د.دينا أنور تكتب: المواطن "الحيران" بين الحكومة والبرلمان
نهوض الأمم لا يحدث إلا بتطوير التعليم والصحة والتعليم العالي والبحث العلمي, ووضعهم في طليعة أولويات الدولة, وهو ما ألزم به الدستور المصري الحكومة بتخصيص نسبة 10% من الناتج القومي الإجمالي للإنفاق بواقع 4% على التعليم و3% على الصحة و2% للتعليم الجامعي و1% للبحث العلمي, تطبيقا للمواد 18و19و21و23 من الدستور المصري, بالإضافة إلى المادة 238 التي تلزم الدولة بهذا الحد الأدنى لمعدلات الإنفاق الحكومي تدريجيا وإعتبارا من تاريخ العمل به.
وبنظرة شاملة للمحاور الأربعة: التعليم, الصحة, التعليم العالي والبحث العلمي, والتي يعلق الكثيرون عليها الأمال رغم تواضع حصتها بالموازنة العامة مقارنة بالعديد من دول الجوار والدول المتقدمة, لما تمثله من مساس مباشر بحياة الشعوب وقياس تطورها وتقدمها
على أولياء الأمور أن يجمعوا ثروة قبل أن يفكروا في جودة التعليم
التعليم في مصر انحدر لأسوأ المراحل, وأصبح الإهمال في التعليم المدرسي يثقل كاهل الأسرة بالدروس الخصوصية ويزيد من جشع واستغلال بعض المعلمين الذين يعانون بدورهم من ضعف الرواتب وإهمال الدورات التدريبية لهم من قبل وزارة التربية والتعليم على نهج التدريس الأمثل لكل مرحلة تعليمية, كذلك المحاباة والتقصير في الدور التفتيشي للوزارة لتقييم الأوضاع الدراسية ورصد الخلل للبحث عن الحل الأمثل لكل مشكلة, ساهم في الفوضى التي يشهدها التعليم في مصر والذي تحول إلى حشو للمناهج وتلقين للمعلومات دون أي خلق للإبتكار أو إكتشاف للإبداع, ومن يريد جودة في تعليم أبنائه عليه أن يجمع ثروة قبل أن يفكر في ذلك.
المعجزة هي أن يتحسن الوضع البائس لمنظومة الصحة
الصحة فحدث ولا حرج, وضعها بائس ويحتاج إلى مجهود جبار لرأب الصدع وتحسين خدمة المرضى، وتدهور وضع الكوادر الطبية من أطباء وصيادلة وتمريض وعدم تقديرهم ماديا بالشكل اللائق بمجهودهم ومسؤوليتهم عن حياة المرضى ورعايتهم, مما أسهم في عزوفهم عن العمل الحكومي وبحثهم عن التقدير المادي من خلال العمل في المستشفيات الإستثمارية والعيادات الخاصة, وبالتالي تفاقم الإهمال في المنظومة الصحية بأكملها وتدهور صحة الفقراء من المواطنين وتفشي الأمراض الخطيرة في صفوفهم كالسرطان والفشل الكلوي والتليف الكبدي وفيروس سي ومضاعفاته, وإساءة معاملتهم من قبل المعاهد القومية والمستشفيات الحكومية التي تكتظ بالمرضى غير القادرين.
التعليم العالي مهدد بالإقصاء
التعليم العالي يشهد إقصاء خطيرا ينذر بتحويله إلى متحف لا يزوره إلا قليلو الحيلة, فإنتشار التعليم الخاص بتلك الجودة سحب البساط من تحت أقدام الجامعات المصرية العريقة, وجعل معيار الكفاءة بعد التخرج يظلم خريج الجامعة الحكومية رغم تفوقه, بسبب نقص إمكانيات تعليمه بشكل جيد ووقوعه فريسة لتعنت بعض الأساتذة والمعيدين.
البحث العلمي طيفا لا وجود له على أرض الواقع
أما البحث العلمي يكاد أن يكون طيفا لا وجود له في مصر, فمصر لا تملك أي مقومات ولا فعاليات حقيقية للنهوض بمستواها في البحث العلمي, كما أن الدور المتواضع بشدة - وإن وجد- فهو غير ملموس إطلاقا على أرض الواقع ولا يلعب أي دور في مشروع تنمية الدولة والنهوض بكوادرها ومؤسساتها.
التزام الدولة.. سياسي أم دستوري؟
رغم كل هذه الأوضاع الحرجة التي تستلزم تدخلا عاجلا من الدولة لتفادي التدهور والوقوف على بداية طريق النهضة الحقيقية, نجد صراعا بين الحكومة والبرلمان والخبراء الإقتصاديين حول صعوبة الوفاء بتلك النسبة الضئيلة من قبل الحكومة للإهتمام بمحاور الأساس الأربعة, وبين مطالبة برلمانيين للحكومة بالرحيل إذا فشلت في تحقيق تلك النسبة, وبين انقسام الخبراء الدستوريين والإقتصاديين بين من يرى أن الدولة ملزمة بتطبيق تلك النسبة, ومن يرى أنه إلتزام سياسي غير قانوني ويمكن التغاضي عنه نظرا لصعوبة تحقيقه في ظل الظروف الإقتصادية الحرجة التي تمر بها البلاد, وأمام كل هذه الإنقسامات يقف الشعب على مسافة متساوية بين حقه في حياة أفضل وضجره من غلو المعيشة وقلة الدخل وفقر الخدمات وبين حبه لوطنه وقدرته على الصبر حتى تتحسن الأوضاع.