المشير الجمسي.. البطل الذي هز عرش إسرائيل بـ"كشكول" (بروفايل)
اسمه بالكامل محمد عبد الغني الجمسي، ولد يوم 9 سبتمبر 1921، في محافظة المنوفية بقرية البتانون لأسرة ريفية تتكون من خمسة أشقاء وكانت أسرته ميسورة الحال، التحق بالكلية الحربية وهو ابن 17 عامًا وتخرج منها عام 1939 في سلاح المدرعات، وتلقى "الجمسي" عددًا من الدورات التدريبية العسكرية في كثير من دول العالم، ثم عمل ضابطًا بالمخابرات الحربية، فمدرسًا بالمخابرات الحربية.
خبرات عسكرية في عقل ثعلب الصحراء
بعد تخرجه من الكلية الحربية واشتعال الحرب العالمية الثانية، تم انتدابه كضابط في الصحراء الغربية، حيث دارت أمامه أعنف معارك المدرعات بين قوات الحلفاء بقيادة "مونتجمري" والمحور بقيادة "روميل"، وكانت تجربة مهمة ودرسًا مفيدًا استوعبه واختزنه لأكثر من ثلاثين عامًا.
وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية واصل مسيرته العسكرية، فعمل ضابطًا بالمخابرات الحربية، فمدرسا بمدرسة المخابرات؛ حيث تخصص في تدريس التاريخ العسكري للاحتلال لإسرائيلي، فكان على دراية بكل ما يتعلق بها عسكريًا من التسليح إلى الاستراتيجية إلى المواجهة.
بعد ذلك تلقى عددا من الدورات التدريبية العسكرية في كثير من دول العالم، وحصل على إجازة كلية القادة والأركان عام 1951، وحصل على اجازة أكاديمية ناصر العسكرية العليا عام 1966.
دموع هزيمة 1967
لم يكن يتوقع المشير الجمسي أن يهزم الجيش المصري خلال حرب 1967 مع الكيان الصهيوني، فكان يتحمل أعباء كبيرة عن أي مواطن عادي، فهو ضمن الفئة التي وصمت بأنهم أصحاب الهزيمة، فما كان عليه إلا التقدم باستقالته عقب الهزيمة مباشرةً من القوات المسلحة، لكن الرئيس جمال عبدالناصر رفض الاستقالة، وشرح له أن هناك جولة أخرى وسيكون الفوز حليفنا، وأسند له مهام الإشراف على تدريب الجيش المصري مع عدد من القيادات وكان من أكثر قيادات الجيش دراية بالعدو.
وبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر عينه السادات رئيسًا للمخابرات الحربية ثم رئيسًا لهيئة عمليات القوات المسلحة وكلفه بدراسة الأوضاع العسكرية ووضع خطة الحرب، وهو الموقع الذي شغله عام 1972، ولم يتركه إلا أثناء حرب أكتوبر 1973 لشغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة، بعد إقالة سعد الدين الشاذلي.
حرب أكتوبر و"كشكول منى"
لعله القدر هو الذي جعل الجمسي يمسك بقلمه ويضع أهم وأخطر خطة حربية في تاريخ مصر وربما العالم، في "كشكول" ابنته منى، فدون به كيف يتم الهجوم من الجبهتين المصرية والسورية على الكيان الصهيوني، وظل عاكفًا، يدرس جميع الظروف والأحوال بما في ذلك الظروف الجوية وحالة الطقس، والمد والجزر للبحر الأحمر، اجتهد قدر الإمكان حتى لا يجعل للظروف مكانًا في خطته.
بعد أن أنهى المشير الجمسي، خطته التي دونها بالكشكول الذي كتب على غلافه "كشكول هيئة عمليات القوات المسلحة"، رفعها إلى الرئيس أنور السادات، الذي قرأها وهو يداعبه قائلاً: "ياه خطة وافية كل شيء في هذا الكشكول.. مَن يصدق أن كشكول طالبة في الابتدائية يضم خطة حرب العبور".
وقف الجمسي بغرفة عمليات القوات المسلحة يوم السادس من أكتوبر 1973، وهو يصارع الزمن حتى يمر، حتى جاءت الثانية مساء موعد العبور فصاح مردًا اسم الخطة العسكرية التي بها استعادة مصر أرضها " بدر.. بدر.. بدر بدر بدر"، وحققت مصر خلالها هزيمة الاحتلال الصهيوني واستعادة سيناء.
خلال الحرب حدث خلاف بين السادات والفريق سعدالدين الشاذلي رئيس أركان القوات المسلحة، بسبب ثغرة الدفرسوار، عين السادات الجمسي خلالها رئيسًا لأركان القوات المسلحة خلفا للشاذلي وعلى الفور وضع الجمسي خطة لتصفية الثغرة عرفت باسم "شامل"، إلا أنها لم تنفذ بسبب قرار وقف إطلاق النار.
مستشارا عسكريا لرفضه منع الجيش مظاهرات يناير 77
وعقب وفاة المشير أحمد إسماعيل عينه السادات وزيرًا للحربية (وزارة الدفاع حاليًا) حتى أكتوبر 1978، حيث عينه السادات مستشارا عسكريا وكان هذا القرار بسبب رفضه انخراط قوات الجيش المصري لقمع مظاهرات رفع الدعم خلال يومي 17 و18 يناير 1977.
الجمسي من أفضل 50 قائدًا عسكريًا
مجلة الدفاع الأمريكي اختارت، "الجمسي" والمشير أحمد إسماعيل علي، ضمن أفضل 50 قائدًا عسكريًا أضافوا للتكتيك العسكري بفضل براعتهم في التخطيط لحرب أكتوبر، كما ضمت الموسوعة العسكرية الصادرة عن البنتاجون كلا من الجمسي وإسماعيل بين أفضل 50 قائد عسكري في العصر الحديث.
رحل المشير الجمسي في صمت بعد معاناة مع المرض، وصعدت روحه إلى الله سبحانه وتعالى، في 7 يونيو 2003 عن عمر يناهز 82 عامًا، عاش خلالها حياة حافلة بالبطولات.