عادل حمودة ينشر: لأول مرة.. الملف السرى الكامل لجنسية جزيرتى تيران وصنافير

مقالات الرأي



خطابان من سعود الفيصل إلى عصمت عبدالمجيد ورسالة من مندوب مصر الدائم فى نيويورك إلى رئيس مجلس الأمن وتقرير سياسى من الأمم المتحدة ومذكرة قانونية من مفيد شهاب إلى عاطف صدقى ووساطة لنميرى بين مبارك وفهد ومستندات فى وزارة الدفاع تروى تفاصيل قصة مثيرة عمرها 66 سنة

1- فى فبراير 1950 أرسل الملك عبد العزيز برقية إلى الوزير المفوض فى سفارة السعودية بالقاهرة يوافق فيها على نزول قوات سعودية إلى الجزيرتين للحفاظ عليهما وإزالة القلق من طمع إسرائيل فيهما

2- القاهرة تبلغ سفارتى الولايات المتحدة وبريطانيا بعد أيام أنها تحتل وتدير الجزيرتين بموافقة ومباركة سعودية

3- السفير عوض التونى لرئيس مجلس الأمن فى 27 مايو 1967: اعتداءات إسرائيل طالت أراضى غير مصرية منها الجزيرتان

4- المادة 101 من تقرير المجلس بعد 48 ساعة: مصر تدير الجزيرتين بتفويض من السعودية بعلم لندن وواشنطن

5- وزير الخارجية السعودى لنظيره المصرى فى 14 سبتمبر 1988: العلاقات الطيبة بين فهد ومبارك سوف تهيئ فرصة طيبة لمصر بإعادة الجزيرتين إلى السعودية

6- الفيصل لـ عبدالمجيد فى رسالة أخرى يوم 6 أغسطس 1989: عودة الجزيرتين إلى السعودية لن تؤثر على التزامات مصر الإقليمية والدولية ومنها معاهدة السلام التى تضعهما فى المنطقة «ج» منزوعة السلاح إلا من شرطة مدنية

7- عصمت عبدالمجيد ومفيد شهاب لرئيس الحكومة عاطف صدقى: السيادة على إقليم ما لا تتأثر بإدارة دولة أخرى له طالما أن صاحب الإقليم لم يتنازل عنه

8- ويضيفان: مصر لم تحاول فى وقت من الأوقات أن تدعى السيادة على الجزيرتين وأقصى ما أكدته أمام مجلس الأمن فى مايو 1967 أنها تدافع عنهما

9- مبارك يطلب من الرياض أن تؤجل فتح ملف الجزيرتين حتى لا تعرقل إسرائيل انسحابها من سيناء

10- فريق من المساحة السعودية جاء لترسيم الحدود البحرية مع مصر فى يناير 2011 ولكنه تعطل بسبب الثورة التى أطاحت بالنظام

11- القاهرة حذرت الرياض: عودة الجزيرتين إليها سيجبرها على التعامل العلنى والمباشر والصريح مع إسرائيل

12- قرار الجزيرتين ليس قرار الرئيس وإنما قرار مجلس النواب بحكم الدستور.. والكرة الآن فى ملعبه

13- لم يلتزم مبارك الصمت وهو المسئول عن تسويف المشكلة لنرثها منه؟ ولم تأخرت شهادة مفيد شهاب.. هل كانت حجة مرض السيدة والدة زوجته تكفى للمماطلة؟


فى زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز وقعت مصر والسعودية 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم فى مجالات مختلفة.. تمتد من الطاقة إلى الثقافة.. ومن إسكان سيناء إلى دعم قصر العينى.. لكن.. الجدل لم يتفجر إلا على اتفاقية واحدة منها.. الخاصة بترسيم الحدود البحرية بين البلدين فى البحر الأحمر الذى يجمع بينهما.. والأهم تحديد جنسية جزيرتى تيران وصنافير فى خليج العقبة.

