عصافير وسط البلد

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر

1- يتم انتقاؤهم على «الفرازة».. والجرأة والمكر والخداع أبرز صفاتهم

«المخبرون».. عين الداخلية على النشطاء


أمين أو مندوب شرطة تكلفه وزارة الداخلية أو بالأحرى مديريات الأمن فى المحافظات، وضباط مباحث الأقسام فى كل منطقة، بمراقبة وتتبع أشخاص بعينها مثل النشطاء السياسيين والحقوقيين.

«المخبر».. تلك الشخصية التى ترسخت فى أذهاننا جميعاً بأنه غالباً ما يتنكر فى ملابس تخفى ملامح شخصيته الحقيقية، كى يتمكن من أداء مهمته التى أسندت إليه من قبل قياداته.

المخبرون يتم اختيارهم على «الفرازة» وفقاً لمجموعة من المعايير أهمها «الخفة»، والجرأة، والتعامل بـ»لباقة شديدة» مع المحيطين به، والمكر، والخداع، لدرجة قد تشعرك بأنه ليس فرد شرطة من الأساس، فضلاً عن «الصبر الشديد» وهى سمة أساسية عند اختيار المخبرين، خاصة أن طبيعة مهمتهم قد تقتضى مراقبتهم لأشخاص لمدة تتجاوز الأسابيع بغرض الوصول لمعلومة معينة.

غالباً ما يتخذون من المقاهى والكافيهات أماكن أساسية لممارسة أدوارهم، وفى الفترة الأخيرة انتشروا بكثافة فى محيط مقاهى وسط البلد، لمراقبة عدد من النشطاء السياسيين والحقوقيين، وتتبع تحركاتهم، ظناً منهم أنهم يؤدون دوراً وطنياً للحفاظ على استقرار البلاد، ومنع اندلاع أى تظاهرات، بالإبلاغ عن المخططين لها، والقبض عليهم، قبل التظاهر.

العاملون فى مقاهى منطقة وسط البلد، أكدوا انتشار المخبرين خاصة قبيل موجة الغضب التى سادت الشوارع بسبب اتفاقية «تيران وصنافير» وخروج دعوات للتظاهر، حيث قال أحد العاملين بمقهى فى التحرير: المخبر دائماً يجلس بمفرده لا يرافقه أحد، ويتعمد دائماً أن يكون ملاصقاً لمشاهير نشطاء الشباب، ففى إحدى المرات طلب منى أن يجلس بجوار دائرة كبيرة جمعت الناشط خالد على مع أصدقائه، فقلت له: أنت مش شايف مفيش مكان، فأعطى لى 10 جنيهات، وأصر على أن أفرغ مكاناً بجوارهم، لكنى رفضت مبرراً له أننى لا أستطيع طرد الجالسين من أماكنهم.

شهادة أخرى رواها صاحب مقهى، قال فيها رغم أن المخبرين معروفون لدينا، لكن لا نجرؤ على منعهم من التردد على المقهى وإلا سيتم إغلاق المقهى، مضيفاً: «من ساعة الثورة ماقامت وهما كتير أوى فى قهاوى وسط البلد، وتيجى حملات تفتيشية كتير على المقهى خاصة فى الأيام اللى بيتجمع فيها النشطاء على القهوة». للتأكد من صحة ما رواه العاملون بالمقاهى، توجهت للجلوس على أحد مقاهى «شارع شامبليون»، ورافقنى بالجلوس صديق لى، وتعمدت أن أكون صاخباً فى حوارى معه وأتحدث بلهجة غضب شديدة ضد النظام، حتى انتبهت أن رجلاً يرتدى «جلبابا بنيا» يضع شالاً أبيض حول رقبته يتعمد الجلوس  بجانبى، متدخلاً فى الحوار لتهدئتى، فسألنى عن اسمى فأجبته، ثم سألنى عن عملى فأجبته، ليسألنى عن موقفى من اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، ثم انصرف الرجل ولاحظت تأمل أحد العاملين بالمقهى على الحوار الدائر بينى وبينه، ثم جاء لى ليحضر الشاى الذى طلبته قائلاً لي: «فتشك وعرف عنك كل حاجة».

من جانبه، قال حسن شاهين، القيادى بحركة «تمرد»: وزارة الداخلية نشرت عددا كبيرا من المخبرين والمرشدين فى جميع الشوارع المحيطة بميدان التحرير قبيل التظاهرات التى اندلعت احتجاجاً على اتفاقية «تيران وصنافير»، تحسباً لأى ترتيبات من المحتجين للدخول إلى ميدان التحرير.

