أحمد فايق يكتب: هل يستعد الجيش لحرب كبرى فى الشرق الأوسط أو إفريقيا؟
■ السعودية تتصدر دول الشرق الأوسط فى الإنفاق على السلاح بـ54 مليار دولار ثم إسرائيل وتركيا 22 مليارًا ومصرفى المركز التاسع
■ تحديث الترسانة البحرية بـ 4 غواصات و4 طرادات وفرقاطتين والجوية بالرافال والميج 29والـ «كا 52»
المشهد يوم 28 يناير 2011 كان يدعو للرعب على مصر ومستقبلها، إحدى السيارات العسكرية تتحرك فى اتجاه كورنيش النيل إلى ماسبيرو، الجميع يهلل «1 2 الجيش المصرى فين»، توقع الجميع أن هذه السيارة تحمل بيانًا عسكريًا من الجيش، فجأة توقفت السيارة، ترقب الجميع المشهد فهذا مؤشر إلى شىء ما مهم سيحدث، ونزل الجنود يدفعون السيارة بأيديهم فقد تعطلت.
هذا المشهد يؤكد كيف كانت تقف القوات المسلحة وقتها، هناك فارق كبير جدا بين المدرسة التى ينتمى لها المشير طنطاوى والرئيس عبد الفتاح السيسى، المشير طنطاوى مثل مبارك أكمل دراسته العسكرية فى روسيا لا يميل كثيرًا للاستعراض وإظهار قوته، لذا فالمعدات الحقيقية للجيش كانت فى المخازن، لقد كان الجنود فى حالة يرثى لها.
حينما أصبح عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع فتحت المخازن، وظهر الجنود فى الشوارع فى ملابس مهندمة واستعداد كبير ويحملون أسلحة حديثة، واختفت المدرعات والدبابات الروسية المتهالكة من الشوارع لتظهر بدلا منها معدات حديثة، تؤكد أننا أمام شخصية مختلفة فقد أكمل الرجل دراسته العسكرية فى أمريكا، وهو يميل إلى استعراض ما لديه من قوة.
لقد تراجع ترتيب الجيش المصرى وفقا لـ «جلوبال فاير باور» إلى المركز الثامن عشر عالميا، وهو تصنيف عالمى يعتمد على معايير دقيقة من عدد القوات ونوعية الأسلحة والجاهزية للحرب والأمان الاقتصادى، ويستبعد التصنيف القدرات النووية للدول.
هذا التراجع الذى حدث فى عهد مبارك كارثى، فقوة الجيوش لا تقاس بترتيبها على العالم إنما ترتيبها أمام دول المواجهة أو فى نطاقها الجغرافى، كانت إسرائيل تحتل المركز التاسع وتركيا فى المركز العاشر، أى نحن فى عهد مبارك ثالث قوة فى الشرق الأوسط عسكريا، والأسباب متعددة فقد توقف الجيش عن تحديث ترسانته بالشكل المطلوب، واكتفينا بالمعونة العسكرية الأمريكية مع بعض صفقات التسليح الخارجية.
الاستراتيجية العسكرية المصرية بالأساس هى دفاعية، تقوم على الدفاع عن الحدود من الجوانب الأربعة وتحديدًا ناحية الشرق «العدو التقليدى».
الآن المعطيات تغيرت، لقد أصبح هناك مانعان مائيان بعد قناة السويس الجديدة، هناك إرهاب فى الشرق والغرب والجنوب، وهناك حقول غاز بمليارات الدولارات تحتاج إلى حماية فى الشمال، هناك سد إثيوبى يهدد الأمن القومى لمصر، لم يعد العدو المتوقع قريبا من مصر ولا تستطيع ال إف 16 الدفاعية الوقوف أمامه.
