عادل حمودة يكتب: فى صحة وزير الصحة

مقالات الرأي



■ أحمد عماد الدين وزير منتهى الصلاحية صنعت أكاذيبه أزمة الدواء

■ ناقش قرار توفير الدواء بالصدفة ودون تجهيز مسبق وبغير وجود أطراف الأزمة

■ لا يجيد الإنصات ويصر على ما لا يعرف ووراء قراراته حسابات شخصية 

■ ادعى رفض مجلس الوزراء لمقترحات غرفة صناعة الدواء 

■ نقيب الصيادلة الذى عينه مستشارا له يسيطر عليه ويحلم بتولى منصبه

أسوأ من الخطأ.. التستر عليه.

وأسوأ من التستر على الخطأ.. تعيين من ارتكبه وزيرا.

لقد نسب للدكتور أحمد عماد الدين راضى ارتكاب مخالفات ضد المرضى خلال عمله جراحا للعظام فى مستشفى «دار الشفاء».. لكن.. هناك على ما يبدو من وجد فيما ارتكب ما يؤهله ليصبح وزيرا للصحة.

ولم يتردد الوزير فى الانتقام من مدير المستشفى الدكتور أحمد محيى القاصد الذى كشف تجاوزاته بفصله من منصبه الجديد فى أمانة المراكز الطبية المتخصصة التى تخضع لسلطة الوزير وسلطانه.. ولم يسمع أحد لشكوى الرجل.. ولم ينتبه أحد إلى أن وزيرا بتلك المواصفات سيتصرف حسب مزاجه الشخصى.. ولن ينظر أبعد من تحت قدميه.. والأمثلة الصارخة تدعم ذلك.

منذ أن بدأ الدولار فى الصعود عانت مصانع الدواء فى مصر من ارتفاع تكاليف الإنتاج.. والسبب أن غالبية مواد التصنيع ومنها المادة الخام الفعالة يأتى من الخارج.. وفى الوقت نفسه يخضع الدواء للتسعيرة الجبرية.. فلا تجرؤ الشركات المنتجة على رفع الأسعار من تلقاء نفسها.. وإن تملك التوقف عن إنتاج الأدوية التى تسبب لها خسائر متتالية.. مما أدى إلى نقص هائل فيها.. وصل إلى «1471» صنفا يعالج أمراضا تبدأ بكساح الأطفال وتنتهى بالسرطان.

وكان المطلوب تحريك الأسعار بنسب مقبولة حتى لا تغلق مصانع -استثماراتها تصل إلى خمسين مليار جنيه وتنتج تسعين فى المائة مما نحتاج- أبوابها ويجبر المريض على شراء الدواء المستورد بأضعاف أضعاف سعر الدواء المحلى بعد الزيادة إن وجد.

والتقى رئيس الحكومة مرتين بأطراف القرار.. وزير الصحة المبجل ووزير الصناعة طارق قابيل ورئيس اتحاد الصناعات محمد السويدى ورئيس غرفة صناعة الدواء أحمد العزبى.. واتفقوا على ألا تتجاوز الزيادة «20%» بحد أدنى جنيهين.. لن تحصل المصانع منها إلا على «9 %» والباقى سيحصل عليه الموزع والصيدلى.. لكن.. شيئاً ما عطل القرار.. وضاعف التعطيل من عدد الأدوية الناقصة فى الصيدليات.. مثيرا أزمة جديدة تضاف إلى أزمات أخرى تعجز الحكومة فى حلها.

يوم الخميس الماضى التقى وزير الصحة بعد افتتاح مؤتمر الصيدلة العربى والإفريقى بالدكتور ماهر الدمياطى رئيس جامعة الزقازيق سابقا وأمين لجنة وضع قانون هيئة الدواء تحت الإنشاء والدكتور محيى عبيد نقيب الصيادلة والدكتور محيى حافظ عضو غرفة صناعة الدواء والدكتور تامر عصام مدير الإدارة المركزية للصيدلة فى وزارة الصحة والدكتورة مديحة أحمد مدير إدارة التفتيش بالوزارة والدكتور أسامة رستم نائب رئيس غرفة صناعة الدواء ليناقش معهم ملف تحريك الأسعار.

