مى سمير تكتب: يا ليل يا عين
ريشة ترصد زمن الحرية.. قبل أن يصبح صوت المرأة عورة وجسدها عارا وتفكيرها جريمة
■ علاقة خاصة جمعت بين المخابرات البريطانية وأسمهان وانتهت بعد اتهامها بالتخابر لصالح فرنسا
■ اهتمام أم كلثوم بالسياسة تجسد بقوة بعد حرب 1967 على مسرح «الأوليمبيا» فى باريس
■ عبد الوهاب.. الوحيد الذى سمحت له نور الهدى بتقبيلها على «شفايفها» فى السينما
■ «الأوبرج» شاهد على قصة غرام الملك فاروق والراقصة سامية جمال
■ أكثر من 400 لوحة لليالى القاهرة تجمع الأمراء والراقصات والضباط والبهوات.. وجدران الملاهى الليلية شاهدة على الكثير من الأحداث
فى ليل القاهرة، سحر، وخبايا، وأحداث، موت وحياة، قصص العشق والفن والمال، والمغامرة والجرأة والنساء فى البيوت والفيللات والقصور.
فى كتاب» ياليل يا عين» أكثر من 400 لوحة لليالى القاهرة، تجمع الأمراء، الراقصات، رجال البنوك، الضباط، الأئمة، الشيوخ، الممثلات، الخواجات، الثوار، السلاطين، الباشوات، البهوات، الجواسيس.
بدأت الفنانة التشكيلية اللبنانية لمياء زيادة كتابها «يا ليل يا عين... القاهرة، بيروت، دمشق، فلسطين»، والصادر فى نهاية عام 2015، بنية التعرض لقصة حياة أسمهان، تلك الفنانة التى ولدت على متن سفينة وانتهت حياتها بالغرق، ولكن فجأة تحولت قصة حياة أسمهان إلى بروتريهات متعددة ومختلفة لمختلف رموز الفن المصرى والعربى فى بدايات القرن الماضى.
1- أسمهان
فى زمن لم يكن صوت المرأة فيه عورة أو جسدها عارا أو تفكيرها جريمة، كانت الحياة بالقاهرة تعرف الكثير من قصص النجاح والشهرة، من بينها قصة آمال الأطرش، بدأت القصة فى نوفمبر 1917 على متن باخرة تدخل فى قلب ضباب ميناء بيروت، تحمل مجموعة غير عادية ــ إلى حد ما ــ من الركاب، طفلة ولدت خلال الرحلة، والأب والأم والأخوين الصغيرين، الأسرة قادمة من أزمير فى رحلة فرار من الجيش العثمانى.
إنهم أمراء الدروز، الأمير فهد الأطرش أحد أمراء جبل الدروز فى سوريا، وزوجته الأميرة علياء من حاصبيا لبنان، وفى الطريق إلى بيروت أنجبت الأم طفلتها الصغيرة وأطلقت عليها آمال، ولكن أحلام العائلة بالاستقرار فى بيروت والتمتع بجمالها ضاعت أدراج الرياح، كون لبنان فى ذلك الوقت أقرب للجحيم منها إلى الجنة، لتستمر رحلة الفرار وتنتقل العائلة إلى مصر وهناك تصبح آمال المطربة الشهيرة أسمهان وتقتحم مع شقيقها فريد الأطرش عالم الفن والنجومية.
2- المنافس الجديد
تستمر المطربات المغمورات فى الوصول إلى القاهرة، كل واحدة تحاول أن تقلد أم كلثوم، لكنها فى النهاية مجرد نسخة باهتة منها، وبحسب الكتاب فإن أم كلثوم كانت تسيطر على صناعة الغناء ولم تكن تسمح بذكاء لأى موهبة جديدة للظهور بسهولة ويعطى الكتاب مثالا بالمغنية الجميلة ملك محمد والتى كانت تملك صوتا رائعا ومستقبلا مبشرا، ولكن أم كلثوم لم تكن تقدم هدايا لغيرها من الفنانات، وفى اليوم الذى كان من المفترض أن تسجل ملك أغانيها مع أوركسترا الجرامافون والذى يضم محمد العقاد عازف القانون فى فرقة أم كلثوم، حرصت الأخيرة على استدعائه قبل دقائق من التسجيل لحاجتها إليه فى حفلة.
