في الذكرى الـ 28 لعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما.. الصراع صفة مُلازمة للأوضاع بين المغرب والجزائر
يُعد الصراع المغربي الجزائري أطول نزاعات الدول المتجاورة في العالم، فعلى الرغم من مرور ما يقرب من 28 عاماً على عودة العلاقات الدبلومسية بين البلدين، إلا أنه تم اعتبارها أن عادت بشكل ظاهري فقط، في حين أن النزاع الإعلامي والتلميحات السياسية ما زالت قائمة بين البلدين حتى الآن، لذلك يمكن اعتبار أن النزاع الذي بدأ من عام 1962 لم ينتهي حتى الآن.
وفي هذا السياق ترصد "الفجر"، تاريخ النزاع المغربي الجزائري منذ بدايته وحتى الآن.
جذور الأزمة
تعود جذور الصراع بين الجزائر والمغرب، إلى عهد الاستعمار الفرنسي للبلدين، حيث بدأ الخلاف مع حينما قامت فرنسا بإعادة ترسيم الحدود بين البلدين، والتي أدت إلى ضم منطقتي الحاسي الأبيض وكولومب بشار إلى الجزائر، وعقب استقلال المغرب في عام 1956، والجزائر عام 1962، طالب المغرب باسترجاع كافة الأراضي التي كانت تابعة لها قبل الاستعمار مستنداً إلى الخرائط التابعة له، إلا أن الجزائر رفضت تلك المطالب حينها، وأعلنت عدم المساس بالحدود التي نصت عليها اتفاقية إعادة ترسيم الحدود الفرنسية.
بداية الحرب
وعقب قرار الجزائر برفض مطالب دولة المغرب المجاورة لها، دخل البلدين في حرب ضارية عام 1963 عرفت بإسم "حرب الرمال"، حيث تحركت القوات الجزائرية إلى داخل الأراضي المغربية، ومن جانبها قام المغرب بحشد قواته، ودخلا الطرفين في حرب ضارية تسببت في خسائر مادية وبشرية كبير للطرفين، واستمرت تلك الحرب إلى أن تم اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار من قبل منظمة الوحدة الإفريقية في 20 فبراير 1964.
إتفاقية جديدة لترسيم الحدود
وبمرور 8 أعوام على قرار وقف إطلاق النار، تم توقيع اتفاقية جديدة لإعادة ترسيم الحدود بين البلدين في 15 يوليو 1972، بين الرئيس الجزائري هواري بومدين، والملك المغربي الحسن الثاني، حينها، وعلى الرغم من أن تلك الاتفاقية انهت الصراع العسكري بين البلدين لعدة شهور فقط، إلا أنه استمر بأشكال أخرى.
تجدد الحرب
وعقب مرور عام واحد على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود، دخل البلدين في حرب عسكرية جديدة عرفت بإسم "معركة إمغالا" عام 1973، وذلك على إثر تدشين جبهة "البوليسارو" التي نادت باستقلال جنوب الصحراء المغربية عن المغرب لتصبح دولة مستقلة، واستمر هذا الصراع حتى عام 1976، حيث دخلت القوات العسكرية الجزائرية الأراضي المغربية، إلا ن جيش المغرب نجح في أن يكبدها خساشر كبيرة، حيث انتصر عليها وقتل أكثر من 200 جندي جزائري.
تأمين حدود المغرب
وعقب انتهاء "معركة إمغالا"، اتجه المغرب إلى العمل على إنشاء جدار أمني في عام 1480، والذي استمر بناءه لمدة 7 أعوام، بهدف تأمين الحدود المغربية من غزو قوات "البوليسارو".
إستعادة العلاقات الدبلوماسية
وعقب مرور 12 عاماً على قطيعة العلاقات الدبوماسية بين البلدين المتجاورتين، حيث قرر ملك المغرب الإفراج عن الأسرى الجزائرين وإطلاق سراحهم، ورداً على ذلك أفاد الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد حينها مبعوثين إلى المغرب لدعوة ملكها إلى القمة العربية التي عُقدت في الجزائر في يونيو 1988.
وعلى غرار تلك الدعوة، اجتمع الطرفين لعقد مباحثات استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهم، والتي انقطعت لمدة 12 عاماً، وتم الاتفاق على تطبيع العلاقات بين البلدين في 16 مايو 1988، لتكون تلك الاتفاقية مدخلاً ملائماً لزيارة الملك الحسن الثاني الجزائر وحضور القمة العربية بها.
