عادل حمودة يكتب: شركاء فى التخابر والحرائق وقتل ضباط الشرطة وجريمة ريجينى لا يحاكمهم أحد
■ قضية التخابر مع قطر أبلغت عنها زوجة أحد المتهمين وكشفت عن إهمال فى تعامل موظفى الرئاسة مع الوثائق الأمنية والعسكرية
■ نتوقع الحكم على محمد مرسى فى القضية بعد أن ترك الوثائق على مكتبه شهورا طويلة مما أتاح لباقى المتهمين الحصول عليها والاتجار بها
■ المباحث الجنائية وضعت يدها على العصابة التى تسرق الأجانب لكنها لم تخبر الأمن الوطنى وتدخل الأمن المركزى لتصفية أفرادها فضاعت فرصة القبض على الجناة فى قضية ريجينى
■ ثغرات الأمن الصناعى فى الأسواق الشعبية والمنشآت الحكومية والخدمية وقاعات المؤتمرات منحت فرصا ذهبية لمشعلى الحرائق لتنفيذ مخطط تجويع الشعب ليثور على الحكم
■ مشعلو الحرائق حاولوا حرق قش القمح لتغطية القاهرة بسحابة سوداء لكن وعى الفلاحين أنقذنا من الكارثة
■ الصحفيون لا يكفون عن المطالبة بتوفير المعلومات لكنهم لم يكشفوا الحقائق فى قضية القبض على عمرو والسقا داخل نقابتهم ولا مفر من لجنة تحقيق تحدد المخطئ من البرىء
تتجاوز خطورة قضية التخابر مع قطر حدود الدائرة القضائية (11 إرهاب) التى تنظرها تحت رئاسة المستشار محمد شيرين فهمى وعضوية المستشارين حسن السايس وأبو النصر عثمان.
القضية تحمل رقم (767) لسنة (2014).. ومتهم فيها رئيس الجمهورية السابق محمد مرسى وعشرة آخرون.. واستغرقت 93 جلسة قبل إحالة أوراق ستة منهم إلى المفتى.. تمهيدا لصدور الحكم فيها.
لكن.. لابد من الاعتراف أن القضية كشفت بواسطة ما سمى مصدر سرى.. هو حسب معلوماتنا زوجة أحد المتهمين.. لولاها لكانت عشرات من أصول الوثائق الرئاسية شديدة السرية قد وصلت فى أمان إلى المخابرات القطرية لتنشرها الجزيرة حسب هواها.. محققة خبطة إعلامية مدوية.
إننا أمام لحظة يقظة فى ضمير سيدة مصرية أنقذت سمعة أجهزة مختصة كان عليها متابعة تحركات عائلات قيادات الجماعة ومنها كريمة ابنة أمين الصيرفى المسئول عن حفظ الوثائق فى الرئاسة وقت محمد مرسى.
لقد نقل أمين الصيرفى (المتهم الثالث) يوم 26 يونيو 2013 ما تحت يديه من وثائق إلى بيته فى ثلاث كراتين وعندما قبض عليه خشيت ابنته (المتهم الثامن) من ضبطها فلجأت إلى المتهم التاسع.. أسماء محمد الخطيب المحررة فى موقع رصد الإخوانى والتى تعرفت عليها أثناء اعتصام ميدان رابعة العدوية لتستفيد من خبرتها الصحفية فى التعامل مع مثل هذه الأوراق.. فنصحتها بوضعها على فلاشا ليسهل حملها قبل التصرف فيها.
هنا.. دخل أحمد إسماعيل ثابت المعيد فى جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا (المتهم السابع) طرفا فى الجريمة.. فقد طالبته أسماء الخطيب التى تعرفه باستخدام خبرته العلمية فى تخزين الوثائق على فلاشا.. لكنه.. خشى أن يثير وجود فتاتين فى بيته وهو عازب انتباه الجيران ففضل ترك تلك المهمة لصديقه منتج الأفلام التسجيلية أحمد عفيفى (المتهم الرابع) فهو متزوج ولن يثير الشبهات حوله.
