عادل حمودة يكتب: صيف سياسى ساخن فى مصر والشرق الأوسط الجديد

مقالات الرأي



معارضو الاتفاقية

■ بعض الشخصيات الإعلامية والحقوقية التى هاجمت عودة الجزيرتين للسعودية متورطة فى قضايا التمويل الأجنبى هى أو زوجاتها

■ المسئولون فى المؤسسات المختلفة يشعرون بالغليان فى الإهانات التى وجهت إليهم

■ المناصب العليا فى مصر لم تعد ترفا.. لا شاليه فى مارينا فور التعيين ولا ڤيللا فى القاهرة الجديدة ولا شركة للأولاد يلهون فيها

■ اعترض السيسى على وجود فطائر وحلوى فى لقاء بشرم الشيخ قائلا: «أنا أهلى فقراء والناس بره مش لاقية»


1- السعودية والخليج

■ أوباما يضغط على دول الخليج للصلح مع إيران.. والسعودية تهدد بسحب ودائعها من البنوك الأمريكية

■ الملك عبدالله سحب 800 مليار دولار من أصل ودائع 3500 مليار

■ حيازات الدول العربية النفطية من الأوراق المالية الأمريكية المتداولة فى البورصات تقترب من 500 مليار دولار

■ انسحاب الولايات المتحدة من حماية الخليج والسعودية سيفتح الباب أمام الصين والهند وروسيا للمشاركة فى نظام إقليمى جديد

■ السعودية تواجه السلاح النووى الإيرانى بشراء رءوس نووية من باكستان أو تمويل تطويرها فى دول أخرى

■ الحظر على السعودية مزدوج.. تقسيمها إلى دويلات كما كانت قبل توحدها على يد عبدالعزيز بن سعود.. ونزع الأماكن المقدسة من سيطرتها بعد تدويلها


2- قضية تيران وصنافير

■ مطالبة السعودية بالجزيرتين عمرها 26 سنة ولجنة طابا فحصت أوراق الجزيرتين وأقرت بأنهما ليستا مصريتين 

■ مبارك يسوّف فى اتخاذ القرار عملا بنصيحة ميتران له: «اعط الوقت مزيدا من الوقت حتى تموت الأزمات»

■ زيارة الملك سلمان للقاهرة تأجلت 3 مرات بطلب من مصر حتى تتأكد من ملكية الجزيرتين

■ القيادة السعودية الجديدة تعرضت لضغوط داخلية بسبب الجزيرتين وقوى دولية تمنت ألا تعيدهما مصر للوقيعة بين البلدين والشعبين

■ تقارير سرية تشير إلى ضغوط خارجية على السعودية حتى تعيد مصر الجزيرتين فيخرج الشارع غاضبا


3- إسرائيل تدخل على الخط

■ رفض السعودية الدخول فى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل يعنى استمرار الجزيرتين تحت الإدارة المصرية

■ بعودة الجزيرتين أصبحت السعودية دولة مواجهة مع إسرائيل عليها توقيع معاهدة سلام معها

■ البعد الأمنى فى القرار المصرى لايزال قيد الدراسة وعليه تحديد مصير القوات المحلية التى تحمى الجزيرتين والقرار الدولى الخاص بوجود قوات الأمم المتحدة


4- اتفاقية تعيين الحدود

■ الاتفاقية وافقت عليها من حيث المبدأ لجنة عليا مكونة من رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والخارجية ومدير المخابرات واجتمعت 11 مرة

■ الاتفاقية تسمح لمصر استغلال مواردها البحرية كما حدث مع قبرص التى سهلت الاتفاقية معها اكتشاف أكبر حقل غاز

■ الاتفاقية حسمت مناطق الحدود المتنازع عليها مع السودان لصالحنا


حرقنا الزمن العربى بجنون.. بدأ الحريق صغيرا.. يتعلم الكلمات الأولى للشياط.. لكنه.. سرعان ما صار قبيلة من الرماد.. وأرضا للخراب.. ووطنا للإرهاب.. وجنسية للكراهية.

