الطيب وضع تابوت أبو عمار فى «صبة أسمنت» ليصعب الحصول على عينة تكشف الجريمة !
عندما كان ياسر عرفات يتردد على القاهرة كنت كثيرا ما أتناول طعام الإفطار معه فى شرفة الدور الثانى من قصر الأندلس.. مقر اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية فيما بعد.
ولاحظت أنه لا يأكل لقمة إلا ويناول من يأكل معه لقمتين.. وفسرت ذلك تفسيرا شريرا.. إنه يخشى أن يضعوا له السم فى الطعام.. فهم يأكلون من طبقه.. قبله.. لكن.. مقربين منه مثل نبيل عمرو وياسر عبد ربه ومحمد رشيد مسحوا سوء الظن من تصورى.. واتفقوا على أن أبو عمار كان يعتبرهم أبناءه.. ويتصرف معهم على هذا النحو.
ويبدو أن الإسرائيليين عرفوا عنه هذه الخصلة فوضعوا له السم فى العسل الذى يضعه فى الشاى.. فكوب الشاى بالعسل هو الشىء الوحيد الذى كان يتناوله دون أن يقتسمه مع من حوله.
وهناك احتمال آخر ان يكونوا قد وضعوا له السم فى الدواء.. قبل أن يغادر رام الله للعلاج فى فرنسا.. حيث مات فى مستشفى بيرسى.. قبل ثمانى سنوات.. بالتحديد فى 11 نوفمبر عام 2004.
السم الذى استخدم فى قتله يسمى البونيوم.. وهو سم مستخرج من اليورنيوم المخصب.. لم يكن معروفا من قبل.. ولم يكشف سره إلا بعد أن استخدم فى التخلص من عميل روسى فى لندن عام 2005.
وليس صحيحا ما أشيع ونشر أنه مات بحقنة فيروس إيدز.
وحسب ما سمعت من محمد رشيد مستشاره المالى ومستودع أسراره ومصدر ثقته فإن مدير المخابرات الفرنسية وأربعة أطباء من المستشفى التقوا به فى فندق مورس وقالوا له: «ليس لدينا أسباب طبيعية للوفاة.. الرجل كان يجب أن يعود إلى بلاده مشيا على قدميه.. لا محمولا على ظهره».
وعندما قال لهم: « لابد إذن أنه مات بالسم».
وكانت إجاباتهم: «لا نستطيع أن نؤكد ولا نستطيع أن ننفى.. كل ما علينا قوله أن الرئيس جاك شيراك طالب أن نبلغك بهذه الرسالة قبل عودة الجثمان إلى رام الله».
وقبل عودة الجثمان التقى محمد دحلان بنفس المجموعة.. وسمع منهم الرسالة نفسها.
والرسالة أكثر من موحية.. بتشريح الجثمان.. أو فتح تحقيق.. أو تشكيل لجنة تقصى للحقائق.. لكن.. أبو مازن رفض ذلك قائلا: «إنه لا يشك فى وفاة رئيسه وفاة جنائية».
ورغم مرور ثمانى سنوات عين فيها ثلاث شخصيات قوية فى منصب النائب العام، فإن لا أحد تقدم ببلاغ للتحقيق فى الجريمة.. وبعد أن أثيرت الشبهات.. تقرر أخذ عينة من الجثمان لتشريحها.. وفحصها.. وكشف ما فيها.. وإن كان الأمر ليس سهلا.. فالرجل الذى أشرف على دفن أبو عمار وهو الطيب عبد الرحيم وضع التابوت وسط كتلة خرسانية.. أسمنتية.. دون تفسير.. أو تبرير.
وعندما سئلت المستشفى هل لديها فحوصات وتحليلات لما بعد الوفاة انكرت.. قائلة: «إنها اتلفتها».. وإن كانت قد قدمت للقضاء الفرنسى 250 تقريرا بها.