وبالفعل.. بدأ أحمد عفيفى فى تخزين الوثائق على جهاز الكمبيوتر الشخصى وضمها إلى ذاكرة الجهاز التى كانت تحتفظ بأفلام جنسية بجانب لقطات خاصة للمتهم وزوجته استبعدت من أحراز القضية.. وإن كان لافتًا للنظر أن المتحفظين دينيا واجتماعيا يتصرفون أمام كاميرات خاصة بحرية تتجاوز الحدود والتقاليد العائلية المعروفة.
وجد أحمد عفيفى فى الوثائق كنزا لم يتردد فى الاستفادة منه والكسب من ورائه.. فاتصل بصديقه المعد فى الجزيرة علاء سبلان الأردنى الجنسية (المتهم العاشر) وأرسل إليه عينة من الوثائق كانت كفيلة بإثارة لعاب إبراهيم هلال رئيس قطاع الأخبار فى القناة وهو للأسف مصرى الجنسية (المتهم الحادى عشر) وقد طلب الحصول على أصل الوثائق مقابل ما سيدفع من مال مهما كان حجمه.
لم يشأ أحمد عفيفى أن يفرط فى الثروة التى وضع يده عليها إلا بعد أن يطمئن إلى ما سيجنيه من ورائها.. فطلب من مضيف الطيران محمد عادل كيلانى (المتهم السادس) استخدام فرصته فى السفر وحمل الفلاشا إلى إبراهيم هلال.. وبالفعل.. طلب المضيف تغيير رحلته من دبى إلى الدوحة.. ولم يلفت ذلك نظر إدارة الضيافة فى مصر للطيران، رغم أنها تضع علامات حمراء على طاقم رحلات الدوحة.
التقى المضيف فى فندق شيراتون الدوحة بإبراهيم هلال الذى كان معه ضابط من المخابرات القطرية سجل بالصوت والصورة اللقاء.. وطلب المضيف مليون دولار حسب توصية أحمد عفيفى.. ووافق الطرف الآخر دون تردد، مما جعل أحمد عفيفى يشعر بالندم لأنه لم يطلب مبلغًا أكبر يزيد نصف مليون دولار أخرى.
لم يحمل المضيف معه فى رحلة العودة أكثر من عشرة آلاف دولار.. المبلغ المسموح بدخوله للبلاد قانونا.. ولكى لا يثير الشبهات حوله.. ووصل المبلغ إلى أحمد عفيفى فقام بتحويله إلى العملة المحلية وقدم منها ثلاثة آلاف جنيه للمعيد أحمد ثابت على سبيل القرض لإصلاح سيارته.
شبكة منظمة.. متعددة الأعضاء.. يعملون فى مجالات مختلفة.. لم ينتبه أحد إليهم رغم أن مؤسسات الدولة كلها كانت فى حالة تربص بكل ما ينتمى للجماعة ولقطر بصلة.. وبدا واضحا أن الوثائق على وشك الخروج من البلاد لولا ما همست به الزوجة إلى جهاز الأمن الوطنى.. ولا أحد يعرف سر تلك الزوجة.. ولا دافعها الحقيقى وراء ما فعلت؟.. وإن كنا نتصور أنها شكت فى أن زوجها سيأتى لها بضرة فور أن يجنى الثروة المتوقعة حسب ما اعتاد عليه أعضاء الجماعة والمتعاونون معهم.. حيث يسيئون استخدام الشرع فى تعدد الزوجات ولو بعقود عرفية.. بل إن بعضهم يترك زوجته لغيره بعد طلاقها.. خاصة إذا كانت شقراء من البوسنة أو الشيشان أو سوريا دفعتها ظروف الحرب فى بلادها للهجرة.
والأخطر من سقوط الشبكة بالوشاية أو بالصدفة أن لا أحد فى رئاسة الجمهورية انتبه إلى اختفاء الوثائق إلا بعد نحو ستة أشهر من انتهاء حكم محمد مرسى عندما وصلت القضية إلى الأمن.. وهو ما يكشف عن خلل فى حفظ الوثائق ومراجعتها والتأكد من وجودها.