إن ماحدث خلال عامين من حكم السيسى نقل مصر فى ترتيبها العسكرى من المركز الثامن عشر إلى المركز الثانى عشر على العالم، وتراجعت إسرائيل إلى المركز السادس عشر، واحتفظت تركيا بالمركز العاشر، حتى نتقدم ستة مراكز فى عامين هذا ليس بالقليل ووراءه معركة كبيرة فى التسليح ورفع كفاءة وقدرات الجيش المصرى وسط حصار أمريكى يمنع عن مصر الأسلحة الرئيسية.
لقد عقدت مصر صفقات تسليح غير مسبوقة فى تاريخها خلال عامين، صفقات وصفتها مواقع وقنوات عالمية مهمة مثل روسيا اليوم أشبه بتحديث الترسانة العسكرية المصرية كاملة.
لقد جابت الصفقات دول الصين وروسيا وإسبانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية وألمانيا والغريب أن نصيب أمريكا فى هذه الصفقات ليس كبيرًا ولم يتجاوز نسبة الـ5% من إجمالى صفقات السلاح المصرية فى عامين.
وكأن مصر تستعد لحرب كبرى فى الشرق الأوسط، لقد تحولت الاستراتيجية العسكرية المصرية من الدفاع من الداخل إلى الدفاع من الخارج.
حاملتا الطائرات الميسترال واحدة فيهما فى البحر الأبيض المتوسط لحماية حقول الغاز الجديدة والثانية ستكون فى البحر الأحمر لحماية المصالح المصرية مع دول الخليج.
لقد جرى تحديث كامل للترسانة البحرية المصرية من خلال صفقات لأربع غواصات دولفين ألمانية لتحل بدلا من الغواصات الكيلو الروسية القديمة، وحاملتى طائرات ميسترال والفرقاطة فريم بالإضافة إلى 46 مروحية روسية كاموف 52 للخدمة على حاملتى الطائرات ميسترال.
هذا غير 4 طرادات من طراز جوبيد بالإضافة إلى لانشات الصواريخ الأمريكية، نحن نتحدث الآن عن قوات بحرية بها أسلحة رئيسية من ألمانيا وفرنسا وأمريكا وروسيا وقدرتها الصحف الإسرائيلية بأربعة أضعاف البحرية الإسرائيلية.
القوات الجوية جرى تحديثها أيضا من خلال صفقات بـ24 طائرة رافال فرنسية وطائرات ميج 29 الروسية بالإضافة إلى بعض طائرات الأباتشى الأمريكية.
هل تتخيل أن نصيب أمريكا فى تحديث القوات الجوية المصرية لا يتجاوز 15 طائرة أباتشى وبضع طائرات إف 16؟
لقد تم ضم منظومة صواريخ إس 300 إلى قوات الدفاع الجوى وهى أقوى وأحدث منظومة صواريخ دفاعية فى العالم، والأهم من ذلك أن لديها قدرة للدفاع على بعد 250 كيلو مترًا، أى تستطيع تدمير الطائرة المهاجمة من على بعد250 كيلو مترًا.
ونشرت أخبار حول الدبابة الروسية القوية تى 90 لتنضم إلى نظيرتها الأمريكية ابرامز إم 1 إيه 1 لسلاح المدرعات المصرى.
ووفقا لموقع روسيا اليوم فقد وقع السيسى فى زيارته إلى روسيا عام 2014 صفقات سلاح بقيمة ثلاثة مليارات و500 مليون دولار، ووقعت مصر صفقات أسلحة مع فرنسا بقيمة 5 مليارات و500 مليون دولار، وبهذا تكون مصر قد أنفقت حوالى 10 مليارات دولار على صفقات التسليح خلال عامين أو على الأقل تعاقدت على أسلحة بهذه القيمة.
السؤال هنا.. هل هذا رقم مناسب للإنفاق على التسليح؟
إجابة هذا السؤال لا تستطيع أن تقتطع خلالها إنفاق مصر وحدها على التسليح بل علينا أن نرى حجم إنفاق دول الشرق الأوسط.
