"سعد الدين الشاذلي".. بطل سطر اسمه في سجل التاريخ بحروف من نور
لعلك تظن أنه بطلًا لأفلام أمريكية، فوجهه يعبر عن كاريزما المحارب العبقري، بالفعل هو سعد الدين الشاذلي، العمود الفقري لحرب أكتوبر 1973، شغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في الفترة ما بين 16 مايو 1971 وحتى 13 ديسمبر 1973، ودوره كان بارزا منذ بداية التخطيط لها عقب تولي محمد أنور السادات رئاسة الجمهورية.
اسمه بالكامل سعد الدين محمد الحسيني الشاذلي، وولد 1 أبريل 1922، وولد بقرية شبراتنا مركز بسيون في محافظة الغربية، وتخرج من الكلية الحربية في يوليو 1940 برتبة ملازم في سلاح المشاة، درس في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي كيفية الإعداد العلوم العسكرية، مما رفع من كفاءته وقدرته العسكرية، هذا إلى جانب تاريخه بجانب الضباط الأحرار ودروه في صد هجمات الاستعمار الفرنسي أثناء قيادته كتيبة المظلات التابعة للأمم المتحدة في الكونغو في ستينيات القرن الماضي.
كيف جهز لحرب العاشر من رمضان؟
بعد أن عينه السادات رئيسا للأركان، بدأ الشاذلي في التحرك بفاعلية نحو الدول العربية حتى يتلقى المساعدات والإمداد، للتخلص من الاحتلال الإسرئيلي، ففي فبراير 1972، ذهب إلى الجزائر من أجل طلب الدعم العربي لمواجهة إسرائيل، فأخبره المسؤولون الجزائريون أنهم عندما سحبوا لواء المشاة على إثر تدهور العلاقات الجزائرية – المصرية بعد هزيمة يونيو 1967، فإنهم سحبوا أفراد اللواء ومعهم أسلحتهم الشخصية فقط، وتركوا جميع أسلحة اللواء الثقيلة في مصر، وأنهم لا يريدون هذه الأسلحة، وإنما يريدون إخطارا بتسلمها.
وعدهم الشاذلي بتسوية الأمر حال رجوعه إلى مصر، هو لم يكن يعلم بهذا الامر من قبل، وبالفعل قدمت وثيقة إلى الجزائر تثبت تسلم الأسلحة، وقابلها الجزائريون بالشكر.
الشاذلي في العراق
وخلال نفس العام زار الشاذلي بغداد في 26 مايو و2 يوليو 1972، والتقى الرئيس العراقي أحمد حسن البكر، وطرح مشاركة العراق في حرب محتملة ضد إسرائيل، وكان الجانب العراقي يرى أن العراق يواجه مشكلتين رئيسيتين، الأولى: النزاع مع إيران حول شط العرب في الجنوب، والثانية: الثورة الكردية في الشمال، وأن على العراق الاحتفاظ بقواته قرب هذه المناطق، لكنه على استعداد لأن يرسل قوات عسكرية حال نشوب الحرب.
وكانت تداعيات زيارة الشاذلي للعراق، إرسال العراق سربان من طائرات "هوكر هنتر" في نهاية مارس 1973، وحينما بدأت الحرب كُلفت الطائرات العراقية بواجبات في الضربة الأولى، ويذكر الفريق سعد الدين الشاذلي أن القوات البرية المصرية كانت ترفع طلباتها بالقول "نريد السرب العراقي"، أو "نريد سرب الهوكر هنتر"، وهو ما اعتبره الشاذلي شهادة لكفاءة السرب العراقي وحسن أدائه خلال حرب أكتوبر.
الشاذلي والعلاقة مع كوريا الشمالية
بالرغم من المساعدات العربية إلا أنه أراد أن يحسن العلاقات المصرية مع بعض الدول الأجنبية، ففي مارس 1973 زار نائب رئيس جمهورية كوريا الشمالية مصر وبرفقته وزير الدفاع، وخلال الزيارة عرض الشاذلي على وزير الدفاع الكوري فكرة إرسال طيارين كوريين، وأن ذلك سيحل مشكلة نقص الطيارين، وسيمنح الكوريين خبرة قتالية، لكون الإسرائيليين يستخدمون نفس الطائرات والتكتيكات التي من المنتظر أن يستخدمها الاتحاد السوفييتي.
وبعد أسبوعين، وصل الرد بالموافقة على الزيارة، ودعوة الجانب المصري إلى زيارة العاصمة للتعرف إلى الطيارين وكفاءتهم، وقد وصل الفريق الشاذلي هناك في 6 أبريل من نفس العام، وفي أوائل يوليو وصل الطيارون إلى القاهرة، وقد بلغ عددهم 30، إضافة إلى 8 موجهين جويين، و3 عناصر للقيادة والسيطرة، و5 مترجمين، وطباخ وطبيب، واكتمل تشكيل السرب الذي يعملون به في يوليو 1973.
خلافات قبل وضع الخطة
حدثت الكثير من الخلافات بين الشاذلي والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربية الفريق أول محمد صادق حول خطة الحرب، فصادق كان يرى أن الجيش المصري يتعين عليه ألا يقوم بأي عملية هجومية إلا إذا وصل إلى مرحلة تفوق على العدو في المعدات والكفاءة القتالية لجنوده، عندها فقط يمكنه القيام بعملية هجومية واسعة تدمر القوات الإسرائيلية في سيناء، ولكن الشاذلي كان يرى أن يتم وضع خطة هجومية وفق إمكانات القوات المسلحة، تقضي باسترداد من 10 إلى 12 كم في عمق سيناء مبدئيا.
