عباس حلمي الأول.. الخديوي الذي اغتالوه داخل القصر (بروفايل)
عُرف بقسوته وبطشه لكل من حوله، لكنه كان يجتهد دائما في سد عجز ميزانية مصر، دون أن يلجأ إلى القروض، فترك خزانة مصر حرة دون أثقال الديون الأجنبية.. هو الخديوي عباس حلمي الأول الذي يميل إلى منح الأوروبيين واستثمارهم بمرافق البلاد، إلا أنه لم يستمر طويلا بالحكم حتى تم اغتياله إثر مؤامرة داخل القصر.
ولد أول يوليو عام 1813، في الحجاز، وتوفي في مثل هذا اليوم 13 يوليو لعام 1854، حاكم مصر بين عامي 1848 - 1854، وكان أحد حكام الأسرة العلوية التابعة اسميا للدولة العثمانية، ويعتبر البعض عهده عهد الرجعية، فوقفت فيه حركة التقدم والنهضة التي ظهرت في عهد جده محمد علي باشا.
وأثناء فترة حكمه أساء الظن بأفراد أسرته وبكثير من رجال جده وعمه وخيل له أنهم يتآمرون عليه فأساء معاملتهم وخشي الكثير منهم على حياته فرحل بعضهم إلى الأستانة وأوروبا خوفًا من بطشه، وكان أيضا خلال فترة حكمه يبدو غريب الأطوار شاذًا في حياته كثير التطير سيئ الظن بالناس، ولهذا كان كثير ما يأوي إلى العزلة، ويحتجب بين جدران قصوره التي كان يتخير لبنائها الجهات الموغلة في الصحراء بعيدا عن العمران.
مناصب إدارية وحربية
وبالرغم أن محمد علي، بذل شيئاً من العناية في تهيئة عباس لولاية الحكم، إذ كان أكبر أفراد الأسرة العلوية سناً، وبالتالي أحقهم بولاية الحكم بعد إبراهيم باشا، فقد عهد إليه جده بالمناصب الإدارية والحربية، وتقلد منصب مدير الغربية، ثم منصب الكتخدائية وكان له من التصرفات ما يهم عن القسوة، وكان يبلغ جده نبأ بعض هذه التصرفات فينهاه عنها ويحذره من عواقبها لكن طبيعته كانت تتغلب على نصائح جده وأوامره.
وكان مما ترك في الغربية قصر الإقامة "بنك مصر حالياً" كما رمم عدداً من المساجد والقباب وأنشأ محطة السكك الحديدية القديمة ومبنى العمودية للمدينة بصندفا.
شارك في الحرب السورية
كان عباس حلمي، شارك مع عمه إبراهيم باشا فى الحرب السورية، وقاد أحد الفيالق لكنه لم يتميز فيها بعمل يدل على البطولة أو الكفاءة ولم يملك من المزايا التى تلفت النظر سوى كونه حفيد رجل عظيم أسس ملكاً كبيراً، فصار إليه هذا الملك، دون أن تؤول إليه مواهب مؤسس هذا الملك، فكان شأنه شأن الوارث لتركة ضخمة جمعها مورثه بكفاءته وحسن تدبيره وتركها لمن خلى من المواهب والمزايا.
وكان إبراهيم باشا لا يرضيه من "عباس" سلوكه وميله إلى القسوة وكثيراً ما نقم عليه نزعته إلى إرهاق الناس حتى اضطره إلى الهجرة للحجاز، وبقى هناك إلى أن داهم الموت عمه.
خلف عمه بحكم مصر
كان عباس باشا في الحجاز حينما لقى إبراهيم باشا ربه، فاستدعى إلى مصر ليخلفه تنفيذاً لنظام التوارث القديم، ويقول بعض المؤرخين إن عباس طيلة سنوات حكمه كان غريب الأطوار، شاذ في حياته كثير التطير، فيه ميل إلى القسوة، سيئ الظن بالناس، ولهذا كان كثيراً ما يأوي إلى العزلة، ويحتجب بين جدران قصوره، وكان يتخير لبنائها الجهات الموغلة في الصحراء أو البعيدة عن العمران، فيما عدا سراي الخرنفش، وسراي الحلمية بالقاهرة.
مفارقة في تعامله مع العساكر
وكانت له حاشية من المماليك يقربهم إليه ويصطفيهم، وكان يعطيهم الرتب العسكرية العالية حتى وإن لم يكن لهم الحق بها، حتى أصبح أكثرهم على رتبة قائم مقام، وكان كبيرهم يُسمى"خليل درويش بك" ونتيجة لسوء معاملة خليل لباقي المماليك وقعت مشادات فيما بينهم، مما أثار غضبه، ودفعه لشكوتهم عند الخديوي عباس، فأمر بجلدهم وتجريدهم من ثيابهم العسكرية، وأرسلهم إلى الاصطبلات لخدمة الخيل لكن مصطفى باشا أمين الخزانة طالب الخديوي بالعفو عنهم فوافق.
وفاته
وكان من عادة عباس عند نومه أن يقوم على حراسته غلامان من مماليكه، وفى 14 يوليه عام 1854 أتى عدد من المماليك واجتمعوا عليه حتى قضوا عليه، وفى الصباح اتفق الجميع على عدم إذاعة الخبر حتى نقل الخديوي إلى القاهرة في عربة ووصلا إلى قصره بالحلمية.
وتروى بعض القصص، أيضًا أن الأميرة نازلي هانم عمة الخديوي عباس أمرت مملوكين من أتباعها بقتله، من خلال التنكر كونهما عبيد بسوق الرقيق بالقاهرة، كى يشتريهما عباس ويدخلهما في خدمته، فاشتراهما بالفعل وأسند إليهما مهام حراسته ليلا، وفى ثاني أيام حراستهما له استعدا فور استغراقه في النوم فانقضا عليه وقتلاه، وفور انتهائهم نزلا اصطبلات الخيل الملحقة بالسراي، وطلبا إلى السائس أن يجهز لهما فورا جوادين بحجة أن الباشا يطلب حاجة له من قصره بالعباسية، فلم يشك الخادم بالأمر، وجهز لهما الجوادين فسارا بهما إلى خارج القاهرة للهروب إلى الأستانة، حيث أعطتهم الأميرة نازلي مكافأة سخية على إنفاذ المؤامرة.