كيف يكون بر الوالدين
أخي المسلم : مر معك بر الوالدين، وحقيقته؛ وهو باختصار: الإحسان إليهما بوجوه البر والصلة، وعدم التقصير في حقهما .
* طاعتهما فيما يأمران به :
طاعة الوالدين واجبة على الولد؛ إذا أمراه أن يسمع لقولهما، ما لم يأمراه بمعصية الله تعالى..
قال الله تعالى : {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمان: 15].
بل إن العلماء أفتوا : أن الوالد إذا منع ابنه من صوم التطوع، فله أن يطيع والده .
سئل الإمام أحمد رحمه الله : عن رجل يصوم التطوع، فسأله أبواه أو أحدهما؛ أن يفطر , قال : (يروى عن الحسن أنه قال : يفطر وله أجر البر، وأجر الصوم إذا أفطر) .
* خفض الصوت عندهما ومخاطبتهما بلين :
إن مما يؤسف له أن الكثيرين؛ إذا خاطب أحدهم أحد والديه؛ تجده يرفع صوته، ولا يراعي الأدب معهما ! وهذا لا شك من العقوق؛ الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الله تعالى : {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}[الإسراء: 23] .
قال سعيد بن المسيب رحمه الله : (قول العبد المتذلل للسيد الفظ) !
وهذا ابن عون رحمه الله : نادته أمه مرة، فأجابها بصوت عال، فأعتق رقبتين !
* توقيرهما والتذلل لهما :
وهذا من لوازم البر؛ فإن كثيرًا من الأبناء؛ تجده يتعالون على الوالدين؛ فإذا أمره أحدهما بشيء، فكأنما في ذلك إهانة له! وخاصة إذا كان الولد كبير المنصب .
ولكن هذا الجاهل، غاب عنه؛ أن بر الوالدين ليس فيه إهانة ولا مذلة؛ بل إن المذلة في عدم طاعتهما ! قال تعالى : {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}[الإسراء: 24].
قال عروة رحمه الله : هو أن لا يمنعهما من شيء أراداه .
وقال طاوس رحمه الله : (إن من السنة أن نوقر أربعة: العالم، وذو الشيبة، والسلطان، والوالد) .
وأبصر أبو هريرة رضى الله عنه رجلين، فقال لأحدهما: ما هذا منك ؟ فقال : أبي. فقال : لا تسمه باسمه، ولا تمش أمامه، ولا تجلس قبله .
* استئذانهما إذا نوى السفر الطويل؛ لطلب علم أو غيره :
من البر استئذان الوالدين عند السفر الطويل؛ الذي يغيب صاحبه مدة طويلة .
فإن رضا الوالدين من الأمور الضرورية في مثل هذه الحالة. ولك أن تعتبر أن إذن الوالدين واجب؛ حتى في حق الذي يريد الخروج إلى الجهاد .
عن طلحة بن معاوية السلمى رضى الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إني أريد الجهاد في سبيل الله , قال : «أمك حية ؟» قلت : نعم , قال النبى صلى الله عليه وسلم : «الزم رجلها فثم الجنة !» [رواه الطبراني/ صحيح الترغيب للألباني: 2483] .
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبوي يبكيان , فقال : «ارجع عليهما؛ فأضحكهما كما أبكيتهما» [رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه/ صحيح أبي داود للألباني: 2528] .
* الإنفاق عليهما وسد حاجتهما :
وهذا من لوازم البر الأكيدة ؛ أن يطعم الابن والديه ويكسوهما، ويقوم على حاجتهما .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أن رجلاً قال : يا رسول الله، إن لي مالاً وولدًا ، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي ، فقال : «أنت ومالك لأبيك !» [رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما] .
في رواية : «إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم» [إرواء الغليل للألباني: 838] .
* الدعاء لهما، سواء في حياتهما أو بعد موتهما :
إن من البر؛ أن يدعو الابن لوالديه بالرحمة؛ حتى وإن كانا أحياء وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاء لكل من صنع إلينا معروفًا، فكيف بالوالدين؟! ومعروفهما فوق كل معروف .
وفي الدعاء لهما : أداء لبعض حقوقهما عليك، وليس ذلك بالصعب .
قال الله تعالى : {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[الإسراء: 24] .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول : أني لي هذا ؟ فيقال : باستغفار ولدك لك» [رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما/ السلسلة الصحيحة: 1598] .
قال بعض التابعين : (من دعا لأبويه في كل يوم خمس مرات، فقد أدى حقهما، لأن الله تعالى قال : {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} فشكر الله تعالى أن يصلي في كل يوم خمس مرات، وكذلك شكر الوالدين؛ أن يدعو لهما في كل يوم خمس مرات) .
وقال بعض الصحابة رضى الله عنهم : (ترك الدعاء للوالدين؛ يضيق العيش على الولد) .