منال لاشين تكتب: أخيرا خطة لإنقاذ صناعة الدواء
■ البنك المركزى يبدأ دعم قطاع الأدوية بـ120 مليون دولار دفعة أولى
■ تعديل تشريعى لدعم الفقراء من التأمين الصحى لمواجهة الزيادة
العدالة البطيئة هى ظلم هائل للمتقاضين، وبالمثل فإن الدواء الرخيص غير المتوافر ظلم بين للمرضى. فأول حق من حقوق المرضى هو توفير الدواء. أما اختفاء الدواء والاكتفاء بأن سعره رخيص فهذا الوضع كوميديا سوداء.
ولذلك فإن قرار الحكومة برفع أسعار الأدوية الرخيصة هو أول خطوة فى حماية حقوق المرضى قبل إنقاذ الصناعة. ولكن هذه الخطوة لا تكفى لأن هناك خطوات مهمة مالية واقتصادية واجتماعية يجب أن تتخذ. هذه الخطوات ستحقق التوازن بين حق المرضى فى الدواء من ناحية، وحق الصناعة فى الاستمرار والنمو من ناحية أخرى.
1- إجراءات عاجلة
تثبيت سعر الأدوية لأكثر من خمس سنوات أدى إلى خنق صناعة الدواء خاصة فى المصانع الحكومية (قطاع الأعمال العام). فأسعار أدوية المصانع الحكومية كانت منخفضة للغاية، ولكن ارتفاع أسعار الدولار مرة تلو الأخرى ضرب هذه المصانع. فلم يقتصر الأمر على الخسائر المتراكمة والمتزايدة يوما بعد يوم. ولكن وصل الأمر إلى عدم وجود (كاش) لشراء الخامات الدوائية، ومعظمها مستورد. ولذلك من بين الإجراءات العاجلة تخصيص البنك المركزى عطاءات خاصة لشراء الأدوية. فيوم الثلاثاء خصص المركزى 120 مليون دولار لتغطية شراء الخامات التى يحتاجها مصانع الدواء فى مصر. وسوف تحظى مصانع الأدوية بعطاء آخر خاص، وذلك بالإضافة إلى حصولها على نسبة لم تحدد بعد من العطاءات الأخرى للمركزى.
ومن جانب آخر فإن مساندة البنوك لشركات الأدوية لا يجب أن تقتصر على توفير الدولار فقط، فصناعة الدواء لا تقل أهمية عن صناعة السياحة، ودعمها بقروض ميسرة وإعادة جدولة قروضها المتعثرة واجب وطنى لإنقاذ الصناعة. لأن زيادة الأسعار التى قررتها الحكومة لا تستطيع أن تحيى الصناعة بين يوم وليلة. والدمار الذى لحق بصناعة الدواء يحتاج إلى مساندة عادلة وعاجلة من البنوك لشركات ومصانع الأدوية. خاصة شركات قطاع الأعمال العام التى تحملت العبء الأكبر من الكارثة. لأن أدويتها هى الأقل سعرا على الإطلاق. هذه المصانع على وشك الانهيار. ولم تنقذها زيادة 20% التى قررتها الحكومة للدواء الذى يقل سعره عن 30 جنيها. فى شركات قطاع الأعمال هناك أدوية تقل ثمنها عن خمسة جنيهات، بل إن هناك أدوية يقل ثمنها عن جنيهين. وكلها أدوية مهمة لمواجهة أمراض خطيرة وأخرى متوسطة. فقائمة الأمراض تشمل القلب والسكر والضغط مرورا بأمراض البرد وصولا لأمراض الأورام.
2- القرار داخل البرلمان
وعلى الرغم من أن أسعار الأدوية التى شملتها الزيادة منخفضة. فإن ذلك لم يمنع من غضب الكثير من المصريين لقرار الزيادة. ومبرر الغضب لديهم هو ارتفاع نسب الفقر فى مصر إلى نحو 40%. ولذلك فإن أى زيادة ولو كانت جنيها تمثل عبئا على الفقراء. ولذلك كان من البديهى أن يثير القرار جدلا داخل البرلمان. ويتجه بعض النواب إلى معالجة القضية من خلال قانون التأمين الصحى. وأن يؤكد القانون حق الفقراء فى الحصول على الدواء مجانا أو بأسعار مخفضة. ويطالب هؤلاء النواب بتطبيق النظام البريطانى. وفى هذا النظام يحصل المريض على الدواء بدون علامة تجارية. حيث يتم إنتاج دواء التأمين الصحى فى عبوات ضخمة. ويحصل المريض على الأدوية التى يحتاجها. وذلك من خلال احتساب الأيام التى سيتناول فيها الدواء. وتوفر هذه الطريقة أو بالأحرى النظام نسبة كبيرة ومؤثرة من تكاليف الدواء. خلافا لهذا النظام فإن النظام المصرى يقوم على توزيع الدواء فى عبوات. ومن خلال إنتاج الشركات المختلفة.