وأرجع شاهين عمليات القبض العشوائى التى شنتها وزارة الداخلية ضد النشطاء إلى المعلومات المغلوطة التى نقلها مرشدون ومخبرون يجلسون باستمرار فى محيط المقاهى المنتشرة بتلك المنطقة، قائلاً: ضباط المباحث نشروا مخبريهم للتجسس على أصحاب الرأى.

شاهين قال إن هناك نوعين من المخبرين، أولهما: المخبر الرسمى وهو فرد مباحث، وثانيهما: المرشدون الذين يتم تجنيدهم من قبل ضباط المباحث.

وأضاف شاهين: ضباط المباحث يجندون الباعة الجائلين فى شوارع وسط البلد إلى جانب المسجلين، ويزرعونهم فى أماكن تجمعات الشباب، للتجسس عليهم وإطلاعهم على خريطة تجمعاتهم، قائلاً: الضباط يجندون الباعة والمسجلين إعمالاً بفكرة « تفويت المصالح»، حيث إن معظمهم صادر ضدهم أحكام قضائية لم تنفذ، فيؤدون هذا الدور مقابل عدم القبض عليهم.

واستكمل شاهين: القبض على شريف الروبى القيادى بحركة 6 إبريل، وعمرو عز القيادى السابق بحملة الرئيس السيسى، كان وراءهما مخبر رصد تحركاتهما قبل اندلاع المظاهرات الأخيرة بأيام، حتى توصل إلى مكان تواجدهما بأحد المقاهى الموجودة بشارع فيصل بمحافظة الجيزة، فأبلغ عنهما.

واتفق معه، سيد عبدالغنى، رئيس الحزب الناصرى، الذى أكد انتشار المخبرين فى المقاهى الرئيسية بوسط البلد، قائلاً: هذه حقيقة لا يمكن إنكارها، وقد رصد الحزب زيادة كبيرة فى أعداد المخبرين المنتشرين فى محيط «التحرير»، متابعاً: هذا الأمر يعد تطوراً فى أساليب تعامل الداخلية مع النشطاء، التى رفعت شعار «المطاردة بدلاً من الضرب والاعتداء عليهم».

رداً على هذه الشهادات، علق اللواء مجدى البسيونى مساعد وزير الداخلية السابق، قائلا:»دا كلام فارغ وشائعات مغرضة»هدفها النيل من هيبة جهاز الشرطة وأفراده، متابعاً: أقول لهؤلاء النشطاء أمثال شاهين «يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا».

وأضاف: بالفعل هناك مراقبة سرية تقوم بها وزارة الداخلية للحفاظ على أمن وسلامة الدولة فى التظاهرات فقط ، فإذا تم الكشف عن هؤلاء المخبرين الذين يقومون بأداء المراقبة السرية، فهذا ينم عن عجز الأجهزة الأمنية.

وتساءل البسيونى: عندما يدعى البعض أنه كشف هذه المراقبة، فلماذا لم يمسكوا بمن يراقبهم؟، قائلاً: لما الداخلية تراقبك وتمشى ورا أى حد، إيه المشكلة؟! هل أحد تعد على خصوصيتك؟!.

وأوضح البسيونى أن هناك مخبرين يعملون فى وزارة الداخلية، وهم رجال مباحث فلا يصح للضباط أن ينزلوا إلى الشارع بأنفسهم، مستشهداً بجهاز الرقابة الإدارية الذى يكلف مخبرين لتتبع الفساد فى أجهزة الدولة، وكذلك الأجهزة السيادية التى تدفع بمخبرين لمراقبة من يضر بمصالح الدولة. 


2- منهم الباعة والمسجلون وسماسرة العقارات وتجمعهم علاقات وطيدة بالضباط

مرشدو المباحث..  العصفورة المجهولة


يجندهم رجال المباحث بهدف مساعدتهم فى الكشف عن المجرمين والخارجين عن القانون، منهم المسجلون الذين يستعين بهم الضباط فى قضايا القتل والمخدرات، وكذلك سماسرة العقارات، وأصحاب الأكشاك والمحلات، إلى جانب بعض الأشخاص الذين يتوددون لرجال القسم فى منطقة ما.

«المرشدون السريون» ليسوا أفرادا فى جهاز الشرطة كما هو الوضع بالنسبة للمخبرين، بل هم فئات يتم تجنيدها من قبل ضباط القسم، يؤدون أدوارهم المرسومة لهم فى سرية كاملة، ولا يمكن للضابط أن يكشف هو الآخر عن مرشده السرى عند إدلائه بأقواله فى القضية المنظورة أمام النيابة.