والحقيقة أن ملف الجزيرتين قديم.. عتيق.. اصفرت أوراقه.. وبهتت مستنداته.. وتكسرت حروف سطوره وكلماته.. فعمره يزيد على 65 سنة.. وكثير مما فيه مصنف تحت بند سرى للغاية.

لكن.. قبل أن ننفرد بنشر ما فيه لابد من قراءة سياسية للخرائط الجغرافية لنعرف الظروف والملابسات التى أحاطت بالجزيرتين.

تبلغ مساحة جزيرة تيران غير المأهولة بالسكان 80 كيلومترا مربعا.. وتقع عند مدخل مضيق تيران المسمى باسمها.. ويفصل المضيق خليج العقبة عن البحر الأحمر.. ويبعد عن سيناء بستة كيلومترات.

وتقع جزيرة صنافير شرق تيران وتبلغ مساحتها 33 كيلومترا مربعا وهى غير مأهولة بالسكان أيضا.

وبين الجزيرتين ثلاثة ممرات بحرية من وإلى خليج العقبة.. الممر الأول بين ساحل سيناء وجزيرة تيران بعمق 290 مترا ويصلح للملاحة ويسمى انترابريز.. والممر الثانى بين سيناء وتيران ويسمى جرافتون ولا يزيد عمقه على 73 مترا.. والممر الثالث بين تيران وصنافير بعمق لا يزيد عن 16 مترا.

كانت الجزيرتان تحت السيطرة السعودية حتى أعلنت دولة إسرائيل فى 15 مايو 1948.. حين سعت الدولة الصهيونية إلى احتلالهما لضمان سيولة الملاحة إلى إيلات.. أو أم رشراش فيما قبل.. وكانت ميناء مصريا فقدناه يوم 9 مارس 1949.. عقب الهزيمة فى حرب فلسطين.

لم تكن السعودية تمتلك قوة بحرية تحمى بها الجزيرتين فطلبت من مصر فى فبراير 1950 احتلالهما.. واستجاب الملك فاروق للطلب.. وأنزل فيهما وحدات من المشاه والمدفعية وسلاح الإشارة.. لتكونا بمثابة إنذار مبكر لتحركات العدو.. وموقعا متميزا لمواجهته.

احتلت إسرائيل الجزيرتين فى حرب السويس خريف 1956 ولم تقبل الانسحاب منهما إلا بعد أن نزلت فيهما قوات الأمم المتحدة التى عرفت وقتها بـ«قوات الطوارئ الدولية».. وقد نشرت تلك القوات على طول الحدود.. وفى مدخل خليج العقبة.. وفى شرم الشيخ جنوب سيناء.

وفى 16 مايو 1967 سلم الفريق أول محمد فوزى رئيس أركان حرب القوات المسلحة خطابا إلى الجنرال ج. أ. ريكى قائد قوات الطوارئ الدولية فى سيناء وغزة قال فيه:

أحيطم علما أننى أصدرت تعليماتى إلى جميع القوات المسلحة لتكون مستعدة للعمل ضد إسرائيل فور قيامها بعمل عدائى ضد أية دولة عربية.

وتنفيذا لتعليماتى تجمعت قواتنا فى سيناء على حدودنا الشرقية ولضمان أمن قوات الطوارئ الدولية المتمركزة فى نقاط المراقبة على حدودنا أطلب إصدار أوامركم بسحب هذه القوات فورا.

وقد اصدرت تعليماتى لقائد المنطقة العسكرية الشرقية فيما يتعلق بهذا الشأن.

وما أن أغلقت مصر خليج العقبة فى وجه الملاحة الإسرائيلية حتى بدأت إسرائيل الحرب وكانت هزيمة يونيو 1967.. ومرة أخرى احتلت إسرائيل الجزيرتين.

■ ■ ■ ■ ■

هنا.. تظهر الوثيقتان الأولى والثانية وهما مرتبطتان معا فى ملف الجزيرتين.

