مى سمير تكتب: الأمير الأخير
عباس حلمى الثالث يحمل آخر الألقاب الملكية الرسمية.. ونكشف كواليس حكم جده الخديوى عباس حلمى الثانى
■ قصة شيخ بولاق الدكرور الذى تنبأ بمحاولة اغتياله.. واللحظات الأخيرة قبل عزله
■ حكايات الخديو فى المنفى مع المقهى والطلاب المصريين وقصة العمدة عبد العال
■ كيف يعيش أفراد الأسرة المالكة ولماذا انتشروا فى مختلف أنحاء العالم
كيف عاش أفراد الأسرة المالكة فى المنفى؟، وما هى تفاصيل حياتهم بعد ثورة يوليو 1952؟، أسئلة عديدة، وتفاصيل مهمة كشف عنها الأمير عباس حلمى الثالث، لبرنامج « حكاية وطن» الذى يقدمه الكاتب الصحفى والإعلامى عادل حمودة ويذاع على قناة النهار.
اللقاء تم تصويره داخل مقبرة الخديو عباس حلمى الثانى آخر خديو حكم مصر، وكشف من خلاله الكثير من الحكايات عن آخر ملوك مصر.
■ المعروف أنك حفيد آخر خديو حكم مصر الخديو عباس حلمى الثانى.. ولكن أصولك الملكية تمتد أيضا من ناحية والدتك.. ما هى أصولك العائلية؟
- ولدت سنة 1941 ولقبى صاحب السمو الملكى الأمير عباس حلمى.. وجدى كان حاكم مصر الخديوى عباس حلمى الثانى، وسميت على اسمه، ووالدى هو الأمير محمد عبدالمنعم، وكان وليا للعهد عندما ولد ابن الخديوى عباس، ومع الوقت أصبح رئيسا لمجلس الوصاية عندما تنازل الملك فاروق لصالح ابنه.
أما من ناحية الوالدة.. فوالدتى هى الأميرة نسل شاه ووالدها هو الأمير عمر بن فاروق ابن آخر خليفة عثمانى الخليفة عبدالمجيد، وأمها فضيلة سلطانة كانت ابنة آخر سلطان عثمانى.
■ كيف كانت نشأتك؟.. وكيف تغيرت حياتك بعد ثورة 1952؟
- ولدت وتربيت فى مصر، وذهبت إلى مدرسة الجيزويت فى الفجالة، ولى أصدقاء من هذه الأيام وذكريات سعيدة، ومن حظى أن المدرسة وقتها كانت تضم أساتذة « كويسين جدا»، منهم الشيخ عبد الحليم محمود الذى أصبح فيما بعد شيخا للأزهر ووزيرا للأوقاف، وكان صاحب شخصية عظيمة، وكنت من تلامذته لكننى للأسف كنت تلميذا لم يستفد كثيرا من أستاذه.
وكان والدى وصيا على العرش إلى آخر عام 53، بعدها تم إرسالى مع شقيقتى إلى فرنسا عند أقاربنا فى باريس، وهناك تلقيت تعليمى فى مدرسة الجيزويت، وللأسف.. لم ألتق بوالدى لمدة 5 سنوات لأنه كان تحت الحراسة، ورأيت والدتى مرتين لأنها عرفت تطلع وتشوفنا، ثم ذهبت إلى إنجلترا، وتلقيت تعليمى فى مدرسة إنجليزية اسمها ميدفيلد ثم أكسفورد، وبعدها عملت فى بنك، ثم عملت سمسارا.
■ وهل عدت لمصر فى تلك الفترة؟
- نجحت فى العودة إلى مصر فى زيارة بعد حرب 73، عندما سمح السادات بعودة المصريين فى الخارج فجئت مع زوجتى وابنتنا، والحقيقة أننا كنا سعداء جدا فى لندن، ورغم ذلك كنت أريد الرجوع، لأننى كنت مرتبطا بالوطن، وهو ارتباط يتنامى خاصة «لما الواحد يقعد فى المنفى بعيدا عن الوطن».
■ لماذا لا يوجد تسليط على دور والدك الأمير محمد عبد المنعم فى حكم مصر؟
- هو ابن الخديو عباس الثانى، وكان وليا للعهد، وعندما عزل الإنجليز الخديو عباس بسب خلافهم معه تم نفيه خارج مصر، وعاش والدى فى المنفى مدة طويلة ولهذا عند عودته لمصر كان لا يريد مغادرتها، فقد عاد فى عام 36، وفى عام 52 عندما تنازل الملك فاروق عن العرش لصالح ابنه الأمير أحمد فؤاد، كان والدى رئيسا لمجلس الوصاية لمدة عام، بعد ذلك ظل فى مصر ولم يكن يريد المغادرة أو الذهاب للمنفى مرة أخرى.
