منال لاشين تكتب: السياسة هى الحل

مقالات الرأي



أزمة الصحافة وهدم الدولة بالجهود الذاتية

وزارة الداخلية ردت على بلاغ نقابة الصحفيين ضد الوزير بالتصعيد حتى فى عصر مبارك لم تجرؤ داخلية العادلى على اقتحام النقابة لتنفيذ حكم قضائى نهائى على صحفى معتصم داخلها.. وسرور رفض القبض على نائب معارض داخل المجلس

يقولون إن التاريخ يعيد نفسه مرتين لأننا لا نستمع فى المرة الأولى، ولكن فى كارثة أو فضيحة اقتحام نقابة الصحفيين، فإن التاريخ والجغرافيا قد أصيبا بالملل منا، وكأننا بلا ذاكرة، وإذا كان التاريخ قد مل من تكرار نفس المشاهد المرة تلو الأخرى، فإننا كمجتمع وكدولة وكنظام لم ولن نمل من تكرار أخطائنا.

نمشى نفس الطريق بذات الأخطاء والأفكار والنهايات التعيسة، ثم نسير فى نفس الطريق بدهشة الحب الأول، ثم نفاجأ بالحفر والمطبات وفى كل مرة أو بالأحرى كل طريق لا نرى نهاية النفق، ولا لمحة الضوء التى يمكن أن تنقذنا من التصادم فى لحظة خطرة وحرجة.

فى أزمة النقابة لا يصح أن يغطى خلاف وجدل القانون على فضيحة السياسة. فى كارثة اقتحام النقابة لا يجب أن نكيل بمكيالين أو ننسى الحكمة السياسية حتى لو كان القانون معك.

فالمعركة لم تبدأ من فضيحة اقتحام الداخلية لنقابة الصحفيين، ولكن الاقتحام هو الجزء الأكثر جنونا سياسيا فى سلسلة الصراع بين الصحافة والداخلية.

لن أتحدث عن أى تفاصيل تخص وقائع اقتحام النقابة، احتراما لحظر النشر الذى أصدره النائب العام مساء الثلاثاء، لكن تظل الجوانب السياسية هى الأهم ومحور الحديث عن السوابق التاريخية والمستقبلية.

1- سوابق الداخلية

شلة المدافعين عن الداخلية حاولوا الدفاع عن الوزارة أو بالأحرى الوزير. فسمعنا كلاما من نوع أن الداخلية كان يجب أن تقتحم النقابة لتنفيذ قرار النيابة، وهو قرار قضائى لضبط وإحضار الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا.. ولكن هذه الأصوات الشاذة لم تجب عن سؤال: إذا كانت الداخلية حريصة على عدم تأجيل تنفيذ أمر النيابة بالضبط والإحضار، فلماذا لم تقتحم الداخلية مقر مجلس الوزراء للقبض على وزير الزراعة السابق صلاح هلال؟ فقد انتظرت الداخلية الوزير المتهم بالفساد حتى خرج من المجلس. وتم القبض عليه فى ميدان التحرير. ألم يكن أولى بالداخلية الإسراع بتنفيذ قرار النيابة فى قضية مخلة بالشرف. أم أنها تهرول فقط فى حالة القبض على صحفيين فى قضايا نشر.

ولكن مرة أخرى لا يجب أن نتورط فى قضايا أو جدل قانونى، وبالمثل لا أريد التورط فى الحديث عن الوقائع نظرا لحظر النشر، فالسياسة تصلح أزمات الغضب الأعمى.

2- عصر مبارك

من المؤسف أن نضطر بعد ثورتين للتذكرة بسوابق أخرى فى عالم جرائم الاقتحام. ففى نظام مبارك الفاسد لم تجرؤ داخلية حبيب العادلى على اقتحام نقابة الصحفيين، ولا القبض على صحفيين يهتفون بسقوط النظام من على سلالم النقابة أو حتى رصيف النقابة. فالرصيف والسلالم كانت تحظى بحصانة سياسية.

وحدث أن اعتصم الصحفى مجدى أحمد حسين فى النقابة وصدر ضده حكم قضائى نهائى. وأخطرت الداخلية مجلس النقابة بالموقف. ومنحتهم مهلة زمنية لإنهاء الموقف. دون أن يجرؤ أحد على اقتحام النقابة. وعندما اشتعلت خنافة حامية فى نقابة المحامين رفض الأمن دخول النقابة خوفا من شبهة الاقتحام.