هدف عودة العلاقات
أعتقد المغرب أن عودة العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر سيدفع الأمم المتحدة إلى العمل على حل أزمة الصحراء الغربية بها، وما بعث التفاؤل أكثر في نفوس ملك المغرب حينها تنظيم استفتاء لتقرير المصير يضع نهاية للتوتر في المنطقة، وبالفعل، أشاع فتح الحدود البرية بين البلدين في العام نفسه التفاؤل بإمكانية توديع عهد القطيعة.
تفجير فندق "أطلس" بالمغرب
ولم يستمر هذا الاستقرار في العلاقات بين البلدين كثيراً، حيث قام مسلحون بتفجير فندق "أطلس" بمدينة مراكش المغربية عام 1994، وتم تحميل المسؤولية عن هذا الحادث إلى الجزائر، وقرر المغرب عدم قبول أي تأشيرة لدخول الجزائريين إلى أراضيها، ومن جانبها أعلنت الجزائر إغلاق الحدود بينها وبين المغرب.
مزيداً من التوتر
وما زاد الوضع سوءاً، الموقف السلبي الذي اتخذته الجزائر على غرار قرار مجلس الأمن بشأن قضية الصحراء الغربية المغربية عام 1995، مما دفع المغرب إلى دعوة الفجر بوقف نشاطات ومؤسسات الاتحاد باعتبارها تتحمل الرئاسة الدورية له.
آمال بتجاوز الأزمة
وعقب تولي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رئاسة الجزائر، تجددت الأمال حول إمكانية تجاوز الأزمة بين المغرب والجزائر، وخاصةً بعد العمل على تدشين لقاء بين قيادات البلدين في صيف عام 1999، إلا أن وفاة العاهل المغربي الحسن الثاني كانت بداية لفشل تلك الأمال، حيث اتهمت الجزائر بعدها المغرب باحتواء جماعات جزائرية مسلحة على أراضيها في سبتمبر من نفس العام، وزاد توتر العلاقات عقب رفض الجزائر مشروع مجلس الأمن بحل سياسي لقضية الصحراء يرتكز على منح حكم ذاتي موسع للصحراء في إطار السيادة المغربية.
تحسن العلاقات
ومع مطلع عام 2012، بدأت العلاقات في التحسن بين البلدين، وذلك عقب تولي حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحكم في الرباط، حيث تبادل الجانبان زيارات رسمية شملت التعاون والتنسيق في عدد من القطاعات، بعيداً عن موضوع الصحراء الغربية الذي يختلف الطرفان بشأنه.
كما هنأ "بوتفليقة" الملك المغربي محمد السادس، بالذكرى السنوية لاستقلال المغرب عام 2013، كما نشاده بضرورة توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين وإنهاء الخلاف.
إشتعال الأزمة مجدداً
ولم يستمر هذا الاستقرار طويلاً، حيث اشتعلت الأزمة مجدداً عقب تصريحات "بوتفليقة" الداعمة لمطالب شعب الصحراء الغربية بالمغرب، خلال المؤتمر الإفريقي في أبوجا، مما أعميلة اقتحام القنصلية الجزائرية في الدار البيضاء وتنكيس علم الجزائر، كما قرر المغرب سحب سفيرها من الجزائر لمدة ثلاث أيام، كما اتهم ملك المغرب الجزائر بأنها تشتري أصوات معادية لأزمة الصحراء الغربية.
تفاقم الخصومة
وتفاقمت الخصومة بين البلدين عقب حادثة قتل مواطن مغربي من قبل عناصر حرس الحدود الجزائري في اكتوبر 2014، واحتجت المملكة المغربية على هذا العمل، مما جعل الجزائر تتهمها بفبركة الحادث لتطوير الأزمة.
وتفاقمت الأزمة أكثر عقب تسريب وثائق سرية متعلقة بالخارجية المغربية وجهاز استخبارتها، في نوفمبر من نفس العام، مما جعل المغرب تتهم الجزائر بأنها هي من تقف وراء تلك التسريبات.
وفي فبراير 2015، وجه وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، اتهامات إلى الجزائر بأنها سعت إلى الإضرار بالمغرب، وتخريب العلاقات الثنائية بين الرباط وباريس، التي اندلعت في فبراير 2014.
صراع مُستمر
وعلى الرغم من مرور ما يقرب من ربع قرن على عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إلا أن الصراع ما زال مُستمراً بين البلدين من خلال التهديدات الدبلوماسية وتبادل الاتهامات الإعلانية، وخاصةً مع استمرار دعم الجزائر لجبهة "البوليسارو" الأمر الذي لم يتقبله المغرب أبداً، لتظل أزمة الصحراء الغربية سبباً رئيسياً للصراع بين البلدين.