على أنه لا أحد منا يعترف بأننا أشعلنا النار بأيدينا.. فى أنفسنا.. ولم نتردد فى اتهام غيرنا بالتقصير فى حمايتنا.. وإنقاذنا.. وإلقاء طوق النجاة لنا.

قبل أن يبدأ باراك أوباما زيارته الرابعة «والأخيرة» للرياض عشية القمة الخليجية بعث برسالة صريحة إلى قادتها: لم نعد حلفاء لكم.

فى حوار انقلابى مع مجلة ذا اطلانتك طعن الرئيس الأمريكى بخناجر مسنونة.. مسمومة كل أصدقائه.. وكأنه أراد تقطيع صلاته بهم وهو على وشك مغادرة البيت الأبيض.. فلم يتبق له فى الحكم سوى تسعة شهور.

نتانياهو خيب آماله فى القبول بحل الدولتين.. أردوجان الذى تصوره قائدا مسلمًا معتدلا وجسرا بين الشرق والغرب صار ديكتاتورًا فاشلاً.. و ديفيد كاميرون شارد الذهن يفتقد التركيز فى التفكير.

أما السعودية فقد افرط فى الهجوم عليها.. ودهش وتعجب وغضب من اعتبارها حليفة للولايات المتحدة «طوال ثمانين سنة».. واتهمها بتمويل الإرهاب «ونشر التطرف فى دول إسلامية متسامحة مثل إندونيسيا التى شهدت سنوات صباه مع زوج أمه».. وأعلن أنه لن تنتهى الحروب والفوضى فى المنطقة إلا إذا تمكنت السعودية من التعايش مع إيران معا والتوصل إلى سبيل لتحقيق السلام «ولو كان سلاما باردا».

لقد تخلت واشنطن عن حمايتها لدول الخليج بعد أن تأكدت أن طهران تمتلك من مصادر القوة ما يسهل عليها تهديد جيرانها.

ولن يتردد أوباما فى أن يلقى بنفس الرسالة مباشرة فى وجه مضيفيه عندما يلتقيهم على أرضهم.. فى حالة نادرة من الجليطة السياسية لم يتصور أحد أنه يحتفظ بها تحت جلده الأسمر.

لكن.. أغلب الظن أن الرد عليه سيتجاوز حدود العتاب إلى ما هو أصعب وأشد.. التهديد بسحب الودائع السعودية والخليجية من بلاده.. وتوجيه ضربة موجعة لبلاده.

وقد سبق أن اتخذ الملك عبد الله بن عبد العزيز مثل هذا الإجراء.. وسحب فى نهاية يوليو 2011 نحو 800 مليار دولار من ودائع بلاده فى البنوك الأمريكية.. وتصل جملة تلك الودائع إلى 3500 مليار دولار.

وفى نهاية عام 2013 سجلت دول الخليج الست فائضا قياسيا قدره 350 مليار دولار تحتفظ بها البنوك الأمريكية التى تستثمر بعضها فى سندات الخزانة هناك.

وحسب وزارة الخزانة الأمريكية فإن حيازات الدول العربية النفطية من الأوراق المالية طويلة الأجل المتداولة فى البورصات بلغت 426.4 مليار دولار فى سبتمبر من ذلك العام.

ولو أضيفت الاستثمارت إلى الودائع فإن الضغوط ستزداد حدة.. وربما.. أعادت شبح أزمة 2008 إلى سطح الحياة اليومية فى الولايات المتحدة.

لقد انتهت عقود الخجل والحياء.. وانتهت من لغة العصر أسطورة الكرم العربى التى روج لها حاتم الطائى أكبر مغفل فى التاريخ ــ بعد ذبح فرسه ــ ولم يعد ممكنا تقديم قرنفلة لمن يلقى فى الحجر قنبلة.

وأمام انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة فإن السعودية وحلفاءها سيسعون إلى بناء نظام إقليمى جديد يضم قوى خارجية أخرى.. مثل الصين والهند وروسيا.. فالتطمينات اللفظية الأمريكية لم تعد تكفى.