■ جدك كان آخر من حمل لقب خديوى.. كيف كانت فترة حكمه؟
- تولى الخديو عباس حكم مصر بعد الوفاة المفاجئة للخديو توفيق، وكان الخديو عباس يدرس بالكلية العسكرية فى فيينا، ورجع بسرعة وتولى العرش فى عمر الـ 18 .. وظل على العرش لمدة طويلة. وأعتقد أنه من أهم الناس فى الأسرة العلوية، طبعا محمد على هو من أسس مصر الحديثة، والخديو إسماعيل عمل حاجات عظيمة لاتزال قائمة حتى يومنا هذا وبعدهما يأتى الخديو عباس من حيث حجم الإنجازات، فقد افتتح على سبيل المثال 5 متاحف فى مصر من ضمنها المتحف المصرى وشارك بجزء من الأموال الخاصة فى تمويل بناء المتحف، كما افتتح المتحف الإسلامى والمتحف القبطى، كما أن مكتبة الأزهر لاتزال تحمل اسم مكتبة الخديو عباس.
اقتصاديا كان الوضع ممتازا، وحرص الأجانب على الاستثمار فى مصر، البورصة المصرية كانت مهمة جدا، صعب الواحد يعرف ترتيبها، ويقال أنها نمرة ثلاثة فى العالم، وكان التعامل طبعا بالجنيه المصرى، الاسترلينى، الفرنك الفرنساوى، الفرنك البلجيكى، الفرنك السويسرى، وكان الاقتصاد المصرى قويا جدا فى هذا الوقت، غير أنه كان فى نفس الوقت مهتما بالثقافة وكان حريصا على الذهاب إلى الأوبرا طول الوقت ويحب الشعر.
■ لكن.. هل بعض إنجازات العائلة المالكة كانت سببا فى ديون مصر الخارجية؟
- مشكلة مصر المالية فى عهد الخديو إسماعيل كانت بسبب القروض التى حصلت عليها مصر، وكانت شروطها مجحفة.. ولكن أيضا بسبب سعر القطن الذى انخفض بشكل كبير، والقطن فى ذلك الوقت كان مهما للغاية وتعادل أهميته أهمية البترول فى الوقت الحاضر بالنسبة لدول الخليج.
لكن مع ارتفاع أسعار القطن من جديد استطاعت مصر أن تسدد ديونها، وكان السبب الرئيسى وراء عزل الخديو إسماعيل هو رغبته افتتاح البرلمان الأمر الذى أثار مخاوف القوى الغربية، الخديو إسماعيل كان يريد أن تكون مصر مثل أوروبا فى التقدم والحضارة وليست تابعة لأوروبا، ولهذا كان يسعى لتأسيس مملكة دستورية كما هو الحال فى أوروبا.
■ لكن الخديو عباس افتتح البرلمان فى عام 1914؟
- عندما تولى الخديو عباس الحكم أراد إحياء هذه الفكرة خاصة أن فى عهد الخديو توفيق، كان فى مظاهرات فى الشارع، بيقولوا فيها( الدستور الدستور يا أفندينا الدستور)، الخديو عباس كافح وفى عام 1914 نجح فى افتتاح البرلمان، بعد انتخابات شارك فيها خمسة أحزاب، طبعا الإنجليز شعروا بالخوف من هذه التجربة الديمقراطية لهذا حرصوا على عزله.
تجربة مصر فى الديمقراطية تجربة قديمة منذ عام 1866، ومازلنا فى الطريق، المشكلة أن الدول الكبرى لا تريد تطبيق الديمقراطية فى مصر.
■ ما أهم ملامح خلافات الخديو عباس والإنجليز؟
- خاض الخديو العديد من المعارك السياسية مع الإنجليز وبشكل خاص مع اللورد كرومر، وهو شخصية استعمارية أتى إلى مصر بعد الخدمة فى الهند وكان يريد تطبيق نفس النظام المطبق فى الهند فى مصر، طبعا الخديو عباس، وهو شاب صغير متخرج حديثا من الكلية الحربية فى النمسا ولم يتلق تعليمه فى إنجلترا وبالتالى لم يكن هناك تفاهم بين الطرفين وكان كرومر يعامله كطفل، وقال فى كتابه عن الخديو عباس (لو كان سمع كلامنا كان قعد على العرش)، فالخديو عباس أشار فى كتابه أن ده أفضل مدح ممكن واحد يقوله عنه لأنه بيوضح كم كان وطنيا ويعشق وطنه.