الاحصائيات العالمية تقول إن حجم الإنفاق على السلاح فى الشرق الأوسط 150 مليار دولار فى عام واحد، وعلى إفريقيا 45 مليار دولار، والأمريكتين 740 مليار دولار.
وتتصدر السعودية أكثر الدول فى الشرق الأوسط إنفاقا على التسليح ويصل إنفاقها إلى 54 مليار دولار فى العام، ثم تركيا وتنفق 22 مليار دولار ثم إسرائيل وتنفق 16 مليار دولار ثم الإمارات وتنفق 12 مليار دولار ويأتى ترتيب مصر ضمن دول الشرق الأوسط فى الإنفاق على التسليح التاسع، بعد ذلك كثيرة مثل الجزائر والكويت وقطر والعراق، ورغم ذلك يحتل الجيش المصرى المركز الثانى ضمن أقوى جيوش الشرق الأوسط والأول إفريقيا.
هذه الأرقام تؤكد أن الإنفاق العسكرى المصرى قليل جدا مقارنة بمكانتها ضمن الجيوش، وهذا الإنفاق وفقا للظروف الاقتصادية الصعبة التى نمر بها.
الإنفاق هنا له مقابل ومردود اقتصادى على الدولة حقل مثل «ظهر» فى البحر المتوسط وفر لمصر 44 مليار دولار فى عشر سنوات، وحمايته تتطلب دفع ما لا يقل عن 10 فى المائة من قيمته على التسليح وأعمال المخابرات لحمايته هو فقط وفقا للأرقام العالمية، ولكن مصر لم تصرف ربع هذا المبلغ، ورغم ذلك تم وضعه تحت مظلة الحماية المصرية.
يتبقى السؤال عالقا.. هناك حرب تسليح فى الشرق الأوسط الجميع يتسابق نحو شراء سلاح جديد وكأن الجميع ينتظر قرار الحرب فى أى وقت؟
لقد حظيت مصر بنصيب كبير ومرضٍ فى صفقات التسليح التى عقدتها لأنها أدارتها بشكل سياسى بارع، لقد نجحت مصر فى أن تجعل من فرنسا مصدر سلاح رئيسيًا للشرق الأوسط، نعم فعلتها بعدما أقدم الجيش عى شراء طائرات الرافال الفرنسية، وهو أول جيش أجنبى يشترى هذا النوع من الطائرات، ومن بعد مصر اشترت الهند والإمارات وقطر نفس الطائرات، وأصبحت الرافال الفرنسية أكثر مبيعا وتسويقا فى الشرق الأوسط من إف 16 الأمريكية، وهذا مؤشر يوضح الغضب الأمريكى تجاه مصر.
اقتصاديا اقتنصت فرنسا الفرصة وهى تعانى من أزمات كبيرة فقد وفرت لها صفقات بيع السلاح مليارات الدولارات، واسم الجيش المصرى وخبرته تجعل الكثير من الجيوش تجرى وراءه فى اختيارات الأسلحة، ومقابل هذا فتحت فرنسا مخازن سلاحها إلى مصر دون أى حسابات سياسية ودون الاستجابة لضغوط أحد.
إصرار مصر على طائرات الرافال يعنى أن أرض المعركة المتوقعة مجهزة لها طائرة تستطيع التحليق 3 آلاف كيلو متر وتستطيع القتال فى الهواء 3 ساعات كاملة، لاحظ هنا أن إف 16 لا تستطيع القتال أكثر من ساعة ونصف الساعة لتغيير الوقود ولا تستطيع التحليق لمسافات طويلة، وهذا يعنى أن أرض المعركة الجديدة المتوقعة لمصر بعيدة بآلاف الكيلو مترات..!
كل صفقات السلاح التى عقدتها مصر وحدثت بها قواتها المسلحة ليس لها سوى معنى واحد أن الجيش يستعد لمعركة كبرى قريبا فى الشرق الأوسط أو إفريقيا.