تفسير قوله تعالى " ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون "

إسلاميات

تفسير القرآن الكريم
تفسير القرآن الكريم - صورة أرشيفية


( ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون ( 59 ) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ( 60 ) ) 

يقول تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : ( ولا تحسبن ) يا محمد ( الذين كفروا سبقوا ) أي : فاتونا فلا نقدر عليهم ، بل هم تحت قهر قدرتنا وفي قبضة مشيئتنا فلا يعجزوننا ، كما قال تعالى : ( أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون ) [ العنكبوت : 4 ] أي : يظنون ، وقال تعالى : ( لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير ) [ النور : 57 ] ، وقال تعالى ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ) [ آل عمران : 196 ، 197 ] . 

ثم أمر تعالى بإعداد آلات الحرب لمقاتلتهم حسب الطاقة والإمكان والاستطاعة ، فقال : ( وأعدوا لهم ما استطعتم ) أي : مهما أمكنكم ، ( من قوة ومن رباط الخيل ) 

قال الإمام أحمد : حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أبي علي ثمامة بن شفي ، أنه سمع عقبة بن عامر يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو على المنبر : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي 

رواه مسلم ، عن هارون بن معروف ، وأبو داود عن سعيد بن منصور ، وابن ماجه عن يونس بن عبد الأعلى ، ثلاثتهم عن عبد الله بن وهب ، به . 

ولهذا الحديث طرق أخر ، عن عقبة بن عامر ، منها ما رواه الترمذي ، من حديث صالح بن كيسان ، عن رجل ، عنه . 

وروى الإمام أحمد وأهل السنن ، عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ارموا واركبوا ، وأن ترموا خير من أن تركبوا 

وقال الإمام مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الخيل لثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر ؛ فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله ، فأطال لها في مرج - أو : روضة - فما أصابت في طيلها ذلك من المرج - أو : الروضة - كانت له حسنات ، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ، ولم يرد أن يسقي به ، كان ذلك حسنات له ؛ فهي لذلك الرجل أجر . ورجل ربطها تغنيا وتعففا ، ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها ، فهي له ستر ، ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء فهي على ذلك وزر . وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحمر فقال : ما أنزل الله علي فيها شيئا إلا هذه الآية الجامعة الفاذة : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [ الزلزلة : 7 ، 8 ] . 

رواه البخاري - وهذا لفظه - ومسلم ، كلاهما من حديث مالك . 

وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، أخبرنا شريك ، عن الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان ؛ عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الخيل ثلاثة : ففرس للرحمن ، وفرس للشيطان ، وفرس للإنسان ، فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله ، فعلفه وروثه وبوله ، وذكر ما شاء الله . وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أو يراهن عليه ، وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها ، فهي ستر من فقر . 

وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الرمي أفضل من ركوب الخيل ، وذهب الإمام مالك إلى أن الركوب أفضل من الرمي ، وقول الجمهور أقوى للحديث ، والله أعلم . 

وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج وهشام قالا حدثنا ليث ، حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن ابن شماسة : أن معاوية بن حديج مر على أبي ذر ، وهو قائم عند فرس له ، فسأله ما تعالج من فرسك هذا ؟ فقال : إني أظن أن هذا الفرس قد استجيب له دعوته ! قال : وما دعاء بهيمة من البهائم ؟ قال : والذي نفسي بيده ما من فرس إلا وهو يدعو كل سحر فيقول : اللهم أنت خولتني عبدا من عبادك ، وجعلت رزقي بيده ، فاجعلني أحب إليه من أهله وماله وولده 

قال : وحدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبد الحميد بن جعفر ؛ حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن سويد بن قيس ؛ عن معاوية بن حديج ؛ عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنه [ ص: 82 ] ليس من فرس عربي إلا يؤذن له مع كل فجر ، يدعو بدعوتين ، يقول : اللهم إنك خولتني من خولتني من بني آدم ، فاجعلني من أحب أهله وماله إليه - أو - أحب أهله وماله إليه . 

رواه النسائي ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن يحيى القطان ، به . 

وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا يحيى بن حمزة ، حدثنا المطعم بن المقدام الصنعاني ، عن الحسن بن أبي الحسن أنه قال لابن الحنظلية - يعني : سهلا - : حدثنا حديثا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، وأهلها معانون عليها ، ومن ربط فرسا في سبيل الله كانت النفقة عليه ، كالماد يده بالصدقة لا يقبضها . 

والأحاديث الواردة في فضل ارتباط الخيل كثيرة ، وفي صحيح البخاري ، عن عروة بن أبي الجعد البارقي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة : الأجر والمغنم . 

وقوله : ترهبون أي : تخوفون ( به عدو الله وعدوكم ) أي من الكفار ( وآخرين من دونهم ) قال مجاهد : يعني قريظة ، وقال السدي : فارس ، وقال سفيان الثوري : قال ابن يمان : هم الشياطين التي في الدور . وقد ورد حديث بمثل ذلك ، قال ابن أبي حاتم : 

حدثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصي ، حدثنا أبو حيوة - يعني شريح بن يزيد المقرئ - حدثنا سعيد بن سنان ، عن ابن عريب - يعني يزيد بن عبد الله بن عريب - عن أبيه ، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في قوله : ( وآخرين من دونهم لا تعلمونهم ) قال : هم الجن . 

ورواه الطبراني ، عن إبراهيم بن دحيم ؛ عن أبيه ، عن محمد بن شعيب ؛ عن سعيد بن سنان عن يزيد بن عبد الله بن عريب ، به ، وزاد : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يخبل بيت فيه عتيق من الخيل . 

وهذا الحديث منكر ، لا يصح إسناده ولا متنه . 

وقال مقاتل بن حيان ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم المنافقون . 

وهذا أشبه الأقوال ، ويشهد له قوله : ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) [ التوبة : 101 ] . 

وقوله : ( وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ) أي : مهما أنفقتم في الجهاد ، فإنه يوفى إليكم على التمام والكمال ، ولهذا جاء في حديث رواه أبو داود : أن الدرهم يضاعف ثوابه في سبيل الله إلى سبعمائة ضعف كما تقدم في قوله تعالى : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) [ البقرة : 261 ] . 

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، حدثنا الأشعث بن إسحاق ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر ألا يتصدق إلا على أهل الإسلام ، حتى نزلت : ( وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم ) فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين . وهذا أيضا غريب .