ولن تترد السعودية فى مواجهة الصعود النووى الإيرانى بالسعى إلى الحصول على رؤوس حربية من دولة نووية.. تفضل أن تكون إسلامية.. مثل باكستان.. أو عبر تمويل تطوير مثل هذه الرؤوس فى دولة أخرى.

بعد سكون استمر عشرة قرون قفز إلى السطح من جديد صراع مذهبى مكتوم بين جناحين إسلاميين.. هما السنة والشيعة.. أخفى تحته توسعات سياسية.. سعت إليها إيران.. لتحقق حلما إمبراطوريا قديما فى المنطقة.. تمتد من حدودها مع أفغانستان ــ عبر العراق وسوريا ولبنان ــ إلى البحر المتوسط.. مسلحة بعقيدة نجحت فى نشرها.. وقوة نووية استطاعت تمريرها.. واستراتيجية أمريكية «غربية» تساهلت معها.

ولم يكن أمام السعودية سوى مجابهتها بمنظومة سنية تتحالف فيها مع دول الخليج ومصر والأردن وتركيا.. ساعية فى الوقت نفسه إلى دول إسلامية بعيدة.. مثل باكستان وإندونيسيا.

والخطر على السعودية مزدوج.. تدويل المقدسات الإسلامية فى مكة والمدينة قبل انتزاعها منها.. وتقسيمها إلى خمس دويلات جربت من قبل مرارتها.

لقد تأسست الدولة السعودية الأولى على يد محمد بن سعود فى عام 1744 فيما عرف بإمارة الدراعية.. لكنها.. انتهت فى عام 1818.. لتبدأ الدولة السعودية الثانية فى عام 1891 فيما عرف بإمارة نجد.. ونجح عبد العزيز بن سعود فى تأسيس الدولة السعودية الثالثة عام 1902.. فيما عرف بسلطنة نجد.. وعندما ضم إليها الحجاز أصبحت ــ فى 23 سبتمبر 1932 ــ المملكة العربية السعودية.

وقى كل مرة من تلك المرات انطلقت جيوش سعودية لتوحيد الصحارى والجبال فى موجات تجمع بين الجرأة العسكرية والحنكة السياسية والشدة الدينية.

وواجهت العائلة الحاكمة مهمات عسيرة.. فهى تحكم تجمعات بدوية قاسية بجانب مراكز حضارية مبهرة.. داخل حدود ثقافية محافظة.. وسلطة ترتب وراثة العرش بإجماع أمراء جاءوا من صلب مؤسسها.. وتمنحهم حقوق التشاور عند اتخاذ القرارات المصيرية.. ضمانا لتماسكهم.. وتدريجيا منحت مواطنيها مساهمة مناسبة القدر فى الحياة العامة.

ولوجود الأماكن المقدسة على أرضها احتلت مرتبة متميزة بين المسلمين.. فرضت عليها أعباء صعبة فى توفير سبل زيارتها خلال موسم الحج.. بما لا تواجه دولة أخرى.

وعندما خرج النفط من أرضها أصبحت ذات ثراء لا نظير له فى المنطقة.. مما ضاعف من قوتها.. وضاعف أيضا من متاعبها.. فقد خشيت أن يتحول حسد جيرانها إلى غزو أو تحريض سياسى وطائفى فى حقبة زمنية وصلت فيها الثورات إلى حدودها الجنوبية فى اليمن.. وامتدت إلى دول بترولية مشابهة مثل ليبيا وإيران.

وربما.. لتلك المبررات الحرجة نفذت عمليات التحديث بحذر.. لم تتجاهلها خشية استعداء الكتلة السكانية الشابة.. ولم تسرع فيها حتى لا تفلت من يدها.. وتعرضها للخطر.. قدمت ما يكفى من التغيير للحيلولة دون حدوث توترات اجتماعية قابلة للانفجار مع تجنب تأثيرات التغيير الحادة الناسفة للاستقرار.

