤتمر الساحل والصحراء، بدا كأنه انتصار سريع فى معركة طويلة.
لقد كانت أولى قرارات السيسى هى إعادة الميزانية المخصصة للسفارات والبعثات الدبلوماسية فى إفريقيا، بعدما تم تحويلها إلى سفاراتنا وقنصلياتنا فى أمريكا، وتحولت تلك المخصصات إلى استقبال وزراء جمال مبارك وعائلاتهم وأبنائهم الذين يتلقون تعليمهم فى هذه الدول!
لقد بدأت العلاقات بين مصر وإفريقيا تتراجع منذ عهد الرئيس الراحل السادات، فقد كان لدى الرجل ملف أهم وهو تحرير الأرض، انتهت هذه العلاقات تقريبا فى آخر ١٥ عاما من حكم مبارك، وأصبح العمل فى إفريقيا للبعثات الدبلوماسية عقابا، مثل ضابط الشرطة الذى يرتكب خطأ أو جريمة فيتم نقله إلى الصعيد عقابا له.
فى بعض الأحيان نحن لا نجيد استغلال تاريخنا، فأثناء الحرب العالمية الثانية احتلت إيطاليا إثيوبيا، وأرسل الأمير عمر طوسون موكبا بالجمال لإنقاذ إخواننا فى أديس أبابا كانت يقال أن بدايته كانت صعيد مصر ونهايته السودان.
فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر سيطرت مصر على إفريقيا، وكان عبد الناصر ذكيا لم يقترب من دول حوض النيل، فقد كان يدبر ويدعم الثورات والانقلابات العسكرية فى معظم دول إفريقيا لكنه لم يقترب من دول حوض النيل لأنه يعلم أنه لا مساحة للمغامرة فى هذا الملعب.
الخلاف الحقيقى بدأ فى عهد السادات حينما انضمت مصر إلى ما يسمى بنادى السفارى وهو تجمع دولى أنشأته أمريكا للقضاء على الشيوعية فى العالم، وقتها كان يحكم إثيوبيا انقلاب عسكرى "مانجستوا هاريا" الشيوعى، والرواية التاريخية على عهدة الكاتب عادل حمودة، فقد دعمت مصر ثوار الصومال الغربى فى مواجهة النظام الشيوعى الإثيوبى، وهنا ألقى مانجستوا هاريا خطابا شهيرا فى ميدان يسمى الحرية والآن اسمه ميدان الصليب وقال "سوف أحول النيل إلى نهر من الدم".
فى عهد مبارك تولى الملف عمر سليمان ونجح فى توليه أمنيا لكن غابت الدبلوماسية والخارجية، وشعرت بعض الدول الإفريقية بالإهانة، وبعضهم أرسل رسائل واضحة إلى القاهرة نرحب بالتعامل الأمنى لكن علاقتكم بِنَا ليست عارا حتى تظل سرية!
فى هذا التوقيت لعبت إسرائيل بذكاء فى الملف فقد خصصوا ميزانيات للحماية الشخصية لبعض الحكام الأفارقة، وأيضا يقدمون لهم الرعاية الصحية المجانية لعائلاتهم وسعوا لتكوين شعبية لهم فى بعض الدول من خلال بناء استادات للكرة، أما مصر فكانت تقدم خدمات عظيمة لبعض الدول لكن ليست إعلامية أو شعبية وبالتالى تأثيرها أقل بكثير، منها تطهير نهرين فى بحيرة فيكتوريا، وإقامة ١٤٠ بئرا فى كينيا على عمق ٣٠٠ متر، و١٢٠ بئرا فى تنزانيا.
إسرائيل فى المقابل كانت تدخل إلى دول إفريقيا عبر شركات إيطالية ويونانية.
مؤخرا عادت مصر إلى الساحة الإفريقية بقوة فقد عاد الملف الليبى إلينا ويتبعه ملف الصحراء الكبري، وأصبح لنا نشاط دبلوماسى أكبر فى جنوب إفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا وأوغندا والكاميرون وتشاد.
لم تستطع إسرائيل أن تتحمل مشهدا يجمع ٢٨ وزير دفاع إفريقيا فى مصر، فشبح عبد الناصر مازال يطاردها، ولا تستطيع أن تتحمل تحديث الجيش المصرى، عقدت صفقة ال إف ٣٥ ردا على الرافال، لكن مصر تستعد للإعلان عن أكبر صفقة سلاح فى تاريخها مع روسيا وتشمل طائرات سوخوى ٣٥ وميج ٢٩ ومنظومات دفاع جوى وقطع بحرية.
ردت مصر على زيارة نتنياهو الإفريقية بزيارة إلى تل أبيب من وزير الخارجية، لقد ذهب الرجل وفى يديه الورقة الأهم بالنسبة لإسرائيل وهى الملف الفلسطينى.
وأهمية الزيارة وقوتها على إسرائيل تستطيع أن تقرأه فى مقال لواشنطن بوست من خلال حديث أستاذة فى تاريخ الشرق الأوسط وإفريقيا بجامعة تل أبيب، ميرا تزوريف وقالت: "هذه ليست قضية إسرائيلية فلسطينية، بل هى قضية إسرائيلية مصرية فلسطينية إن مصر لاعبة فريدة على الساحة لأنه "قد تكون هناك مبادرة فرنسية أو أخرى سعودية، غير أن المبادرة المصرية فقط هى التى يقبلها الطرفان. هذه رسالة واضحة للأمربكيين مفادها أن السيسى قائد فى وسعه تحقيق إنجاز ليس داخل مصر فحسب بل خارجها كذلك. السيسى يحقق نجاحاً فى المكان الذى فشلت فيه الولايات المتحدة".
وقال ليفانون السفير الإسرائيلى السابق فى مصر قال: "يرى المصريون أننا أمام شرق أوسط متهاوٍ من فرط سفك الدماء غارقٍ فى الأزمات دون بصيص حلٍ يلوح فى الأفق لا فى سوريا ولا فى اليمن ولا ليبيا ولا العراق. هم أيضاً مضطرون لمواجهة الإرهابيين داخل بلدهم، ثم فجأة يلتمع أمام ناظريهم شىء لم يكن قبل بضع سنوات: إنها دولة إسرائيل الصغيرة التى تبنى علاقات متميزة مع روسيا وقنوات مفتوحة مع السعوديين وتصالحت مع تركيا والأسبوع الماضى التقت مع قادة 7 دول إفريقية".
وختم ليفانون بالقول: "إننا الآن فى موقفٍ خيرٌ لمصر فيه أن تقف إلى جانب إسرائيل لا ضدها".
هذا الكلام على لسان الأطراف الإسرائيلية يوضح لكم أن زيارة شكرى إلى إسرائيل لم تكن من أجل متابعة مباريات أمم أوروبا ولا أن تصبح مادة للهرى على مواقع السوشيال ميديا.