لكن الوضع كان مختلفا مع أسمهان، فبمجرد أن منحت أسمهان الفرصة لكى تغنى فى الأوبرا أدرك الجميع بما فى ذلك أم كلثوم أن نجمة قد ولدت، فأسمهان إلى جانب جمالها الفائق كانت تمتلك صوتا رائعا يدمى القلوب ويملأ العيون بالدموع، ولكن هذه المرة لم تحتج أم كلثوم أن تفعل شيئا، فأسوأ عدو لأسمهان كان أسمهان نفسها.
كانت البداية الفنية فى صالة مارى منصور فى شارع عماد الدين حيث أشهر الكباريهات بدءا من بديعة مصابنى مرورا بكباريه ببا، هناك شهد هذا الشارع العديد من الصراعات الفنية والكواليس السياسية والمغامرات العاطفية. صوتها الجميل جذب إليها الأنظار ولكن مشوارها الفنى تعرض لانتكاسة زواجها من الأمير حسن الأطرش فى عام 1934 حيث انتقلت للعيش معه فى جبل الدروز لمدة ست سنوات أنجبت خلالها ابنتها الوحيدة كاميليا قبل أن تنفصل عن زوجها وتعود من جديد إلى مصر.
فى تلك الأثناء كانت مصر تشهد الكثير من التحولات، فقد رحل الملك فؤاد وحل محله ابنه فاروق الذى كان لايزال صغيرا فى السن ويحظى بشعبية طاغية فى وقت كان فيه الشارع المصرى يحلم بالاستقلال وجلاء الإنجليز وكانت الروح الوطنية فى أعلى درجاتها، وأسس طلعت حرب استوديو مصر، وعرفت صناعة السينما ازدهارًا، وبصوتها الرائع وجمالها الأخاذ دخلت أسمهان السينما بجوار شقيقها فريد الأطرش من خلال فيلم انتصار الشباب الذى حقق نجاحا كبيرا. لكن إلى جانب هذا النجاح الفنى كانت العلاقات الشخصية لأسمهان تشهد الكثير من الكواليس والحكايات المثيرة، فإلى جانب علاقة حب وصداقة جمعتها بأمير الصحافة المصرية فى ذلك الوقت محمد التابعى، انتشرت الشائعات حول علاقة حب تجمعها بأحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى وعشيق الملكة نازلى، ويرصد الكتاب الغيرة الشديدة التى كانت تشعر بها الملكة نازلى من أسمهان.
3- الحرب
القاهرة، يونيو1941، كان للحرب الأوروبية تأثير مباشر على بلاد الشام، مصر لا تزال محمية بريطانية، لبنان وسوريا تحت الانتداب الفرنسى « حكومة فيشي»، وتلقت ليبيا الواقعة تحت حكم إيطاليا وموسولينى المساعدة من ألمانيا فى شكل عدة فرق مدرعة أو فيلق إفريقيا تحت قيادة رومل. على الجبهة الأخرى، الجنرال دانتز المفوض السامى الفرنسى فى سوريا ولبنان، يعطى الإذن لطائرة ألمانية تتمركز فى تركيا لعبور بلاد الشام لقصف القوات البريطانية فى العراق. فى نفس الوقت كانت قوات المحور فى ليبيا تستعد للتقدم إلى مصر للوصول إلى قناة السويس والسيطرة عليها فى الوقت الذى تتقدم فيه القوات الألمانية فى حلب.
أسمهان التى نشأت مع شقيقها على الثقافة الفرنسية لم تتردد كثيرا فى اختيار المعسكر الذى تنتمى إليه، وعندما كان الجنرال شارل ديجول زعيم فرنسا الحرة فى زيارة للقاهرة فى إبريل 1941 للحديث مع ممثلى الصحافة المصرية كانت أسمهان حاضرة بعد أن أقنعت محمد التابعى بمساعدتها على المشاركة فى هذا المؤتمر، كونها أرادت رؤية الجنرال عن قرب. فى تلك الأثناء كانت القاهرة تشهد زخما سياسيا وعسكريا وتعج شوارعها بالملابس العسكرية من مختلف الجنسيات، استراليا وبريطانيا ونيوزيلندا، والفرنسية الحرة، والهنود واليونانيين.
كان الجميع فى انتظار قرار الذهاب إلى الجبهة، وفى وقت الانتظار كان الضباط والجنود يقضون أوقاتهم فى الملاهى الليلية حيث تتدفق الكحوليات بحرية ويستمتع الجميع بسحر الرقص الشرقى، وكانت بديعة مصابنى قد افتتحت كازينو أوبرا فى عام 1940، بعدها قررت مغادرة الشارع وافتتحت الكازينو بقرض من بنك مصر.
