مى سمير تكتب: العالم السرى للصوص الآثار في مصر

مقالات الرأي



تحقيق مصور لمجلة بارى ماتش الفرنسية:

■ لقاءات مع التجار ووصف تفصيلى للرحلة بدءا من التنقيب وصولا إلى موانئ أوروبا

■ الأرباح السنوية من تجارة الآثار تصل إلى 5.5 مليار دولار.. ما يجعلها ثالث أكبر تجارة غير مشروعة بعد الأسلحة والمخدرات

■ 100 ألف جنيه لمشاهدة التوابيت فقط.. و800 ألف جنيه ثمن القناع


على ضوء المشاعل الخافت، نتحرك بألم على أطرافنا الأربعة، تستند أيدينا على شظايا السيراميك والعظام وقطعة من جمجمة، أمامنا ثلاثة من لصوص القبور، على، أحمد، وعبدالله، يتحركون وهم غير مبالين لرائحة زنخ الخفافيش وأخيرا، نصل إلى حجرة الدفن. هذا هو السبب فى أننا لم نجد شيئا فى الخارج، فبمجرد الانتهاء من نهب موقع ما يتم استخدامه كمكب لموقع الحفر المقبل.

بهذه المقدمة التى تصف أجواء ما تحت الأرض فى عالم لصوص الآثار، افتتحت مجلة بارى ماتش تحقيقها عن عالم سرقة القبور فى مصر، رحلة خاضتها المجلة مع لصوص القبور فى الصحراء المصرية بالصعيد.

استقر اللصوص الثلاثة على الأرض وصنعوا نصف دائرة وبدأوا فى الحفر بأيديهم ليصنعوا عاصفة من الغبار اخترقت صدورهم وأسفرت عن موجة من السعال لم تنجح الأوشحة التى تخفى نصف وجوهم فى تهدئتها، ولكن الصعوبة فى التنفس ليست هى المشكلة الوحيدة ولكن الجراثيم الفطرية السامة هى الخطر الحقيقى.

هكذا أكد جون بيار المصدر الذى ساعد المجلة الفرنسية على دخول هذا العالم، لقد عثر على أول تمثال له من قبر ملوك الأسرة التاسعة عشرة وكان لايزال فى الخامسة عشرة من عمره، وبعد أربعة عقود، لم يتغير افتتانه بالمصريات، وهو يقول نحن نتوهم بوجود لعنة الفراعنة ولكن هذه الجراثيم هى التى تسببت فى وفاة اللورد كارنارفون و26 آخرين من أعضاء الفريق الذين اكتشفوا مقبرة توت عنخ آمون فى عام 1922.

«على» أحد اللصوص الثلاثة يؤكد أنهم عثروا على تابوت، واستكمل بيار قائلا إنهم كالعادة، أزالوا الغطاء وجردوا المومياء للبحث عن المحتويات الجنائزية التى تضمها المقبرة من مجوهرات وتماثيل، فتلك التماثيل سواء الخشبية أو البرونزية أو المصنوعة من الطين تمثل عبيد المتوفى فى حياته الجديدة.

وكان محررو المجلة الفرنسية قد نجحوا فى التسلل إلى هذا العالم السرى بعد ادعاء أنهم مبعثون من قبل تاجر باريسى أطلقوا عليه السيد إكس، وحرصت المجلة الفرنسية على الإشارة إلی أن الهوية الحقيقية لجميع الحاضرين سوف تبقى سرية، وبحسب تقديرات بعض الخبراء من منظمة اليونسكو، فإن تجارة الآثار تحقق أرباحا سنوية تصل إلى 5.5 مليار دولار، مما يجعلها ثالث أكبر تجارة غير مشروعة بعد الأسلحة والمخدرات.

وعلى الرغم من وصول أعداد كبيرة من السلع الجديدة من أرض إيزيس، يبدو الطلب لايزال شديد الشراهة، حيث تظل مصر الفرعونية الوجهة المفضلة لهواة جمع التحف، وبعد خمس ساعات، ترك محررو المجلة الفرنسية النفق ليجدوا أنفسهم فى باحة بيت على، حيث تتواجد حفرة خفية وراء كومة من القمامة.

تتواجد فى مدينة الطريف التى تقع عند سفح تلال طيبة، سلسلة من التلال الصخرية الواقعة بين وادى النيل ووادى الملوك، يؤكد شقيق على أن فى قريته يمكن العثور على الآثار فى أى مكان تحفر فيه، ولكن الحظوظ ترتفع كلما اقتربنا من الجبل حيث مقابر النبلاء، هذا كان السبب فى سعادة قرية الجرنة «القرنة» ثم تعاستها فيما بعد.

خلال فصل الشتاء من عام 2006-2007، أزالت الحكومة منازل جميلة لأنها تضم أكبر لصوص القبور فى كل العصور، ولكن يبدو أن هذا الوصف «لصوص القبور» قاصر على المصريين فهو لا ينطبق على علماء الآثار أو التجار أو غيرهم من جامعى الآثار مثل بلزونى العظيم الذى تمكن فى عام 1815 من جلب تمثال رمسيس الثانى إلى المتحف البريطانى على الرغم من أنه يزن 7 أطنان، أو على مخترع علم المصريات، الجنرال بونابرت الذى هبط فى عام 1789 على ضفاف النيل مع 40 ألف جندى وأيضا 167 من العلماء والمهندسين والفنانين. ومن هنا بدأ هاجس الغرب بمصر.

