أحمد فايق يكتب: 5 نجمات و.. منة

مقالات الرأي



تستطيع أن تفهم ما حدث خلال السنوات الأربع الماضية فى مصر من خلال نظرة الفرحة فى وجه منة شلبى وهى ترى برنامجاً فى التليفزيون يتحدث عن عودة مليارات مبارك المنهوبة وتوزيعها على الشعب، تستطيع أن تستوعب ما حدث حينما ترى نظرة مغايرة تماما والشرطة تحتجزها وهى تصرخ «أنا مش حرامية يا بيه»، لقد استطاعت منة أن تلخص سنوات من «الهرى» فى نظرات عيون ممثلة بلغت سن الرشد...

لقد شاهدت فيلم «نوارة» فى واحدة من أجمل مدن الأرض وهى تطوان المغربية، وسط مهرجان عميق يحمل اسم وثقافة البحر الأبيض المتوسط، بدت لى مدينة تطوان المغربية مثل المعمورة فى الإسكندرية فى الثمانينيات والتسعينيات، ألوان زاهية، مساحات مفتوحة لا تكسر العين للاستمتاع بالجمال، كل شىء فى هذه المدينة يذكرك بمصر التى نفتقدها ونسمع عنها فى حكايات الآباء والجدود.

هناك رابط ما بين شعوب البحر الأبيض المتوسط، لا تستطيع أن تعتبر أن الإسكندرية مختلفة فى ثقافتها عن الجزائر أو تطوان أو الدار البيضاء أو حتى روما ومارسيليا....

شاهدت حوالى 12 فيلما روائيا طويلا فى المهرجان، رأيت فى 5 نساء حكايات تعيشها نساء البحر الأبيض المتوسط، نساء تنافسن على لقب أفضل ممثلة فى المهرجان مع منة شلبى فى فيلم «نوارة»...

المرأة الأولى هى ناتاليا مولينا وهى ممثلة إسبانية تبلغ 25 عاما شاركت فى 8 أفلام وعملين تليفزيونيين حصلت من قبل على جائزة أفضل ممثلة فى جوائز «جويا» الشهيرة، فى هذا الفيلم الذى يحمل اسم «سقف وطعام» تلعب دور «روسيو» الام التى تعيش وحدها مع ابنها ذى الثمانى سنوات، تعانى من عدم مقدرتها على دفع ثمن إيجار المنزل، نحن أمام ميلودراما مصرية شاهدناها فى أفلام الستينيات، الابن يعانى من الضعف والمرض بسبب البرد وعدم توافر الطعام، هى تعيش حياة مهينة، تسرق صابون الاستحمام من جارتها المغلوبة على أمرها أيضا، تجمع الطعام من صناديق القمامة، هى امرأة قوية لا تظهر ما بداخلها من قهر وظلم بسهولة، تنهار حينما تنفرد بنفسها، تزداد المسافة بينها وبين ابنها الذى يتابع مباريات ريال مدريد وبرشلونة، فهذا الدورى وهذه المباريات ليست كما تبدو لنا تعبر عن مجتمع محترف ومتقدم، بل تجمع المقهورين فى المقاهى والساحات حولها، إن إسبانيا ليست ريال مدريد وبرشلونة بل شعب اضطرته أزمة الرهن العقارى إلى تسول الطعام من صناديق القمامة.

«اديل هانيل» هى نجمة فرنسية من النوع الثقيل، تبلغ من العمر 27 عاما لها 24 فيلما، حصلت على جوائز مهمة فى مهرجان برلين وجائزة لوميير الفرنسية الشهيرة مرتين كما فازت بجائزة أفضل ممثلة فى مهرجان القاهرة السينمائى عام 2015، ورشحت لجوائز سيزار الفرنسية مرتين، هى إحدى بطلات هذا العالم المجنون فى فيلم «الغيلان» للمخرجة ليا فيهنر، منذ اللقطات الاولى تكتشف أنك أمام فيلم مبهج، دولة كاملة من الموهوبين والحمقى يتجولون باسم السيرك فى معظم مدن فرنسا، نساء ورجال وأطفال، يعيشون كأنهم عائلة واحدة، تعود «اديل» اليهم بعد غياب وهى حامل، فتتمزق الاربطة، وتتفكك القبيلة، والخيوط تتناثر دون أن ينجح السيناريو فى جمعها مرة أخرى، لكنك امام أداء ممثلة تخطفك منذ اللحظة الاولى وتقع فى غرامها، هم أيضا عالم من المهمشين الذين يعيشون بلا قانون سوى القوة، والفقر يحيط بهم من كل جانب.

ميساء عبدالهادى هى ممثلة فلسطينية قادمة بقوة، هى بطلة فيلم «3000 ليلة» للمخرجة مى المصرى، نرى من خلاله 3000 ليلة فى حياة أم فلسطينية داخل سجون الاحتلال الاسرائيلية، أم اكتشفت أنها حامل بعد دخولها السجن، وتخلى عنها زوجها، فاضطرت إلى تربية ابنها نور، نحن نتحدث عن عالم ساحر من الدراما والخيال، طفل صغير داخل سجن، أصبح يشكل كل حياة السجينات، يشعرن بالأمان والبهجة معه، ويتحول هذا الطفل إلى أداة لإدارة السجن كى تضغط على الأم وبقية السجينات، لقد أدت ميساء دورا رائعا يعبر عن ازدواجية أم دخلت سجون الاحتلال تسترا على أحد أبطال المقاومة، ولا تريد أن تخون زميلاتها فى السجن حتى لو أدى هذا لخسارتها ابنها..!

المرأة الرابعة والخامسة هما العظيمة جولييت بينوش والساحرة لو لاج، جوليت بينوش رشحت لجائزة سيزار أكثر من مرة وفازت بها وفازت بالجولدن جوب مرتين وفازت بسعفة «كان» الذهبية، أما «لو لاج» فرغم أن عمرها 25 عاما إلا أن تجربتها السينمائية بلغت 10 أفلام وتم ترشيحها لجائزة سيزار الفرنسية الشهيرة وهى فى فرنسا تعادل الاوسكار الامريكية، لقد كانت مباراة تمثيل بين الاثنتين فى الفيلم الإيطالى الجميل «الانتظار».

إنه واحد من التحف السينمائية التى شاهدتها هذا العام، امرأة إيطالية توفى ابنها وهى تنتظر حبيبته وتعيش معها لفترة دون أن تبلغها بالحقيقة، ليطرح الفيلم أسئلة عميقة حول الموت والفقدان، لقد كانت مباراة تمثيلية ساحرة بين النجمتين، تفوقتا فيها على كل شىء لدرجة تجعلك تنتظر كل مشهد يجمع بينهن.

الممثلات الخمس كن فى منافسة شرسة مع منة شلبى على جائزة أفضل ممثلة فى مهرجان تطوان، لجنة التحكيم من جنسيات مختلفة اليونان وايطاليا وفرنسا والمغرب وبلجيكا بينهم المخرج والممثل والممثلة والكاتب والناقد، لقد فازت منة عليهن جميعا بلقب أفضل ممثلة وليس هن فقط بل مجموعة من أمهر الممثلات فى سينما البحر الأبيض المتوسط فى 12 فيلما جيدا.

لقد بلغت بنت يوسف شاهين سن الرشد.. وفى هذا حديث آخر.