وهنا بدأت علاقة خاصة بين المخابرات البريطانية وأسمهان، من خلال الجنرال إيفيت قائد القوات الخاصة فى القاهرة وكلايتون مسئول الاستخبارات البريطانية فى منطقة الشرق الأوسط وكان الهدف الرئيسى هو دفع أسمهان لإقناع الدروز بالسماح للقوات البريطانية لعبور جبال الدروز ومنع تقدم القوات الألمانية برعاية حكومة فيشى الفرنسية وفى المقابل يحصل الدروز على استقلالهم. عندما أبلغت أسمهان صديقها التابعى بهذه العلاقة السرية لم يصدق الأخير أن أسمهان من الممكن أن يكون لها علاقات بشخصيات بهذا الحجم، ولكن عندما عادت أسمهان لزوجها حسن الأطرش لكى تتمكن من تنفيذ المهام المطلوبة منها أدرك التابعى أن أسمهان لم تكن تبالغ. أغدقت المخابرات البريطانية بالأموال عليها لتساعدها فى التوغل فى جبال الدروز والتأثير على أهلها، ولكن العلاقة شهدت توترا وقطعت المخابرات البريطانية علاقتها بأسمهان بعد اتهامها بأنها تلعب لصالح فرنسا أكثر من بريطانيا.
غادرت أسمهان الدروز متجهة إلى القدس حيث أقامت فى فندق كينيج داود، وهناك بدأ فصل أكثر دراما فى حياتها بعد أن انتشرت شائعات كبيرة حول عدم توقفها عن تناول الكحوليات وإقامة العلاقات العاطفية، وكانت الملكة نازلى فى زيارة للقدس حيث نزلت فى نفس الفندق وطلبت البقاء فى نفس الجناح الذى تقيم فيه أسمهان ولكن الأخيرة رفضت المغادرة وصاحت فى وجه مدير الفندق إن نازلى لا تملك أى نفوذ فى القدس.
أمام عناد أسمهان ورفضها للمغادرة لم يجد مدير الفندق سوى حل واحد وهو مطالبتها بدفع الفاتورة، أرسلت أسمهان إلى زوجها حسن تطالبه بإرسال الأموال لها ولكنه رفض، ارتفعت حدة الشائعات حولها ووصلت إلى درجة تداول أقاويل أنها ترقص شبه عارية أمام الضباط البريطانيين، أثارت هذه الشائعات غضب أهالى الدروز إلى درجة التفكير فى قتلها ما دفع زوجها حسن إلى القدوم للقدس ولكن ليس لإنقاذ زوجته ولكن لانتزاع ابنتها كاميليا من أحضانها.
الوحيد الذى وقف بجوار أسمهان فى تلك المحنة كان الصديق والعاشق محمد التابعى الذى ذهب إليها فى القدس وطلب منها التوقف عن تناول الكحوليات مؤكدا أنه ليس من الطبيعى أن تبدأ فى تناول الخمر فى الحادية عشرة صباحا، ولكن أسمهان كانت تكتفى بالاستماع إليه وهى ترقص بستائر الغرفة وتمسك كأس الويسكى فى يدها.
انتهت رحلتها فى القدس بمحاولتها الانتحار، وكانت هذه هى المرة الثالثة التى تحاول فيها وضع نهاية لحياتها، ولكن للمرة الثالثة فشلت المحاولة بعد أن عثرت عليها إحدى العاملات فى فندق كينيج داود والتى استدعت الطبيب الذى أنقذ حياتها، وعندما علم زوجها حسن الأطرش بهذه المحاولة أرسل لها ورقة طلاقها للمرة الثانية.
عادت أسمهان إلى القاهرة وحاولت استعادة حياتها من جديد وتزوجت من المخرج أحمد سالم، وعلى الرغم من توتر علاقتهما إلا أن حياتها الفنية شهدت بعض الازدهار وبالفعل بدأت بطولة فيلم «غرام وانتقام»، ولكنها توفيت قبل أن تنتهى من تصويره بعد غرق سيارتها أثناء توجهها إلى رأس البر بصحبة مديرة أعمالها مارى قلادة التى لقت حتفها هى الأخرى.. لتموت أسمهان ويبقى رحيلها لغزا.