ولم يكن الأمر يخص النقابات المهنية فقط

فقد رفض رئيس مجلس الشعب الأسبق الدكتور فتحى سرور دخول الأمن للمجلس للقبض على نائب. وكان النائب قد صدر بحقه قرار ضبط وإحضار من النيابة. ولكن الدكتور سرور وهو فقيه دستورى وجنائى رفض مبدأ اقتحام الشرطة لمجلس الشعب. وأصر على أن ينتظر الأمن خارج أبواب المجلس وينفذ القانون خارج المجلس. لأن النظام الفاسد كان لديه من يدرك الخطوط الحمراء. وينصح النظام بأن ثمة خطوطا تجاوزها يجلب المصائب ولا يحل المشاكل. لم يكن هناك فئة أصيبت بجنون أو بالأحرى انتحار سياسى ندفع جميعا ثمنه.

3- معركة هدم الدولة

بالطبع لا أقصد تلميحا أو تصريحا بأن عصر مبارك أفضل من النظام الحالى. ولكننى أعطى أمثلة للتعامل السياسى مع الأزمات التى تنشب بين الداخلية والمؤسسات. فالعلاقة بين الإعلام والنظام متوترة. فعلى الرغم من أن النظام يولى الإعلام اهتماما وثقلا كبيرين إلا أنه فشل حتى الآن فى التواصل المثالى مع الإعلام. وحالة التوتر تتحول عند الداخلية إلى تربص بالنقابة. لا أقصد المبنى فقط بل المهنة والمبنى معا. فالمبنى أصبح مصدر الاعتصامات والاعتراضات والمظاهرات. والمهنة تنقل وتسجل وتفضح. وقد بدا التربص واضحا فى القبض العشوائى على 40 صحفيا فى مظاهرات 25 إبريل. وكان من البديهى أن ترد النقابة وتدافع عن أبنائها وكرامتهم. فتقدم مجلس النقابة ببلاغ ضد وزير الداخلية ومدير أمن القاهرة. ولذلك لا يمكن تناول فضيحة اقتحام النقابة بمنأى عن البلاغات.

والكارثة أن هذا الاقتحام لم يدفع ثمنه وزير الداخلية. بل مصر ونظامها ورئيسها هم من يتحملون الفاتورة السياسية الباهظة. فالاقتحام يأتى قبل أيام من اجتماع سفراء الاتحاد الأوروبى فى القاهرة. وهو اجتماع يتوقع أن يصدر عنه بيان شديد اللهجة عن الحريات. وفضيحة اقتحام النقابة تسكب مزيدا من الزيت على النار المشتعلة. ومن البديهى أن تتحول هذه الفضيحة إلى قضية دولية سواء فى جمعيات حقوق الإنسان والحريات أو جمعيات الصحافة. فضلا على ذلك فإن خسارة الصحفيين والإعلاميين ليست فى مصلحة الدولة، بل إنها تصب مباشرة فى مصلحة أعدائها وخصومها. وأى مؤامرة خارجية لم تكن تحقق النجاح الباهر لخصوم مصر الذين استفادوا منها باقتحام النقابة.

نحن بالفعل فى حاجة إلى تماسك قوى المجتمع وفى مقدمتهم النخبة. نحن بالفعل مستهدفون بمؤامرات داخلية وخارجية. نحن بالفعل نحتاج إلى الاصطفاف الوطنى. ولكل هذه الأهداف النبيلة والوطنية فإنه لا يمكن الإبقاء على وزير الداخلية. وإذا أراد الرجل أن ينهى بعض خطايا وزارته فعليه أن يسارع بالاعتذار قبل فوات الأوان. وأن يتحمل المسئول المباشر عن الاقتحام مسئوليته ويدفع ثمن خطيئته. كل ذلك يجب أن يحدث قبل فوات الأوان. لا أقصد أن ثمة ثورة شعبية على الأبواب. ولكن لا يمكن أن يتقدم مجتمع وأن يقوى نظام بدون نخبة لا تخشى على كرامتها وأوضاعها. هذه النخبة فى صدام مع الداخلية. لا أقصد الصحفيين فقط. ففى الطابور نقابة الأطباء ونقابة المحامين والعديد من مؤسسات المجمتع المدنى والأحزاب. وهذه الصدامات تفقد النظام جزءا من قوته الناعمة. هذه القوة كانت سندا لا يستهان به فى معركة ما بعد ثورة 30 يونيو.

هذا الوضع يضاعف من سوء سمعة مصر فى الخارج. وتمنح الأعداء والخصوم فرصة لتشويه سمعة النظام. وتمنح الخصوم فرصة لإشعال غضب المزيد من الشباب والمزيد من القطاعات. هذا الوضع لا يمكن أن يستمر وهذا الوزير إما أن يعتذر عن الخطايا أو يعتذر النظام له عن عدم الاستمرار. اختاروا ولا تتأخروا فى الاختيار. ففى أوقات الأزمات فإن الوقت عدو وليس صديقا.