وامتد الحذر للسياسة الخارجية التى تجنبت التورط فى كثير من النزاعات تجنبا لعداء أطرافها.. لتظل خارج حدود المواجهات إلا ما وجدت نفسها مجبرة عليه.. مثل حظر النفط فى حرب أكتوبر.. والجهاد ضد السوفيت فى أفغانستان.. ورغم أنها يسرت العملية السلمية فى الشرق الأوسط إلا أنها تركت المفاوضات المباشرة لغيرها.

لكن.. ما أن نجحت الثورة فى إيران (عام 1979) حتى وجدت السعودية نفسها فى موقف لا تحسد عليه.. دولة ملكية نفطية (تطل على الخليج) تصبح جمهورية إسلامية.. تصر على تصدير الثورة.. وتسعى إلى نشر المذهب الشيعى لتغطية نزعتها التوسعية المتنامية.. فارضة نفسها على القوى الإقليمية.. مستمدة ثقافتها من حضارة فارسية مؤثرة.. وصناعة عسكرية متطورة.. تقترب من إنتاج أسلحة نووية تزيد من شعورها بالشراهة فى التهام الدول والخرائط.

ولم يقتصر الخطر على إيران «الشيعية» التى تأتى تهديداتها من الخارج «عبر دولة حدودية خاضعة لها هى العراق» وإنما امتد إلى تهديدات داخلية «سنية» فرضها تنظيم القاعدة الذى أسسه وريث عائلة سعودية ثرية هو أسامة بن لادن.

أعلن بن لادن العائد من أفغانستان إلى بلاده نضالا جديدا مستلهما ــ مثله مثل المرشد الأعلى فى إيران على خامئنى - كتابات سيد قطب التكفيرية التى اعتبرت النظم العربية القائمة عدوها القريب.. أما عدوها البعيد فكان الولايات المتحدة التى لعنتها القاعدة بسبب دعمها لحكومات ترى أنها غير شرعية.. بجانب وصف وجود قوات أمريكية فى السعودية إبان حرب الخليج الأولى «عام 1991» بالدنس.

واللافت للنظر أن القاعدة نجحت فى ضربتها الموجعة ضد الولايات المتحدة.. ونفذت أكثر العمليات دموية فى هجمات سبتمبر التى قتل فيها 2977 شخصا مدنيا فى دقائق.. بخلاف أعداد مضاعفة من المصابين.. فى الوقت نفسه فشلت القاعدة فى قلب نظام الحكم السعودى عام 2003.. وقاد وزير الداخلية الشاب محمد بن نايف حربا شرسة ضدها.. حقق فيها نجاحا ملحوظا.

لكن.. الخطأ الواضح الذى وقعت فيه السعودية انها تصورت ــ فيما قبل ــ أنها قادرة على توظيف الإسلام الراديكالى فى الخارج (بدعم المنظمات الجهادية) دون أن يمتد الخطر إلى داخلها.

ووجدت السعودية نفسها فى مواجهة مزدوجة.. قلقة.. ووجوبية.. ضمنت فيها مساندة خليجية.. مصيرية.. بجانب محاولات صادقة منها ومن مصر للوقوف معا رغم اختلاف مواقفهما من الحرب فى اليمن.. والنظام فى سوريا.. والتحالف مع تركيا.

وكانت قضية الجزيرتين «تيران وصنافير » اختبارا قويا للعلاقة بينهما.

لم تظهر قضية الجزيرتين فى يوم وليلة.. وإنما استغرقت ما يزيد على 26 سنة من المكاتبات والاتصالات.. حسب ما نشر من مستندات لم نعد فى حاجة لتكرار نشرها.

بدأت مطالبة السعودية باسترداد الجزيرتين «اللتين طلبت من مصر إدارتهما من الخطر الإسرائيلى فى فبراير 1950» بخطاب من وزير خارجيتها «سعود الفيصل» إلى وزير خارجية مصر «عصمت عبد المجيد» يوم 14 سبتمبر 1989.. ومن يومها والملف تحت عيون القاهرة.. تفحصه.. وتدرسه.. وتبحث فى أرشيفها السياسى والعسكرى عمّا يثبت حقا ولو بسيطًا فيهما.. لكنها.. لم تجد.

