الجدل حول الآثار الصحية للصيام خلال شهر رمضان

إسلاميات

الجدل حول الآثار
الجدل حول الآثار الصحية للصيام خلال شهر رمضان


خلال شهر التاسع (رمضان) من التقويم الإسلامي (الهجري) عدة ملايين من المسلمين البالغين في جميع أنحاء العالم يصومون خلال ساعات النهار. ولما كان التقويم الهجري هو قمري، فإن شهر رمضان يحدث في أوقات مختلفة في العام خلال دورة مدتها 33 عاماً.

الصوم خلال شهر رمضان يعني الامتناع عن الطعام والسوائل، والتبغ والكافيين من شروق الشمس الى غروبها. وهناك عدة فئات من الناس معفاة أو يمكن تأجل صيام رمضان. وقد تم دراسة تأثير الصوم على صحة ورفاهية الأفراد لمدة شهر في مختلف الفئات الضعيفة بالإضافة إلى الأفراد الأصحاء في العديد من البلدان. وقد وجدت معظم الدراسات حدوث تغيرات أيضية كبيرة، ولكن قليل من المشاكل الصحية الناتجة عن الصيام.

وكانت النتائج المشتركة من الدراسات التي تمت مراجعتها زيادة التهيج وحالات الصداع مع الحرمان من النوم والإنهاك، وخسارة وزن الجسم وهي حالات متكررة، ولكن ليست عالمية.

مما لا شك فيه أن خلال ساعات النهار من صيام شهر رمضان المبارك يتعرض الكثير لحالات من الجفاف ، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان ذلك بشكل مزمن خلال شهر رمضان.

ليس هناك أي آثار ضارة على الصحة حتى الآن تعزى مباشرة إلى توازن الماء السلبي على المستويات التي يمكن أن تنتج خلال شهر رمضان.

خلال رمضان، يبدأ الغالبية العظمى من البالغين المسلمين الامتناع عن الأكل والشرب والتدخين والعلاقات الجنسية خلال ساعات النهار طوال الشهر القمري.

ولما كان التقويم الإسلامي القمري، يتقدم 11 يوما كل عام مقارنة مع السنة الموسمية. وبالتالي، فإن رمضان يحدث في أوقات مختلفة من السنة الموسمية خلال دورة مدتها 33 عاما.

وهذا يؤدي إلى قدوم رمضان في ظروف بيئية مختلفة بشكل ملحوظ عبر سنوات في نفس البلد. بالإضافة إلى ذلك، فان وقت شروق الشمس وغروبها يتراوح بين 12 ساعة عند خط الاستواء، وحوالي 22 ساعة عند 64 درجة في فصل الصيف.

بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في المناطق القطبية، فمن المستحسن ، أن يأخذوا أوقات الصيام كما تلك التي في مكة المكرمة والمدينة المنورة، أو من أقرب المناطق المعتدلة.

يحدث في رمضان تغيرات كبيرة ليس فقط في نمط الأكل ، ولكن في كمية ونوع الطعام التي يتم تناوله أثناء الليل قد تكون أيضا مختلفة إلى حد كبير.

في كثير من الثقافات، تكون الأطعمة الخاصة بالمناسبات غنية بكثير من الدهون والبروتين على غيرالمعتاد ، أو التي تحتوي على كميات كبيرة من السكر، بينما في بلدان أخرى ونسبة لعوامل مثل الفقر يؤدي صوم رمضان إلى انخفاض في الطاقة وفقدان الدهون في الجسم.

إن الصوم ليس بواجب على كل المسلمين وهناك فئات معينة يجوز لها الإفطار نسبة لظروفها الصحية الخاصة ومع ذلك نجد الكثير من أصحاب الأعذار المشروعة يصومون وفقاً للتقاليد أو لأسباب شخصية بحتة.

