عادل حمودة يطالب بمحاكمته جنائيا: دعوة لتقديم بلاغات ضد وزير الصحة بتهمة القتل العمد
رئيس الحكومة يدير الأزمة على طريقة سيارة الإسعاف التى تصل متأخرة بعد أن يكون المصاب فى ذمة الله!
■ تسبب فى نقص 1471 دواء لعلاج أمراض القلب والسرطان والسل والتنفس وكساح الأطفال والميكروبات!
■ خبرة وزير الصناعة لم تتجاوز على ما يبدو البيبسى والشامبو فقد ترك صناعة الدواء التى توفر 90% من مستحضرات العلاج الرخيص باستثمارات 45 مليار جنيه تنتحر
■ نقيب الصيادلة سيطر على وزير الصحة بعد أن فوضه فى الهجوم على نقابة الأطباء ونسبا لنفسيهما إنجازات الوزير والنقيب السابقين!
لابد أن مئات من المواطنين يستعدون لتقديم بلاغات للنائب العام تتهم وزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين راضى بالتحريض على القتل العمد بعد أن أدت سياسته الفاشلة إلى نقص 1471 دواء حيويا فى الصيدليات منها 366 مستحضرا بلا بديل مما تزيد معه احتمالات الوفاة. وربما.. أراد الوزير بما فعل أن يحقق نجاحا سريعا فى خفض عدد السكان بعد أن أصبح مسئولا عن تنظيم الأسرة.
لكن.. المؤكد.. أن وزير الصناعة طارق قابيل سيشاركه العقاب.. أو على الأقل سيقتسم معه دعاء المرضى عليهما معا بعد أن أوشكت صناعة الدواء فى مصر على أن تغلق أبوابها بالضبة والمفتاح.. لتنتعش صناعة البيبسى والشامبو التى تنحصر على ما يبدو فيها خبرته.
على أن اللعنة لن تقتصر عليهما وإنما ستمتد إلى حكومة شريف إسماعيل التى تفتقر على ما يبدو إلى خبرة إدارة الأزمات.. ولا تتدخل لحلها إلا بعد أن تقوم القيامة.. مثل سيارة الإسعاف التى لا تصل إلى مكان الحادث إلا بعد أن يكون المصاب قد فارق الحياة.
أصناف الدواء الناقصة تنتمى إلى 303 مجموعات علاجية.. نصفها بلا بدائل.. مثل مضادات البكتيريا.. مسكنات السرطان.. قطرات فحص قاع العين.. فيتامينات كساح الأطفال.. بخاخات الأنف.. أقراص الأمراض النفسية والعصبية.. سبراى للقلب.. حقن الصبغة.. وحقن الدرن.. مثلا.
سجلت الصيدليات ذلك النقص فى 11 مارس الماضى.. ويوما بعد يوم يضاف صنف آخر. ومجموعة علاجية مختلفة.. أدوية الشرايين وضغط الدم والسرطان والمضادات الحيوية.. دون أن يتدخل أحد لوقف الكارثة.. بما فيهم نقيب الصيادلة «المقدم» محيى عبيد.. نعم «مقدم» فهو ضابط شرطة.. خلع البدلة الميرى مؤقتا ليجرب حظه ورزقه فى القطاع الخاص.. وربما نجح فى امتلاك صيدلية أو أكثر قبل نهاية العام.. خاصة بعد أن أصبح نجما تليفزيونيا.. لا يكف عن الثرثرة ثلاث مرات يوميا.. وكأننا ننقص طلعته البهية.. وحكمته الصحية. وقد انتظرنا حتى ينتهى المسئولون عن هذه الجريمة من تناول الفسيخ والبصل على شاطئ السخنة فى شم النسيم لنعيد عليهم ما سبق طرحه أكثر من مرة.. ربما تخلصوا من الطين أو العجين الذى سدوا به آذانهم.. وسمعونا هذه المرة.
