أبو ذر القصراوي يكتب .. مكانة المرأة بين نظرة كبار الملحدين ونظرة الإسلام

فإنّ نظرة الملحدين إلى المرأة تختلف باختلاف حياتهم النّفسيّة والاجتماعيّة التي عاشوها في صغرهم وأثّرت عليهم في بناء نظرتهم حول هذه الأخيرة، فلا يملكون قانونا واحدا ولا نظرة جامعة حولها، فنجد مثلا تروتسكي يمجّد المرأة ويصف دورها في المجتمع بالأساس والمهمّ؛ بل بلغ به الأمر إلى الحدّ الذي جعل فيه المقياس الحقيقي لتقييم نظام اجتماعي معين هو مشاركة هذه الأخيرة فيه، فقال: (وضع المرأة هو المؤشّر الأكثر وضوحا وتعبيرا لتقييم نظام اجتماعي ما وسياسة دولة ما)1 ومن جهة أخرى نجد الفيلسوف الألماني الشّهير نيتشه لديه نظرة مغايرة تماما، فهو يرى أنّ المرأة لا تصلح للعمل خارج بيتها، وأنّها ضعيفة، وليست إلّا وسيلة للتّرفيه عن الرّجال؛ إذ قال: (ينبغي أن يربّى الرّجل للحرب، والمرأة لاستراحة المحارب، و كلّ ما عدا ذلك فحمق)2.

     ثمّ إنّ ما يدّعيه بعض الملاحدة الجدد من أنّ الإلحاد حرّر المرأة منذ نشأته، فهذا باطل ولا أصل له، وإنّ الإلحاد في الحقيقة ليس منهاجا واضحا بيّنا ذا معالم ولكنّه يختلف باختلاف عقليّة ونشأة الملحد كما وضّحنا ذلك من قبل، وسنسوق للقارىء الكريم بعض أقوال أشهر الملاحدة وأكبرهم قدرا عند الملحدين؛ لندرك حقيقة نواياهم، وهل صدقا يحترمون المرأة؟ أم أنّهم يعتبرونها لقمة سائغة لإشباع رغباتهم الجنسيّة، والتنفيس عن أنفسهم الحيوانيّة.

تشارلز داروين ولد في 12 فبراير عام 1809م بإنجلترا ومات في 19 فبراير عام 1882 درس الطب؛ ولكن اشتغل في مجال جمع عظام الحيوانات، ويعدّ مؤسس نظرية التطور. يقول تشارلز داروين عن المرأة: (المرأة أدنى في المرتبة  من الرجل وسلالتها تأتي في درجة أدنى بكثير من الرجل)3  ويقول في موضع آخر (المرأة لا تصلح إلا لمهام المنزل وإضفاء البهجة على البيت فالمرأة في البيت أفضل من الكلب للأسباب السابقة)4فنلاحظ عدائيّة لا مثيل لها من داروين اتجاه المرأة فهو يصنفها كمخلوق بين الإنسان والحيوان أي أفضل من الحيوان وأدنى من الإنسان، وإنّ الداّرس لكتب داروين لن يتفاجأ بكلامه هذا إذ إن نظريته مبنية على أنّ البقاء للأصلح، والسلطة للأقوى، وأنّ مدى قوّة نوع تظهر في كيفية مقاتلته على البقاء، وأنّ الضعيف الرديء لا يستحق الحياة، ولهذا نجد أنّه بوّب بابا في كتابه تطوّر الأنواع (الانتقاء الطّبيعي أو البقاء للأصلح)5يشرح فيه كيف أنّ البقاء على الحياة يكون للأكثر صلاحا وقوّة، وبما أنّ المرأة أضعف من الرّجل فالرّجل أصلح منها والأكثر استحقاقا للحياة.

