شيطان رمضان

العدد الأسبوعي

يحيى الفخرانى
يحيى الفخرانى

«ونوس» مانيفستو تمصير الأعمال العالمية


لا شك أن موسم رمضان 2016 متفرد بعدد من المسلسلات التى تعرض خلاله، من هذه المسلسلات – وإن لم يكن على رأسها- «ونوس» الذى يعود من خلاله يحيى الفخرانى الأب وشادى الابن مع عبد الرحيم كمال للموسم بمعالجة شديدة المصرية لقصة شعبية من ألمانيا هى «فاوست» وذلك بعد «دهشة» الذى جمع الثلاثى المتفوق عام 2014 ويستمر النجاح حتى الآن فى الموسم الجارى، والذى على الرغم من كونه مازال فى البدايات إلا أن هناك بعض الأعمال تكفيها البداية للحكم عليها، «ونوس» على رأسها.

فى البداية أسطورة «فاوست» هى الأساس، ليس لمسرحية المؤلف الألمانى الشهير يوهان جوته التى تعد النسخة الأشهر والأكثر انتشارًا فى العالم فقط بل لعدد آخر من المؤلفين ومسرحياتهم برؤى ونهايات وتفاصيل مختلفة، حتى جوته نفسه كتب مسرحيته الشهيرة على مراحل ونقحها أكثر من مرة، حتى وصلت للشكل الذى ارتضاه فى النهاية فأحرق المسودات القديمة واعتمد واحدة، والمسودات القديمة وجد نسخة منها فيما بعد.

المسرحيات المتعددة التى تلعب على شخصية فاوست فى أحداثها الرئيسية بداية من القرن الـ16 الميلادى، تبدو وكأنها مسرحيات يونانية قديمة، مكتوبة خصيصًا للتركيز على الجانب الدينى وتأكيداً على الصراع الدنيوى بين الإنسان والمعرفة من جهة والإنسان والشيطان رمز الغواية من جهة أخرى، الأحداث شديدة المأساوية ومتشابكة ينغمس فيها فاوست شيئًا فشيئًا مرتكبًا الكثير من المعاصى والخطايا لكنه عند مرحلة يتوقف ويبدأ فى التطهر ليحاول التخلص من ذنوبه.

التناول الحديث لفاوست مختلف جدًا، ابتعد عن التأثير الدينى القوى وركز على الماديات والشهوات، صناع مسلسل «ونوس» على علم تام بذلك وصنعوا من نسخة جوته ما يناسبهم عالمين تمامًا بتفردهم عندما وقع اختيارهم على المسرحية العريقة لتكون قلب عملهم، على الرغم من أن التناول الغربى لها مرفوض تقريبًا على المستوى الرسمى فى مصر، سبق أن منع فيلم Devil’s Advocate من دور العرض وأصبح حساسية فيما يتعلق بتجسيد الشيطان على الشاشة بعد أن كان أمرًا عاديا فى مرحلة سابقة فعلها عادل أدهم فى «المرأة التى غلبت الشيطان» وفعلها قبله يوسف وهبى فى «سفير جهنم» وهو الفيلم الذى ظهرت مشاهده فى التليفزيون الذى يشاهدها أطفال عائلة ياقوت «نبيل الحلفاوى» ويضحكون عليها خلال أحداث الحلقة الأولى من المسلسل.

الإشارة فى الحلقة الأولى تؤكد جراءة الصناع، واختلاف رؤيتهم عما سبق والتأكيد أيضًا على البعد العصرى الحالى، على الرغم من التزامهم بالأحداث الرئيسية فيما يختارونه من أعمال و»دهشة» خير مثال على ذلك، جراءة الاختيار القصة لا يكتمل بدون ممثلين كبار يقفان كضدين بينهما صراع فى الأداء يتصاعد مع مرور كل لحظة من لحظات الحكاية، بالنسبة لدور فاوست لا مشكلة فى اختياره لكن المشكلة عندنا تحديدًا هى وقوع الاختيار على مسلسل ليقدم الشيطان ليس لأسباب رقابية أو ما شابه بل لأن كمية الشر التى ستخرج منه قد تتسبب فى كراهية الجمهور له، وقبول الدور بالطبع مخاطرة أكم من ممثلين تدمر مستقبلهم الفنى بسبب دور شرير لم يهربوا من سطوته مهما حاولوا.

الفخرانى الكبير لها بالطبع، سواء على ناحية الأداء أو من ناحية تقبل الجمهور لوجوده فى حذاء الشيطان، وأمامه نبيل الحلفاوى بكل ما يحمله من ثقل وقدرة وخبرة وموهبة، معهم كتيبة من الممثلين من شرائح عمرية مختلفة هالة صدقى تعود للتمثيل وتلمع مرة أخرى بعد سنوات من أدوار لم تظهرها فى حجم موهبتها الحقيقية وحنان مطاوع وشيماء السعيد ومحمد شاهين والقائمة تطول، وإلى جانب الحوار الذى يأتى فى صورة مسرحية فقراته طويلة بعض الشىء، ويتحول ليكون مواجهة حادة بين اثنين، أو مناجاة بين الشخصية نفسها، ليجتمع كل ذلك عند شادى الفخرانى فى النهاية ليقدم الفريق بالكامل عاملاً سيظل مخلداً لوقت طويل فى الدراما التليفزيونية المصرية مثله مثل «دهشة» وسيكونان مانفيستو لمن يرغب فى تناول عمل عالمى فى مسلسل فيما بعد.