عبد الحفيظ سعد يكتب: كسر أنف رجل تركيا المريض

مقالات الرأي



أردوغان يعتذر لروسيا ويتصالح مع إسرائيل ورئيس وزرائه يتقرب من مصر

■ 30 يونيو قضت على «وهم أردوغان» بأنه سلطان المسلمين بعد صعود الإخوان فى مصر وتونس

■ هل يغدر تنظيم الإخوان بأنقرة لو تصالحت تركيا مع مصر كما حدث مع داعش؟


قبل ما يزيد على ثلاث سنوات، وقف الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ــ كان يشغل وقتها منصب رئيس الوزراء ــ يخطب ويتباهى فى جماهير حزبه «العدالة والتنمية» المحتشدة لمناصرته، رداً على مظاهرة المعارضة ضده فى ميدان «تقسيم» ليتفاخر بنفوذه خارج تركيا، وأنها الدولة التى تقود الإقليم، قائلا: «أنظروا ماذا نفعل فى القاهرة وفى غزة وفى تونس وفى الخرطوم...».

خطاب الرئيس التركى، والذى جاء قبل أيام من ثورة 30 يونيو التى خلعت حكم الإخوان عن مصر، لذلك كان يتباهى الرجل وقتها بقلب قوى وثقة مفرطة، بأن نفوذ مملكته خارج الحدود بعد وصول الإخوان للحكم فيها فى مصر وتونس ووجود علاقة قوية بحكومة البشير فى السودان وتوجيه لحركة حماس فى غزة، وذلك ليخرس أى صوت للمعارضة ضده والذى وصفها فى نفس الخطاب بـ«خونة ومتآمرين»، ويسعون لوقف نفوذ تركيا، على حسب وصفه.

كان أردوغان فى هذه الفترة يشعر أنه «ملك الشرق»، توهم أنه صار سلطانا عثمانيا جديداً، يقود الإمبراطورية عبر خيال سيطرة الإخوان على الحكم فى المنطقة العربية بعد أن خطط لحدوث ذلك فى سوريا وبلاد عربية أخرى، عدا مصر وتونس.

لكن جاءت الأقدار بما لا تشتهى سفن أردوغان بعد أن خرجت المظاهرات فى القاهرة والمدن المصرية فى 30 يونيو ضد حكم الجماعة التى كان نظام أردوغان أقوى حليف لها. وأعتبر الرجل أن القضاء على حكم الإخوان يطيح بطموحه أن يصبح سلطاناً للشرق على نفس سيرة سلاطين العثمانيين.

ولذلك كان رد فعل أردوغان عقب الإطاحة بحكم الإخوان فى مصر عنيفاً، لأنه وجد حلم «السلطنة» يضيع من بين يديه، بعد انهيار التنظيم الإرهابى فى مصر، ووجود أزمة لحزب النهضة فى تونس وبدء الخلافات تضر بالتنظيم الدولى، وهو ما دفع أردوغان لتقديم سبل الدعم للتنظيم والتحريض على عدم الاعتراف بخارطة الطريق التى وضعتها القوى السياسية فى مصر فى 3 يوليو 2013، وأدت تصريحات ومواقفه لتدهور العلاقة مع مصر بعد مطالب فى البداية بعودة مرسى للحكم، وتراجعه للاكتفاء بخروجه من السجن.

وتحولت بعدها تركيا وخاصة مدينة إسطنبول العاصمة القديمة للخلافة العثمانية إلى المقر الذى أوى قيادات وعناصر الإخوان والتنظيمات المرتبطة بها، بل سمح أردوغان أن تصدر من دولته عدة قنوات ومحطات للإخوان موجهة ضد السلطة فى مصر وأن تعقد اجتماعات التنظيم فيه.

وظل أردوغان على مدار ثلاثة أعوام، يعيش على وهم تحقيق حلمه ومجده الشخصى عن طريق دعم الإخوان على حساب العلاقات التاريخية بين تركيا ومصر، وهو يحاول أن يوهم نفسه بأنه قادر على فعل أى شىء بعد أن نصب نفسه سلطاناً للإقليم والمدافع عن المسلمين، لدرجة وصلت لمرض جنون العظمة، ربما هى التى دفعته أن يفعل أى شىء من أجل السيطرة على سوريا بما فيها مساندة تنظيمات إرهابية على رأسها تنظيم داعش حتى يكون ذراعه التى يوجه بها المنطقة و«البعبع» الذى يخيف به أوروبا، بعد استخدامه أيضا ورقة المهاجرين السوريين للضغط عليها.

وزادت «شطحات» الرجل لدرجة أنه توهم أنه قادر على مواجهة روسيا بعد تدخلها فى سوريا، فقامت قواته بإسقاط طائرة روسية فى نهاية نوفمبر الماضى على الحدود السورية، ورفضت تركيا عقب الحادثة الاعتذار لروسيا. وظل أردوغان يكابر ويرفض الاعتراف بخطئه، مما تسبب فى الصدام غير المباشر مع روسيا.