فى 27 مايو 1967 أرسل مندوب مصر الدائم فى الأمم المتحدة السفير محمد عوض القونى خطابا يحمل رقم 7907 أس إلى رئيس مجلس الأمن تقدم فيه بناءً على تعليمات حكومته بطلب رسمى إلى المجلس لمناقشة السياسة العدوانية الإسرائيلية بما يهدد الأمن والسلم فى المنطقة ويشكل خطرا على السلم والأمن الدوليين.

ويذكر الخطاب عدة أمثلة للعدوان الإسرائيلى فى أم الرشراش والعوجة وطرد قوات الطوارئ الدولية منهما وإنزال علم الأمم المتحدة بجانب إلغاء ما وقع من اتفاقيات بعد حرب السويس وتغيير معالم القدس والتحرش بالأردن وتجاوز مناطق الهدنة على الحدود مع سوريا والتهديد بغزوها.

بعد 48 ساعة فقط ناقش مجلس الأمن خطاب المندوب المصرى وانتهت المناقشة إلى مذكرة من 10 صفحات كان نص البند رقم 101 فيها والمكتوب على الصفحة الثامنة:

إن هناك اتفاقا وقع فى عام 1950 وأبلغت الحكومة المصرية سفارة الولايات المتحدة وسفارة المملكة المتحدة فى القاهرة به فى 30 يناير و28 فبراير 1950 لإعلامهما أن جزيرتى تيران وصنافير السعوديتين أصبحتا تحت الإدارة المصرية.. لحماية مدخل الخليج.

■ ■ ■ ■ ■

وما إن أقرت اتفاقية السلام بين أنور السادات ومناحم بيجن حتى وقعت الجزيرتان على خرائط المنطقة ج فى البروتوكولات الأمنية الملحقة بالاتفاقية.. فلم يعد مسموحا فيها بتواجد قوات مسلحة.. بل شرطة مدنية.. تستخدم أسلحة خفيفة.. وزوارق صغيرة.. وتحولتا إلى محميتين طبيعيتين.. جذبتا محبى رياضة الغوص.

لكن.. السؤال شديد الأهمية: لم سكتت السعودية طوال هذه السنوات عن المطالبة بعودة الجزيرتين إليها؟

■ ■ ■ ■ ■

هنا.. نكشف الوثيقة الثالثة فى الملف.. وهى خطاب من وزير الخارجية السعودى سعود الفيصل إلى نظيره المصرى الدكتور عصمت عبد المجيد بتاريخ 14 سبتمبر 1988 ونصه:

معالى الأخ الدكتور / أحمد عصمت عبد المجيد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية بجمهورية مصر العربية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يسرنى أن أبعث لمعاليكم بهذه الرسالة وأستهلها بتقديم خالص تحياتى وأطيب أمنياتى لكم بموفور الصحة والعافية ودوام التوفيق. وإنها لفرصة طيبة أن أكتب لمعاليكم بعد زيارة فخامة الرئيس حسنى مبارك لبلده الشقيق المملكة العربية السعودية وزيارة صاحب السمو الملكى ولى عهد المملكة الأمير عبد الله بن عبد العزيز لجمهورية مصر العربية الشقيقة الأمر الذى أكد عمق العلاقات القائمة بين بلدينا وشعبينا الشقيقين. تلك العلاقات التى تحكمها على الدوام مبادئ الوئام والاحترام المتبادل والحرص المشترك على صيانة المصالح العليا للأمة العربية والإسلامية وهى علاقات ترسخت على مر العهود واتسمت بما تميزت به نتيجة الإيمان الراسخ بوحدة الهدف والمصير المشترك.

وأود ابتداءً أن أؤكد لمعاليكم حرص حكومة المملكة العربية السعودية الدائم على القيام بكل ما من شأنه تدعيم علاقات بلدينا وخدمة مصالحهما والدفاع عن حقوقهما واتخاذ جميع المواقف بعيدة النظر التى لا تكرس المصلحة الخاصة الضيقة بقدر تكريسها لأهداف بعيدة المدى تصب نتائجها دائما فى وعاء المصلحة العربية المشتركة وخدمة أهدافها. كما أننى على يقين راسخ بأن حكومة جمهورية مصر العربية تسعى أيضا فى تعاملها ومواقفها إلى تحقيق الشىء ذاته انطلاقا من وحدة الهدف والمصير المشترك اللذين يربطان بين بلدينا الشقيقين.