ويلاحظ هنا.. أن الاجتماع جاء دون ترتيب مسبق وبطريقة عشوائية على طريقة المصاطب، رغم أهمية الملف الذى يناقشه.. فلا أحد كان يحمل معه ما يستوجب من أوراق ومعلومات دقيقة.. ولا رئيس غرفة الدواء الذى يبدو أن الوزير لا يطيقه كان حاضرا.. مما يكشف عن أسلوب الوزير فى اتخاذ القرارات.

بدأ الوزير حديثه قائلا: إن مجلس الوزراء ناقش اقتراح الدكتور أحمد العزبى بزيادة أسعار الأدوية التى تقل عن 30 جنيها «بنسبة 20 % وحد أدنى جنيهين» وأن وزير التخطيط الدكتور أشرف العربى ووزير المالية الدكتور عمرو الجارحى ووزير قطاع الأعمال الدكتور أشرف الشرقاوى وقفوا ضده.. وكان رأيهم أن إضافة الحد الأدنى «جنيهين» إلى سعر دواء ثمنه جنيه «مثلا» سيعنى أن الزيادة ستكون 300 % مما يعرض الحكومة إلى هجوم إعلامى شديد.

ووقف إلى جانب الاقتراح حتى لا تتعرض الحكومة إلى هجوم إعلامى أشد بسبب نقص الدواء وإغلاق مصانعه وتسريح عماله رئيس الحكومة ووزير الصناعة.

وحسب ما أضاف الوزير فإن رئيس الحكومة طلب منه إصدار قرار الزيادة لكنه رفض باعتبار أن مثل هذا القرار قرار سياسى.. وعلى ذلك رفض اقتراح الزيادة.. واعتبر فى حكم الملغى.

واستطرد الوزير: إن ما جرى من مناقشات حول الاقتراح تم شطبه من مضبطة اجتماع مجلس الوزراء.. وهو أمر لو صح يبدو غريبا.. لكن.. يبدو أن الوزير فى حاجة لوضعه على جهاز كشف الكذب للتأكد من صدق ما يقول.. فحسب المعلومات التى تسربت من الاجتماع فإن المجلس وافق من حيث المبدأ على الاقتراح لكن وزير الصحة وقف ضده بحجة أن لجنة التسعير فى وزارته ترفضه.

والشاهد أن الوزير لا يطيق رئيس غرفة الدواء.. ويتصور أن قبول اقتراحه يعنى تقوية وجوده فى انتخابات الغرفة القادمة بما يجدد الثقة فيه.. وهو ما يدعم «شخصنة» قرارات الوزير بغض النظر عن المصلحة العامة.

طلب الوزير من الحضور التقدم باقتراح آخر بتحريك الأسعار يمكن تسويقه وإقناع مجلس الوزراء به على أن يجرى ذلك بسرعة وقبل أن يلتقى رئيس الحكومة يوم السبت التالى «بعد 48 ساعة» خاصة أنه مسافر إلى إثيوبيا بعد اللقاء المتفق عليه بيوم.

وهنا.. نتساءل لم سكت الوزير عدة أسابيع نام فيها مطمئن الخاطر ليستيقظ فزعا متحفزا لحل المشكلة دون تجهيز جيد لها.. والدليل على ذلك أنه طلب اجتماعا مع نفس المجموعة فى السادسة من مساء يوم الخميس ذاته.

لا نعرف ما جرى فى الاجتماع الذى جرى فى مكتب الوزير بوزارة السكان المطلة على نيل حى المعادى ولا نعرف من حضر ومن لم يحضر.. لكننا.. بفهم المشهد نتصور أن الوزير وجد فى اقتراح رئيس غرفة الدواء اقتراحا يصعب رفضه خاصة أنه يعلم أن مجلس الوزراء لم يرفضه.. وإن كنا نتصور حسب فهمنا لشخصية الوزير أنه سيكابر ويطلب اقتراحات أخرى حتى لو لم تكن متقنة حفاظا على ماء وجهه.

