محمد مسعود يكتب: «مولد السيدة».. فى عشقك أنا «المجذوب»

مقالات الرأي



فى دروب العشق، ولد الأمل، وتجدد الرجاء، بلقاء منتظر، بين «السيدة» وأحبائها وعاشقيها.. ودراويشها.

أصوات متداخلة، آلات تنبيه لسيارات مكدسة، نداء بائعين، وصلوات على الرسول الكريم، وإنشاد يذهب بك للبعيد.. رغم أن قدميك لم تبرح مكانهما.

تقف بين سكارى الحب، وعطشى الأمل، فتميل صورتهم بتمايل مجذوب حائر بين حب آل البيت، ورزق عسير من حطام الدنيا، تتزاحم الدعوات مع أدخنة المأكولات الشعبية، فى سباق نحو السماء.. يحتضن همس الأحبة.. تضرع الفقراء والمحتاجين، وتخلق دقات الدفوف والطبول، ورائحة المسك والبخور، حالة لا تنتهى من الجذب.. نحو المقام، مقام «السيدة زينب» رضى الله عنها.

1- فى الزيارة شىء ما

يقال إن زيارة المقام، غير ناتجة عن قرار شخصى، فسر الزيارة وبركتها تكمن فى دعوة صاحبة المقام، وهى دعوة، تجذب من تلقاها، فلا يستطيع الرفض، ويغلبه الحب والقبول.. لذا قد ترى فى مقامها من يطبع القبلات على المقام، أو من يتمسح فيه طالبا البركات، أو من يذرف الدموع ويرفع يديه ويوسطها فى أمنية ما يطلبها من رب السموات «شىء لله يا ست».

لا خلاف على أن محبة حفيدة رسول الله «ص»، السيدة زينب، كبيرة فى قلوب عشاقها، لكن ربما كانت الطقوس تمارس، بشىء من المبالغة، فالحب الخالص.. لا يكون لبشر، بينما يكون لله وحده.. فالسيدة زينب– نفسها- ابنة الإمام على رضى الله عنه، ظهر النبوغ عليها منذ الصغر، وسألت والدها الإمام – فى رواية عنها – أتحبنا؟ فقال: بلى. فقالت: «لا يجتمع حبان فى قلب المؤمن، حب الله وحب الأولاد، فإن كان ولابد فالحب لله.. والشفقة للأولاد».

2- إخلاص العبادة والتوكل على الله

ما قالته أخت الحسن والحسين، لم يكن مجرد كلام، فمحبة الله فى قلبها، غلبت مآسيها وأحزانها، ولم تزدها إلا صلابة، فمن تربت فى بيت النبوة، عرفت بجمال الخلقة والخلق، والإقدام والشجاعة، والكرم وحسن المشورة للدرجة التى جعلت والدها وإخوتها فى الرأى يأخذون بمشورتها لبعد نظرها وقوة إدراكها.

وكانت رضى الله عنها، قوامة صوامة، تقضى أكثر لياليها متعبدة متهدجة، حتى فى أشد الليالى كربا - وهى ليالى كربلاء - وكانت تدعو الله فى جميع اللحظات، بدعائها الشهير قائلة: «يا عماد من لا عماد له، ويا ذخر من لا ذخر له، ويا سند من لا سند له، يا حرز الضعفاء ويا كنز الفقراء ويا سميع الدعاء.. يا منجى الغرقى.. يا منقذ الهلكى.. يا محسن يا منعم يا متفضل.. أنت الذى سجد له سواد الليل وضوء النهار وشعاع الشمس وحفيف الأشجار ودوى الماء يا الله.. اللهم إنى أسألك يا عالم الأمور الخفية ويا من الأرض بعزته مدحية ويا من الشمس والقمر بنور جلالته مشرقة.. يا مسكن رعب الخائفين يا من حوائج الخلق عنده مقضية يا من ليس له بواب ينادى ولا وزير يؤتى ولا يزداد على الإلحاح إلا كرما وجودا أعطنى سؤلى إنك على كل شىء قدير».

لذا.. فجلدها عند قتل شقيقها الحسين رضى الله عنه، لم يكن غريبا عليها.

3- أم العواجز.. رئيسة الديوان

فى عام 61 هجريا، أمر يزيد بن معاوية الأموى، بإخراج السيدة زينب من المدينة، بعد أن أصبح بقاؤها يؤجج نيران الثورة ضد الحكم الأموى، واختارت حفيدة الرسول - صلى الله عليه وسلم - «مصر»، ووصلت إليها فى شعبان عام 61 هجرية، وعلى مشارف مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، خرج لاستقبالها جموع المسلمين بالدفوف والزغاريد، وعلى رأسهم والى مصر، وأقامت فى بيت الوالى حتى وافتها المنية فى الـ 14 من شهر رجب عام 62 هجرية.

سميت بأم هاشم لأنها حملت لواء راية الهاشميين بعد أخيها الإمام الحسين، و«صاحبة الشورى» لأن كثيرا ما كان يرجع إليها أبوها وإخوتها فى الرأى، و«عقيلة بنى هاشم» ولم توصف سيدة فى جيلها أو غيره أو فى آل البيت بهذا إلا السيدة زينب رضى الله عنها، و«الطاهرة» فقد أطلقه عليها الإمام الحسن أخوها عندما قال لها «أنعم بك يا طاهرة حقا إنك من شجرة النبوة المباركة ومن معدن الرسالة الكريمة».