وعندما رفض ملك بريطانيا مقابلة الخديو فى إحدى المرات، قام بحركة جميلة جدا، 14 يوليو يوافق العيد الوطنى الفرنسى، كان رئيس الجمهورية الفرنسى ريمون باكريه مشهورا جدا واستضاف الخديو كضيف الشرف، ووقف بجواره فى العرض العسكرى فى الشانزليزيه، الأمر الذى كان بمثابة رد لا ينسى على الإنجليز، كما وافق نفس التاريخ عيد ميلاد الخديو وكان هناك احتفالات له بالشوراع الفرنسية مما أثار غضب الإنجليز.
■ وما هى كواليس عزله؟
- ذهب الخديو إلى إسطنبول، لأن السلطان مراد كان يستعد لاستقبال «فليهم» القيصر الألمانى، وطلب حضور الخديو عباس الذى كان فى مقدمة المستقبلين، وكان يتحدث الألمانية بطلاقة مما أثار إعجاب الألمان خاصة أن الأتراك لم يجيدوا اللغة الألمانية.
فى تلك الأثناء أدرك الخديو أن حزب اتحاد الترقى الذى كان رئيسه أنور باشا هو الحاكم الفعلى للدول العثمانية وأنهم أجروا اتفاقا سريا مع الألمان للتضامن معهم أثناء الحرب العالمية. كان رأى الخديو أن هذا الأمر ليس فى صالح مصر، رغم معاداته للإنجليز إلا أنه لم يكن يريد الدخول فى الحرب مع الألمان ضد الإنجليز.
وذهب الخديو لمقابلة سعيد حليم باشا الصدر الأعظم أى رئيس الوزراء وكان أحد أقاربه، منصب الصدر الأعظم منصب شديد الأهمية وكان هو من يتولى إدارة البلاد. لكن حليم باشا كان على توافق مع تيار الأتراك الصغار أو the young Turks، أى مع أنور باشا، وبطبيعة الحال اختلف الرجلان، وعند خروجه ووفقا للبروتوكول، كان الخديو يجلس وإلى جواره الياور الخاص، وكانت العربة التى يجلس فيها الخديو تحت إشراف الدولة العثمانية التى تولت أيضا تأمين الموكب بحراس أتراك، فى تلك الأثناء أطلق طالب مصرى انضم لحزب الترقى النار على الخديو.
■ ما علاقة أحد الشيوخ المصريين بنجاة الخديو؟
- أصابت أول رصاصة وجهه، دخلت من ناحية وطلعت من أخرى فكسرت أسنانه وألحقت أذى كبيرا بوجهه، لكنه لم يمت، الرصاصة التانية أصابت ناحية القلب، ولكنها لم تصبه بفضل قطعة معدنية مكتوب عليها لا إله إلا الله كانت هدية من شيخ مصرى. لهذه القطعة قصة بدأت مع أحد المشاريع الخيرية التابعة لمسجد فى بولاق الدكرور وطلب الخديو أن يتولى شيخ المسجد وليس لجنة الإشراف على الأموال المخصصة للبناء، وافق الشيخ ولكنه طلب من الخديو أن يقبل منه هذه القطعة المعدنية كهدية وطلب منه أن يضعها على صدره قائلا (إحنا بنحبك جدا بس هناك آخرون لا يحبوك).
■ كيف ساهمت هذه الحادثة فى عزله من حكم مصر؟
- كانت إصابة الخديو كبيرة، وأرسل الإنجليز سير شهيرا كان موجودا فى إسطنبول فى ذلك الوقت فى زيارة للسفير، ولكن الخديو رفض العلاج على يد الإنجليز وانتظر طبيبا نمساويا أتى من النمسا، وبعدها طلب الخديو تجهيز يخت المحروسة للعودة إلى مصر، لكن الإنجليز رفضوا عودته، فى البداية تحججوا بأن حالته الصحية لا تسمح، ثم تحججوا بأن الأحوال الجوية غير مستقرة والسفر عبر المحروسة ليس آمنا، وطلبوا منه السفر على سفينة حربية بريطانية ولكنه رفض ولم يتمكن من العودة إلى مصر إلى أن قامت الحرب العالمية وتم عزله من مصر.