يحصل المرشدون، خاصة المسجل خطر منهم، على امتيازات عدة ليس فقط عدم القبض عليهم وتركهم أحرارا رغم تورطهم فى جرائم وصدور أحكام ضدهم، بل يصبح مثل «الحاكم بأمره» فى المنطقة التى يسكن فيها، ويتحكم فى جيرانه وأصحاب المحلات بل وقد يفرض عليهم إتاوات مستغلاً فى ذلك علاقاته برجال المباحث، وعلى هذا الأساس قد يلجأ له سكان منطقته لتخليص بعض المصالح الخاصة بهم فى القسم، مقابل مبلغ مادى يحصل عليه المرشد.

الغريب أنه قد ينجح المرشد فى تكوين مجموعات من المرشدين السريين فى نفس المنطقة التابع لها حتى يسهل له ذلك الحصول على معلومات عن القضايا المختلفة، وليس على كل منهم سوى الاتصال بالضابط فور حدوث أى مشكلة بالحى الذى يقطنه، وهو سر تسمية المرشد السرى بـ»عصفورة ضباط المباحث».

كل فئة من المرشدين يجندها ويتعامل معها ضباط المباحث بأساليب خاصة تختلف طبقاً لنوع الفئة ومدى أهميتها بالنسبة للداخلية.

الفئة الأولى فى طابور «المرشدين السريين» تشمل المسجلين خطر فى قضايا المخدرات والسرقة الكبرى، حيث يجند ضباط المباحث المتورطين فى قضايا مخدرات وقتل لمعاونتهم فى الكشف عن أمر بعض المجرمين المطلوب القبض عليهم، وهذه النوعية من المرشدين يتعامل معهم الضباط وفقاً لمبدأ «سيبنى وأنا انفعك»، أى أنه يمد الضابط بالمعلومات التى يحتاجها فى قضيته، نظير عدم القبض عليه.

سبب استعانة ضباط المباحث بهذه النوعية من المرشدين، أنهم يعتبرونهم «أبناء كار» باعتبارهم مسجلين قدامى، يسهلون على الضباط معرفة أماكن المتورطين فى قضايا القتل والاتجار بالمخدرات.

أما النوع الثانى من طائفة «المرشدين»، فيضم أصحاب المحلات والأكشاك فى منطقة ما الذين يتم تجنيدهم عند وقوع حادثة قتل فى المنطقة، حيث يعتبر ضابط المباحث أن هذه هى الخطوة الأولى فى كشف خيوط الجريمة، وتستمر العلاقة بينهما طوال التحقيقات، ومن الممكن أن تستمر العلاقة بينهما بعد انتهاء التحقيقات، ليظل هو عين ضابط المباحث فى هذه المنطقة .

ولا يغيب عن أنظار ضباط المباحث، فئة سماسرة العقارات وأصحاب المكاتب العقارية، خاصة أنهم على دراية كاملة بسكان الحى، ويعرفون كل صغيرة وكبيرة عن المنطقة، وهؤلاء يعتبرهم ضباط المباحث أكثر الفئات التى تمدهم بمعلومات دقيقة عن الحادث.  

أما الفئة الرابعة فى طابور المرشدين السريين، فهم بعض الأشخاص الذين تربطهم مصالح وعلاقات خاصة بضابط المباحث، خاصة ممن يتوددون لهم ويعرفون بالطاعة العمياء لرجال المباحث.

المرشد السرى، وسيلة غير شرعية بالأساس، وما يدلل على ذلك بحسب كلام مصادر قانونية لـ»الفجر» أنه أثناء تحقيقات النيابة تنحصر أقوال ضابط المباحث عند التوصل إلى الجانى فى جريمة ما، بوصوله إلى المعلومات من خلال مصادره السرية التى يرفض الإفصاح عنها، متعللاً فى ذلك بأن القانون يكفل له حماية سرية مصادره.

وأضافت: جميع القضايا التى يكون فيها الدليل الوحيد لإدانة المتهم هو المرشد السرى يحصل فيها المتهم على  البراءة، ذلك لأن المحكمة لا تعتد بأقواله لعدة أسباب من بينها أن تكون الشهادة التى وردت فى التحريات خالية من الأدلة الدامغة التى تثبت إدانة المتهم، إضافة إلى أن المحاكم لا تعتد بالأقوال المرسلة، بل تصدر أحكامها وفقاً للأدلة والمستندات الموجودة بحوزة هيئة المحكمة.