وإعفاء مجموعة من الفئات من الصوم (مثل المرضى وكبار السن) دليل على المعرفة التجريبية بالآثار السلبية للصيام على الصحة قبل أن تكون هناك أي دراسات عن آثار الصوم الصحية علي الفرد.

أن التفاعل بين هذه المتغيرات في الصيام خلال شهر رمضان ينتج عنه صورة معقدة، الأمر الذي أدى إلى قلق بشأن إمكانية تفاقم المشاكل الصحية. إن العلامات والأعراض الملاحظة قد تكون نتيجة الصوم أو الجفاف أو كليهما، وفي كثير من الأحيان من الصعب جدا أو من المستحيل الفصل. والأكثر صعوبة هو تقدير حجم آثار العوامل المسببة للأمراض.

في هذا الاستعراض للمخاوف الصحية المحتملة من الصيام لدي الأفراد الأصحاء، يتم سرد كافة الآثار الصحية للصوم ، خلال شهر رمضان بشكل منتظم.

توازن الطاقة

عموما، يتم تقليل عدد مرات تناول الوجبات خلال شهر رمضان ، وهذا يؤدي إلى خفض استهلاك الطاقة وفقدان الوزن والدهون في الجسم.

وقد أكد كثير من الباحثين أن الدهون والكربوهيدرات والبروتينات والهرمونات وتغيرات التمثيل الغذائي تحدث أثناء الصيام. و باستخدام الحميات الحيوية مع مختلف مستويات الدهون والكربوهيدرات، أثبتت الدراسات على 16 من السعوديين الذكور الأصحاء خضعت لتخفيض استهلاك الطاقة واقتصرت المجموعة على تناول وجبتين فقط في اليوم الواحد، وعلى الرغم من أنه سمح لهم بتناول كل ما رغبوا في كل وجبة من الطعام. ومع ذلك، وجد الباحثان فروست وبيراني (1987) أن هناك زيادة كبيرة في الطاقة والدهون والكربوهيدرات والبروتين خلال شهر رمضان .

وهناك العديد من الدراسات التي أظهرت خسارة أكيدة من وزن الجسم والدهون في الجسم وانخفاض في استهلاك الطاقة خلال شهر رمضان لكن، وكما هو متوقع من مثل هذه المجموعة المتنوعة من الثقافات والعادات، هناك العديد من الدراسات التي أظهرت إما عدم حصول خسائر كبيرة في وزن الجسم أو زيادة طفيفة خلال شهر رمضان.

بشكل عام، أي خسارة في وزن الجسم هي عادة ما تكون صغيرة نسبيا، ويمكن أيضا أن يعزى ذلك إلى انخفاض مخزون المياه والجليكوجين، ودرجة معتدلة من الجفاف مع فقدان طفيف لأنسجة الجسم.

التغييرات النفسية

وللصوم دور مهم جدا في التخلص من القلق الذي يعتبر سمة من سمات عصرنا الحالي ، وتقدر حالات القلق المرضي بنسبة 30-40% في بعض المجتمعات ، والقلق ناتج من الانشغال بهموم الحياة والتفكير في الأولاد والمستقبل والضغوط في العمل والمشاحنات بين الزوجين فالصوم يقرب ويهدأ النفوس، والتسامح من سمات شهر رمضان خاصة، وفي رمضان يبدأ الإنسان في قراءة القران الذي يجلب السكينة وراحة البال ويشعر الإنسان بطمأنينة وتفاؤل في الحياة “وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة”، وشعور الاطمئنان المصاحب للصيام مما يقلل من التوتر والقلق المصاحبين لضغوط الحياة، كذلك الصيام يشغل المريض بالعبادات والروحانيات التي بدورها تقلل من التفكير في الوسواس المرضي، التي تأتي لمريض الوسواس القهري وتحسن من الأفعال القهرية من خلال انشغاله بالعبادات الرمضانية وتقوية إرادته في التخلص من هذه الأمراض والأفكار الوسواسية.

