عادل حمودة يكتب: داليا خورشيد وزيرة منتهية الصلاحية

مقالات الرأي



■ شخصية بنكية رشحتها لوزارة الاستثمار وأقنعتها فى دبى بقبول المنصب

■ ناصف ساويرس الذى كانت تعمل فى شركته فوجئ باختيارها فى الحكومة.. وزارته فى لندن أكثر من مرة بعد أن حلفت اليمين

■ نقلت مكتبها من الدور الرابع إلى الدور الخامس لأن مكتب رئيس هيئة الاستثمار أكبر من مكتبها وسبب النقل حالة من الفوضى والارتباك بين الموظفين الذين نقلتهم من جانبها

■ جاءت بسكرتارية وسفرجية وأمن ومدير مكتب من شركات خاصة لتستمتع بمظاهر المنصب دون أن تعرف كيف ستنجح فيه؟


أريد سببا واحدا يبرر اختيار داليا خورشيد وزيرا للاستثمار غير ابتسامتها المزمنة التى لا مبرر لها فى كثير من الأحيان.

أريد مستثمرًا واحدًا يقدم ولو نصف شهادة خبرة تزكيها وتنصفها وتدعمها.

بل.. أريد شهادة منها ــ تحت القسم ــ أنها تصلح لهذا المنصب الحرج فى وقت يختنق فيه الاستثمار وتتراجع معدلاته وتتفجر مشاكله.

ولو كنت من رئيس الحكومة لطلبت من جهات الإحصاء استفتاء حول تعيينها بين أصحاب الشأن وسيجد إجماعا على أنها ستجهز على ما تبقى من استثمار.

وعندما سألت عنها لم أجد سوى كلمة واحدة أعتذر عن ذكرها.

لقد درست إدارة الأعمال فى الجامعة الأمريكية لتدخل عالم البنوك التجارية قبل أن تتولى مهمة توفير السيولة النقدية لمجموعة «أوراسكوم للإنشاءات» التى يرأسها ناصف ساويرس وأكاد أجزم أنه فوجئ باختيارها وزيرة وإن كانت تحرص على زيارته فى لندن خلال يومى الخميس والجمعة قبل أن تعود إلى مكتبها فى «مدينة نصر» صباح السبت.

واللافت أنها لم تتقدم باستقالتها من شركته فور حلف اليمين أمام الرئيس وظلت لفترة من الوقت تساوم على مكافأة نهاية الخدمة ضاربة عرض الحائط بكل التقاليد الوزارية المستقرة.

ليس فى سيرتها المهنية ما يؤهلها لتولى وزارة الاستثمار «إلا» إذا كانت علاقتها المتينة بشخصيات مؤثرة فى البنوك العامة قد رشحتها للمنصب وضغطت عليها لتوليه خلال رحلة أخيرة فى دبى.

وأمام إجماع بأنها منتهية الصلاحية بدا أنها قررت الاستمتاع بمظاهر المنصب ولو بقيت فيه شهورًا قليلة.. نقلت مكتبها ــ بعد تغيير ديكوراته ــ من الدور الرابع إلى الدور الخامس لأن مكتب رئيس هيئة الاستثمار أكبر من مكتبها.

وأدى ذلك الانقلاب إلى تشريد موظفى الدور الخامس إلى أدوار أخرى وترتب على ذلك ــ بجانب تضييع الوقت ــ فوضى فى الملفات وأجهزة الكمبيوتر بكل ما عليها من معلومات.

واهتمت باختيار طاقم جديد من السفرجية والأمن والسكرتارية وجاءت بمدير لمكتبها من إحدى الشركات الخاصة.

والأخطر.. أنها عينت محمد خضير رئيسا لهيئة الاستثمار وهو خريج حقوق عمل فى شركة محاماة خليجية لمدة عشرين سنة وتولى مكتبها فى القاهرة مؤخرا.. ولا شك أن خبرته فى ذلك معدومة الصلة بالاستثمار.. ولا تؤهله للمنصب.

أما مبررها المعلن: أنه بخلفيته القانونية سيسهم فى حل نزاعات المستثمرين مع الهيئة وهو تبرير لا يقف على قدميه فهو مجرد عضو فى اللجنة الوزارية لفض منازعات الاستثمار التى يرأسها وزير العدل ويساهم فى عضويتها وزراء الصناعة والتنمية المحلية والمالية والإسكان بجانب أمين عام مجلس الوزراء ورئيس هيئة مجلس الوزراء.

وتمثل الوزيرة الأمانة الفنية للجنة.. وتضم تلك الأمانة 12 عضوا.. نصفهم من اختيارها.. والنصف الآخر ينتمى إلى وزارة العدل.. وقد قررت الوزيرة التى لا تجد لنفسها عملا مناسبا فى منصبها أن تجتمع الأمانة الفنية كل أسبوع دون أن تدرك أن أسبوعا لا يكفى لدراسة الملفات قبل عرضها على اللجنة.. وعادة ما كان اجتماع الأمانة كل ثلاثة أسابيع.. وكثيرا ما حلت منازعات فى هدوء دون الصخب الذى تحدثه.