أرثور شوبنهاور ولد في شهر فبراير عام 1788 في ألمانيا ومات عام 1860م له نزعة تشاؤميّة لا نظير لها وبغض شديد للمرأة، ويرجع ذلك كما ذكر المؤرّخون إلى علاقته المضطربة بأمّه التي كانت تعيش حياة التحرّر من قيود الفضيلة، فكان يراجعها دائما ويخاصمها لذلك، وقد روي (أنه ذات يوم بينما كان يراجعها دفعته من أعلى الدرج فسقط، ومنذ ذلك اليوم لم يرها قط، ويروى أنّه قال لها مقولته الشهيرة وهي أنّ التّاريخ لن يذكرها سوى بأنّها كانت أما لشوبنهاور وبالفعل حدث ذلك)6 فمن خلال هذه الآثار النّفسية التي أثّرت كثيرا في شوبنهاور صوّر له عقله صورة سوداء عن المرأة، ومن الأدلّة الواضحة على ذلك أقواله التي سطّرها في كتبه، وعزمه على ترك الزّواج حتى الممات وحدث ذلك بالفعل. يقول في أحد كتبه: (المرأة مهيّئة بطبيعتها لأن تكون ممرّضة أو معلّمة لنا و أن تظلّ سخيفة منذ أبكر أيام طفولتها لأنّ عقليّتها هي نفسها طفولية وسخيفة و تتميّز بقصر النظر)7، ويقول في نفس الكتاب: (لا يمكن أن يسمّي الرّجل مخلوقة صغيرة النهدين و عريضة المنكبين و قصيرة الساقين الجنس اللّطيف إلا إذا كان ذهنه مشوّشا بشهوة جنسية طاغية فعلى هذه الشهوة فقط تتوقف كل صفات الجمال لدى المرأة لذا قد يكون الأولى بنا أن نسمي المرأة الجنس الوحش لا الجنس اللطيف)8، ومن شاء أن يتوسع أكثر في كلام شوبنهاور فعليه بقراءة الكتاب المشار إليه (باب اختبار على النّساء) والكتاب لم يترجم بعد إلى العربية حسب علمي؛ إذ إنّني لم أجد له نسخة في المكتبات ولكن المؤكد أنه متوفّر باللّغة الإنجليزية والفرنسية التي من خلالها اقتبست بعض أقواله، والباب طويل ولا بأس به حيث سوّد شوبنهاور عدة صفحات الكتاب بأفكاره السوداء حول المرأة.

فريدريك نيتشه ولد في 15 أكتوبر 1844 بألمانيا وتوفي عام 1990م فيلسوف وكاتب روائي تأثر كثيرا بأفكار شوبنهاور، فهو لا يخالفه في موقفه من المرأة بل ويصيغه بعنف أكبر وحقد أكثر. يشير برتراند راسل إلى أن عدوانيته نحو المرأة كانت انتصارا لنفسه التي كانت ضعيفة أمام المرأة، فقد أحبّ عدة نساء ولكن لم ينجح في مواصلة علاقته معهن فقد تركته حبيبته التي كان يحبها كثيرا وتزوجت بغيره، ولكن رأي برتراند يبقى غير مؤكّد، إلّا أنّ الأمر الذي يمكننا أن نؤكده هو التأثر الشّديد بأستاذه شوبنهاور وهذا ما سطّره نيتشه لما قال وجدت كتاب شوبنهاور (مرآة طالعت فيها العالم و الحياة بل وطبيعة نفسي مرسومة في جلال مخيف"، ويستطرد نيتشه قائلا في هذا الشأن "إنه ليبدوا لي أن شوبنهاور كان يخاطبني أنا)9فنظرته التشاؤمية نحو كل شيء ونحو المرأة بالخصوص ما هي إلا إعادة صياغة لأفكار شوبنهاور ممزوجة بنوع من العنف والكراهية (فنراه يصف النساء بأنهن قطط وأبقار على أحسن تقدير)10ويرى أن المرأة (تظهر تفاهتها وضحالتها وميلها إلى السيطرة والتحكم والعواطف الهوجاء إذا ما تركت على سجيتها)11ويؤكد أن (دورهن في الحياة يقتصر على الترفيه عن الرجال الأبطال الذين يتدربون ليل نهار على الحياة العسكرية الصارمة)12. وقد سطر نيتشه كل هذه الأقوال المخزية في كتابه (هكذا تكلم زرادشت) وفي كتابه (ما وراء الخير و الشر).

سيغيسموند شلومو فرويد ولد في 6 مايو عام 1856 وتوفي في 23 سبتمبر عام 1939 بالإمبراطورية النمساوية قديما، درس الطب العصبي وبرع فيه ويعتبر مؤسس علم التحليل النفسي.