مكان الصوم له أبلغ الأثر في التخلص من الرهاب الاجتماعي الذي يشعر المريض الذي يحدث له القلق والتوتر عند حضور الاجتماعات والمناسبات فكثرة التواصل مع الناس في رمضان في الصلاة وحلقات الذكر وقراءة القرآن والإفطار الجماعي يقلل بالتدرج هذا الخوف.

من ثم يعد رمضان شهرا خصبا للتخلص من كثير من الأمراض النفسية بجانب الشق الدوائي.

وقد أجريت عدد من الدراسات عن تأثير الصيام على المزاج والانفعال خلال رمضان. تظهر هذه الدراسات دائما زيادة الخمول والتهيج أثناء النهار بسرعة (عفيفي، 1997؛ قدري وآخرون، 2000؛ روكى وآخرون، 2000). وقد تبين أيضا إنخفاض في وظيفة الادراك (علي وأمير، 1989)، على الرغم من أن هذه ليست نتيجة عالمية (روكى وآخرون، 2000). ويتسبب جزءا من هذا التغيير في المزاج للتغييرات في إيقاعات الساعة البيولوجية العادية لدي الأفراد أحيث تصبح أكثر نشاطا خلال المساء والليل (بن شقرون وآخرون، 1999)، والحرمان من النوم (حسين وآخرون، 1987؛ بوجدان وآخرون، 2001؛ روكى وآخرون، 2001). بالاضافة على آثار القيود المفروضة على تدخين التبغ، وتناول الكافيين والطاقة والسوائل تساهم أيضا في هذا الشعور العام.

وهناك مشكلة يستشهد بها في كثير من الأحيان من صيام شهر رمضان المبارك هو زيادة في حدوث الصداع (عواضة وآل جمعة، 1999). فقد بينت دراسة لـ 2982 مريضا من الذين زاروا العيادات في وادي كشمير، يشكون من الصداع أو ألم العصب القحفي في تشخيص التوتر والصداع في 67٪ من الحالات والصداع النصفي في 14٪. واعتبر الإجهاد المرتبط بتعكر المزاج العامل الرئيسي الذي يؤدي إلى التوتر والصداع، في حين ظهر صيام شهر رمضان المبارك كعامل للصداع النصفي.

في دراسة عواضة و آل جمعة (1999) عن أسباب حدوث الصداع في مجموعة من 116 من العاملين في المستشفى في السعودية، ذكرت 41٪ من المستطلعين 91 الذين صاموا وجود الصداع مقارنة مع 8٪ من هؤلاء الموظفين 25 من الذين لم يصوموا. زادت وتيرة الصداع مع مدة الصوم وتأثر بشكل رئيسي أولئك الأفراد الذين كانوا عرضة عادة إلى وجود الصداع. وشكل التوتر والصداع بالنسبة لغالبية الحالات (78٪). وشكلت التوتر والصداع بالنسبة لغالبية الحالات (78٪). ويرى المؤلفون أنه على الرغم من قلة النوم، نقص سكر الدم، والجفاف قد تسبب بعض هذه الحوادث، الا أنه الإقلاع من الكافيين كان العامل الرئيسي لحدوث الصداع.

حالات الحوادث والطوارئ

زار عدد متزايد من المسلمين قسم الحوادث والطوارئ في مستشفى بريطاني خلال شهر رمضان مقارنة مع فترات زمنية مماثلة قبل وبعد رمضان (انجفورد وآخرون، 1994).

قد يكون هذا الاستنتاج نتيجة للتغيرات في المزاج (عفيفي، 1997؛ قدري وآخرون، 2000؛ روكى وآخرون، 2000) وانخفاض في الوظيفة المعرفية (علي وأمير، 1989) الناتج عن تغيير في العادة الغذائية خلال شهر رمضان.