ولو كان الفرنسيون تستروا على الجريمة فإن السويسريين هم الذين أثاروا الشبهات.. ويبدو أنهم كانوا يملكون دليلا على شكوكهم استمدوه من العينات التى أخذوها من أبو عمار وهو فى رام الله محاصرا.. على قيد الحياة.
اللجنة الثانية التى رفض أبو مازن تشكيلها كانت لجنة فحص الذمة المالية للرئيس الفلسطينى الراحل.. خاصة أنه تعرض لحملة تشويه منظمة لتلطيخ سمعته بالفساد والنهب والسرقة.
لقد كشفت وثائق المخابرات البريطانية التى نشرت عن الحاج أمين الحسينى.. الرمز الشهير للمقاومة فى القدس.. أن اتهام الرجل بالإرهاب.. والتشدد.. لم يأت بنتيجة.. وكان الحل الوحيد هو تشويه ذمته.. وهو نفس ما حدث مع أبو عمار.. فالحقيقة أنه لم يكن هناك حساب واحد باسمه.. إلا حساب واحد.. فى البنك العربى.. وضع فيه مليونين و600 ألف دولار منحها حاكم عربى لابنته زهوة.. ولكن.. المبلغ لم يصل لزهوة.. فقد أقنع أبو مازن الرئيس مبارك أن من حق السلطة الفلسطينية سحبه باعتباره مالا عاما ووعد بأن يوصله لزهوة.. وهو ما لم يحدث.. واختفى المبلغ.. دون أن يعرف أحد مصيره.
وقال عمر سليمان لمحمد رشيد: لقد سمحنا لـ أبو مازن بسحبه تجنبا للمشاكل.
أما الذين كانوا يصرون على معرفة حقيقة الذمة المالية لـ «أبو عمار» فهم الأمريكيون.. وعلى رأسهم ديك تشينى نائب الرئيس جورج بوش.. وتكونت لجنة أمريكية ضمت مندوبين عن المخابرات المركزية وعقدت فى مقرها فى مقاطعة لانجلى.. وضمت اللجنة أضعاء يمثلون وزارة المالية الأمريكية.. والمباحث الفيدرالية.
وجلس محمد رشيد مع اللجنة ثمانى ساعات.. ولدقة الملفات التى حملها معه لم يستغرق الكلام عن الذمة المالية لياسر عرفات 45 دقيقة.. أما باقى الجلسة فكانت تدور حول ما أشيع عن تهريب أبو عمار لثلاثة مليارات دولار.. حسب ما قال وزير ماليته.. جويد القوين.. دون أن ينتبه أحد أن الرجل أقيل من منصبه.. نسب إليه ما يشكك فى روايته.. كما أنه لم يستطع أن يثبت شيئا مما ادعاه.
وجاء أبو مازن على هوى إسرائيل والولايات المتحدة ليتمتع بكل ما فى السلطة من ترف ولو كانت السلطة الفلسطينية.. فقد ترك لواحد من ابنائه أعمالا من الباطن.. تقدر بنصف مليار دولار.. وكان كل همه هو تغيير طائرته الرسمية من شالنجر (15 مليون دولار) إلى جلوبل إكسبريس (أكثر من 52 مليون دولار) ويفكر الآن فى طراز أعلى وأغلى.
ولو أجريت انتخابات رئاسية لن يأتى أبو مازن مرة أخرى.. ولو أجريت انتخابات تشريعية لن تفوز حماس بها.. ولكن.. الانتخابات لن تجرى.. فالديمقراطية كانت مثل سيارة أوصلت الطرفين إلى الحكم.. واختفت.. وربما لن يراها أحد.. فالهدف تحقق.. حصر القضية الفلسطينية فى غزة.. فلم نعد نسمع عن الضفة.. وأصبحت القدس مجرد تصريحات جوفاء يطلقها الإخوان فى مصر قبل أن يصف محمد مرسى بنيامين نتانياهو بجمل الود والصداقة والوفاء فى رسالة تدشين سفير جديد لمصر فى تل أبيب.