«قفشات» البابا والإمام من دفاتر الأزهر والكنيسة

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


يظن البعض أن العلاقة التى تجمع بين بطاركة الكنيسة وأئمة الأزهر وكبار المشايخ لا تتعدى إطارها الرسمى بالتقائهم معاً خلال الأعياد أو الاجتماع معاً لدحض أعمال الفتن أو التشاور فى الأعمال الدينية المشتركة.

إلا أنه من واقع المواقف التى سجلتها دفاتر الأزهر والكنيسة، هناك بعد آخر لهذه العلاقة لم يلحظه إلا المقربون من الطرفين، فلم تخل العلاقة بينهما من القفشات والنكت.

ما كان لقاء رسمى يجمع بين الطرفين، إلا وتسوده أجواء من الضحك والألفة وتبادل النكات معاً بعيداً عن أعين عدسات التليفزيون التى تسجل مثل هذه اللقاءات، ولعل علاقة البابا الراحل شنودة بكل من شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوى، والشيخ محمد متولى الشعراوى خير شاهد على ذلك.

1- شنودة وطنطاوى

من أبرز النكات الشهيرة بين البابا شنودة والشيخ طنطاوى، نكتة «الموبايل»، حيث التقى شنودة طنطاوى، ورن الهاتف الجوال الخاص بالبابا عدة مرات متتالية لفتت نظر طنطاوى، الذى علق على الأمر ضاحكاً: «جرى إيه يا قداسة البابا هو كل التليفونات ليك مافيش تليفون ليا ولا إيه»، فعم الضحك بالمكان، ورد عليه البابا، قائلًا: «يا فضيلة الشيخ التليفون بيعمل جرس، لما يؤذن هديهولك»، فى إشارة إلى أن قرع الأجراس يخص الكنائس كما اعتاد الشعب المصرى، بينما صوت الأذان يخص المساجد.

علاقة الصداقة القوية بين شنودة وطنطاوى جعلت الأخير شديد الحرص على حضور المآدب الرمضانية التى يدعوه إليها البابا شنودة بنفسه، على رأس وفد علماء الأزهر الشريف.

وفى إحدى المآدب الرمضانية، وعقب الإفطار، طلب الشيخ طنطاوى من البابا شنودة إلقاء النكتة التى كان يحبها منه والتى دائمًا ما يسمعها منه، وهى «اجتمع إمام مسلم، وقس مسيحى، وراباى يهودى، فى مكان واحد للنقاش حول بعض المعاملات الدينية والتى تخص المال، فطرح القس سؤالًا: «كيف نفصل بين المال الذى للفرد والمال الذى لله؟»، فأجاب الإمام: «أنا أرمى العملة للسماء فإذا هبطت على «الكتابة» إذًا فهو مكتوب لى أن آخذها، وإن نزلت على الصورة إذن فهى لله»، بينما قال القس المسيحي: «أنا أرسم على الأرض دائرتين وأرمى العملة للسماء فإذا نزلت فى الدائرة الكبرى فهى لله، وإذا نزلت فى الدائرة الصغرى فهى لي»، بينما أجاب الراباى اليهودى قائلًا: «أنا أرمى العملة للأعلى وأقل لله خّذ ما تشاء والذى سينزل إلى الأرض فهو لي».

2- شنودة والشعراوى

«ما محبة إلا بعد عداوة».. مثل شعبى يجسد طبيعة العلاقة بين البابا شنودة والإمام محمد متولى الشعراوى – رحمه الله - فرغم أن العلاقة بينهما كانت تسودها فى البداية بعض التوترات إلا أنه سرعان ما تلاشت.

حينما علم البابا شنودة أن الشيخ الشعراوى يعانى من وعكة صحية نُقل على إثرها إلى أحد المستشفيات بلندن، لتلقى العلاج، فأرسل وفدا كنسيا رفيع المستوى، للاطمئنان على صحته، الأمر الذى لاقاه الأخير بترحاب شديد، دفعه لأول زيارة للكاتدرائية عقب شفائه.