وفي 26 أكتوبر 1972 عين السادات الفريق أحمد إسماعيل وزيرا للحربية وقائدا عاما للقوات المسلحة، بعد رفضه محمد صادق لخطة الشاذلي، وكان يوجد تاريخ للخلافات بين إسماعيل والشاذلي، ما قد يجعل التعاون بينهما شبه مستحيل، لكن السادات أكد للشاذلي أن العلاقة بينهما ستكون حسنة، وأفضل كثيرا من العلاقة السابقة بينه وبين الفريق أول محمد صادق.
الشاذلي وخطة الحرب
أطلق الشاذلي عليها خطة الحرب اسم "المآذن العالية" وذلك لضعف القوات الجوية المصرية حينها، وضعف إمكانيات في الدفاع الجوي المصري ذاتي الحركة، ما يمنع القيام بعملية هجومية كبيرة. وأراد الشاذلي عملية محدودة لعبور قناة السويس وتدمير خط بارليف واحتلال من 10 إلى 12 كيلومترا شرق القناة، والتحول بعد ذلك لأخذ مواقع دفاعية، هي بداية لتدمير الاحتلال الإسرئيلي.
الشاذلي خلال حرب أكتوبر
وفي يوم 6 أكتوبر 1973 في الساعة 14:05 الثانية وخمس دقائق ظهرا، شن الجيشان المصري السوري هجوما كاسحا على القوات الإسرائيلية، بطول الجبهتين، ونفذ الجيش المصري خطة المآذن العالية التي وضعها الشاذلي، وكانت القوات تؤدي مهمها بدقة.
بحلول الساعة الثانية من صباح يوم الأحد 7 أكتوبر 1973، حققت القوات المصرية نجاحا حاسما في معركة القناة، وعبرت أصعب مانع مائي في العالم، وحطمت خط بارليف في 18 ساعة، وهو رقم قياسي لم تحققه أي عملية عبور في تاريخ البشرية، وقد تم ذلك بأقل خسائر ممكنة، بلغت 5 طائرات و20 دبابة و280 شهيدا، ويمثل ذلك 2.5% من الطائرات و2% من الدبابات و0.3% من الرجال، أما العدو ففقد 30 طائرة و300 دبابة وعدة آلاف من القتلة، وخسر معهم خط بارليف بكامله، وتم سحق ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مشاة كانت تدافع عن القناة.
الشاذلي يرفض تطوير خطة " المآذن العالية"
بعد بداية الحرب ونجاح الجيش المصري في تدمير خط بارليف وتنفيذ خطة "المآذن العالية" أرسلت القيادة العسكرية السورية مندوبا للقيادة الموحدة للجبهتين التي كان يقودها المشير أحمد إسماعيل، تطلب زيادة الضغط على القوات الإسرائيلية على جبهة قناة السويس لتخفيف الضغط على جبهة الجولان، فطلب الرئيس أنور السادات من أحمد إسماعيل تطوير الهجوم شرقا لتخفيف الضغط على سوريا، لكن الشاذلي رفض ذلك تماما لأن القوات البرية ليس لديها غطاء حماية كافي من القوات الجوية، لكن السادات فرض قراره بتطوير الخطة.
ثغرة الدفرسوار
اعتبر الشاذلي ومعه عدد من المؤيدين أن الرئيس أنور السادات هو السبب الرئيسي لحدوث الثغرة بل واتهموه بالفشل في التعامل معها نظرا لقراراته غير المسؤولة، فيقول الشاذلي : أي تطوير خارج نطاق الـ12 كيلو التي تقف القوات فيها بحماية مظلة الدفاع الجوي، وأي تقدم خارج المظلة معناه أننا نقدم قواتنا هدية للطيران الإسرائيلي.
وبالفعل حدث ما توقعه الشاذلي ففي صباح يوم 14 أكتوبر اصطدمت القوات المصرية المتجه شرقا بمقاومة إسرائيلية عنيفة وكمائن للدبابات وبإسناد جوي إسرائيلي مباشر، ونسبة لتفوق قوات العدو في الدبابات والتفوق الجوي وأن القوات المصرية تعمل خارج نطاق حماية الصواريخ المصرية ومنيت هذه القوة بخسارة فادحة في ساعات.
وفشلت خطة التطوير التي أرادها السادات والجانب السوري، وخسرت القوات المصرية عدد 250 دبابة من قوتها الضاربة الرئيسية في ساعات معدودة من بدء التطوير، للتفوق الجوي الإسرائيلي. وكان قرار التطوير وبتقدير الكثيرين من المتابعين للشأن العسكري أسوأ قرار استراتيجي اتخذته القيادة السياسية، ما أضر كثيرا في سير العمليات فيما بعد وأثر على نتائج الحرب، وجعل ظهر الجيش المصري غرب القناة مكشوفا لأية عملية التفاف، وهو ما حدث بالفعل.
وفاة الشاذلي
توفي الفريق سعد محمد الحسيني الشاذلي يوم الخميس، الموافق 10 فبراير2011، قبل تنحي مبارك عن الحكم بيوم واحد، إبان ثورة 25 يناير، بالمركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة، عن عمر بلغ 89 عاما، وشيّع في جنازة عسكرية وشعبية مهيبة حضرها آلاف الضباط والجنود من أفراد القوات المسلحة.