تولت هذه المهمة نفس اللجنة القانونية التى أدارت معركة استرداد طابا.. حسب ما سمعت من أحد أعضائها.. هو الدكتور مفيد شهاب أستاذ القانون الدولى المتخصص فى ترسيم «أو تعيين» الحدود.. فلم يكن من الممكن قبول أنها تمسكت هناك وفرطت هنا.

وطلب مبارك من السعودية تأجيل الحديث عن الجزيرتين حتى لا تعرقل إسرائيل انسحابها من باقى سيناء.. خاصة أنهما تقعان ضمن المنطقة ج فى اتفاقية كامب ديفيد.. وعندما حدد القرار الجمهورى رقم «27» لسنة 1990 نقاط الارتكاز البحرية لمصر أخرج الجزيرتين منها.

لكن.. مبارك لم يعلن ذلك.. وظل يسوف فى القرار.. مستندا للدرس الذى تعلمه من الرئيس الفرنسى فرانسو ميتران أعط الوقت مزيدا من الوقت حتى تموت الأزمات.

وقد تأجلت زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة ثلاث مرات حتى نستكمل البحث فى جنسية الجزيرتين.. وكان البحث مستمرا وطائرة العاهل السعودى تستعد للهبوط.

تولت البحث لجنة عليا شكلت من رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والخارجية ومدير المخابرات العامة.. اجتمعت 11 مرة قبل أن تتوصل إلى قرارها.

وكان السؤال: هل نحتاج إلى عرض الأمر على الشعب فى استفتاء عام يقرر مصير الجزيرتين؟. وكانت الإجابة أن الدستور ينص على ضرورة الاستفتاء إذا ما تقرر التنازل عن جزء من أرض تمتلكها الدولة.. ومصر لا تمتلك الجزيرتين حتى نفوض فيهما الأمر للشعب.

وكان السؤال الثاني: هل نلجأ للتحكيم الدولى كما حدث فى طابا؟. وكانت الإجابة أن التحكيم الدولى يفترض تمسك كل طرف بسيادته على شىء ما.. ونحن هنا لا نملك مستندا واحدا يفرض علينا النزاع.

وكان السؤال الثالث: لم سكتت السعودية طوال عقود ممتدة.. وضغطت لاسترداد الجزيرتين؟ وكانت الإجابة أنها ربما تتعرض لضغوط داخلية تتعرض لها قيادتها الجديدة لإظهارها ضعيفة.. كما أن من حقها المطالبة بما تملك فى الوقت الذى تشاء.. وربما صبرت طويلا على ذلك كما تثبت الوثائق والمستندات.

وكان السؤال الأخير: هل يملك الرئيس صلاحية إعادة الجزيرتين للسعودية؟ وكانت الإجابة إن الرئيس لم يتدخل فى عمل اللجان المختصة فى تحديد تبعية الجزيرتين.. كما أن القرار النهائى فى يد مجلس النواب.. السلطة التشريعية المنتخبة.

لكن.. السؤال الذى ظل بلا إجابة: هل استجابت السعودية لضغوط خارجية فطلبت من مصر بحسن نية الجزيرتين لتبدأ دعوات التظاهر والنزول إلى الشارع بهتافات تبدأ بالأرض وتمتد إلى حكم العسكر وتنتهى بطلب انتخابات رئاسية مبكرة.. فى تكرار لسيناريو سبق تنفيذه؟

لم يكن القرار سهلا.. فقد كان على مصر دراسة أبعاده الفنية والسياسية والأمنية معا.

كان عليها فنيا التأكد بما لا يترك ذرة من الشك أن الجزيرتين سعوديتان.. ولاتزال محاولات التأكد مستمرة.. فالأمر ليس سهلا على الإدارة المصرية.

وفى البعد السياسى للقرار راعت مصر علاقتها الاستراتيجية بالسعودية.. خاصة أن دول الخليج الست صفت وراء شقيقتها الكبرى.. وأخذت جانبها.. بما جعل مصر لا تغامر بأوراق غير رابحة بأزمة معها لا مبرر لها.