إننا أمام حالة تفكير مثيرة للشفقة ستؤدى بنا إلى كارثة صحية قد لا يتحملها أحد!

ولو كان القانون يعاقب الطبيب لو امتنع عن تقديم العلاج لمريض فإننا نطالب بتطبيق نفس القانون على الوزير.. فعدد الأدوية الناقصة فى ازدياد.. وتكاد لا توجد «روشتة» واحدة تصرف كاملة من الصيدليات الآن.

وربما يخشى الوزير من اتهامه إعلاميا بأنه رفع سعر الدواء.. لكنه.. سيسحق إعلاميا وحكوميا لو تسبب فى موت المريض لعدم توافر الدواء.. أو لشرائه فى السوق السوداء بأى سعر.. أو تهريبه من الخارج للقادرين وحدهم.

ولو تأخر تطبيق اقتراح رئيس غرفة الدواء فإنه فى ظل ارتفاع جديد للدولار لا يصبح مجديا.

ويمكن أن تطبق الزيادة المعقولة فى الأسعار على مراحل.. كما يمكن مراجعة أسعار أدوية الشركات العاملة فى مصر لتخفيض ما يمكن منها، خاصة الأدوية التى انتهت فترة حماتيها وأصبح إنتاجها مباحا للجميع.. وهنا يكون سعر المنتج المحلى البديل «65 %» من سعر المنتج الأجنبى حسب القانون.

إن مثل هذه الاجتماعات تكشف عن أسلوب الوزير فى اتخاذ القرارات.. عدم الخبرة.. التباطؤ.. التردد.. ذكر معلومات غير دقيقة.. العناد والتمسك برأيه.. عدم دعوة الأطراف المعنية بالقرار.. وكلها تؤكد أننا أمام وزير لا يصلح لمنصبه.. وأن كل ما فرض أن يستمر فيه هو أن نقابة الأطباء تطالب بمحاكمته.. فاليحاكم.. أو ليستقيل.. فلا يمكن أن ندفع نحن الثمن.

وطوال المناقشات ظل نقيب الصيادلة محيى عبيد صامتا ولعلاقته القوية بالوزير تأكد للحضور أنه يعلم ما خفى عنهم.. فالنقيب مستشار للوزير.. وفرض عليه رجلا من رجاله فى لجنة التفتيش.. وفرض آخر فى لجنة التسعير.. بل إن النقيب نفسه عضو فى اللجنة الفنية «اللجنة الأهم فى الوزارة» فى حالة صارخة من تضارب المصالح بين النقابة والوزارة.. لكن.. النقيب على ما يبدو يريد أن يسيطر على كل ما حوله ليصل إلى منصب الوزير نفسه.

ويعرف عن الوزير أنه لا يجيد الإنصات.. ويسارع بالكلام قبل أن يدرس ما يقول.. ففى افتتاح مؤتمر الصيدلة العربى والإفريقى قال الوزير: «إن هناك عدم اتفاق بين أصحاب المصلحة بشأن الهيئة العليا للدواء المزمع إنشاؤها» وبرر بذلك تأخرها.. وذكر أن الدكتور أسامة رستم على علم بالتفاصيل.. لكن.. الدكتور أسامة رستم نفى ذلك، مؤكدا أن الاتفاق تام بين أطراف المصلحة.. ووجه الشكر إلى الدكتور ماهر الدمياطى.. قام بجهد مشكور ولديه الاتفاق النهائى.. ولكن.. الوزير تمسك برأيه مؤكد أن أطراف المصلحة لم يتفقوا.. طبعا الوزير يعرف أكثر.

ولا نملك بعد ذلك سوى أن نقول: يا وزير الصحة.. فى صحتك.