لقد شكلت لجنة فنية فى رئاسة الجمهورية لتقديم تقريرها وشهادتها للمحكمة.. ومنها عرفنا أن الوثائق نقلت بعد عزل محمد مرسى إلى قصر عابدين فى ثلاث كراتين وثلاث شنط سفر ووضعت فى غرفة مغلقة وسلم المفتاح لإدارة الأمن.. لم يفرز أحد تلك الوثائق.. ولم يهتم أحد بأرشفتها.. بل.. ولم يعرف أحد بدقة هل كانت أقفال الشنط بمفاتيح عادية أم بأرقام سرية؟
واتهمت النيابة محمد مرسى «المتهم الأول» ومدير مكتبه أحمد عبد العاطى (المتهم الثانى) باختلاس وثائق المخابرات العامة والحربية والقوات المسلحة وقطاع الأمن الوطنى والرقابة الإدارية التى تحوى معلومات وبيانات عسكرية وتمركز قواتها.
وركز دفاع المتهمين على أنهما كانا بعيدين عن الرئاسة وقت خروج المستندات منها.. محمد مرسى كان يقيم فى نادى الحرس الجمهورى وكان معه أحمد عبد العاطى.. وبدا ما قيل منطقيا.. وهنا كان على المحكمة التحقيق فى القضية مما أطال أمد نظرها شهورا طويلة.
حسب شهادات قائد الحرس الجمهورى وقت تولى محمد مرسى اللواء نجيب عبد السلام وخلفه اللواء محمد زكى فإن محمد مرسى عين فى 15 يوليو 2012 بعد أيام قليلة من توليه الحكم أحمد عبد العاطى مديرا لمكتبه بدرجة ومخصصات وزير وسمح له على غير العادة بقراءة التقارير عالية السرية التى لا يسمح إلا للرئيس بالاطلاع عليها.
واتفق الضابطان الكبيران على أن الوثائق العسكرية كانت تأتى إلى قائد الحرس الجمهورى مغلقة ليقدمها إلى الرئيس الذى ما أن يطلع عليها حتى يعيدها لتسجل فى دفتر خاص يتضمن موعد الوصول والجهة المرسلة وتاريخ حفظها.. لكن.. لوحظ أن محمد مرسى يحتفظ بتلك الوثائق ويتركها على مكتبه ولا يطلب أرشفتها.. وبالفعل ظلت على مكتبه 16 وثيقة شديدة الخطورة.. طلبوا منه أربع مرات إعادتها.. لكنه.. ماطل بطريقة تثير الريبة.. واستمرت المماطلة شهورا طويلة.. جعلت المحكمة على ما يبدو ترى أنه انتقل من حالة الاقتناء المؤقت للوثائق إلى حالة الاقتناء الدائم.. ممتلكا ما لا يملك.. ومحتفظا بما لا يجوز الاحتفاظ به.. مما منح المتهمين الآخرين فرصة الحصول عليها.. وما كانوا ليحصلوا عليها لو تصرف حسب القواعد والأصول المفروضة على الرئيس.. وأغلب الظن أن ذلك التفسير سيدينه فى القضية ولو نجا من حكم الإعدام.
والمؤكد أن المستشار محمد شيرين فهمى قاض مثقف.. طويل النفس.. يستوفى كل تهمة حقها قبل توجيهها إلى أحد.. ولابد أنه يدرك أن القضية ستكون تحت الفحص خارج البلاد قبل داخلها فلن يحكم إلا بما يصعب نقضه.. وإن كنت أتمنى أن يوجه نقدا للجهات المسئولة عن وثائق الدولة والتى فتحت ثغرة للمتهمين تسللوا منها لارتكاب جريمتهم.
إن تعبير الثغرة فرض نفسه علينا فى حرب أكتوبر حينما حاول آرييل شارون بعملية سميت بالغزالة أن يحرمنا من الانتصار المتميز الذى أذهل المدارس العسكرية والمخابراتية المختلفة فى العالم.. ومن يومها لم نسد الثغرات .. وتركناها مفتوحة أمام العيون لتسمح باختراق مؤسسات الدولة المختلفة من إرهابيين ومتآمرين ومخربين.. دون أن نعى الدرس.. أو نستفيد منه.. وهكذا.. أصبحت الثغرات شريكا غير مدان فى كل ما يجرى لنا من حوادث ومصائب وكوراث.