رغم كل هذه الامتيازات العلمية التي تحصل عليها فرويد في مجاله الطبي يبقى جاهلا بموضوع المرأة وحقيقتها، فقد هاجمها من خلال كتاباته ومقالاته ووصفها بأبشع الأوصاف،  ولا يرجع هجومه على المرأة إلى أسباب نفسية ولا اجتماعية فقد عاش حياة طبيعية مع والديه وكذلك عاش حياة مستقرة مع حبيبته، ولكن يرجع هجومه على المرأة إلى دراساته التي كانت غير موضوعية باعتبار أن فرضيات أبحاثه العلمية حول المرأة  كانت تابعة لأفكار مجتمعه آنذاك الذي كان ينظر بتلك النظرة للمرأة، فقد وضّح ديميتري أفييرينوس هذا في مقال تحت عنوان (فرويد ونفسانية المرأة) حيث قال: (فبصرف النّظر عن الأخطاء التي وقع فيها فرويد نتيجة تأثره بروح عصره الذي عاش فيه يتحمل مسؤولية هذا الأمر كذلك المتحمّسون للنّظرية الفرويدية الذين روّجوا بكل حسن ظن لآراء معلمهم)، أضف إلى ذلك أنه كان من المتأثرين كثيرا بنظرية داروين وبآرائه حيث قال في هذا الشأن:(غير أن نظرية دارون التي شاع الإهتمام بها في ذلك الحين اجتذبتني إليها اجتذابا قويا لما كانت تبشر من تقدّم فائق في تفهّم الكون)13

يرى فرويد (أن المرأة من أقلّ الأشياء التي تأثّر في نموّ الحضارات إلاّ في بعض النّشاطات مثل الحياكة)14 ويُروى عليه كثيرا أنه قال أن المرأة لا تصلح إلا لإشباع رغبات الرجل15 ويقال أيضا أنه كان يفضل الحصول على الأبناء دون البنات وقد حصل على 3 أبناء و بنتين ولما حملت زوجته كان يتمنى أن يكون ولدا لتكون السيادة للرجال ولكن ولدت له (آنا)16التي أصبحت فيما بعد طبيبة مثله.

صفوة القول: من خلال هذه المقتطفات التي اقتبسناها من كتب هؤلاء الملحدين أو من أبحاث و دراسات لفكرهم يتبيّن لنا جليا أن الملاحدة لم يعطوا للمرأة حقها وأنّهم ظلموها وأساؤوا إليها، والعجب كل العجب أنّك تجد الآن كثيرا منهم يتهجّم على الإسلام مدّعيا أنّه ظلم المرأة ومنعها من حقوقها وهو يتناسى كل ما ذكره أعلامهم عن المرأة ويتناسى من جهة أخرى ما أخبر به الله في كتابه العزيز عن المرأة والمنزلة الرفيعة التي منحها إيّاها؛ إذ يقول الله سبحانه:(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الأعراف: 189] و قال تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1] فبينما جعل هؤلاء الملاحدة المرأة مخلوقا غير الإنسان؛ أقرّ الله سبحانه وتعالى بأنها إنسان ككل الناس لها كرامتها وعزتها وأنه سبحانه فضّل الرّجل والمرأة على كثير ممّن خلق تفضيلا، قال الله تعالى:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)[الإسراء: 70]. وبينما يشبه أعلامهم المرأة بالحيوانات، ربّ العزّة سبحانه وتعالى يصفها ويصف بني آدم بأنه خلقهم في أحسن تقويم وأنّه خلقهم فأحسن تصويرهم كما قال سبحانه:(الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) [الإنفطار: 7] وقال سبحانه:(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين: 4] وبينما يصف هؤلاء المرأة بسخافتها وعدم أهميتها نجد أن الله سبحانه وتعالى أوكل إليها مهمة عظيمة ومشرفة وهي الجلوس في البيت ليس احتقارا لها حاشا لله، ولكن لتربية أولادها تربية سليمة كي يصبحوا في المستقبل أسيادا لأقوامهم فيرفعوا راية الإسلام عاليا، فكفى شرفا للمرء أن يوضع مستقبل الأمة (النَّشْءُ) بين يديه، وبينما كان هؤلاء ينظرون إلى المرأة نظرة شهوانية محضة، فإنّ رب العزة والجلال أمرها بستر نفسها كي يحفظ لها شرفها ويصون عرضها قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )[الأحزاب: 59] فالله سبحانه وتعالى هو الحكيم الخبير وهو الذي يعلم ما يصلح للبشرّية وما يصلح للذكر والأنثى، وشاء سبحانه أن يجعل لكل منهما مهمّته التي تليق به فلا يظلم ربك أحدا قال الله تعالى: (أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ) [البقرة: 140] ويقول تعالى: ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14].

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

كتبه الشيخ أبو ذر القصراوي.

وراجعه الأستاذ مراد عميروش البجائي.