ومن هذه المنطلقات ورغبة فى إيجاد الحلول المناسبة لأى أمور معلقة بين بلدينا أود أن اتطرق إلى موضوع جزيرتى صنافير وتيران التابعتين للملكة العربية السعودية والواقعتين عند مدخل خليج العقبة، حيث يعلم معاليكم أنه نتيجة للاتصالات التى جرت بين مسئولى البلدين عام 1369 هجرية الموافق 1950 ميلادية ورغبة من حكومتى البلدين فى تعزيز الموقف العسكرى العربى فى مواجهة الكيان الصهيونى. ونظرا لموقعهما الاستراتيجى فى مدخل خليج العقبة فقد وافقت حكومة المملكة العربية السعودية على أن تكونا تحت الإدارة المصرية حينذاك لتقوية الدفاعات العسكرية المصرية فى سيناء ومدخل خليج العقبة لاسيما بعد أن احتلت العصابات الصهوينية ميناء أم الرشرش إيلات فى 9 مارس 1949 الأمر الذى خلف وجودا فعليا لإسرائيل فى منطقة خليج العقبة. وفى الوقت الذى بدأت فيه جمهورية مصر العربية الشقيقة تستعيد الأراضى التى احتلتها إسرائيل عام 1967 ميلادية تلقى الملك خالد يرحمه الله رسالة من الرئيس السودانى السابق جعفر محمد نميرى فى عام 1402 هجرية تتضمن رجاء فخامة الرئيس محمد حسنى مبارك بعدم إثارة موضوع الجزيرتين حتى يتم الانسحاب الإسرائيلى من الأراضى المصرية ويبقى أمرهما مسألة عربية فيما بين المملكة وجمهورية مصر العربية.

وإننى على يقين أن العلاقات الطيبة القائمة بين البلدين الشقيقين والتى تحرص حكوماتنا بقيادة خادم الحرمين الشريفين والملك فهد بن عبدالعزيز وأخيه فخامة الرئيس محمد حسنى مبارك على تطويرها وتنميتها بما يخدم مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين سوف تهيئ فرصة طيبة لحكومة جمهورية مصر العربية الشقيقة بإعادة الجزيرتين المذكورتين إلى حكومة المملكة العربية السعودية.

مؤكدا أن هذا الطلب لا يرمى إلا إلى تعزيز نهج التعاون المعهود بين بلدينا الشقيقين ومسعاهما الدائم للحفاظ على الأمن والاستقرار فى منطقتنا وتحقيق مزيد من الرفعة والعزة لأمتنا العربية والإسلامية وكل ما فيه المصلحة المشتركة للبلدين الشقيقين.

وإنى على ثقة تامة أن هذا الأمر سوف ينال من معاليكم ومن حكومة جمهورية مصر العربية كل الاهتمام... كما أن أى نظرة خاصة لهاتين الجزيرتين السعوديتين من جانب حكومة جمهورية مصر العربية تفرضها طبيعة وضع معين يستدعى أن تبقيا تحت إدارة جمهورية مصر العربية وإلى أن تحتاج المملكة لهما سينال من جانب حكومة المملكة العربية السعودية ما هو جدير به من اهتمام وسننظر فيه بكل تبصر فى الأمور.

والله أسأل أن يوفقنا جميعا لما فيه خير أمتنا وعزتها وبما يحقق مصالحها العليا.

وتفضلوا معاليكم بقبول وافر تقديرى وامتنانى.

رقم كودى 99 / 1 / 17 بتاريخ 3 / 2 / 1409 هجرية الموافق 14 / 9 / 1988 ميلادية.. بجانب توقيع سعود الفيصل.