■ ماذا عن تفاصيل حياته فى المنفى؟
- مات فى جينيف، أثناء الحرب العالمية الثانية، وكان يشرب القهوة فى كافيه لاتيه فى وسط جينيف، لأنه كان يسكن بجواره، ومن ضمن حكاياته فى المنفى والتى تؤكد أنه كان يعرف مصر بشكل جيد، حكاية كشف تفاصيلها الراحل أبوبكر بك راتب الذى ذهب لتحية الخديو أثناء زيارته لجينيف، وجلس معه لتناول القهوة، فى تلك الأثناء توافد الطلاب المصريون على الخديو من أجل تحيته، كان هناك العديد كبير من الطلاب المصريين فى أثناء الحرب العالمية الثانية، كان الصليب الأحمر يرحلهم لجينيف لأنهم بيدرسوا فى فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية ثم يساعدهم على الرجوع لمصر.
أتت مجموعة من الطلاب المصريين وقالوا إحنا طلاب مصريين وعايزين نسلم على أفندينا الخديو، مسك واحد منهم وقال له أنت من فين، فقال له أنا واحد صعيدى جاى من قرية، فرد الخديو القرية بتاعتك فين، قاله بجوار قنا، فقالوا طيب اسمها إيه، قالوا اسمها عزبة كذا، وفجأة سأل الخديو للطالب المصرى إذا كان العمدة عبد العال لايزال هو من يدير شئون هذه القرية، طبعا فوجئ الطالب المصرى أن الخديو عارف اسم العمدة، الذى لا يعرفه الكثيرون أن الخديو كان يحرص كل عام على زيارة كل القرى المصرية وكان يركب مركب سيد البحار فى النيل ويزور كل القرى.
■ ماذا عن علاقتك بأسرة الملك فاروق؟
- الموضوع حساس شوية، لأن الملك فؤاد الأول والد فاروق تولى إدارة مصر بعد الخديو عباس، وهو ابن الخديو إسماعيل من الزوجة الرابعة، وفى وقت من الأوقات كان ياور الخديو عباس، لأنه هو أصغر منه سنا بكثير، ورغم اختلافهما إلا أن الخديو عباس كان يحبه، وفؤاد كان رجل مش سهل وكان مثقفا جدا، وذكيا جدا، فكان له دور كبير فى إنشاء جامعة القاهرة، إللى سموها جامعة فؤاد الأول، وطبعا، هى الفكرة ابتدت فى عهد الخديو عباس والأميرة فاطمة إسماعيل أهدت كل جواهرها علشان هذا المشروع العظيم، ناس كتير تبرعت بأشياء كثيرة من ضمنها كتب، مكتبة جامعة القاهرة فيها جزء كبير من كتب الأمير يوسف كامل، الأمير عمر طوسون، الأمير على توفيق وهكذا، فالأمير أحمد فؤاد، فى هذا الوقت، كان رئيسا للجنة الجامعة.
■ كيف ترى الملكة نازلي؟
- كان فى سوء تفاهم بينها وبين الملك فؤاد وبعد رحيله انفتحت على الحياة إلى أن سافرت إلى أمريكا وقام فاروق بنفيها، وده أمر صعب أن ابن يعمل كده فى أمه.
■ ماذا عن علاقتك بالملك فاروق وشقيقاته خاصة بعد الثورة؟
- بالنسبة لشقيقات الملك فاروق والدى كان يحبهم جدا، وكان بيشوفوا بعض على طول.. كل شقيقات الملك فاروق كن قريبات من الوالدين وكانت علاقتهم بهن ممتازة.
■ ما هو رأيك حول الشائعات المتعلقة باغتيال الملك فاروق؟
- أنا ماعرفش حاجة، أنا قرأت فى هذا الموضوع زى أى واحد تانى، أعتقد أن فى احتمال كبير قوى أن يكون تسمم، بس أنا ماعرفش.
■ كيف يعيش أمراء العائلة المالكة فى الوقت الحالي؟
- انتشرنا فى جميع أنحاء العالم، عندنا أقارب فى أستراليا، ماعنديش أى خبر عنهم، وفى أوروبا طبعا، بأشوف بعضهم، أكبر واحد فى العيلة سنا هو توفيق طوسون، هو حفيد الخديو توفيق من ناحية والدته، هو فوق التسعين، وكان أستاذا فى الجامعة، ونادرا ما تجد أحد أفراد عائلة مالكة يصل إلى مرتبة أستاذ فى الجامعة وهناك أيضا عز الدين حسن أستاذ فى الفيزياء فى زيورخ.
■ ما حقيقة الخلاف مع أحمد فؤاد الثاني؟
- فى ناس كتبوا الكلام ده، ولكن ده غير صحيح، لأن أنا شخصيا، ماقولتش ولا مرة أنى صاحب الحق فى لقب ولى العهد، إحنا دلوقتى جمهورية... والكلام ده مالوش لزوم.