لقد سويت 432 منازعة من بين 672 حالة بجانب 112 شكوى جديدة لم يفصل فيها.. ونجح الوزير السابق أشرف سالمان فى حل 5 قضايا تحكيم.. ما أدى إلى قيام أصحابها بضخ أموال إضافية فى شركاتهم قدرت بالمليارات.

لكن.. قضايا التحكيم مسئول عنها لجنة أخرى يرأسها شريف إسماعيل بصفته ويتولى المستشار مصطفى البهبيتى أمانتها الفنية.

ولا شك أن تسوية تلك القضايا يؤثر فى مناخ الاستثمار.. لكنها.. ليست المهمة الوحيدة لمعالى الوزيرة.

لقد فصلت وزارة الاستثمار فى أولى حكومات أحمد نظيف على مقاس محمود صفوت محيى الدين الشهير بمحمود محيى الدين فى عام 2004 لتكون سندا لتوريث صديقه جمال مبارك الحكم بإصلاح مناخ الاستثمار وتطوير الهيئات المالية وسوق المال وشركات التأمين وإدارة أصول قطاع الأعمال المملوك للدولة.. وفى المقابل ألغيت وزارة الاقتصاد.. ونقل يوسف بطرس غالى إلى وزارة المالية وكان هو الآخر من «شلة» التوريث وأحد أعمدته القوية.. وألغيت وزارة قطاع الأعمال وخرج منها مختار خطاب إلى بيته.

وجاء محمود محيى الدين بصديقه وشريكه السابق فى مكتب خاص زياد بهاء الدين ليكون رئيسا لهيئة الاستثمار.. ويجيد زياد بهاء الدين التحليلات الاقتصادية النظرية ويصعب عليه فى كثير من الأحيان ترجمتها إلى سياسات واقعية.. لكنه.. نجح فى هيئة الاستثمار عندما استعان بمساعدين ونواب موهوبين «منهم رجل البنوك محمود عطا الله» حققوا معجزة بكل المقاييس.. ففى ثلاث سنوات زادت تدفقات الاستثمار بنسبة «40 %» واسست نصف مليون شركة وتوسعات شركات قائمة.

وشعر محمود محيى الدين بالغيرة من نجوم الهيئة الذين حققوا نجاحها فقرر التخلص منهم وحتى لا ينكشف صديقه زياد بهاء الدين أقنعه بترك هيئة الاستثمار وعينه رئيسا لهيئة الرقابة المالية وجاء أسامة صالح ليحل محله.

تأسست هيئة الرقابة المالية عام 2009 لتشرف على سوق المال والبورصة وقطاع التأمين والتمويل التأجيرى.. وما أن قامت ثورة يناير «2011» حتى سلمها زياد بهاء الدين إلى رئيس الحكومة وقتها أحمد شفيق موصيا بأشرف الشرقاوى ليخلفه فى رئاستها.

وما أن وصل الإخوان إلى الحكم حتى راح أشرف الشرقاوى يحج كل صباح إلى مكتب خيرت الشاطر حتى يبقيه فى مكانه.. وبعد ثورة يونيو «3013» أقيل من منصبه ليتولاه شريف سامى.. أما هو فقد حقق معجزة مثيرة للدهشة باختياره فى الحكومة الحالية وزيرا لقطاع الأعمال بعد فصله عن وزارة الاستثمار.

وفى الحكومة الحالية أيضا فصلت هيئة الرقابة المالية عن وزارة الاستثمار وعين شريف سامى رئيسا لها.. لتبقى هيئة الاستثمار وحدها فى وزارة الاستثمار.. فى حالة إزدواجية لا تفسير لها.. فلو كانت الهيئة مسئولة عن الاستثمار فما دور الوزارة؟.. ولو كانت الوزارة هى المسئولة فما دور الهيئة؟.. هل الحكومة ناقصة وزراء؟.. هل المشرحة ناقصة جثث؟!

وربما تفسر هذه الازدواجية اختيار الوزيرة لرئيس هيئة بعيدا عن مجالها.. لكن.. السؤال : هل الوزيرة قريبة من هذا المجال؟

العقل والمنطق يدعمان إلغاء الوزارة والاكتفاء بالهيئة بشرط تعيين من يصلح رئيسا لها.

وما يؤكد ذلك أن الوزيرة التى لا تجد مبررًا لوجودها تتدخل فى عمل غيرها مثيرة لمشاكل ومتاعب وصراعات نحن فى غنى عنها.

تحاول أن تتدخل فى تسوية منازعات الاستثمار فتجد من وزير العدل «المستشار حسام عبد الرحيم» تحذيرا يجبرها على الابتعاد.

تصرح بأنها تسعى إلى بيع شركات عامة فى البورصة فلا تجد آذنا مصغية من وزير قطاع الأعمال.