4- كوكب الشرق
فى خط موازٍ لقصة حياة أسمهان يرسم الكتاب بورتريه تفصيلى لأم كلثوم، يرصد بداياتها وأهم محطاتها الفنية، والأهم أنه يقدمها كنموذج للفنانة التى حرصت على أن يكون فنها هو محور حياتها ونقطة الارتكاز الأساسية.
ومن أهم القصص التى تعكس شخصية أم كلثوم التى لا ينقصها الذكاء ولا تهرب من التحدى، قصة إصرارها فى عام 1946، على تقديم سلسلة من قصائد أمير الشعراء أحمد شوقى، وعلى الرغم من رفض كل المقربين لها لهذه الفكرة خاصة فى ظل العلاقة القوية التى تربط بين منافس أم كلثوم الأول محمد عبد الوهاب مع شوقى الذى كان قد فارق الحياة قبل 15 عامًا.
أعطت أم كلثوم للسنباطى مهمة تلحين هذه القصائد التى حققت نجاحا كبيرا، فى ذلك الوقت كانت مشاعر الغضب من الاحتلال البريطانى ومن الملك فاروق تشتعل فى الشارع المصرى، ومع ما حملته هذه الأغانى من أفكار ومبادئ تتلاقى مع الأوضاع السياسية والاقتصادية، تحولت أم كلثوم لأكثر من مجرد مغنية ذات صوت عظيم، أصبحت رمزًا لتثقيف الشعوب العربية، تلاقت أغانيها مع القيم القومية، وارتبطت بالفقراء والفلاحين، وبفضل اختياراتها للكلمات والألحان ومع صوتها الجبار أصبحت أم كلثوم رمزًا لمصر.
أم كلثوم ومصر، لا تتضح ملامح تلك العلاقة السحرية التى جعلت من صوت هذه السيدة رمزًا لدولة بأكلمها إلا فى عصر عبد الناصر. ويقدم الكتاب كواليس خطاب تأميم القناة من منزل أم كلثوم، فى 26 يوليو 1956، يوم ساخن وثقيل تناولت فيه أم كلثوم عصير البرتقال وطلبت الاستماع إلى الخطاب الذى سيلقيه ناصر بمناسبة مرور 4 سنوات على نفى فاروق، كان معها القصبجى والدكتور الحفناوى، يصل رامى وآخرون للانضمام للجلسة التى يبدو من أسماء أصحابها أنها فنية ولكنها فى حقيقة الأمر سياسية.
الجميع ينصت لعبد الناصر وعلى وجهه ابتسامة فى انتظار ضربة ما سيلقيها الرئيس، وبالفعل يعلن ناصر تأميم القناة، أم كلثوم تبكى وتضحك فى نفس الوقت، تأخذ الجميع فى أحضانها تمنح قبلاتها للجميع وتحتفل وهى تؤكد أن ناصر رفع رأس المصريين والعرب ورفع رأس كل المظلومين.
لكن علاقة أم كلثوم بالسياسة لم تقتصر على الاهتمام بخطب الرئيس أو الاستجابة لرغباته، عندما أصر على سبيل المثال على إنتاج عمل فنى مشترك بين أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب لتخرج أغنية أنت عمرى التى جمعت بين الهرم الرابع والفرعون الأخير على حد وصف الكتاب أو بين أم كلثوم وعبد الوهاب، اهتمام أم كلثوم بالسياسة تجسد بقوة ما بعد حرب 67 وبالتحديد على مسرح الأوليمبيا فى باريس.
يرصد الكتاب بعضًا من تفاصيل هذا الحفل الذى تم تخصيص عائداته للمجهود الحربى، حضر الجمهور من مختلف أنحاء أوروبا وشمال إفريقيا، فلم يكن هناك عربى فى أوروبا لا يريد حضور هذا الحفل، فالشعور بالجرح يكون عادة أكثر عمقا فى الغربة، وحصلت كوكب الشرق على أجر أكبر من مطربة الأوبرا الشهيرة كالاس، وهو الأجر الذى تبرعت به كاملا إلى مصر.
وبحسب الكتاب، يقال إن العاهل الأردنى الراحل الملك حسين قد حضر هذا الحفل ولكنه حرص على إخفاء شخصيته والتنكر حتى لا يعرفه أحد، ومن الحكايات التى أثيرت أيضا حول هذا الحفل أن أميرًا عربيًا اشترى تذكرة بسعر خيالى، وكأنه اشترى كرسيًا من الذهب لمجرد حضور الحفل.