بدأت صناعة الدواء فى مصر عام 1939 لتسد عجز الاستيراد الذى توقف بسبب الحرب العالمية الثانية. وتحولت فيما بعد إلى صناعة استراتيجية.. أدت ما عليها بكفاءة فى الحروب.. وخلال الأزمات السياسية التى هددت مصر فيها بالحصار الاقتصادى.. بجانب أنها وفرت علاجا رخيصا لنحو 92 فى المئة من المصريين.. بجانب حجم تصدير إلى 75 دولة وصل إلى 500 مليون دولار.. ويمكن بقليل من الحكمة أن يصل إلى ثلاثة مليارات.. لو تجاوز وزير الصناعة والتجارة مرحلة المياه الغازية.. وفهم فى منصبه رأسه من رجليه. يصل عدد مصانع الدواء إلى 154 مصنعا.. يعمل بها نصف مليون شخص.. وسينضم إليها 50 مصنعا تحت الإنشاء.. وتصل مبيعاتها السنوية إلى ما يقارب 40 مليار جنيه.. أما استثماراتها فتقترب من الخمسين مليار جنيه. ومن ناحية القيمة يحظى الدواء المحلى بنسبة ثمانين فى المئة من سوق الاستهلاك والباقى للمستورد ومن ناحية عدد العبوات يحظى المحلى بنسبة تسعين فى المئة والباقى للمستورد بسبب ارتفاع سعره. والدواء يعتبر السلعة الوحيدة فى مصر الخالية من الدعم.. والخاضعة للتسعيرة الجبرية.. ولا أحد يطالب بإلغائها.. ولكن.. حالة الأنيميا الحادة التى أصابت الجنيه جعلت تكلفة إنتاج الدواء أعلى من سعر بيعه.. خاصة أن كل مستلزمات صناعته (المادة الخام والكبسولات الألمونيوم وقطع الغيار وغيرها) تأتى من الخارج بالعملة الصعبة.. ما جعل الشركات المحلية تتوقف عن إنتاج أصنافه تدريجيا.. والشركات الأجنبية تتوقف عن استيراده.. خطوة خطوة.. والنتيجة نقص حاد ومتزايد فى أصنافه.. وبحث عن بدائل مهما كانت أسعارها.. ونجح القادرون فى الحصول عليه بوسائل مختلفة بينما لم يجد غير القادرين أمامهم سوى كنس «السيدة زينب» على الذين تسببوا فى الكارثة والدعاء عليهم بأمراض لا ينجون منها.. فما الذى يملكه الفقراء غير ذلك.
وكل ما طالبت به الشركات.. تحريك الأسعار قليلا.. لضمان توافر الدواء بثمن مناسب.. خشية اختفائه.. والموت دونه. وحدث بالفعل وبالعقل أن التقى رئيس الحكومة ووزيرا الصحة والصناعة برئيس اتحاد الصناعات ورئيس غرفة الدواء مرتين ليناقشوا المشكلة.
فى المرة الأولى طالب رئيس غرفة الدواء بزيادة مؤقتة (25 %) للأدوية التى يقل سعرها عن ثلاثين جنيها بحد أدنى جنيهين.. وزيادة (20%) عن الأدوية الأعلى سعرا.. فلو كان سعر المستحضر جنيها يصبح سعره ثلاثة جنيهات حتى لا يجبر المريض على شراء البديل الأجنبى بأضعاف أضعاف سعره المحلى.
وفى الاجتماع الثانى انخفضت النسبة إلى (20%) بحد أدنى جنيهين وقبلت غرفة الدواء بضغط من وزير الصناعة.. وإن اعتبرت هذا الحل مجرد مسكن.. فالمشكلة أكبر وأصعب.. كما أنها تتزايد بزيادة سعر الدولار يوما بعد يوم.
ولن تحصل المصانع من تلك الزيادة إلا على (9٪) والباقى يذهب إلى الموزع والصيدلى لاقتسامه.
ولكن.. وزير الصحة بعد التوصل إلى هذه النتيجة أغلق تليفوناته ولم يعد يرد على أصحاب المشكلة.. وفشل رئيس الحكومة فى إقناعه بقبول القرار.. وكف وزير الصناعة عن القتال.. وتعقدت المشكلة أكثر وأكثر بعد أن واصل الدولار صعوده على أنقاض الجنيه مسجلا زيادة تقترب من 90 % على الأقل خلال السنوات الخمس الأخيرة.
ولنقص الدولار لم تعد البنوك قادرة على فتح اعتمادات شركات ومصانع الأدوية بالسعر الرسمى لاستيراد مواد خام للتصنيع أو استيراد الأدوية مكتملة الصنع، فالتعليمات ألا تفتح الاعتمادات إلا للمواد الغذائية.. ويصعب على تلك الشركات اللجوء إلى السوق السوداء لتدبير ما يلزمها من عملات أجنبية فالتكلفة فى هذه الحالة فى وجود التسعيرة الجبرية للدواء ستضاعف من خسائرها.. وتزيد من سرعة غلق مصانعها.
