في الأيام المباركة.. بين الاحتيال والحاجة لـ"التسول" وجوه كثيرة
يعد شهر رمضان موسما سنويا لإعادة ترسيم العلاقات مع الله سبحانه وتعالى، إذ يكون موسما هاما للطاعات والعبادات لا سيما في العشر الأواخر منه، حيث ليلة القدر، لكن وعلى الرغم من ذلك الفضل الكبير، إلا أن هناك سلبيات كثيرة يبتدعها البشر، من بينها قضية التسول الذي يأتي خاصة في مواسم الطاعات والعبادات، مثل شهر رمضان وكذلك الأعياد وغير ذلك من المواسم.
والتسول أصبح قضية ملحة وخطيرة تجتاح المجتمع المصري، خاصة أنها لم تعد تقتصر على الناس العاديين في الشوارع الذين يستعطفون المارة ببعض العبارات، وإنما باتت أيضا تجتاح الإعلام، فالكثير من القنوات الإعلامية تكرس مفهوم التسول عبر القنوات الفضائية، من خلال الإعلانات الكثيرة التي تتخلل المسلسلات ساعات ذروة المشاهدة، ليختلط الحابل بالنابل ولا يعرف من يستحق ممن لا يستحق، لتتوه المعالم ويصبح المجتمع وقد تصدر بصورته الفاضحة.
هذا وقد قام المركز القومي للبحوث بإعداد دراسة قبل ذلك، أثبتت أن هناك مليوني متسول في مصر ويزداد عددهم في الأعياد والمواسم الدينية, وهذا يعني أن هناك ملايين الجنيهات تدور من خلال بيزنس التسول يوميا في مصر, وبمجرد قدوم شهر رمضان والأعياد تجدهم في كل مكان أمام المساجد وفي إشارات المرور وفي المواصلات, وفي كل مكان، كما يكون التسول عبر إنشاء أيضا بعض الجمعيات التي يطلق عليها أنها جمعيات خيرية والتي تقوم بوضع صور لمرضى وذوي عاهات وأطفال يظهرون احتياجهم، وذلك للتوسل وأخذ أموال الناس بالباطل .
ومن الأمور المستحدثة أيضا التسول برسائل عبر المحمول متضمنة رقم الحساب بالبنوك, وكذلك من خلال الإعلانات المتلفزة، التي لا يعرف عن مصدرها وتعرض على الناس لتستعطفهم هي الأخرى، وفي النهاية تذهب الصدقات إلى غير مستحقيها.
خلق تصورات فاضحة للمجتمع المصري
وفي سياق ما سبق أكد الدكتور حسن عماد مكاوي، وكيل المجلس الأعلى للصحافة، أن التسول لم يعد يقتصر على الشوارع في مصر، بل أصبح يحتل شاشات الفضائيات خاصة مع امتداد أيام شهر رمضان ومنذ حلوله، مرورا بالعيد كذلك.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن الكارثة التي تسببها تلك الإعلانات المتسولة هي خلق تصورات فاضحة للمجتمع المصري، الذي يصور على أنه يتسول بكل فئاته، قائلا إن هذه الإعلانات تسئ بشكل ضخم إلى المجتمع، حيث تظهر الكثير من الانتهاكات التي تقع بحق الطفولة والمرأة وغير ذلك.
وشدد على أن السبب الأساسي، هو انعدام التشريعات الإعلامية التي لم توفر إلى الآن البيئة المناسبة لإيجاد الانضباط الحقيقي للمشهد الإعلامي.
مهنة تضيع معها حقوق الفقراء
ومن جانبه أكد الدكتور طه أبو الحسن، أستاذ علم الاجتماع، أن التسول أصبح مهنة تزداد كثيرا في موسم العبادات والطاعات خاصة شهر رمضان والأعياد وغير ذلك ،حيث أن الكثير ممن لا يحتاجون هذه الصدقات ينتهزون الفرصة للنصب على الناس والاستيلاء على أموالهم.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ "الفجر" أن الإشكالية في هذا الأمر تكمن في اختلاط الحابل بالنابل وعدم معرفة الفقراء الذين يستحقون الزكاة والصدقات فعليا، مما يستلزم التصدي والمواجهة بكافة الأشكال، بإجراء دراسات اجتماعية, والعمل على تولي الدولة بنفسها هذا الأمر بحيث تصل الحقوق إلى أهلها الحقيقيين.
وشدد على أن تلك الأمور تتسبب في كوارث شديدة للغاية للمجتمع، حيث تسبب مزيد من الكراهية والبغض من قبل الفئات التي تعاني الفقر المدقع تجاه الفئات التي تملك الأموال بما يسبب كوارث اجتماعية بطلها الفقر ومنع تلك الفئة الحياة الكريمة.
الصدقة عبر عمل مؤسسي
وقال الدكتور عبد العزيز النجار، عضو لجنة الفتوى في الأزهر، إن شهر رمضان يعد من الشهور المباركة التي فرض الله سبحانه وتعالى على عباده القادرين بأن يقدموا زكاة فطرهم إلى الفقراء والمحتاجين، إلا أن هناك ظاهرة تسبب دائما حرجا شديدا ليس فقط للأفراد المزكين، بل تسبب حرجا كبيرا للمجتمع المصري وهي ظاهرة التسول التي تزداد عاما بعد عام.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ "الفجر" أن إخراج الزكاة و الصدقات، لابد أن يكون من خلال عمل مؤسسي موثوق بأن يتم مسح شامل لكل منطقة لمعرفة عدد الفقراء والمحتاجين, بما يجعل جميع الفقراء والمحتاجين محلا لصرف هذه الصدقات، وبالتالي تقطع الطرق على من يتحايلون ويستولون على أموال الناس بالباطل، وان تكون الجهة القائمة بهذا العمل محل ثقة, بان يكون مسئولو هذه الجمعيات فوق مستوي الشبهات، وان يتم اختيارهم بعناية.