وقد تجمعت لدى مصر تقارير وأدلة من دولة كبرى راهنت على أن مصر لن تعيد الجزيرتين للسعودية مما يسبب أزمة حادة (مطلوبة) بين البلدين والشعبين.

ولا يزال البعد الأمنى فى القرار قيد الدراسة.. خاصة أن هناك طرفا إقليميا هو إسرائيل يفرض نفسه بحكم معاهدة السلام على المعادلة.. كما أن هناك طرفًا دوليا لا يجب تجاهله هو قوات الأمم المتحدة (متعددة الجنسيات) المكلفة بحفظ السلام بين مصر وإسرائيل.

إن مهمة تلك القوات مراقبة انتهكات الحدود وإبلاغها إلى طرفى المعاهدة.. مصر وإسرائيل.. وليست لديها حتى الآن ما يجعلها تستبدل السعودية بمصر فى توصيل ملاحظاتها.. فمثل هذه الأمور لا تتغير بالتعهدات الشفهية.. ولابد من أن تدخل السعودية طرفا ثالثا فى المعاهدة.. لو شاءت ممارسة سيادتها على الجزيرتين.. لكن.. السعودية ــ على لسان وزير خارجيتها عادل جبير ــ ترفض الدخول فى مفاوضات مع إسرائيل.. وتكتفى بالتصريح بأنها ستلتزم بتعهدات مصر الإقليمية والدولية.. وهو تصريح لا يتجاوز حدود ما هو إعلامى إلى ما هو سياسى.. فمصر بينها وبين إسرائيل علاقات دبلوماسية فهل ستلتزم السعودية بذلك التعهد.. مثلا؟

ليس أمام السعودية سوى حل من اثنين: إما أن تكتفى بإعلان مصر ملكيتها للجزيرتين دون تغيير على الأرض فى الترتيبات الأمنية المصرية الحالية.. أو تقبل بالتفاوض مع إسرائيل وتوقيع اتفاقية أمنية معها تسمح لها بإدارة مباشرة للجزيرتين.. ووضع قواتها فيهما.

وربما.. تؤجل السعودية هذه الخطوة ليبقى الحال على ما هو عليه.. وربما وجدت إسرائيل فرصتها لمد الجسور بينها وبين السعودية فى غياب الحماية الأمريكية.. عارضة عليها المساعدة فى مواجهة إيران.. عدوهما المشترك.

هنا.. تأتى تحليلات يصعب قبولها.. أن تجد دول التحالف السنى ضد إيران نفسها فى خندق واحد مع إسرائيل.

إن كل هذه الاجتهادات لا تزال تتأرجح بين الخرافة والواقعية.. لا تزال خاضعة لحسابات إقليمية معقدة لم تنته بعد.

وأخطر ما فى هذه الحسابات أن موازين القوى فى المنطقة لم تعد كلها موازين عربية بعد أن دخلت إيران وتركيا وإسرائيل طرفا فيها.

كان من الضرورى توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية.. بدون هذه الاتفاقية لا تستطيع مصر الاستفادة من مواردها.. وقد أتاح ترسيم الحدود البحرية مع قبرص التنقيب عن الغاز فى مياهنا الإقليمية دون منازع.. وظهر أكبر حقل للغاز.. سينتج فى العام القادم.. وينقذ مصر من متاعب اقتصادية حادة.

كما أن الاتفاقية مع السعودية ثبتت خط عرض (22) وحسمت لصالحنا المناطق الحدودية المتنازع عليها مع السودان.

لكن.. ذلك الجانب المفيد من الاتفاقية جرى تجاهله.. وخرجت جيوش الفيسبوك ــ المدعومة من قطر وتركيا ــ للصيد فى المياه العكرة.. مستغلة عواطف المصريين تجاه الأرض فى توجيه سهام إضافية للدولة التى نجت من التقسيم فى 30 يونيو.

