نصار عبدالله يكتب: الوصف المناسب للوزير المناسب

مقالات الرأي



ما هو الوصف المناسب لوزير من الوزراء يقوم بارتكاب جريمة من الجرائم، أو يحرض على ارتكابها؟! وما هو الوصف المناسب لذلك الوزير إذا كانت الوزارة التى يشغلها هى وزارة العدل ذاتها؟!!.. بالمناسبة أنا هنا (وقد سبق لى نشر هذا أكثر من مرة).. أنا هنا لا أتكلم فى العموميات، بل أتكلم عن جريمة محددة، هى جريمة الغدر المنصوص عليها فى المادة ١١٤ من قانون العقوبات المصرى التى تنص على أن: «كل موظف عام له شأن فى تحصيل الضرائب أو الرسوم أو العوائد أو الغرامات أو نحوها، طلب أو أخذ ما ليس مستحقا، أو يزيد على المستحق، مع علمه بذلك، يعاقب بالأشغال المؤقتة أو السجن».. وقد استقر الفقه والقضاء المصريان على أنه لا عبرة بالدوافع التى قد تدفع موظفا معينا إلى طلب أو تحصيل ما هو غير مستحق، ولا عبرة كذلك بالأسلوب الذى يتم به الطلب، إذ تقع الجريمة فى كل الأحوال حتى لو كان الدافع إليها هو مجرد الرغبة الصادقة من الموظف فى زيادة إيرادات الدولة من خلال جبايتها غدرا من المواطنين.. دون أن تكون له هو مصلحة شخصية فى ذلك!!.. وهذا هو فيما نتصور ما دفع بوزير العدل المصرى فى ١/١/ ٢٠٠٩ إلى إصدار كتابه الدورى رقم ٢ لسنة ٢٠٠٩ الذى نص على تحصيل الرسوم القضائية النسبية فى الدعاوى التى يخسرها أصحابها طبقا لقيمة الطلبات الواردة فى صحيفة الدعوى!!... مخالفا بذلك صريح نص المادة (٩) من قانون الرسوم القضائية التى نصت فى فقرتها الأخيرة على أنه «فى جميع الأحوال يسوى الرسم على أساس ما حكم به»، ووفقا لذلك النص يتم تسوية الرسوم القضائية على أساس قيمة الحكم الصادر لصالح المدعى، فإذا خسر دعواه ولم يقض له بشىء لا تحصل منه أية رسوم إضافية غير تلك الرسوم التى سبق له أن أداها وقت رفعه للدعوى، (وهذا هو ما كان يجرى عليه العمل بالفعل قبل أن يقوم وزير العدل بإصدار كتابه الدورى سالف الذكر والذى اتبعه للأسف خلفاؤه اللاحقون الذين لا شك أنهم قد تألموا مثلما تألم سيادته مما تعانيه البلاد من ضائقة مالية).. غير أن المعضلة الحقيقية لا تتمثل فى أن وزير العدل قد أصدر قرارا مخالفا للقانون.. فقد لجأ الكثيرون من المتضررين إلى إقامة دعاوى قضائية ضد سيادته يطالبون فيها بإلغاء قراره، وبصفة مستعجلة وقف تنفيذه إلى أن يتم الإلغاء، وقد قضى فيها جميعا بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ ذلك القرار لوضوح مخالفته الصارخة للقانون!.. المعضلة الحقيقية لا تتمثل فى قرار مخالف للقانون، فما أكثر القرارات التى تخالف القانون والدستور والتى يصدرها كل ذى سلطة فى بلادنا.. المعضلة فى هذه المرة هى أن الكتاب الدورى رقم ٢ لسنة ٢٠٠٩ يمثل فى حد ذاته جريمة عقوبتها الأشغال المؤقتة أو السجن رغم تستره خلف قناع شرعى.. فهل نتوقع أن يبادر النائب العام إلى تحريك الدعوى الجنائية ضد وزير العدل الذى ينطوى كتابه المذكور على تحريض سافر لمرؤوسيه يدعوهم بصريح العبارة لارتكاب جريمة الغدر؟..أم أننا سنتوقع من مجلس النواب أن يبادر إلى إلغاء تأثيم ذلك الفعل تأمينا للوزير ومرؤوسيه من تبعات الجريمة؟؟، أم سنتوقع أن يقوم المجلس بتعديل التشريع على نحو يعتد بدوافع الموظف المختص بالتحصيل بحيث تصبح الرغبة الصادقة فى زيادة إيرادات الدولة، سببا من أسباب الإباحة ومانعا من موانع العقاب؟؟ وفى جميع الحالات فإن الواقع العملى يؤكد لنا يوما بعد يوم أن مصر ما زالت بعيدة جدا عن أن تكون دولة يسود فيها القانون.. وأن المشوار أمامنا طويل طويل!