‏‫د.دينا أنور تكتب: أزمة الرئاسة والصحافة بنيران "الداخلية" الصديقة

مقالات الرأي

بوابة الفجر

• القرارات المرتبكة والمتسرعة لوزارة الداخلية تسببت في إحراج مؤسسة الرئاسة أمام الشعب والعالم.
• الداخلية فقدت بتصرفها الأول من نوعه كل الأصوات الداعمة للدولةولسياستها في قلب الجماعة الصحفية.
• الفارق واسع للغاية بين الدفاع عن كرامة الصحفي وبين حماية الخارجين عن القانون.
• الحلول الأمنية ليست الخيار الأول في دولة يحكمها القانون والدستور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أزمة جديدة في ملف الحريات افتعتلها وزارة الداخلية باقتحام مجموعة من قوات رجال الأمن لمقر نقابة الصحفيين لضبط وإحضار الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا على ذمة الإتهام بالدعوة إلى التظاهر.

الاتهامات الموجهة للصحفيين عديدة ومتنوعة، بدءا من محاولة قلب وتغيير دستور الدولة ونظامها الجمهوري وشكل الحكومة, والإنضمام إلى إحدى الجمعيات والهيئات والمنظمات التي تريد تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولةوسلطاتها العامة من ممارسة عملها,والإضرار بالوحدة الوطنية والسلم الإجتماعي, والترويج بالقول والكتابة للأغراض محل الإتهام, بإحدى الطرق المعدة للتوزيع والطباعة, وإذاعة أخبار وبيانات وشائعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام,فيما أنكر الصحفيان التهم المنسوبة لهما,ومثلا أمام نيابة شبرا الخيمة بدون أي أحراز في القضية، فأمرت بحبسهما 15 يوم على ذمة القضية.

اجراءات قانونية منتظمة كانت ستمر مرور الكرام لولا السياسة المرتبكة والمتسرعة لقيادات في وزارة الداخلية التي ما زالت تترنح من الضربات المتكررة التي تضرب علاقتها بأبناء الوطن في صميم الثقة, تنتهك حرمة النقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني في مصر, وتتعدى اعتداء سافرا على مواد الحريات ومواد قانون نقابة الصحفيينالتي لا تجيز تفتيش مقار النقابة الصحفيين ونقاباتها الفرعية ولا وضع أختام عليها إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة وبحضور نقيب الصحفيين أو النقابة الفرعية أو من يمثلهما.

 

وأمام تلك السابقة الأولى من نوعها التي تصعد من الاحتقان بين وزارة الداخلية وقطاعات كبيرة من المواطنين, نجد مؤسسة الرئاسة في موقف حرج بشدة أمام الشعب والعالم, وتدفع الثمن غاليا من تجريح وإتهام بالإهمال وربما سب وقذف بالعمالة والخيانة وخاصة من اللجان الإلكترونية التي تتقاضى أجرا على ذلك, لاسيما وأن الأزمات السابقة بداية بواقعة صلاح دياب مرورا بأزمة الطائرة الروسية ثم مقتل ريجيني, وأزمة المحاميين ثم الأطباء والآن الصحفيين, لا زالت تلقي بظلالها القاتمة على مستقبل السياسة المصرية والعلاقات مع المجتمع الدولي وصورتها أمام العالم,وتلحق أضرارا بالغة بالدولة والرئيس وتورطهم في أزمات متشابكة نتيجة نيران صديقة تنتهج التبرير والتصفيق والتطبيل لكل التصرفات غير المسؤولة وأخطاء المسؤولين بالدولة.

ومما يؤجج تصدع الجبهة الداخلية بمصر هو تصميم الداخلية على صب المزيد من الزيت على النار المشتعلة, والتصعيد غير المسؤول في إنتهاج الحلول القمعية والسياسة البوليسية المتشددة, مما يفتح ملفا جديدا من انتهاك الحريات يخلق صراعا إضافيا بين النظام الحالي والسلطة الرابعة بمصر وأحد أعمدة الدولة الرئيسية وهي الصحافة.

وكان يجب أن تعلم قيادات الداخلية وعلى رأسها الوزير مجدي عبد الغفار أن هذا الفعل وحد الجماعة الصحفية والإعلامية كما لم تتوحد من قبل، وحتى ممن كانوا يؤيدون ويباركون بل ويدعمون الشرطة وجدوا أنفسهم أمام خيار واحد، وهو الانضمام إلى ركب الغضب والوقوف في خندق واحد يرفع سقف مطالبه إلى حد إقالة وزير الداخلية أو الاعتذار الرسمي عن الواقعة.

أزمة كان من الممكن أن تمر بسهولة لو انتهجت الداخلية ما قاله مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين الأسبق بالتنسيق المسبق بين وزارة الداخلية ونقيب الصحفيين أومجلس النقابة, وكان لزاما على الداخلية أن تصدر بيانا قبل أن تقتحم النقابة ليعلم الرأي العام حقيقة الأوضاع, لاسيما وأنه لا ينبغي أن تكون النقابة مكانا لحماية أي شخص خارج عن القانون, وأن هناك فرقا شاسعا بين الدفاع عن كرامة الصحفي وبين حماية الخارجين عن القانون, مستنكرا أن تصبح نقابة الصحفيين منبرا لحركة 6 إبريل والإشتراكيين الثوريين.