إن ثغرة فى مراجعة انتماءات ضباط الشرطة أدت إلى وجود طابور خامس بينهم يوشى بمعلومات أدت إلى تعرض زملائهم للاغتيال الفردى كما حدث فى جريمة قتل مقدم الأمن الوطنى محمد مبروك الشاهد الرئيسى فى قضية اتهم فيها محمد مرسى بالتخابر.. أو للاغتيال الجماعى كما مؤخرا حدث فى كمين حلوان.
وثغرة فى تعامل المباحث الجنائية مع عصابة سرقة الأجانب دون إبلاغ جهاز الأمن الوطنى أدت إلى فتح نيران الأمن المركزى على أفرادها وقتلهم جميعا لتضيع فرصة ذهبية لتبرئة الشرطة من عملية اغتيال الباحث الإيطالى جوليو ريجينى وتدهور العلاقات بين مصر وإيطاليا.
وثغرة فى غياب المعلومات الدقيقة عند القبض على عمرو بدر ومحمود السقا أدت إلى تصاعد الأزمة بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية.. واللافت للنظر أن الصحفيين الذين يطالبون دائما بتوفير المعلومات فى القضايا المختلفة ليصلوا إلى رأى سديد فيها لم يسعوا إلى معرفة حقيقة ما حدث فى نقابتهم إلا بعد فوات الأوان حين تقرر تشكيل لجنة داخلية للتحقيق.. تحدد المخطئ من المصيب فيما جرى.
وثغرة أو ثغرات فى الأمن الصناعى تزيد من فرص المجرمين.. مشعلى الحرائق.. ولا يقتصر الموقف على الأسواق القديمة فى الرويعى والحمزاوى والموسكى، وإنما يمتد إلى المؤسسات الكبيرة.. محافظة القاهرة.. قاعة المؤتمرات.. المستشفيات الحكومية.
وحسب اللجنة التى تشكلت من أجهزة مختلفة فإن الجناة يستخدمون نوعا من البودرة سريعة الاشتعال يرشونها بطول المنطقة التى يريدون حرقها ويكفى عود كبريت واحد لتنفيذ جريمتهم فى دقائق قليلة.. كما ثبت استخدام قنابل من بنزين يمكن تفجيرها عن بعد بموبايل.
ولم يكتف الجناة بتدمير مصادر رزق التجار الصغار فى الأسواق الشعبية وإنما سعوا إلى زرع الفتنة بينهم ليضاف الدم إلى الحرق.. إن غالبية هؤلاء التجار ينتمون إلى عائلات جاءت من قرى بعينها فى الصعيد.. وبعد إشعال حريق فى جزء من أحد الأسواق خرج موقع إلكترونى إخوانى يتهم عائلة لم تحترق محلاتها بارتكاب الجريمة لتثور العائلة المضارة.. وكادت الوقعية أن تنجح لولا تدخل العقلاء لكشف الملعوب.
واستغلالا لموسم حصاد القمح حاول المدمرون إشعال النار فى القش الناتج عنه سعيا منهم إلى تغطية القاهرة بسحابة سوداء لم تشهدها من قبل لكن وعى الفلاحين جعلهم يسارعون بكبس القش وتفويت الفرصة عليهم.
إن التنظيمات المتربصة بالدولة المصرية لتنفيذ المؤامرة عليها تلجأ الآن إلى حرب تجويع الشعب ليثور على الحكم القائم وتعم الفوضى ويتحقق ما تسعى إليه من أهداف.. فبعد ضرب السياحة راحت تحرق الأسواق والمستشفيات والمصانع ومراكز الإدارة المحلية.. ولن تتردد فى أن تنفذ مخططاتها فى الوزارات السيادية لو وجدت ثغرة تنفذ منها.
وتعلمنا خبرة الحياة اليومية أن الميكروبات لا تتسلل إلى الجسم إلا إذا فتح فيه جرح ترك دون علاج.. ونحن فى الحقيقة نترك عشرات الجراح مفتوحة فى كل مكان.. مرة بالفساد ومرة بالإهمال.. مرة بالتجاهل ومرة بضعف الخبرات.. ودون شفاء من تلك الأمراض المزمنة سنصبح شركاء فيما يحدث.. وضحاياه أيضا.