يحكى برونو ميريك، مدير مسرح أوليمبيا أنه شاهد فى هذه الحفلات أكبر قدر من الجنون والهوس على مدار حياته، ويكشف ميريك كيف وجد صعوبة فى العثور على طاقم تليفزيونى للذهاب لاستقبالها، فعلى الرغم من شهرتها العريضة فى العالم العربى والشرق الأوسط إلا أن شهرتها لم تكن بنفس القدر بين الأوروبيين.
فى تلك الأثناء كان الآلاف يأتون بطائرات الشارتر ولا يمانعون فى الوقوف بالطوابير على أمل الحصول على تذكرة لمجرد الاستماع إليها ورؤيتها، والجميع كان على استعداد لدفع أى مبلغ.
أما الحفل نفسه، فيؤكد مدير الأوليمبيا أن أم كلثوم وهى تغنى كانت تؤسر كل من يستمع إليها وتسيطر على الجمهور الذى كان فى حالة هيام وخضوع تام لصوتها، استمر الحفل إلى الساعة 3 صباحا، وعندما كانت تغنى «أعطنى حريتى أطلق يدي» كانت حالة هيستريا تسيطر على كل من فى القاعة.
5- الأوبرج
كما أحتلت الشخصيات الفنية مساحة كبيرة من الكتاب، كان لأماكن السهر دور مهم بين سطوره، فجدران الملاهى الليلية كانت شاهدة على الكثير من الأحداث فى ليل القاهرة، ولا يمكن الحديث عن أشهر أماكن السهر دون التطرق للحديث عن الأوبرج.
فيللا على طريق الأهرامات تحولت إلى كازينو على يد ألبرت سوسا وهو مصرى من أصول لبنانية، وشهد الأوبرج قصة غرام الملك فاروق بالراقصة سامية جمال، ويقال إنه يوميا كانت سيارة من القصر تحمل ضابطى حراسة تأتى إلى الأوبرج من أجل التواجد تحسبا أن يقرر الملك القدوم فجأة لمشاهدة سامية جمال التى منحها فى عام 1947 لقب ابتكره خصيصا لها وهو راقصة الدولة الأولى. ولكن لم يكن فاروق هو المتيم الوحيد بسامية جمال، كان هناك أيضا فريد الأطرش الذى قرر أن يخوض تجربة الإنتاج واختار سامية جمال كى تشاركه بطولة فيلم حبيب العمر عام 1947 الذى حقق نجاحًا كبيرًا وكان بمثابة بداية لهذا الثنائى الأسطورى.
وقعت سامية جمال فى غرام فريد الأطرش الذى بادلها نفس المشاعر ولكنه لم يجرؤ على اتخاذ قرار الزواج، غير أن عائلته وبالتحديد شقيقه فؤاد معارضين لفكرة زواجه من سامية جمال وكان فؤاد يقول: «لايمكن أن يتزوج أمير من الدروز راقصة».
6- عماد الدين
أقدم الملاهى فى هذه المنطقة هو ملهى ألف ليلة وليلة وكانت تملكه المغنية «توحيدة» التى بدأت حياتها الفنية بالغناء والرقص فى مسارح الأزبكية قبل أن تتزوج من رجل أعمال مصرى من أصول يونانية اشترى لها صالة ألف ليلة ولية وأهداها لها، وبعد رحيله ظلت تدير الصالة وتغنى فيها إلى أن فارقت الحياة.
أما ملهى «الهمبرا» فكان ملكا للمغنية نعيمة المصرية وشهد المسرح بداية منيرة المهدية التى عرفت فيما بعد باسم سلطانة الطرب، وتعد منيرة المهدية حالة استثنائية فى عالم الفن بداية القرن الماضى فقد افتتحت ملهى خاص بها أطلقت عليه اسم «نزهة النفوض» وكان ملتقى لرجال السياسة والفكر والصحافة وليس مجرد ملهى ليلى، كما كانت أول سيدة تقف على خشبة المسرح وقدمت العديد من الأدوار الشهيرة بما فى ذلك أدوار الرجال.
و كان هناك أيضا صالة مارى منصور التى كانت أول من أعطى الفرصة لكل من فريد الأطرش وأسمهان للغناء.