لقد قررت الحكومة ــ قبل نهاية العام الجارى خصخصة «المصرف المتحد» المملوك بالكامل للبنك المركزى ببيعه لمستثمر رئيسى بجانب بيع «20 %» من أسهم بنك القاهرة فى البورصة.. لكن.. ذلك بالقطع لا يحل مشاكل شركات قطاع الأعمال ولا يخفف من متاعبها.

إن لدينا 125 شركة عامة منها 68 شركة خاسرة.. وما عرض أشرف الشرقاوى من حلول لها غير مقنعة.

عرض «توريق» الشركات بأن تصدر سندات تباع فى البورصة تساهم فى إنقاذها.. لكن.. لا أحد سيقبل على شراء سندات شركات خاسرة.. ولو بيعت الشركات الرابحة فإن ما سيتوفر من مال سيتسرب إلى بالوعة الشركات الخاسرة.

وعرض «التخصيم» بمعنى بيع ديون الشركات الخاسرة بنسبة «80 %» لشركات متخصصة تعيد بيع الديون إلى الحكومة محققة «20 %» ربحا.. واستلهم الفكرة على ما يبدو من بيع ديون مصر دون أن يدرك أن وجود جمال مبارك وسيطا فى شراء وبيع الديون هو ما حقق نجاح الفكرة.. لكن.. من المجنون الذى سيشترى الآن ديونا يعرف مقدما أنه لن ينجح فى بيعها للحكومة؟

وعرض «التأجير التمويلى».. والمقصود أن يأتى مستثمر خاص ويؤجر مصنعا بالإيجار على أن يمتلكه بعد سنوات طوال قد تصل إلى عشرين سنة.. لكن.. لن تنجح الفكرة إلا مع الشركات الرابحة.. فلن يؤجر أحد شركة خاسرة تستنزف أمواله دون عائد متوقع.

وسبق أن عرض محمود محيى الدين فكرة الصكوك.. لكنها.. قوبلت بهجوم شديد.. وكشفت عن سوء نية فى استيلاء جماعة التوريث عليها.. فكان أن ألغاها مبارك.. وأطاح بمحمود محيى الدين الذى ترك مصر فى وقت مناسب ليعمل فى البنك الدولى وإن تعددت زياراته إليها مؤخرا مشيعا أنه عرض عليه رئاسة الحكومة ورفض.

وربما كان أفضل اقتراح جاء منه تأسيس صندوق سيادى للشركات العامة تضخ فيه الحكومة من خمسة إلى عشرة مليارات جنيه وتساعد فيه الشركات الرابحة الشركات الخاسرة وتساهم فى تطويرها وتحديثها حتى تقف على قدميها.

إنها فطنة مبكرة من شريف إسماعيل أن يقصر صلاحيات داليا خورشيد على هيئة الاستثمار.. فالمؤكد أنها كانت ستزيد من متاعب قطاع الأعمال وهيئة الرقابة المالية لو بقيت فى وزارتها.. « نصف العمى ولا العمى كله».. لكن.. السؤال الذى يظل بلا أجابة: من اختارها لمنصبها وهى غير مؤهلة للقيام به؟.. إننا نسعى جاهدين للقضاء على العشوائيات السكنية فلم لا ننفذ السياسية نفسها فى اختيار المناصب الوزارية؟

لا تزال هناك علامات استفهام وتعجب على اختيار الوزراء.. ولا تزال حالة عدم التجانس سائدة بينهم.. ويكاد لا يوجد واحد منهم إلا ويهاجم غيره.. وهم يعرفون أن تليفوناتهم «مركوبة».. فيلجئون إلى وسائل الاتصال غير المباشرة.. واتس آب.. ماسينجر.. فيس تايم.. مثلا.

إن داليا خورشيد ستكون فى تقديرى آخر وزراء الاستثمار.. ولكن.. حسب معلوماتى أنها ربما لا تخرج منها سليمة فاللغط عليها كثير.

ومن حسن حظ وزير الاستثمار السابق أشرف سالمان أن داليا خورشيد جاءت بعده لنحلف بحياته.. ونشيد بإنجازاته.

حسب تقرير رفع لجهات مختلفة سعى أشرف سالمان إلى حل مشاكل بيروقراطية لمجموعات من المستثمرين «من مصر والإمارات والسعودية» ساعد على ضخ 6.5 مليار دولار.. وسعى إلى إصلاح منظومة الإدارة فى هيئة الاستثمار ودرب موظفى قطاع الترويج وقطاع المحافظات على مزيد من الخبرات.. وبذل مجهودا لافتًا فى تطبيق منظومة «الشباك الواحد» وافتتح المسار السريع «فاست تراك» لتأسيس الشركة فى ساعتين وربط هيئة الاستثمار إلكترونيا بالسجل التجارى والإفراج الجمركى والملف التأمينى مقابل ألفى جنيه.

ونجح فى ميكنة شهادة «عدم الالتباس» من خلال الإنترنت وشكل لجنة خاصة لرفع ترتيب مصر فى قائمة الاستثمار.

إن تلك الإنجازات تضع داليا خورشيد فى حرج شديد.. لكن.. هل ستشعر به؟