فى ذلك الوقت، كانت لندن وباريس تشهد أن تجمعات اجتماعية من أجل تسليط الضوء على فتح تابوت أو خلع ملابس مومياء فى منتصف الليل، ويؤكد «على» لص الآثار أن قبل وصول الفرنسيين لم تكن الآثار تساوى شيئا بالنسبة لهم، فمن قبل كانت الفخاريات القديمة تسحق من أجل صنع الأسمدة للحقول، ويتم تكسير التوابيت من أجل استخدام الخشب، وكان يتم حرق المومياوات.

ويشرح جون بيار للمجلة الفرنسية أن لصوص الآثار عليهم أن يفعلوا شيئا بالأشياء التى اكتشفوها هذا الشهر، نظريا هذه التوابيت سوف تجلب لهم ثروة، ولكن عمليا أصبح من الصعب بيعها فى أوربا، المهتمون بجمع الآثار قد يدفعون 5 ملايين دولار أو أكثر ولكن كيف يمكن أن تخرج؟ ويشرح بيار أنه فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك كان من الممكن دفع رشوة لتسهيل خروج مثل هذه القطع الثمينة خارج البلاد، ولكن الربيع العربى أحدث فوضى فى عالم التحف المصرية، فالعصابات المسلحة يمكن لها أن تضع يدها على كنوز المتاحف الوطنية ومواقع الحفريات.

أما بالنسبة لمحمد مرسى وجماعة الإخوان، فقد التقى علم الآثار مع الوثنية فى دائرة نصف قطرها من الخطايا المميتة، ولهذا منذ عام 2011، أغرقت السوق السوداء بمعروضات من جميع الأشكال والأنواع من الآثار المصرية، وأغلبها كان معروضا على موقع إى باى. لكن مع وصول السيسى إلى السلطة تغيرت الأوضاع، ومن يلقى القبض عليه وهو يسرق أو يبيع الآثار يوجه عقوبة السجن المؤبد.

لكن على الرغم من ذلك، فالعمل مستمر كالمعتاد كما يؤكد بيار الذى اصطحب المجلة الفرنسية إلى صديق له على أبواب الجرنة «القرنة» الجديدة، هناك الأحياء الفقيرة التى افتتحت على عجل فى عام 2007 من أجل انتقال السكان السابقين لتلال طيبة، والتقت المجلة مع حسن الشاب المصرى الذى يعيش فى بيت كبير مزين بالسجاد ومؤثث بذوق يتناقض مع ما يتواجد حوله من أدوات مصنوعة من قبل شركة سونى وآبل، ويرتدى حسن جلبابا أنيقا من الحرير البنفسجى، وأثناء تناول الشاى تبدأ الدردشة، يقدم لهم حسن بعض المعروضات المزيفة التى تستحق سعرا جيدا، ثم قدم لهم بعض الأشياء الجميلة.

وأبدى صحفى بارى ماتش إعجابه بعدد من الأقنعة، وأكد جون بيار أن هذه الأقنعة هى رءوس أغطية التابوت والجزء الأكثر قيمة، ويتم قطعها لكى تكون عملية بيعها أكثر سهولة، ويتراوح سعرها بين 50 و70 ألف جنيه مصرى. ويؤكد بيار أن مع التفاوض فإن المبلغ الذى يدفع يكون أقل من هذا السعر، والقاعدة هى قسمة المبلغ المطلوب من قبل التاجر المصرى على 8.5 لمعرفة سعرها باليورو ثم تضيف صفر على ثمن المطلوب بالقطعة باليورو لمعرفة السعر الذى يمكن بيعه بها فى أوروبا.

وفيما يتعلق بهذه الأقنعة، فمن الممكن بيعها فى أوروبا بأسعار تتراوح بين 60 و80 ألف يورو أى نحو 800 ألف جنيه، ويقسم حسن وهو يضع يده على قلبه أن هذه القطع تم جلبها من مواقع بالجبل. ومن المفارقات أن منذ ترحيل أجل «الجرنة»، تحولت أراضيهم إلى مواقع أثرية للبعثات الدولية الفرنسية، الإنجليزية، الأمريكية، والبولندية.

فى المقابل فإن أهالى القرية الذين يعملون مع الأجانب لا يترددون عندما تسنح لهم فرصة الاحتفاظ بعدد من التماثيل وغيرها من الكنوز الصغيرة، ولا يوجد مشكلة فى نقل مثل هذه الآثار بعد استبدالها بأخرى مصنوعة ومقلدة بدقة.

يتم تهريب الآثار الكبيرة والثقيلة فى حاويات ونقلها إلى مارسيليا وجنوة أو المنطقة الحرة بجنيف، ولا يوجد مشكلة فى الجمارك فى أوروبا حيث القوانين الصارمة فى التعامل مع بيع الآثار، يضطر تاجر الآثار إلى إخفاء القطعة، قبل أن يبدأ فى البحث عن شخص سافر أحد أجداده إلى مصر لادعاء أن هذا الشخص قد عثر على هذه القطعة ضمن مقتنيات جده.

بعد عدة أيام، قدم جون بيار، صحفى بارى ماتش مائة ألف جنيه غير قابلة للاسترداد مقابل أن يعرض له إبراهيم بعض الصور الخاصة لتوابيت مصفوفة فى الحديقة الخلفية لمنزله، و«إبراهيم» أحد أكبر تجار الآثار فى الصعيد، ويعيش فى فيللا بالأقصر، وكان رد الصحفى «فى مرة أخرى إذا»، وبعد تناول كوب آخر من الشاى غادر الصحفى بصحبة جون بيار.