 

يحيى قلاش نقيب الصحفيين الحالي, والذي كان متهما من قبل جماعته الصحفية حتى ساعات قليلة مضت بأنه لا يعبر عن الجماعة الصحفية بعد موقفه الذي اعتبره البعض متخاذل في مواجهات جمعة الأرض، طاف عبر برامج التوك شو على مدار اليومين الماضيين معبرا عن استيائه من اقتحام رجال الأمن نقابة الصحفيين والقبض على بعض الأعضاء, مؤكدا أن هذا المشهد لم يحدث حتى في أيام حبيب العادلي, وأن النقابة كانت بصدد التواصل مع النائب العام لاتخاذ الإجراءات القانونية لتنفيذ الضبط والإحضار بحق العضوين اللذين لجئا للنقابة, بل وصل به الأمر أن يصف ما حدث في مداخلة تليفونية مع الإعلامي عمرو أديب ببرنامج"القاهرة اليوم" بقوله: لسنا أمام مؤسسة أمنية بل أمام أناس تتعامل بطريقة العصابات، واللي عملته الداخلية "هيولع في البلد كلها" على حد وصفه.

وعودة للموقف الحرج الذي وقعت فيه مؤسسة الرئاسة بعد ما حدث في نقابة الصحفيين، تقرأه في تصريحات الكاتب الصحفي المقرب من مؤسسة الرئاسة ياسر رزق رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم, في مداخلته الهاتفية مع الإعلامية لميس الحديدي في برنامج "هنا العاصمة"، ياسر رزق قال بوضوح: لدي معلومات تفيد بأن رئاسة الجمهورية لم تكن تعلم شيئا بخصوص اقتحام قوات الأمن لمقر نقابة الصحفيين, مؤكدا أنهم أبدوا عدم رضاهم عن ما حدث, الذي وصفه بأنه معادي لثورة 30 يونيو, واتهم وزارة الداخلية بالإساءة لشهدائها والصورة التي تكونت من دماء رجال الشرطة والرئيس عبد الفتاح السيسي.

واستكمالا للمشهد المرتبك نشطت بورصة التوقعات والتحليلات السياسية التي حاول أصحابها تهدئة الجماعة الصحفية، ومنع دفة الهجوم من الوصول لمؤسسة الرئاسة، وتسربت توقعات نقلا عما وصفهم كتابها بأنهم مصادر رفيعة المستوى، تفيد بتقديم اللواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية استقالته من منصبه عقب حالة الغضب التي أثارتها عملية اقتحام عدد من الضباط لنقابة الصحفيين والقبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا, وإن مؤسسة الرئاسة مستاءة من تكرار القرارات الأمنية المرتبكةوالمغامرات والخطايا المجانية للمسؤولينوالتي تسببت في أزمات سياسية في الآونة الأخيرة.

 

الكشف عن تخيير وزير الداخلية ما بين الإعتذار للصحفيين عن واقعة الإقتحام أو تقديم إستقالته, يصدر في واجهة المشهد التساؤل عن إمكانية تضحية الحكومة ومؤسسة الرئاسة باللواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية لتهدئة الوضع المتصاعد والمحتقن والذي يزيد من العداوة والتصعيد بين أفراد الشعب ومؤسستهم الأمنية, التي لم تنجح حتى الآن في رأب الصدع العميق الذي طالها بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير, وتنتهج سياسة أشد قمعا وأشرس منهجية في التعامل الأمني الصارم مع جميع الملفات بمبرر وبدون مبرر, وقادها التفكير الأهوج إلى حد التعدي على رمز للحريات وسلطة للإبداع وقوة التعبير والرصد وهي نقابة الصحفيين.

ومازالت حدة التوتر بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية في إزدياد, خاصة بعد المشادة الكلامية وتبادل التصريحات والإتهامات بين نقيب الصحفيين والمتحدث باسم وزارة الداخلية, فالأول يتهم الوزارة بمحاصرة مبنى النقابة والإستعانة بمسجلين خطر وأرباب سجون للتضييق على دخول الصحفيين وضيوف النقابة من المتضامنين معها والتحرش بهم لفظيا, فيما دافع الثاني عن قرار القبض على الصحفيين واعتبره تنفيذا للقانون وقرارات النيابة العامة, مضيفا أن الإمتناع عن تنفيذ القانون يعرضهم للوقوع تحت طائلة المادة 123 من قانون العقوبات ويكونون عرضة للمسائلة والحبس, ومشيرا إلى أن الوزارة كانت بصدد إعداد لقاء بين الأجهزة الأمنية ونقابة الصحفيين ولكن النقيب هو الذي طالب بتأجيله.

وأمام التضارب في التصريحات وتبادل الإتهامات بين الطرفين, يجب الوقوف على الحقيقة المرضية للطرفين, وهو أن وزارة الداخلية يجب أن تتخلص من سياستها الأمنية والبوليسية البحتة التي تورطها في مزج الحق بالباطل, وتحرج الرئيس والدولة أمام الشعب والمجتمع الدولي, وأن تطبيق القانون والعدالة سيف قاطع على رقاب الجميع دون إخلال بقوانين الحريات, وأنه لايوجد أحد فوق القانون والمساءلة طالما أن تنفيذ قرارات النيابة يتم في سياقه السليم دون تعدي على الأفراد أو مؤسسات المجتمع المدني أو النقابات المهنية.