من يكتب التاريخ في العالم العربي ؟
قالت بي بي سي عربي، إنه عندما نقرأ التاريخ في الكتب والروايات ونطلع على ما حصل من أحداث نتساءل في عدة محطات هل هذا فعلا ما حصل؟ هل وقعت بالفعل كل التفاصيل المذكورة؟ أم أن هذه الأحداث خضعت لميول وطبيعة وعقل المؤرخ وشخصيته وانحيازه لأحد الأطراف على حساب أطراف أخرى. وبالتالي هل كتبها كما رآها هو من وجهة نظره الشخصية، أو كما حصلت فعلا ؟.
يقال إن المنتصر هو من يكتب التاريخ. وهذه المقولة إلى حد ما حقيقية بل أقرب إلى الصدق. فخلال الفترات الماضية كان كل من ينتصر في معركة أو حرب أو منافسة حزبية ما، هو الذي يدون في كتب التاريخ ما يريد من أحداث وبيانات ومعلومات وربما لا يقتصر ذلك على كتب التاريخ فقط لكنه أيضا يضمن ذلك في المقررات الدراسية الذي يدرسها التلاميذ في المدارس والجامعات، في حين يُغفل عمداً معلومات أخرى ذات أهمية وقيمة في اكتمال الصورة بشأن الحدث، وترتيبا على ذلك فالتاريخ دائما ما يكتبه المنتصر ليروج فيه لنفسه ولانتصاراته ويبرز إنجازاته ويقلل فيه من قيمة خصمه.
ففي أكثر من رواية يُصور الزعيم والقائد المنتصر بأنه البطل، ولا يذكر بين تاريخه إلا ما هو حسن، أما ما هو سيئ فُشطب بهدف المحافظة على الصورة المشرقة البراقة له. ولا تظهر هذه الحقائق إلا بعد ذهاب صاحبها، وهذا يذكرنا بالمقولة الشهيرة إن التاريخ الحقيقي لا يظهر إلا بعد زوال صاحبه.
في التاريخ المعاصر حدثت حروب وأحداث جسام تمثل جزءاً مهماً من تاريخ العرب، والعلاقات فيما بينهم، ولو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر ما يحدث في العراق اليوم نرى ان الحكومة قامت بشطب الكثير من أحداث عهد صدام حسين وأيام الاحتلال الأمريكي من مناهج التاريخ الذي يدرس للتلاميذ. فهل هذا هو تاريخ العراق الذي نعرفه؟ ويظل السؤال قائماً من يكتب التاريخ؟.
وفي مصر تحدثت جل كتب التاريخ عن الملك فاروق بأنه لم يكن حريصا على وطنه وأنه فرط في حقوق مصر لصالح الانجليز. ومجدت هذه الكتب الثورة المصرية، هي التي أنهت الظلم وحررت الشعب. لكن بعد أربعين سنة ظهرت مواقف جديدة تقول إن لديها حقائق كثيرة وأورد بعض المؤرخين أن الملك فاروق لم يكن سيئا كما تذكره معظم كتب التاريخ بل كان محبا لوطنه وأن رجال الثورة كان فيهم من الفساد المالي والاداري الكثير.
كما تطرح مسألة كتابة التاريخ العديد من التساؤلات التي تتأرجح بين حقيقة ما كتب وسيكتب. فقد يكون جزء كبير من التاريخ الذي نقرأه اليوم صحيحا وقد لا يكون لأن كتب التاريخ تخضع لانحياز الكاتب لجهة معينة او للأيدلوجيا التي يحملها. ويقودنا هذا إلى مسألة الموضوعية والتجرّد وإلى أن يفرّق المؤرخ بين التاريخ والدعاية.
لماذا الارشيفات العربية غير متاحة للمؤرخين؟
وفي مقابلة مع بي بي سي عربي قال الدكتور علي شعيب المؤرخ وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعة اللبنانية ومسؤل العلاقات الخارجية للجمعية التاريخية في بيروت "هناك إشكالية في كتابة تاريخ العرب. فأغلبها مؤدلج ويفتقر إلى الموضوعية. فكتابة التاريخ أصبحت إلى حد ما كتعدد الطوائف والجماعات".
وأكد الدكتور شعيب "إن كتابة التاريخ تستدعي الموضوعية والدقة والسعي إلى الإستفادة من مجرياته لا من وجهة نظر طائفة أو جماعة معينة في أحيان كثيرة نهمل الروابط التي تشدنا إلى تواريخ الأمم والشعوب الأخرى متناسين تشابك تاريخ البشرية".
وأضاف الدكتور علي "الاشكالية الاخرى هو عدم الانتقال السلمي للسلطة في العالم العربي. والانتقال دائما ما يكون عسكريا او قهريا. وهنا يمحو المنتصر كل إيجابيات ما قبله. فمنذ الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب حتى يومنا هذا لم يكن هناك انتقال سلمي للسلطة ولا يوجد نموذج في العالم العربي يمكن أن يحتذى به. كما طغى على كتابة التاريخ نوع من القدسية وتوظيفها في خدمة السياسة عن طريق الدين، مثل ولاية الفقية وأمير المؤمنين أو البابا غيرهما من الرموز الدينية".
وأشار الدكتور شعيب "ليس هناك اهتمام وإيمان بتوثيق الأحداث التاريخية في الدول العربية. فعند كتابة التاريخ يلجأ أغلب المؤرخين الى ما كتبه المستشرقون وبعض الأحيان إلى الأرشيفات الاجنبية".
من العناصر المهمة في هذا الموضوع أن أحداث ما بات يعرف بـ "الربيع العربي" في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، كشفت ما هو مستور طوال هذه السنين، وتبينت لشعوب هذه الدول وخارجها حقائق مريرة كان البعض يعرفها لكن البعض الآخر، أوالكثيرين كانوا يجهلونها. فمن كان يدري عن ثروات زعماء هذه الدول؟! ومن كان يعلم بالأدوار التي كانوا يمارسونها ضد مصالح شعوبهم؟
من يكتب التاريخ؟ سؤال يفتح مجالًا لأشكال عدة من النقاش، خاصة إذا نظرنا إلى أهمية كتابة التاريخ، وتأثيراتها في تشكيل الهوية، وحفظ كيان المجتمع، وتوثيق أحداثها، فالتاريخ مصدر إلهام الشعوب التي تعيش حاضرها وليس ماضيها، تعتز الأمم المتحضرة بماضيها بسلبياته وإيجابياته لأنه يمثل صفحة تاريخية طواها الزمان.