ومن المثير للاهتمام، أثبتت دراسة في مستشفى محلي في مدينة العين، الإمارات العربية المتحدة، على مدى فترة 12 شهرا، وجد أن هناك عدد أكبر من إصابات المرور خلال شهر رمضان مقارنة بالأشهر الأخرى ( هذا لا يعني بالضرورة تأثير الصيام على حوادث المرور ).

الالتزام بتناول الدواء

وفي دراسة أجريت عن طريق استبيان لـ 750 بالغ من تركيا، سجلت 187 حالة بعض المشاكل الصحية أثناء الصيام.

ضمن هذه الفئة من الناس الذين أصيبوا بالمرض، 60٪ كانوا يتناولون عقاقير موصوفة، و32٪ يمارسون حمية غذائية لدواعي صحية.

خلال شهر رمضان، أوقفت 10 و 19٪ من هذه المجموعات المعنية اثنين عن تعاطي الأدوية ولم تلتزم بشكل منتظم بوجباتهم الغذائية.

وفي دراسة أخرى على  81  فرد من مرضى المسلمين الآسيوين، تم العثور على 37 قد تغير نمط جرعات الأدوية التي يتناولونها، بينما أثناء الصوم هناك 35 شخص قد أقلع عن تناول الجرعات الدوائية.

الإجهاد الحراري المهني وأمراض السكري

أبرزت إحدى الدراسات أن هناك تأثير ضار على أن صيام رمضان على العمال المسلمين في البيئات الصناعية. وتمت دراسة 32 من الذكور، من أصل تركي، يعملون في مصنع للكيماويات في ألمانيا خلال شهر رمضان 1983. خسر هؤلاء العمال متوسط 3.6 كيلوغرام من وزن الجسم خلال شهر الصوم.

خمسة من هؤلاء العمال لديهم مثلا أنواع مختلفة من المشاكل الصحية الشديدة كان عليهم أن يقطعوا التقيد بصوم رمضان لأنهم لم يستطيعوا الاستمرار في العمل والصوم.

أما بالنسبة لمرضى السكري فقد أثبتت العديد من الدراسات التى أجريت في بيئات مختلفة عدم وجود أثر جوهري للصوم على الصائمين من مرضى السكري وهذا صحيح علي الأقل حتي الأيام الاخيرة للصوم حيث تطرأ علامات الجفاف على المرضى إلا أن الدراسات لاحظت زيادة في وزن الجسم.

أمراض القلب التاجية الحادة

لا يبدو هناك أي زيادة واضحة في حوادث أمراض القلب التاجية الحادة المرتبطة برمضان ، على الرغم من وجود حالة واحدة من السودان.

ومع الإشارة إلى الزيادة الملحوظة في حالات الذبحة الصدرية خلال شهر رمضان ومع ذلك، هناك بعض الأراء تقول بأن صوم شهر رمضان لديه العديد من الفوائد في تقليل احتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

وقد تبين أن الصيام لزيادة الكولسترول HDL، في حين أن أي خفض في مستوى الكولسترول الضار قد لا يؤثر على مستويات الكوليسترول في الدم كما أن هناك زيادة في بعض الكسور المرتبطة بخطر تصلب الشرايين خلال شهر رمضان.

ملخص القول أن هناك فوائد جمة من صوم رمضان أثبتتها التجارب والواقع عبر مئات السنين وهناك دراسات عديدة أثبتت فوائد رمضان الصحية للفرد الا انه في المقابل هناك عدد غير قليل من الدراسات ايضاً أثبتت ان الامتناع عن الاكل والشرب لعدد من الساعات قد يؤدي إلى عواقب صحية وخيمة.

وبالرغم ذلك، لم يشرع الله الصيام على الجميع بل رخص لأصحاب الاعذار بالإفطار ومنهم المرضى وكبار السن والأطفال والحوامل والمرضعات وحتى المسافرين لما يتعرض له المسافر من المشقة في الترحال وما يترتب عليه من جهد عقلي ونفسي.