■ ■ ■ ■ ■

وبعد عدة شهور وبالتحديد فى 6 أغسطس عام 1988 أرسل سعود الفيصل رسالة أخرى إلى عصمت عبد المجيد كان نصها:

معالى الأخ الدكتور / أحمد عصمت عبد المجيد

نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية بجمهورية مصر العربية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إنه من دواعى سرورى أن أبعث لمعاليكم بخطابى هذا مستهلا إياه بخالص التحيات وأطيب التمنيات لكم بموفور الصحة والعافية ودوام التوفيق وأنها لفرصة طيبة أن أكتب لمعاليكم فى أعقاب زيارة خادم الحرمين الشريفين لبلده الشقيق جمهورية مصر العربية وما حفلت به هذه الزيارة من مظاهر عظيمة تدل على عمق الروابط والعلاقات بين بلدينا وشعبينا الشقيقين، بما يؤكد من جديد خصوصية العلاقات التى تجمع بين البلدين على نحو يدفعهما لآفاق أوسع وميادين أرحب من التعاون البناء بما يخدم أهدافنا وغاياتنا المشتركة.

وأود أن أشير إلى الاتصالات التى جرت بينى وبين معاليكم وآخرها اجتماعى بكم فى نيويورك بتاريخ 16 / 2 / 1409 هجرية الذى تطرق إلى بحث موضوع جزيرتى صنافير وتيران التابعتين للمملكة العربية السعودية حين أبديتم عدم وجود أى اعتراض أو تحفظ لديكم فيما يخص سيادة المملكة على هاتين الجزيرتين سوى ما قد يتعارض مع التزامات مصر الإقليمية والدولية التى تقضى بعدم تواجد قوات عسكرية بهما.

وهنا أود أن أبدى لمعاليكم أن حكومة المملكة العربية السعودية لا تنوى خلق ظروف قد تؤثر على النهج الذى رسمته مصر الشقيقة لسياستها الخارجية وكل ما فى الأمر هو عودة الجزيرتين بعد أن انتهت أسباب الإعارة.

وكما سبق وأشرت فى كتابى السابق لمعاليكم بتاريخ 3 / 2 / 1409 هجرية فى هذا الصدد فإن أى نظرة خاصة لهاتين الجزيرتين السعوديتين من جانب حكومة جمهورية مصر العربية تفرضها طبيعة وضع معين يستدعى أن تبقيا تحت إدارة جمهورية مصر العربية وإلى أن تحتاج المملكة لهما سينال من جانب حكومة المملكة العربية السعودية ما هو جدير به من اهتمام وسننظر فيه بكل تبصر فى الأمور.

لذا فإذا وافق معاليكم فإننى أود اعتبار خطابى هذا وجواب معاليكم على ما ورد به يشكل اتفاقا بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية فى هذا الشأن.

والله أسأل أن يوفقنا لما فيه خير أمتنا وعزتها وأن يعيننا على تحقيق ما تصبو إليه من قوة ومنعة.

وتفضلوا معاليكم بقبول تحياتى ووافر تقديرى.

توقيع سعود الفيصل.

■ ■ ■ ■ ■

وعرض عصمت عبد المجيد الأمر على مجلس الوزراء تحت رئاسة الدكتور عاطف صدقى بمذكرة شاركه فيها ووقع عليها معه الدكتور مفيد شهاب رئيس قسم القانون الدولى بجامعة القاهرة صنفت سرى للغاية يوم 17 فبراير 1990 أوضحت حقيقة الجزيرتين بالنسبة لمصر:

وزارة الخارجية

نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية

الأستاذ الدكتور / عاطف صدقى رئيس مجلس الوزراء

تحية طيبة وبعد

أتشرف بعرض الآتى:

1- تلقيت بتاريخ 14 / 9 / 1988 رسالة من الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية تناولت وجهة نظر المملكة العربية السعودية من موضوع جزيرتى صنافير وتيران بمدخل خليج العقبة وأن السعودية تطلب من مصر الاعتراف بتبعية الجزيرتين للمملكة.

