كيف تحدث ظاهرة الشفق القطبي ؟
الشفق القطبي من أجمل الظواهر الطبيعية التي تحدث على وجه الأرض، للوهلة الأولى تبدو كأنها صورة أو منظر خيالي ينتمي لأحد القصص الخرافية، لكنها ليست سوى برهان قدرة الله عز وجل وعظمته، في ظلام الليل القطبي الدامس تظهر هذه الأضواء البراقة لتضيء السماء وتخطف أنظار من يراها، تبدو كأنها حوريات سماوية هبطت إلى الأرض لتضفي عليها بعض من سحرها وروعتها، أو مجموعة من الألعاب النارية التي صممت بمنتهى الدقة والإبداع، منذ قديم الأزل انتبه إليها الإنسان وحاول تفسيرها جاهداً، فظهرت العديد من الأساطير والخرافات حول حقيقة الأضواء القطبية، إلى أن تمكن العلم من تفسيرها وتوضيح أسبابها، إن كنت ترغب في التعرف عليها أكثر فتابع المقال التالي.
** ما هو الشفق القطبي
الشفق القطبي أو أنوار القطب أو الفجر القطبي، جميعها أسماء تطلق على الأنوار التي تظهر في منطقة القطب الشمالي بعد غروب الشمس، لتنير السماء مرة أخرى، فتبدو وكأنها لوحة مرسومة بيدي أعظم فناني العالم، لكن الحقيقة أن السبب الرئيسي في حدوث هذه الأنوار هو الأشعة القادمة من الشمس إلى الأرض، أي أنها لا تحدث داخل الأرض بل في الغلاف الجوي الخارجي، لذلك يُمكن القول أنها ظاهرة فلكية بديعة تستقطب عشاق الفلك والكون من أنحاء العالم لمشاهدتها ومتابعتها.
تبدأ هذه الأنوار في الظهور بعد مغيب الشمس بنصف ساعة وأحياناً تستمر حتى ظهورها مرة أخرى، وفي أحيان أخرى تظهر قبل شروقها فقط.
تختلف الأشعة الظاهرة من وقت لأخر وحتى في نفس وقت الظهور، لا يتطابق شفقان في الشكل واللون مهما حدث حتى لو اتخذوا نمط متشابه، فأحياناً تظهر الأنوار على شكل أشعة ضوئية تشبه السهام الصاعدة للسماء، وأحياناً أخرى تظهر على هيئة أقواس لونية شفافة تستمر في السماء لمدة نصف ساعة قبل أن تتحرك لأعلى، ليحل محلها أقواس أخرى.
** أشكال الشفق القطبي
يتميز الشفق القطبي بشكلين أساسين، الشفق الشريطي وتظهر فيه الأضواء على هيئة أقواس وشرائط طويلة في السماء، والشفق الغيمي، ويكون عبارة عن أضواء ملونة تغطي مساحة كاملة من السماء كأنها سحب وغيوم شفافة ملونة.
يظهر الشفق عادة إما باللون الأخضر أو الأحمر أو الأصفر أو الأزرق، أما باقي الألوان فتظهر عند اختلاط أقواس الشفق وظهور الانثناءات والغيوم الضوئية.
الشكل الشريطي للشفق عادة ما يغطي مساحة شاسعة من السماء تمتد لعدة آلاف من الكيلو مترات، بينما عرضه يكون عدة أمتار أو مئات الأمتار فقط، عند ظهوره تبدأ عدة ثنايا ضوئية في الظهور ثم تتطابق وتتجمع مع بعضها البعض مكونة ما يُعرف بالحزم الضوئية، وتمتد لعدة كيلو مترات.
بعد ذلك تبدأ الحزم الشعاعية في إحداث إشعاعات وردية اللون تمتد لآلاف الكيلو مترات، وتستمر حتى ينتهي نشاط الشفق الشريطي، فيتبعثر شكله مكوناً شفق غيمي غير منظم.
** كيف يحدث الشفق القطبي
كما ذكرنا سابقاً، الشفق القطبي يحدث بشكل أساسي بسبب الشمس والتفاعلات التي تحدث على سطحها، لذلك كي نفهم طريقة حدوثه لابد أن نفهم ما يحدث على سطح الشمس أولاً.
الشمس تتكون من ثلاثة طبقات هي الطبقة الضوئية والطبقة اللونية وطبقة الإكليل، سطح الشمس ليس هادئاً ومسالماً كما يبدو لنا على الأرض، بل يذخر بالتفاعلات الكيميائية والتي تعتبر المصدر الأساسي للضوء والحرارة الواصلة للأرض.
يصل النشاط الشمسي لذروته مرة كل 11 عام ما يسبب حدوث كلف شمسي، بالإضافة لحدوث العواصف والرياح الشمسية، كما تظهر أيضاً بعض النتوءات والصياخد الشمسية المتفجرة، يعادل قوة كل واحد منها قوة انفجار مليوني مليار طن من المواد المتفجرة!
ترسل هذه الصياخد المتفجرة العديد من الإشعاعات للأرض مثل الأشعة السينية وأشعة جاما بالإضافة لبروتونات وإلكترونات ذات شحنات مرتفعة.
الرياح الشمسية شديدة القوة والدمار، إذا وصلت إلى الأرض دون أن تجد ما يحجبها لدمرتها وأنهت الحياة بها على الفور، لذلك من رحمة الله تعالى أن جعل للأرض غلافاً مغناطيسياً يحميها ويمنع هذه الرياح والأيونات الشمسية من الدخول إليها.
لكن هذا لا ينفي تأثيرها، فعندما تصل للغلاف المغناطيسي تتفاعل الالكترونات مع العناصر الموجودة به مثل الهيدروجين والنيتروجين والأكسجين مُحدثة ما نراه من أضواء وألوان مبهجة.
** الشفق القطبي في الأساطير القديمة
قدمت الشعوب القديمة التي تمكنت من رؤية الشفق القطبي تفسيرات مختلفة لهذه الأضواء، جميعها كانت مجرد أساطير لا أصل لها من الصحة، إنما كانت نسج خيالهم لا أكثر.
فقد ظن الإسكيمو أن الشفق ليس إلا كائن فضائي يتمتع بفضول عالي ويأتي كي يتجسس عليهم، لذلك اعتقدوا أنهم كلما تهامسوا وتحدثوا بأصوات خافتة كلما اقتربت الأضواء منهم أكثر.
أما الرومان فقد قدسوا الشفق القطبي وأسموه “اوروروا” واعتبروها إله الفجر، وأخت القمر، وكانت تأتي إليهم بصحبة ابنها “النسيم”، وقدومها كان يُعلن عن قدوم إله آخر وهو “أبوللو” إله الحكمة والفطنة، والذي يحمل معه الشمس ونورها.