ملامح ندم في بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي
قالت صحيفة العرب اللندنية، إنه بعد خمسة أيام على الصدمة التي أحدثها تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي، يحاول القادة المحليون التأكيد على أنهم سيتجنبون أي تسرع في إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي بالنظر إلى البلبلة التي تعيشها المملكة المتحدة.
كانت نتائج الاستفتاء بالنسبة إلى المسؤولين البريطانيين أنفسهم مفاجئة، إذ كان من المستبعد نسبيا أن يتغلب موقف الخروج من الاتحاد الأوروبي على موقف البقاء نظرا إلى خطورة الحدث وتأثيراته العميقة.
وقد انعكس ذلك التفاجؤ في الارتباك الحاصل لدى دوائر القرار البريطانية إزاء استراتيجية الخروج من الاتحاد والبدء في مفاوضات فك الارتباط مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي الذي كانت قبل أسبوع عضوا فيه.
وأظهرت بعض التصريحات الصادرة عن المسؤولين عجز البريطانيين الآن عن اتخاذ أي إجراء عملي للانفصال عن الاتحاد مقابل إصرار من الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوروبي على أن تبدأ لندن بأسرع وقت في بدء إجراءات الخروج.
يرجع المراقبون هذا العجز إلى عدم وجود استراتيجية خروج عند البريطانيين؛ فيما قال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر “لا أدري لماذا تحتاج الحكومة البريطانية إلى الانتظار حتى شهر أكتوبر المقبل لتقرر ما إذا كانت ستوجه رسالة الطلاق إلى بروكسل أم لا، أود الحصول عليها فورا”.
وقد اعترف أحد كبار النواب المحافظين، وهو حليف لجونسون، لشبكة سكاي نيوز الإخبارية، بأن من أيدوا التصويت لفائدة المغادرة “لا يملكون خطة” لإدارة مرحلة ما بعد الخروج، على أمل أن رئاسة الوزراء في داوننغ ستريت وضعت خطة للطوارئ.
بالرغم من الضغوط المتزايدة التي يمارسها المسؤولون الأوروبيون، من غير المتوقع أن يباشر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي آلية الخروج خلال القمة الأوروبية التي تبدأ الثلاثاء في بروكسل وتستمر يومين، بحسب مسؤول أوروبي.
وقال رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، الذي أعلن استقالته إنه لن يتخذ الخطوات الرسمية لإتمام الطلاق من الاتحاد الأوروبي على أساس أن خلفه هو الذي يجب أن يقوم بذلك. ولأن الاستفتاء غير ملزم قانونيا يقترح بعض الساسة إجراء تصويت في البرلمان قبل بدء إجراءات الخروج الرسمية.
لكن مازال اللغط كثيفا على هاشتاغ “التراجع عن الخروج” بشأن ما إذا كانت بريطانيا قد تستطيع إعادة النظر ومحاولة التعامل مع حالة التشكك التي تخيم على القارة الأوروبية في أعقاب التصويت الذي أثار اضطرابات مالية وسياسية؛ حيث انخفض سعر الجنية الإسترليني وأصيب الحزبان الرئيسيان في بريطانيا بالشلل.
وأصبح كاميرون زعيما عاجزا وسعى حزب العمال المعارض الرئيسي في البلاد أمس للانقلاب على زعيمه فاستقال تسعة من أبرز قياداته.
وقال أناند مينون، أستاذ السياسات الأوروبية والشؤون الدولية في كلية كينغز في لندن “هذا الوضع ذو الجوانب والأبعاد المختلفة يتغير ليس في ما يتعلق بعلاقاتنا بأوروبا وحسب وإنما أيضا في ما يتعلق بمن يدير أحزابنا ومن يحكم البلاد وما هي مكوناتها”، وأضاف أنه من الصعب للغاية رؤية الصورة الكاملة.
وبموجب ترتيبات بريطانيا المعقدة لنقل بعض السلطات لاسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية فإن التشريع الذي يصدر في لندن لبدء ترك الاتحاد الأوروبي يجب أن توافق عليه البرلمانات الثلاثة وفقا لتقرير للجنة الاتحاد الأوروبي بمجلس اللوردات.
ورغم أن المادة الـ50 لم تطبق من قبل ناقش مجلس اللوردات كيف يمكن أن ينفذ الخروج من الاتحاد الأوروبي، ونشر في مايو الماضي تقريرا بعد مشاورات مع خبراء قانونيين، وقال ديريك ويات أحد المشاركين في إعداد التقرير إن القانون يسمح لبريطانيا بأن تغير رأيها بعد تفعيل المادة الـ50 وإن كان ذلك صعبا من الناحية السياسية، وقال ويات في التقرير “بموجب القانون يحق لبريطانيا أن تغير رأيها قبل الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وأن تقرر البقاء”.
وحذر وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن من أن بريطانيا لن تطبق المادة الـ50 من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبي إلا في الوقت المناسب، مشددا على أن الاقتصاد البريطاني ليس مستعدا في هذه الآونة لمواجهة تبعات الخروج من أوروبا.
وقال أوزبورن في كلمة مقتضبة في وزارة الخزانة إن “المملكة المتحدة وحدها قادرة على مباشرة تطبيق المادة الـ50 وبرأيي لن نقوم بذلك إلا عندما تتوافر لدينا رؤية واضحة للترتيبات الجديدة مع جيراننا الأوروبيين”.