وأشارت الرسالة إلى أى نظرة خاصة لهاتين الجزيرتين السعوديتين من جانب حكومة مصر تفرضها طبيعة وضع معين يستدعى أن تبقيا تحت إدارة جمهورية مصر العربية وإلى أن تحتاج المملكة لهما سينال من جانب الحكومة السعودية ما هو جدير به من اهتمام وسينظر فيه بكل تبصر فى الأمور.

2- عاود وزير الخارجية السعودية الكتابة إلينا فى هذا الموضوع بتاريخ 6 أغسطس 1989 وأشار إلى حديث جرى بيننا فى سبتمبر من عام 88 فى نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة وحيث تطرق حينئذ إلى مطلبهم فى اعترافنا بسيادتهم على الجزيرتين وإلى إبلاغى له عنئذ أننا نتناول مسألة السيادة مع التزامات مصر الإقليمية والدولية التى تقضى عدم تواجد أية قوات عسكرية بهما من واقع بروتوكولات اتفاقية السلام مع إسرائيل.

وأكدت رسالة الأمير سعود الفيصل أن حكومة السعودية لا تنوى خلق ظروف قد تؤثر على النهج الذى رسمته مصر لسياستها الخارجية وكل ما فى الأمر هو عودة الجزيرتين بعد أن انتهت اسباب الإعارة.

وكررت الرسالة أيضا موقف السعودية السابق الإبلاغ به من أنه إذا تطلب الأمر بقاء الجزيرتين تحت إدارة مصر وإلى أن تحتاج السعودية لهما فإن هذا سينال من جانبهم ما هو جدير بالاحترام.

3- قامت وزارة الخارجية بدراسة الطلب السعودى فى ضوء أحكام القانون الدولى من ناحية والظروف السياسية والعلاقات المصرية - الإسرائيلية من ناحية أخرى.

وقد تدارست الموضوع بصفة خاصة مع الدكتور مفيد شهاب رئيس قسم القانون الدولى بجامعة القاهرة، حيث اتفقنا فى الرأى على عدد من الحقائق نتشرف برفعها إليكم:

أ- أن مصر قامت فى فبراير 1950 باحتلال الجزيرتين صنافير وتيران وابلغت الحكومتين الأمريكية والبريطانية بهذا الموقف وأنها لجأت إليه فى ضوء المحاولات التى قررت من جانب السلطات الإسرائيلية تجاه الجزيرتين وأن هذه الخطوة تمت بالاتفاق مع حكومة المملكة السعودية.

ب- قام الملك عبد العزيز آل سعود بإرسال برقية إلى الوزير المفوض السعودى فى القاهرة فى فبراير 1950 تضمنت أنه يسمح بنزول القوات المصرية فى جزيرتى تيران وصنافير لأن وضع هاتين الجزيرتين كان مقلقا لنا كما هو مقلق لمصر ومادام من المهم هو المحافظة عليهما فوجود القوات المصرية فيهما قد أزال ذلك القلق.

ج- تقع الجزيرتان طبقا لاتفاقية السلام المصرية / الإسرائيلية والبروتوكولات الملحقة بها فى المنطقة «ج» حيث بعض القيود على التواجد العسكرى المصرى وحيث تتولى الشرطة المدنية المصرية المجهزة بزوارق خفيفة مسلحة تسليحا خفيفا مهامها داخل المياه الإقليمية للمنطقة فضلا على تمركز القوات متعددة الجنسيات فى هذه المنطقة.

ومثل هذه المعاهدات يتعين احترامها والاستمرار فى الالتزام بها.

د- أن تبعية الجزيرتين وفقا لأحكام القانون الدولى هى للملكة العربية السعودية وذلك للأسباب الآتية:

1- أن من الأمور الثابتة تاريخيا أن السيادة على الجزيرتين كانت للسعودية إلى حين قيام مصر فى ظروف المواجهة العسكرية مع إسرائيل فى عام 1950 باحتلال الجزيرتين احتلالا فعليا وبموافقة ومباركة السعودية.