وتورط فى اللعبة شخصيات إعلامية وحقوقية تجاهلت الحقيقة بدعوى البحث عنها.. بعضها ــ وليس كلها ــ متهم فى قضيتى التمويل الأجنبى (القضية 250 والقضية 173 أمن دولة عليا) إما بشخصه أو بزوجته.. وتشمل الاتهامات الحصول على أموال خارجية دون موافقة الجهات المسئولة.. كما تشمل تبديدا فى هذه الأموال دون أن تنفق فيما جلبت من أجله.. ولا تقتصر الاتهامات على المنظمات المتلقية للأموال وإنما تمتد إلى المنظمات المانحة أيضا.. مما ينقل القضيتين من مستوى محلى إلى مستوى أمريكى وأوروبى.. فالفساد يجمع بين جميع الأطراف.

على أن أطرافا أخرى استغلت قضية الجزيرتين لتوجيه ضربات ــ وصلت إلى حد الخيانة ــ لمؤسسات الدولة للتشكيك فى وطنيتها.. مما أثار غضبها.. وراحت تغلى فى داخلها.. فليس للمسئولين فيها مصلحة شخصية فيما يتخذون من قرارات.

لقد انتهى زمن المكاسب التى يمكن جنيها من وراء المناصب العليا.. لم يعد هناك من يمنحهم فور صدور قرار تعيينهم «شاليه» فى مارينا.. أو أرضًا فى القاهرة الجديدة.. أو شركة يستثمر فيها أبناؤهم مواهبهم المالية.

أصبح المنصب مسئولية بلا فائدة.. يعتذر عنه كثير من الكفاءات.. خشية الهجوم عليه.. وإهانته.. أو توريطه فى قضية تنتهى بسجنه.. وسمعت من وزراء خرجوا من الحكومة أنهم سجدوا لله شكرا لأنهم تركوا أماكنهم بلا إصابات شخصية أو عائلية.

بجانب.. أنه لا أحد ممن يشاركون فى الإدارة مستعد للتفريط فى حبة رمل واحدة نمتلكها.. وليس أفضل دليل على ذلك.. معركة طابا التى لم تزد مساحة الخلاف فيها مع إسرائيل عن أمتار قليلة.. بها 4 شجرات صحراوية.

يضاف إلى ذلك أن صلاحيات الرئيس تقلصت بالدستور.. فلم يعد الحكم ترفا واستمتاعا كما كان.. ولم تعد تصرفات الرئيس خفية كما كانت.. اصبحت العيون مفتوحة عليه بكامل اتساعها.

وسمعت من أحد المسئولين أن الرئيس فى شرم الشيخ وجه لوما لهم عندما وجد أمامه فطائر وحلوى قائلا: أنا أهلى فقراء والناس برة مش لاقية.

وتحتاج مصر كل صباح إلى ما يقرب من ثلاثة مليارات جنيه لتتناول إفطارها.. مما يجبر الدولة على الانحياز للفقراء.. غير مستسلمة للأثرياء الذين فازوا بمليارات وظفوها فى الخارج.. لكن.. بعضهم لم يكتف.. وسعى للحصول على المزيد.. وعندما فشل وظف مؤسسته الإعلامية فى الهجوم على ما يصدر من قرارات.. وما يوضع من سياسات.

والحقيقة.. أن الهجوم لا يستهدف أشخاصا بقدر ما يسعى إلى إسقاط مؤسسات الدولة تمهيدا لإسقاطها ذاتها.

فجرت الطائرة الروسية لضرب العلاقات الجيدة (عسكريا ونوويا وسياسيا) مع موسكو.. واستغل حادث الشاب الإيطالى جوليو ريجينى لتدمير علاقات متنامية (أمنيا ونفطيا) مع روما.. ودون مبرر يذكر ــ سوى التأكيد على ضرب السياحة ــ اختطفت طائرة مصر للطيران التى هبطت مطار لارناكا فى قبرص.. وما أن أعيد التحقيق فى قضية تمويل المنظمات حتى خرجت واشنطن بعد ساعات قليلة تشجب وتحتج.. وبتنظيمات محكمة فى الخارج حرمت مصر من تحويلات أبنائها.. وصعد سعر الدولار بجنون محدثًا كثيرًا من المتاعب الاقتصادية.. مهددا بتفجيرات اجتماعية.. وجاءت قضية الجزيرتين لتفجير أزمات مكتومة بين القاهرة والرياض.