لكن الأسبوع الماضى، حدث تحول كبير وبدأ أردوغان يتراجع عن كل تصرفاته السابقة، ويتحول من «نمر» فى الخطابة إلى «قط» فى الواقع.. فبعد سبعة أشهر من الحادثة أرسل أردوغان رسالة اعتذار للبرلمان والرئيس الروسى بوتين يعتذر فيها عن إسقاط الطائرة الروسية، رغم أنه عقب الحادثة أكد أنه لن يعتذر بل على روسيا الاعتذار لأن طائرتها اخترقت المجال الجوى لبلده.

تحولات أردوغان وتراجعه، لم تقف عند روسيا وحدها، بل استمر فى طريق آخر، تمثلت هذه المرة فى القضية التى ظل أردوغان يتاجر بها على مدار 6 سنوات، وهى الخلاف مع إسرائيل عقب الاعتداء على سفينة «مرمرة» على سواحل غزة وبعدها خرج أردوغان يتوعد إسرائيل بأنه لن يصمت وتوعد إسرائيل على ما فعلت، وألا عودة للعلاقات معها إلا بفك الحصار على غزة.

لكن فجأة وبالتزامن مع تقديم الاعتذار لروسيا، أعلنت تركيا وإسرائيل عن التوصل إلى صلح بينهما على خلفية قضية السفينة «مرمرة» تتعهد فيه إسرائيل بتقديم تعويضات لأهالى الضحايا الأتراك فى الاعتداء على السفينة، وتوصيل مساعدات تركية لغزة عبر المعابر الإسرائيلية، وعودة العلاقات التجارية والدبلوماسية بينهما.

الغريب أن ما حصلت عليه تركيا من الاتفاق، هو ما عرضته إسرائيل عليها فى بداية الأزمة، لكن أردوغان وقتها وضع مطلبا آخر، تمثل فى رفع الحصار الإسرائيلى على غزة، وهو المطلب الذى رفضته تل أبيب.

غير أن أردوغان فى الاتفاق الأخير، قبل تقديم مزيد من للتنازلات لم تحلم بها إسرائيل، مثل تعهد أنقرة بوقف أى نشاط عدائى لعناصر حماس من أرضه، وتعهد تركيا بعدم السماح بأى عمل عدائى ضد إسرائيل فى أرضها. بل تعهدت تركيا أن تساعد إسرائيل فى إعادة جثث جنود لقوات الاحتلال لدى حماس.. والغريب أن إسرائيل عرضت على حماس تخفيف الحصار على غزة مقابل الحصول على جثث جنودها، وهو ما رفضته حماس لتقبل مع دخول تركيا على الخط.

كما أن هناك اتفاقا آخر فى الكواليس بين تركيا وإسرائيل تحدث عنه بنيامين نتنياهو، وهو تعهد أنقرة بمساعدة إسرائيل للانضمام لحلف الناتو، مقابل عدم اعتراض إسرائيل على انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى.

التغيير فى موقف أردوغان من إسرائيل، يكشف عن التناقض فى موقفه بعد أن ظل يسوّق نفسه به على مدار السنوات الماضى، بأن يواجه إسرائيل، لكن يتضح أن تصعيده ضد إسرائيل، ما هو إلا محاولة منه أن يلعب دور الزعيم الإسلامى وأنه يتلاعب بالقضية الفلسطينية لأنه يعرف مدى تأثيرها لدى المسلمين والعرب خاصة.

تراجع تركيا واعتذارها لروسيا والمصالحة مع إسرائيل، تزامنت معه تحول آخر فى موقف تركيا من مصر، بعد تصريحات رئيس الوزراء التركى الجديد بن على يلدريم بأن بلاده تسعى لإعادة العلاقات مرة أخرى مع مصر بعد قطيعة دامت ثلاث سنوات، وأن مطلب الإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسى الذى يردده أردوغان سينحى جانباً، وهو ما ردت عليه مصر بأن عودة العلاقات لطبيعتها يتطلب وقف دعم تركيا لعناصر الإخوان الهاربة والقنوات التى تدعمها الجماعة الإرهابية التى تبث من أرضها وعدم السماح لها بعقد اجتماعات ضد مصر.

لكن تركيا لا تريد أن تفقد ورقة دعم الإخوان حاليا، وتحاول أن تروج لوجود مصالحة بين الإخوان ومصر، تضمن به إعادة العناصر الهاربة إليها إلى مصر، خاصة بعد أن تحولوا لعبء عليها وتخشى من تحولهم للعمل ضدها، مثلما حدث مع تنظيم داعش الذى كانت تركيا بقيادة أردوغان تقدم له الدعم لتسهيل دخوله وخروجه من سوريا والعراق بعد أن تحولت للحضانة الذى يتجمع فيها المقاتلون للتنظيم الإرهابى.

وبعد أن اضطرت تركيا أن توقف دعمها لداعش نتيجة الاعتراضات الأوروبية والأمريكية عن دورها فى دعم داعش، تحول عناصر التنظيم للعمل ضدها، مثلما حدث مؤخرا فى تفجيرات مطار أتاتورك بإسطنبول والذى أوقع 44 قتيلا وعشرات الجرحى. لتذوق تركيا من كأس إرهاب داعش، وتتحول لضحية مرض أردوغان بالزعامة، وتحقيق أهداف تنظيمه السابق الإخوان، لكن الواقع كسر أنفه بعد اعتذاره المذل لروسيا وإنكساره لإسرائيل، وزرع التنظيمات الإرهابية التى بدأت تقتل فى بلده، ليضيع وهم السلطان.