وجدير بالذكر أن عدم ممارسة السعودية لمظاهر السيادة على الجزيرتين قبل عام 1950 نتيجة عدم تواجدها الفعلى فيها وكذا عدم ممارستها لهذه المظاهر بعد عام 1950 نتيجة احتلال مصر لهما لا يغنى بأى حال من تبعية الجزيرتين للسعودية.. ذلك أن من الأمور المستقرة فى القانون الدولى فقها وقضاء أن السيادة على الأقليم لا تتأثر بإدارة دولة أخرى له.. خاصة إذا كان هناك اتفاق بينهما على الإدارة.. كما أن من المسلم به فى أحكام القانون الدولى أن السيادة على الإقليم لا تتأثر بمباشرة أو عدم مباشرة مظاهر السيادة عليه.. طالما لم يقدم دليل على تنازل الدولة صاحبة الإقليم عليه.. وفى الحقيقة فإن المملكة السعودية وإن قبلت بالتواجد المصرى عام 1950 خشية سيطرة الإسرائيليين على الجزيرتين إلا أنها لم تتنازل عنهما فى أى وقت لمصر.. الأمر الذى يؤكده مطالبتها الآن باعتراف مصر بالسيادة السعودية عليهما.. وعليه فإن التواجد المصرى فى الجزيرتين لا يؤثر على استمرار تبعيتهما للسعودية باعتباره مجرد تواجد مادى لا يؤثر على المركز القانونى.

2- بل إن مصر نفسها لم تحاول فى أى وقت من الأوقات أن تدعى أن السيادة على هاتين الجزيرتين قد انتقلت إليها.. وأن أقصى ما أكدته هو أنها تتولى مسئولية الدفاع عن الجزيرتين، خطاب مندوب مصر الدائم فى الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن يوم 19 مايو سنة 1967.

3- ومما يؤكد ما سبق ذكره أن المادة الثانية من اتفاقية السلام مع إسرائيل قد احالت بشأن حدود مصر الشرقية إلى الخريطة المرفقة بالملحق 2 وأنه يتضح من هذه الخريطة أن موقع الجزيرتين يعتبر خارج إطار الإقليم المصرى وأنهما جزء من الأراضى السعودية.. بدليل أن الجزيرتين ملونتان بلون مختلف عن لون الأراضى المصرية ويتفق مع اللون المستخدم بالنسبة للأراضى السعودية.. مما يعتبر قرينة فى اتفاقية السلام أقرت بأن الجزيرتين سعوديتان.. بل إنه لا توجد فى اتفاقية السلام وملاحقها أى إشارة حول إدارة مصر للجزيرتين.

هـ- وفى ضوء ما سبق ولما كانت متطلبات تنمية ودفع العلاقات المصرية - السعودية خاصة فى هذه المرحلة التى تتسم فيها العلاقات بالعودة والرغبة فى السعى المشترك من أجل إقامة روابط استراتيجية يمكن أن تتوج بإقامة جسر يربط بين مصر والسعودية عبر خليج العقبة ومع اقتراب موعد انعقاد اجتماعات اللجنة المصرية السعودية المشتركة فى الرياض فى مارس القادم والحاجة لحمل رد الأمير سعود الفيصل على رسالتيه السابق استعراض محتوياتهما بعد، فإننا نقترح الرد على وزير الخارجية السعودية بأن مصر تقر تبيعة الجزيرتين للمملكة وأنها فى الحقيقة لم تقم باحتلالهما عام 1950 إلا حماية لهما وللأمن القومى العربى وأن ذلك كان بمباركة السعودية نفسها لتؤكد الرسالة بعد ذلك أن اهتمامنا ينصب على أهمية مراعاة عدم الإخلال بالتزامات مصر الإقليمية والدولية طبقا للاتفاقيات الدولية التى أبرمتها بشأن إقرار السلام فى المنطقة والتى تقضى بعدم تواجد أية قوات عسكرية بالجزيرتين.. ثم تختم الرسالة بـ أن يستمر بقاء الجزيرتين تحت إدارة مصرية بصفة مؤقتة إلى حين استقرار الأوضاع فى المنطقة.