وأضاف أن كاميرون “بقرار إرجاء تطبيق المادة الـ50 ريثما يتم انتخاب رئيس جديد للحكومة في الخريف، إنما أمهل البلاد بعض الوقت ليتسنى لها اتخاذ القرار حول العلاقة الجديدة التي ستقيمها”.
وحسب مراقبين، فإن هذا التصريح يعد شهادة حية على عجز البريطانيين في المرحلة الراهنة عن تصور مرحلة ما بعد الخروج، وفي دليل آخر على أن قسما من البريطانيين خصوصا الشباب، يجد صعوبة في تقبل نتيجة الاستفتاء، حيث تخطت العريضة التي تطالب بتنظيم استفتاء ثان الثلاثة ملايين توقيع.
وقال دبلوماسيان أوروبيان، رفضا الكشف عن اسميهما، في تصريح لهما للوكالة الفرنسية للأنباء، إن بريطانيا قد لا تباشر أبدا آلية خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وأكّد أحد الدبلوماسيين “اعتقادي الشخصي هو أنهم لن يبلّغوا أبدا الاتحاد الأوروبي بنيتهم الخروج منه”. وقال الدبلوماسي “نريد من لندن أن تباشر العمل بالمادة الـ50 الآن، حتى تتضح الأمور، وبما أنه لا يمكننا إرغامهم على ذلك، أتوقع بالتالي أن يأخذوا وقتهم”. وأضاف “لا أستبعد، وهذا اعتقادي الشخصي، أن لا يفعلوا أبدا”.
وتنص المادة الـ50 من معاهدة لشبونة الموقعة عام 2007 على أنه من أجل الشروع في إجراءات الانسحاب، على بريطانيا إبلاغ المجلس الأوروبي المؤلف من رؤساء دول وحكومات البلدان الأعضاء بنيتها في الخروج من الاتحاد، وأن تتفاوض بعد ذلك على مدى سنتين كحد أقصى في “اتفاق انسحاب”، ولم يتم استخدام هذه المادة حتى الآن.
مقارنة بخطاب التحريض على الخروج من الاتحاد الأوروبي، يلاحظ أن دعاية أنصار الانفصال بدأت في التراجع بشكل ملفت، في تأكيد جديد على أن قرار الخروج من الاتحاد كان موقفا متشنجا ولم يقرأ البريطانيون له حسابا جديا.
يحاول مسؤولون من الحملة الداعية إلى الخروج، ومنهم بوريس جونسون رئيس بلدية لندن السابق، إبطاء العملية. فهم يقولون إنهم يريدون التفاوض على العلاقات المستقبلية لبريطانيا مع الاتحاد قبل الانفصال رسميا عنه.
إذ كتب جونسون، في مقال نشرته صحيفة “ديلي تلغراف”، أن “التغيير الوحيد والذي لن يتم بتسرع هو أن بريطانيا ستخرج من النظام التشريعي المعقد وغير الشفاف في الاتحاد الأوروبي”.
ويقول مسؤولون ومراقبون أوروبيون إن احتمالات هذا الاتفاق ضعيفة بالنظر إلى ما ينطوي عليه من قضايا شائكة، على سبيل المثال من غير المرجح أن يتيح الاتحاد وصول بريطانيا إلى السوق الموحدة – وهو أمر رئيسي للسماح لبريطانيا بتبادل السلع والخدمات مع دوله – دون أن تقبل لندن بحرية حركة العاملين بدول الاتحاد، لكن القضية الأهم لمن صوتوا لصالح الانسحاب من الاتحاد هي القيود على الهجرة التي وعد بها الداعون إلى الخروج.
ويؤكد مراقبون أن الوضع الذي تمر به بريطانيا يعتبر ورطة وضعت فيها البلاد نتيجة التحمس لدعاية الخروج التي لم تكن تملك استراتيجية ورؤية واضحة ومتكاملة إذا ما تمت. فقد كانت حملة غير عقلانية وعاطفية تأثرت بالوضع المؤقت الذي تمر به أوروبا وقد كشف ذلك عن رهبة بريطانية من تحمل مسؤولية الأوضاع الإنسانية مع باقي الدول الأوروبية خاصة في ما يتعلق باللاجئين والمهاجرين الباحثين عن فرص للعمل.
ولئن اعتبر البعض أن هذه التصريحات ليست سوى امتصاص لغضب عارم في الشارع البريطاني خصوصا والأوروبي عموما، إلا أن تقارير ميدانية تؤكد أنه لا خيار للبريطانيين سوى الإبقاء على الوضعية ذاتها لمصالح المواطنين في أوروبا ومصالح الأوربيين في بريطانيا، إذ لا يمكن إنهاء كل شيء في غضون أيام. ويتوازى هذا الواقع مع ضغط أوروبي متصاعد وغاضب على قرار الخروج، يجعل بريطانيا في حالة إحراج.
في هذه الأجواء المشحونة، توجه وزير الخارجية الأميركي جون كيري الاثنين إلى لندن، وكان صرح قبيل سفره بأن الولايات المتحدة كانت “تأمل لو اتخذت بريطانيا قرارا مختلفا”، فيما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن المملكة المتحدة سوف تكون “في الجزء الخلفي من قائمة الانتظار” بشأن المحادثات حول اتفاقيات التجارة الحرة.