"يوسف".. صانع "سعف" أحيا مهنة أجداده ليصنع البهجة لأخوته الأقباط

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

يجلس " يوسف حنا" أمام منزله وسط أعواد "السعف" التي تطغي على المكان مزيدًا من الأصالة، ممسكًا بين يديه عودًا من الخوص يقوم بتطعيمه بشرائط مستخلصة من السعف ذات ألوان مختلفة، والتي تحولها من مجرد جزع نخل إلى تحفة فنية بديعة.
التقت "الفجر" بـ"يوسف"، الذي كان يجلس أمام إحدى الكنائس بمحافظة الجيزة، بالتزامن مع استعدادات شركاء الوطن "الأخوة الأقباط" لاستقبال عيد "السعف".
تعتبر صناعة الخوص التي عرفت باسم السعف من الحرف التي لها تاريخ عريق في الدول العربية بشكل عام ومصر بشكل خاص، لاسيما الأماكن التي ازدهرت فيها زراعة النخيل، لذا فقد دخلت في معظم مفردات الإنسان البيئية، بيت السعف، وأقفاص الدواجن، ولم يعد العمل فيها مقتصرا على ما تنتجه الورش الصغيرة، بل تعداه إلى معاهد الفنون الجميلة التي باتت تعني مؤخرا بهذا المهنة التقليدية.

انتشار الحرفة في حرم التكنولوجيا
ويحكي الشاب الثلاثيني، أنه منذ نعومة أظافره وهو يعمل سعاف، يستيقظ مبكرًا بحثًا عن النخيل لقطع أطراف السعف، وبدأ عمله مثلما كان يعمل أجداده، لسد بعض احتياجاتهم اليومية، واصفا إياها بالفن اليدوي المستحيل انقراضه مهما طغت التكنولوجيا، موضحًا: "هذه المهنة ترتبط بمكان انتشار الحرفة بالمناطق التي يكثر فيها النخيل، حيث كانت والمنتجات المصنعة  تسد الحاجات الرئيسية للحياة اليومية للسكان، وكانت تقتصر على صنع الأوعية والقبعات والمظلات والمراوح اليدوية، فضلا عن أسقف الأكواخ والمنازل الطينية؛ لكن سرعان ما توسع هذا العمل وتطور، حتى شمل صناعة بعض الأثاث، والاكسسوارات المنزلية".

ويضيف "يوسف"، في الوقت الحاضر، فقد تحولت صناعة السعف إلى فن يدرس في معاهد الفنون الجميلة، حيث تطورت استخدامات السعف  من احتياجات الإنسان التقليدية إلى تحف ذات أشكال وألوان زاهية ونقوش جميلة وذات أغراض متعددة تضيف للمنازل والحدائق مسحة جمالية.

والدتي العاجزة من أروتني حب السعف
ويتابع "يوسف"  أن والدته كانت عاجزة وكانت تحترف هذه المهنة، وكان الكثير يقبل على الشراء منها لجمال صناعتها وتناسق الألوان والأشكال التي كانت تصنعها بإحساسها، واشتهرت والدته في أسيوط آنذاك، إلا أن ورث منها هذه المهنة، وأصبحت مهنته لهذا الوقت، لاسيما كان يساعدها بعد خروجه من المدرسة، متابعًا: "وكنت أتابع يديها وهي بتنسج خيوط السعف وتدمجه إلى أن يصبح لوحة فنية بيدها، فأحببت هذه الحرفة، وعند وفاتها، اتخذتها مهنتي، والسبب يرجع لأمي علمتني صنعة قبل ما تموت وأنا لسه عندي عشر سنين".

حرفة بسيطة بتأكل "عيش" حاف أفضل من الشحاذة
يرفع "يوسف" نظره إلينا، ويضيف "هذه المهنة غير أي حرفة، فالخامات تعتبر بسيطة لاعتماد أدواتها الرئيسية على النخل  فهي ميسورة لكنها مثلها مثل غيرها تخضع لارتفاع الأسعار لكن بسيط مقارنة بالخامات الأخرى"، لافتًا إلى أن صعوبتها في انحناء الظهر لعدة ساعات، فهي تقوم على اليدان والأسنان بالدرجة الأولى، مما سبب لي خشونة والتهابات مزمنة في فقرات الظهر، مشيرًا إلى أن هذه الحرفة لن تساعد كثيرًا في احتياجاته اليومية، لاسيما في ظل ارتفاع المعيشة.
وتابع "ولادي بياكلوا اللحمة في الأعياد بس، ولو حد تعب أحيانا مابيكونش معايا فلوس أعالجه، ده غير المدارس اللي كسرة ظهري أكتر ما هو مكسور"، وبالرغم من هذه المأسي إلا أنه يصف حرفته بالفخر لأنها "على الأقل بتأكلني عيش حاف أحسن ما أشحت"، يستطرد: "لدي ثلاث بنات في مراحل التعليم المختلفة، كل حلمي أن أصل بهن إلى بر الأمان، حتى لو أكلت بملح أنا وأمهم، فالحياة الآن صعبة، ولم تعد كما كانت في الماضي".

الفقراء أكثر إقبالاً على الشراء
ويردد السعاف، "الشيء الأصلي كلما يتقدم به الزمن يرتفع ثمنه، لكن في زماننا هذا بات الشيء الأصلي نادراً جداً، الناس في الأزمنة الماضية كانت تبحث عن التحف والفن، لكن الآن يبحثون عن الأرخص"، مضيفًا "على فكرة، أنا من يبتكر الشكل، لذي أقدمه، رغم أنني لم أشاهد مثله من قبل"، فعندما يكون مزاجه رائقاً، كما يقول، يستطيع أن يبدع، ويقدم أشياء مختلفة"، مردفًا أكثر المترددين على بضاعتي أطفال، وفقراء حالهم من حالي، أو بعض السائحين، مؤكدًا بالرغم من أن الأجيال الجديدة لا تريد أن تتعلم المهنة، إلا أنها لن تنقرض.