ونجت مصر من أزمات نصبت لها.. منها التورط فى ليبيا.. أو المشاركة فى حرب اليمن.. لكن.. الرئيس اعتبر القرار ليس فى يده.. وإنما فى يد مؤسسات أخرى عليها أن تتحمل المسئولية بعد أن درست كل ملف على حدة دراسة متأنية تعتمد على معلومات دقيقة وخفية فى الوقت نفسه.

لا يمكن فصل واقعة عن أخرى فى هذا العقد المتشابك والمتتالى من الأزمات التى تتحول فيه الحبة إلى قبة.. بما يستهدف سلامة البلاد.. ووحدتها.. مستغلة ضعف ذاكرة المصريين.. وتصديقهم لما يصل إليهم عبر شبكات التواصل الاجتماعى.. دون معرفة مصدره.. أو مرسله.. أو فحص مبرره.. أو التوقف عند أخطاره.

والغريب.. أن الآية انعكست.. كان الفيسبوك يعتمد على الصحف والفضائيات.. فأصبحت الصحف والفضائيات تعتمد عليه.. وبعد أن كان الإعلامى يقود أصبح يقاد.

خذ مثلا.. رصدت أجهزة الإحصاء فى مصر أن نسبة قبول الجسر بين مصر والسعودية فور الإعلان عنه كانت تزيد على 96 فى المائة.. لكن.. بعد تدخل الجيوش الإلكترونية وانسياق بعض برامج التوك شو وراءها انخفضت نسبة القبول إلى 66 فى المائة.. وعندما كفت التعليقات تصاعدت النسبة من جديد.

وأكبر مهمة مكلفة بها الجيوش الإلكترونية بث الكراهية بين الشعب والدولة.. وبين الفئات والطوائف المختلفة.. فالكراهية بداية الانقسام.. والانقسام بداية التقسيم.. والتقسيم هدف كل الذين صدموا من نجاة مصر مما كان يدبر لها.. أن تصبح مثل ليبيا أو اليمن أو سوريا أو العراق.

ولابد من التشكيك فى قدراتنا.. ونشر اليأس والإحباط بيننا.. وفر شعورًا بالندم على اختياراتنا.. وأولها اختيار الرئيس وإجباره على الترشح للمنصب.. فالرئيس يجب أن يسقط.. ليكون عبرة لغيره ممن لا يدمرون المخططات.. وينسفون المؤامرات.. ولا يستسلمون للتحالفات الأمريكية.. لابد ألا يكمل مدته الأولى ويرحل ليكون عبرة لغيره.

وقد كان هناك رهان على فشله فى العام الأول لحكمه.. لكنه.. نجح دوليا فى الحصول على اعتراف متعدد الجنسيات.. ومد جسورا من الثقة بينه وبين قادة الكرة الأرضية.. إلا قليلا.. وفى الداخل سعى جاهدا ــ رغم ما يظهر يوميا من معوقات ــ إلى تغيير وجه الحياة.. لتعويض ما تعرضت له البلاد من جمود وخراب على مدى عقود طويلة.

لم يبق على فترة الرئاسة أكثر من 800 يوم.. لن تهدأ فيها المؤامرات.. ولو نجونا من مصيبة سنواجه بكارثة.. ولو خرجنا من مطب سنقع فى حفرة.. وبأيدينا وتصرفاتنا سنزيد من حجم المأساة.. لكن.. السؤال: هل ستكون هناك دولة ليستفيد الذين يتورطون فى هدمها؟

لن ينعم أحد بالتقسيم والحروب الأهلية مهما كسب من ورائهما.. لن يقبل أن يكون مصير شرفه مباحا على الطريقة السورية فى شوارع العواصم المختلفة؟. ما الذى ينفع شخصا ما أن يكسب الدنيا ويخسر وطنه.. ويبحث عن خيمة تأويه بعيدا عنه؟