ويبقى ملهى بديعة مصابنى واحدا من أشهر المحطات الفنية للعديد من النجوم والفنانين فى مصر فى العشرينيات والثلاثينيات، وبديعة هى راقصة لبنانية أتت إلى مصر وعملت فى كباريهات ومسارح الأزبكية قبل أن تعود إلى لبنان فى عام 1915 للعمل فى صالة مدام جانيت، وساعدتها الخبرة التى اكتسبتها فى القاهرة لكى تصبح الراقصة الأولى فى الفرقة، وأخذت تقدم العديد من الحفلات فى مختلف الملاهى الليلية فى بيروت وبلاد الشام. لكن الحرب العالمية الأولى ألقت بظلالها على لبنان التى عانت من المجاعة، وتعرضت بديعة مصابنى لأزمة نفسية عندما شاهدت أحد الأطفال يموت من الجوع وقررت العودة إلى مصر بعد أن تبنت طفلة اسمها جوليت وتزوجت من نجيب الريحانى أهم ممثل كوميدى فى العالم العربى فى ذلك الوقت.
أجرت بديعة مصابنى نادى «سندكس» الواقع فى شارع عماد الدين ما بين لوماجستيك وسميراميس وحمل الملهى اسم ملهى بديعة مصابنى وتخرج على يدها نجوم مثل تحية كاريكوكا وسامية جمال.
7- قبلة عبد الوهاب
يلقى الكتاب الضوء على الكثير من القصص والحكايات فى كواليس ليل القاهرة وكان أبطالها من نجوم الفن والمشاهير، منها حكاية المطربة اللبنانية نور الهدى التى اكتشفها يوسف وهبى وطلب من والدها الموافقة على ذهابها إلى القاهرة، وبالفعل أتت نور الهدى إلى هوليوود الشرق وقدمت العديد من الأفلام والأعمال الغنائية وكان والدها بجوارها دائما ويتدخل فى جميع شئون عملها بما فى ذلك كتابة السيناريو.
لكن نور الهدى لم تستمر كثيرا فى القاهرة رغم نجاحها وقررت العودة إلى بيروت بعد أن حققت أحد أحلامها بالوقوف أمام محمد عبد الوهاب فى فيلم لست ملاكا وفى نهاية هذا الفيلم منح عبد الوهاب نور الهدى قبلة وكان هو الفنان الوحيد الذى سمحت له نور الهدى بتقبيلها على «شفايفها» فى السينما.
ويتعرض الكتاب لزواج ليلى مراد من أنور وجدى ويشير إلى الخلافات بينهما ومحاولة سيطرة أنور وجدى على ليلى مراد التى نجحت فى التربع على عرش السينما والغناء وكانت صاحبة الأجر الأعلى. كما يتطرق الكتاب للأعمال الفنية لصباح باعتبارها واحدة من أشهر نجمات لبنان فى القاهرة. وإلى جانب البروتريهات يلقى الكتاب الضوء على بعض كواليس عالم الفن الذى اختلطت فيه الفضائح بالسياسة.
واستعرض الكتاب حياة تحية كاريوكا كواحدة من أشهر الراقصات، وقصة زواجها من رشدى أباظة الذى سافر معها إلى بيروت حيث كانت مرتبطة بعقد مع أحد الملاهى الليلية هناك، كما شهدت بيروت على ليالى الحب التى جمعت بين الزوجين شهدت أيضا على ليالى الغيرة والخلافات، لم يكن من السهل على دونجوان مثل رشدى أباظة أن يجد نفسه متزوجًا من امرأة مثل تحية كاريوكا تجذب إليها الأنظار أينما ذهبت ويلتف حولها الرجال فى أى مكان، وكان رد فعل أباظة إقامة علاقة عاطفية مع مغنية فرنسية، وعندما علمت كاريوكا بتفاصيل هذه العلاقة ذهبت إلى الملهى الليلى الذى كان يجمع العاشقين وقامت بالاعتداء بالضرب على المغنية المغمورة قبل أن تطلب الطلاق من رشدى أباظة.
8- السياسة
تمتزج خيوط السياسة بالفن والسهر عبر صفحات الكتاب الذى يؤكد أن السياسة كانت دائما تلتقى بالفن، ففى عصر الملك فاروق، تم منع فيلم «بنت الصحراء» الذى أنتجته وكتبته ولعبت بطولته الممثلة بهيجة حافظ فى نهاية الثلاثينيات، وكان الفيلم يتضمن قصة غرام أمير فارسى بفتاة بدوية ترفض حبه، وقد منعت السرايا عرض الفيلم إرضاء لإمبراطور إيران خاصة أن الأميرة فوزية الشقيقة الصغرى للملك فؤاد كانت تستعد للزواج من ولى عهد إيران.