أحمد فايق يكتب : الأسئلة المحرمة لوزير البترول
يحمل وزير البترول المهندس أسامة كمال وحده عبء الحديث عن إعادة هيكلة دعم الطاقة فى مصر، لقد أصبح خلال الأيام الماضية نجماً سينمائياً ينتظره المصريون فى برنامج «توك شو» أو تصريحات صحفية جديدة، فكل حرف يتفوه به يمس مصالح كل المصريين، وهناك شعرة بسيطة بين أن يذهب بالدعم للطبقات الفقيرة والمتوسطة، وبين أن يتحول إلى جلاد آخر من حاشية المخلوع مبارك.
على الوزير أن يضع أمام عينيه أن الدعم ليس منة من أحد، إنما حق طبيعى، فالمصريون لا يحصلون على شىء من الدولة سوى هذا الدعم من إسطوانة البوتاجاز والبنزين، فالتعليم لم يعد مجانياً والصحة أصبحت خرابا للبيوت، والطرق متهالكة، ورغم هذا فإننا ندفع تقريبا نصف رواتبنا فى الضرائب والدمغات والاستقطاعات والملفات الحكومية، والدعم الذى تعطيه الدولة للمصريين لا يساوى نصف مايدفعونه من ضرائب.
المهندس أسامة كمال أعلن بعض الأرقام التى تتحملها موازنة الدولة فى دعم المواد البترولية، لكنه لم يعلن عن النسبة المئوية لفئات الاستهلاك، تحدث عن استهلاك السيارات وإسطوانات البوتاجاز، ولم يتحدث عن مصانع الحديد والأسمنت والاسمدة والألومنيوم والطوب، فهذه المصانع تبيع لنا بالأسعار العالمية وتحصل على الجزء الأكبر من دعم البترول والكهرباء والمياه، ورغم ذلك لم يتطرق الوزير إلى موقف هذه المصانع من سياسة ترشيد الدعم، طن الحديد التركى الآن يباع فى مصر بسعر أقل 100 جنيه عن الحديد المصرى، رغم أن مصاريف استيراد طن الحديد تزيد على 55 دولارا، أى أن الاتراك يصدرون لنا الحديد مضافا لسعره الأصلى 400 جنيه، ورغم ذلك يبيعونه بسعر أقل من الحديد المصرى، هل تعلم أن مصانع الحديد فى تركيا تشترى الكهرباء والمياه والمواد البترولية بالسعر العالمى، وليس بالسعر المدعم مثل المصانع المصرية، وهل تعلم أيضا أن أجر العمالة فى المصانع التركية تتفوق بخمسة اضعاف على العمالة المصرية، أى أن مصانع الحديد تربح على الأقل 1000 جنيه فى الطن؟
فهل يستحق هؤلاء الدعم ياوزير البترول، هل هم فقراء ياوزير الكهرباء، يتشدقون بأنهم يحمون الصناعة الوطنية، وهم ينهبون وطناً بالكامل ويمتصون دماءه، شجاعة وزير البترول تنقصها الوقوف بقوة أماما مافيا الحديد والأسمنت، شجاعة تنقصها أن يعلن للرأى العام كم مليارا يستهلكون هؤلاء من قوت المصريين، عليه أن يقول لنا كم مليارا تحصل عليها مصانع أحمد عز وحدها من ضرائب المصريين قبل وبعد الثورة.
فلتكن شجاعا أكثر وتعلن للرأى العام عن حجم المواد البترولية التى تستهلكها مصانع الإنتاج الحربى، ولا أقصد هنا التى تصنع المعدات الحربية، إنما أتحدث عن مصانع الثلاجات والبوتاجاز والتليفزيون والأدوات الكهربائية.
لماذا تصمت أمام خبراء الاقتصاد الذين يعلنون مرارا وتكرارا أن الدعم الذى يحصل عليه المواطنون لا يتخطى 10% من الميزانية، والـ90% الأخرى تحصل عليها المصانع الاحتكارية، لماذا تصمت أمام الحكم القضائى الذى قال فى حيثياته إن منجم السكرى وحده حصل على مليار جنيه من المواد البترولية المدعومة، نريد أرقاما حول مناجم الذهب وكم تستهلك من الدعم، وهل لها جدوى اقتصادية لمصر أم لا، كيف تدفع مصر لمنجم السكرى مليار جنيه وتحصل فقط على 19 مليون دولار من إيراداته، هل أصبحنا أغنياء وسفهاء إلى هذه الدرجة، نعطى المليارات لهم ونتسول ثمن إسطوانة البوتاجاز، أيهم أكثر استحقاقا للدعم منجم السكرى أم محلات الفول والطعمية؟
وحول إلغاء دعم البنزين وربطه بالسيارات بداية من موتورات 1600 سى سى وفيما فوق، فهو مؤشر إلى أن الوزير لم يتشاور مع أحد، فهناك سيارات أقل من 1600 سى سى ويبلغ ثمنها 250 ألف جنيه، وسيارات 1600 سى سى يبلغ ثمها 55 ألف جنيه، وهذا القرار سيؤدى إلى رفع أسعار السيارات الأقل من 1600 سى سى، وكان من السهل على الوزير أن يربط الدعم بسعر السيارة دون النظر لقوة محركها، يمكن له أن يرفع الدعم عن كل سيارة تخطى ثمنها الـ100 ألف جنيه، وهذا يوفر أيضا وبنفس القيمة وربما تزيد، فالحوارات المجتمعية تعطى الكثير من الأفكار، وتصل لحلول توافقية، واتخاذ القرارات من المكاتب المكيفة يصل بنا للصدام مع المجتمع، مثلما حدث مع قرار غلق المحال فى العاشرة مساء، وكانت النتيجة إظهار الحكومة بشكل العاجز الذى لا يستطيع أن ينفذ قراراته، فليس من الطبيعى أن تطلب من الشعب مايفوق طاقته، وتمتص الدماء من جسد ميت، وتطلب المال من جيوب خالية، وتسحب الطعام من بطون خاوية.
إذا كانت هذه ملفات أكبر من وزير البترول عليه أن يعلن للرأى العام هذا الكلام، فالضمير أهم من كرسى السلطة، وأحلام الغلابة أكبر من قصر فى مارينا، ورسم البسمة على وجوه البسطاء أفضل ألف مرة من التحيز للرأسمالية الإقطاعية.
أخيرا أنتظر من وزير البترول إعلان سياسة التقشف داخل وزارته نفسها التى تستهلك أيضا الكثير .. وفى هذا حديث آخر.