الزيارة خلت تماما من الطقوس الرسمية، بل امتدت إلى الصداقة بين الطرفين حيث حمل الشيخ الشعراوى هديته إلى البابا شنودة وكانت عبارة عن عباءة سوداء من خير الأقمشة، الأمر الذى دفع البابا شنودة لمداعبة الشعراوى قائلًا: «نرغب فى أن نحيا جميعًا تحت عباءة الوطن»، ثم أهدى البابا شنودة موسوعة شعرية لغوية حملت عنوان: «لسان العرب» لابن منظور، التى تتكون من 20 جزءًا، بالإضافة إلى بعض الكتب التى ألفها.

اللقاءات بين المسئولين لا يُقال فيها شعرًا، إلا أن زيارة الشعراوى الأولى للكاتدرائية لم تخلو من إلقاء الطرفين لبعض الأبيات الشعرية، ومن المواقف الطريفة بين البابا شنودة والشيخ الشعراوى أن الأخير سأل البابا عن آخر قصيدة شعرية له، فرد مداعبًا إياه: «آخر قصيدة لم تكتب بعد»، فى إشارة إلى أن القصيدة الأخيرة هى التى سيكتبها قبل الوفاة مباشرة، واختتم اللقاء بتصريح شهير للشيخ الشعراوى، قال فيه: «إن الله منحنى فى محنتى أن أجلس مع البابا شنودة».

3- كيرلس السادس والفحام

لم تكن العلاقة بين البابا كيرلس السادس، الذى كان صديقًا مقربًا من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وشيخ الأزهر الأسبق محمد الفحام، بنفس العمق الذى كان عليه شنودة مع طنطاوى والشعراوى، حيث اقتربت من الرسمية عن الصداقة.

إلا أن الموقف الذى جمع بينهما خارج التهنئات بالأعياد والزيارات الرسمية، هو ظهور السيدة العذراء مريم، حينها لم يكن «الفحام» قد تولى مشيخة الأزهر الشريف إلا أنه التقى كيرلس السادس فيما بعد ودار بينهما الحديث بشكل جزئى عن ظهور السيدة العذراء، كما تطرق إلى مكانتها فى قلوب المسلمين والقرآن الكريم.

4- تواضروس والطيب

رغم أن العلاقة بين البابا الحالى تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، على قدر عال من التفاهم والهدوء، إلا أنها أيضًا لم تصل لعمق العلاقة بين البابا شنودة والشيخين الشعراوى وطنطاوى، حيث إن اللقاءات التى تدور بينهما يغلب عليها الطابع الرسمى. مرت العلاقة بين الطرفين ببعض التوترات الخفية، لكنها لم تؤثر على علاقتهما، فقد غضب تواضروس من الطيب حينما قال الأخير، وقت إعلان خارطة الطريق منذ عامين: «إن الدين الإسلامى لا يمنع بناء الكنائس، مع مراعاة الجوانب الخاصة بأبعاد الأمن القومي»، فلم يكن مرضيًا للبابا تواضروس الذى تسبب فى خروجه غير راض عقب زيارة جمعت بينهما هنأ فيها البابا تواضروس شيخ الأزهر بعيد الفطر عام 2014، لا سيما وأنه قضى فترة العيد فى رحلة رعوية خارج البلاد، أصر على زيارة الطيب عقبها مباشرة، وانتهى الأمر. العلاقة بين الطرفين عادت كسابق عهدها وأشد، بعد أن بات من الضرورى أن يظهر تلاحم الأطرف خلال فترات الانتخابات التى حث فيها الأزهر والكاتدرائية، الشعب المصرى على المشاركة، ما أصبح ضروريًا تنحية أى خلاف والتوحد تحت راية الوطن، لكنها فى النهاية يغلب عليها الطابع الرسمى.