الصندوق الأسود.. كاشف اللغز الغائب لـ"الطائرة المنكوبة"
"الصندوق الأسود".. مصطلح طالما يتردد عقب كل حادث طيران، باعتباره يمثل طرف خيط يقود إلى اكتشاف الطائرة المفقودة، ويعد الشاهد العدل والوحيد على تحطم الطائرة والأسباب التي تقف وراء ذلك.
وبالأمس تحطمت طائرة مصرية كانت في طريق عودتها من فرنسا، بعد أن أقلعت من مطار باريس شارل ديجول، في تمام الساعة 23.09 بتوقيت باريس وعلى متنها 59 راكبًا و10 من أفراد الركب الطائر.
وعلى إثر ذلك الحادث تساءل الجميع عن مصير "الصندوق الأسود"، وكيفية التوصل إليه؟ لتحديد مكان سقوط الطائرة.. بدورها حرصت "الفجر " على استطلاع أهمية الصندوق ووظيفته وأطراف الخيط التي توصلنا إليه.
سبب تسميته بهذا الاسم
سمي بالصندوق الأسود لارتباطه بالكوارث الجوية وحوادث تحطم الطائرة وهو في الحقيقة صندوق ذو لون برتقالي، والصندوق يسجل كل كبيرة وصغيرة داخل الطائرة من ارتفاع الطائرة وسرعة الهواء والاتجاه البوصلي والزمني والتسارع العمودي.
ويتكون من مسجلين أحدهما نظري والآخر رقمي، وهما متشابهان في المظهر الخارجي ومختلفان في التركيب من الداخل .
ولا يقتصر استخدام الصندوق الأسود على الطائرات، بل يوجد كذلك في وسائل للنقل الجماعي الأخرى مثل السفن البحرية والقطارات لتسجيل كافة المعلومات الخاصة برحلاتها، خاصة في حالات الحوادث أو الكوارث.
وظيفته
يستطيع هذا الصندوق تسجيل نحو 3000 نوع من المعلومات والبيانات في وقت واحد عبر أجهزة رصد للمعلومات موجودة داخل الطائرة، ولديه قدرة على مواصلة التسجيل لمدة أكثر من 25 ساعة.
ويعمل على حفظ البيانات الرقمية الخاصة بالطائرة، مثل: الوقت، والسرعة أثناء الطيران، والاتجاه في خط السير، والارتفاع، ودرجة الحرارة خارج الطائرة، ووضع الطائرة في الجو، ووضعية الطيار الآلي، وسرعة الهبوط.
أما الصندوق الأسود الثاني المسمى "مسجل الصوت" (يُعرف اختصارا بـCVR) فيحتوي على شرائح لتسجيل كل المحادثات التي تدور داخل قمرة قيادة الطائرة بين قائد الطائرة وأفراد طاقمه، أو بينه وبين أبراج المراقبة، وترصد أي أصوات تحدث في كابينة الركاب.
ويبدأ تسجيله منذ تشغيل الشبكة الكهربائية للطائرة وحتى توقفها عن العمل، بما في ذلك ذبذبات تردد 400 ميغاهيرتز الصادرة عن هذه الشبكة التي تبلغ قوتها 28 فولتاً، وأصوات مراوح التبريد والاهتزازات الضعيفة.
ويتيح هذا الصندوق للمحققين في حوادث الطيران معرفة ما إن كان الطيارون أحسوا بوجود خلل قبيل تحطم الطائرة وما هي نوعيته، لأنه يسجل آخر الأحداث التي أدت إلى تحطم الطائرة، ويسمح بمقارنة معلوماته بنظيرتها الموجودة في الصندوق الأسود الأول.
والصندوقان -اللذان يقدر حجم كل منهما بحجم صندوق الأحذية تقريبا، ويزن نحو عشرة كيلوغرامات- مجهزان بجهاز بث يعمل عندما يغوص الصندوقان في الماء حال سقوط الطائرة في البحر، إذ يطلق ذبذبات ضوئية عالية التردد للمساعدة في تحديد مكانيهما
بعد التعرف على "الصندوق الأسود"، واستطلاع دوره ووظيفته.. بقي السؤال.. كيف يتم الوصول له؟.
ويتم البحث عن الصناديق الأسود في الطائرات المتحطمة باستخدام أجهزة متطورة مثل الروبوتات المربوطة بالغواصات، أو السفن المجهزة بمسبارات الاستشعار، أو بتقنيات الكاشف المغناطيسي التي بإمكانها البحث في مساحة تبلغ نحو 60 كيلومترا مربعا.
ويتولى تحليل بياناتها بعد العثور عليها وانتشالها خبراء في حوادث الطيران حكوميون أو تجاريون، وتوجد أقوى مكاتب تحليلها بالولايات المتحدة وفرنسا بحكم وجود أكبر شركتين للطيران فيهما، وهما إيرباص وبوينغ.
ورغم كون هذين الجهازين لا يمكنهما مساعدة الطيار أثناء الرحلة، فإنهما يتحولان -في حال سقوطها أو إسقاطها- إلى الشاهد الأكبر على ما جرى لها في الأجواء، فالبيانات والمعلومات التي سجلاها تساعد المحققين على معرفة السبب الفعلي وراء السقوط، وتوضح بشكل قاطع ما إن كان الحادث وقع بسبب خلل فني أو ظروف جوية أم بفعل بشري.
وقد صدرت دعوات من دول ومنظمات وهيئات تنظيم طيران إقليمية عالمية -إثر تزايد حوادث سقوط الطائرات والفشل في العثور على الصناديق السود فيها- إلى إيجاد وسيلة لتتبع رحلات الطائرات التجارية لحظة بلحظة، إلى جانب استخدام هذه الصناديق المعمول بها.
تسهيل العثور على الصناديق السوداء
وفي مايو 2014 أعلنت هيئة السلامة الجوية الأوروبية أنها صاغت مقترحات جديدة تسهل العثور على الصناديق السوداء في الطائرات المفقودة، وتتضمن إدخال تردد إشارات جديد يسهل معرفة موقع الصندوق الأسود المفقود تحت الماء.
كما تشمل المقترحات تمديد فترة عمل جهاز تحديد الموقع تحت الماء من ثلاثين إلى تسعين يوما، إضافة إلى زيادة الفترة المخصصة للتسجيلات الصوتية في قمرة الطائرة من نحو ساعتين حاليا إلى عشرين ساعة، وذلك بهدف تسهيل فهم ما يحدث في حوادث تحطم الطائرات.