كما أن الشركات الأجنبية التى تتعامل معها تساعدها عند ارتفاع أسعارها ولكن بالسعر الرسمى للعملات فى البنوك وليس بسعر السوق السوداء.
ويعد المسئول الأول عن انهيار صناعة العلاج فى مصر وزير الصحة الذى يبدو أنه يقدر بحكم منصبه وعلاقاته على توفير الدواء لنفسه وعائلته وأصحابه وزملائه وغيرهم من المسئولين فلا يشعر أحد بالمشكلة.. وغالبا.. تصور الوزير أن مهمته انتهت عند هذا الحد.. خاصة أنه بقى فى منصبه لسبب شديد الغرابة.. أن ينجو من دعوة نقابة الأطباء لمحاكمته.. لكنه.. الآن لن ينجو من محاكمة المرضى له.. هو وحكومته.
وتبدو شخصية الوزير قوية وحاسمة ومستقلة بدليل أنه اختار نقيب الصيادلة مستشارا له.. وفرض النقيب عليه رجلا من رجاله فى لجنة التسعير.. وآخر فى لجنة التفتيش على المصانع.. والنقيب نفسه اختير عضوا فى اللجنة الفنية بوزارة الصحة.. وهى اللجنة الأهم فى صناعة الأدوية.. فهى المسئولة عن كل ملفاتها.. فى حالة صارخة من حالات تضارب المصالح بين الوزارة والنقابة.. وعادة ما تضم اللجنة الفنية عضوا من النقابة من أصحاب الخبرة (لكنه ليس النقيب).
ومن ظواهر الأمور أن النقيب (الذى لم يحصل سوى على 4 آلاف صوت من 160 ألف صوت) يعمل لحسابه من أجل رضاء الوزارة عليه فتساعده فى إعادة انتخابه.. خاصة أن الداخلية التى ينتمى إليها ربما رشحته للوزير.. بجانب إدمان النقيب للضوء.. وظهوره على الفضائيات بوفرة موجز الأنباء.. منافسا لنجوم التوك شو.
وينسب الوزير والنقيب لهما ما لم يقوما به.. فمنذ فترة قصيرة خرجا هما ورئيس الوزراء فى مؤتمر صحفى ليزفا لنا خبر مناقشة مشروع الهيئة العليا للدواء وكأنهما جابا «الديب من ديله».. فالحقيقة أن كل ما يتصل بتلك الهيئة قام به وزير الصحة السابق الدكتور عادل العدوى الذى شكل لجنة خاصة لها بتكليف من رئيس الحكومة السابق إبراهيم محلب.. وضمت اللجنة فى عضويتها رئيس غرفة الدواء السابق مجدى طلبة ونقيب الصيادلة السابق الدكتور محمد عبدالجواد بجانب عشرة أعضاء آخرين.
ويتجاوز إنكار إنجازات الغير على طريقة الفراعنة إلى التسبب فى مشاكل لا مبرر لها.. فما إن شرف معالى الوزير حتى اختلف مع لجنة الفيروسات الكبدية فأطلق النقيب المدمن فضائيات لمهاجمتها.. فاتهم بروتوكول العلاج المعمول به بأنه لا يأتى بنتيجة تزيد على 30% مسببا انتكاسات بنسبة 70% دون أن يتسم كلامه بالدقة العلمية الكافية.. ما أدى إلى شعور بالقلق انتاب غالبية المرضى.. ونسى أن البروتوكول متطور بدخول أدوية جديدة فى العلاج.. وأنه حتى أقدمها كان يعطى نسبة شفاء عالية ومناسبة فى الحالات العادية وحالات التليف الكبدى.. وكان لابد أن يقوم الأطباء بحملة إعلامية مضادة لنقض كلامه.. وإعادة الثقة فى العلاج للمرضى.. ونحمد الله أنهم نجحوا فى ذلك. أما سر تمسك الوزير بالنقيب فهو أن الوزير استعان بالنقيب فى الهجوم على نقابة الأطباء وقت الأزمة بينهما.. فهل كان الوزير عاجزا عن الدفاع عن نفسه؟.. وهل عجزه يمتد إلى جميع قراراته وسياساته الصحية؟ وهل يطمح النقيب فى منصبه ويجلس على مقعده ويدير وزارته؟ وهل سنقبل باستمرار الوزير رغم المصيبة المتنامية التى فرضها على «سوق» الدواء.. ليحوله إلى «سوء» للعلاج ؟