فى كواليس الأحزاب فإن بعض النواب فى انتظار قرار أحزابهم لاتخاذ موقف تجاه قرار الحكومة بالزيادة. ولكن نوابا آخرين قرروا مهاجمة القرار حتى لو رحبت أو أيدت أحزابهم قرار رفع الأسعار. ويرى هؤلاء النواب أن أى زيادة فى سعر الدواء ستؤثر فى الفقراء. وبعضهم سيطالب الحكومة بالبحث عن مصادر أخرى لتمويل عجز الشركات بعيدا عن رفع الأسعار.
3- التصدير هو الحل
من بين الأفكار المطروحة لزيادة قدرة قطاع صناعة الدواء. فكرة تتصل باستمرار وزيادة تصدير الأدوية المصرية. ويدور رقم الصادرات المصرية فى فلك 500 مليون دولار. وفى الأزمة الأخيرة تعرض هذا الرقم للانخفاض. ومن بين أكبر أزمات التصدير هو سعر الدواء. لأن سعر التصدير يرتبط بسعره فى بلد المنشأ. ونظرا لانخفاض أسعار الدواء فى مصر مقارنة بالدول الأخرى، فإن أسعار الدواء المصرى بالخارج منخفضة. وفى الفكر الاقتصادى فإن انخفاض الأسعار يمثل ميزة نسبية. ولكن على أرض الواقع فالأمر مختلف. لأن الصيدليات تستفيد أكثر بالأدوية الغالية، وذلك لأن هامش ربح بيع هذه الأدوية يكون مرتفعا بالنسبة للصيدليات. ولذلك فإن الصيدليات لا تتحمس لعرض وبيع الأدوية المصرية. والحل بالطبع ليس فى رفع أسعار الدواء على المواطن المصرى. ولكن أهل المهنة لديهم اقتراح آخر. هذا الاقتراح هو إعلان أن السعر فى مصر هو سعر اجتماعى مدعم للمواطن المصرى. وأن يتم تحديد سعر آخر للدواء يضمن سوق تصدير مفتوحة. ولاشك أن تحقيق سعر دواء أعلى فى التصدير سيحسن أداء الشركات. ويحقق لها أرباحا تمكنها من الاستثمار فى البحث العلمى وتطوير قدرتها. وكل هذا سينعكس إيجابيا ليس على الصناعة فحسب، بل على المواطن المصرى.
مرة أخرى مساندة المواطن وحقه فى الدواء لا يجب أن تكون سببا فى انهيار صناعة وطنية مهمة واستراتيجية مثل صناعة الدواء.
لماذا الحملة؟
أخيرًا استجابت الحكومة لـ«الفجر» بقرار رفع أسعار الأدوية، لم نفعلها من قبل، فقد تعودنا أن نطالب برفع مستوى معيشة المواطن لا برفع الأسعار، ولذلك بدت هذه الحملة التى استمرت لأسابيع للبعض سباحة ضد التيار، ولكن خوفنا وحرصنا على المواطن المصرى كان الدافع الأول لهذه الحملة، لأن استمرار الأسعار بهذا المستوى كان يهدد صحة أو بالأحرى حياة المواطن المصرى، فما فائدة دواء بنفس السعر، ولكنه غير موجود، الفائدة فى هذه الحالة كانت ستعود على المستوردين بالأرباح الهائلة، ولكنها ستعود على المواطن بأعباء أكثر ألف مرة من رفع الأسعار 20%، لأن أسعار الدواء المستورد أو حتى أدوية الشركات الاستثمارية أضعاف أسعار أدوية قطاع الأعمال.
حملتنا تهدف لحماية المواطن والصناعة الوطنية معا، ولو كانت الحكومة ووزير الصحة قد استجابت منذ شهور لحملتنا، لكان المواطن والقطاع قد استفادا بشكل أكبر وأكثر فاعلية. رفع الأسعار هو قرار صعب، ولكن يمكن استيعابه، أما الكارثة التى لا يمكن مواجهتها فهى انهيار صناعة الدواء المصرى.