وإذا كانت هناك موافقة على خطوة الرد على وزير الخارجية السعودية فى الأمر السابق ذكره فيمكن أيضا التأكيد فى حديث شفهى على أهمية مراعاة جانب السرية فى هذه المراسلات بين الجانبين المصرى والسعودى من ناحية وربما تعطى الفرصة لإسرائيل من ناحية أخرى فى إثارة المتاعب لدول عربية ليس لها بها علاقات فى الوقت الحاضر.

برجاء التفضل بالتوجيه وتفضلوا بقبول وافر الاحترام.

توقيع أد. مفيد شهاب ود. عصمت عبد المجيد.

■ ■ ■ ■ ■

ويلاحظ هنا:

1- أن وزير خارجية مصر وأستاذ القانون الدولى بجامعة القاهرة يقران بعد دراسة الملف بسيادة السعودية على الجزيرتين ويقترحان إرسال خطاب لوزير الخارجية السعودية تعترف فيه الحكومة المصرية بهذه السيادة.

2- إنهما يقترحان على السعودية استمرار الإدارة المصرية للجزيرتين حتى لا تتعرض إلى متاعب سياسية مع إسرائيل التى ليس بينها وبين السعودية علاقات.

ومن جانبها أبدت السعودية التزامها بتعهدات مصر الإقليمية والدولية بما فيها معاهدة السلام ما يفرض عليها عدم إنزال قوات مسلحة للجزيرتين ومما يلزمها بإجراء اتصالات مباشرة مع إسرائيل عند ظهور أية مشكلة فى خليج العقبة تتعلق بالجزيرتين.

وأغلب الظن أن إسرائيل رحبت بعودة الجزيرتين للسعودية لكى تكون الاتصالات بينهما قانونية وعلنية.

3- كان لافتا للنظر رغبة عصمت عبد المجيد ومفيد شهاب فى أن تبقى المراسلات المصرية - السعودية بشأن الجزيرتين سرا بما فى ذلك اعتراف مصر بسيادة السعودية عليهما.. وكأن مصر تقبل بعودة الجزيرتين فى ذلك الوقت قبل نحو 17 سنة للسعودية ولكن دون كشف الأمر للرأى العام أو لمجلس الشعب ساعتها.

والمثير للدهشة أن الدكتور مفيد شهاب رفض عند اتصالى به أن يتكلم معى فى شأن الجزيرتين.. وكانت الحجة التى يبرر بها عدم تقديم شهادته للرأى العام هى مرض السيدة والدة زوجته.

وحاول مبارك قدر استطاعته وكعادته التسويف لترحيل المشكلة إلى أجل غير مسمى.. وإن استقبلت حكومة الدكتور أحمد نظيف فى يناير 2011 وفدا من هيئة المساحة السعودية برئاسة الفريق مريع بن حس الشهرانى لبدء قياسات الحدود البحرية بين الدولتين.. لكن.. سرعان ما تعطلت العمليات الفنية بسبب الثورة التى انفجرت بعد أسابيع قليلة.

وفى يوم الخميس 30 يوليو 2015 أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى وولى ولى العهد السعودى محمد بن سلمان ما سمى إعلان القاهرة مهدا فيه للاتفاقيات ومذكرات التفاهم التى وقعت خلال زيارة العاهل السعودى، ومنها ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين.

وفى الشهور الفارقة بين زيارة محمد سلمان وزيارة والده يمكن القول إن قضية الجزيرتين سببت توترا مكتوما بين البلدين.. فرض نفسه على اجتماعات اللجان المشتركة.. وشعر به غالبية النافذين إلى الشأن العربى.. وضاعف من التوتر أن دولا شقيقة للسعودية وجدت أنها صاحبة حق وانحازت إليها.. مما زاد من تعقيد الموقف.

وراحت لجان قانونية وسياسية فى الخارجية تدرس ملف الجزيرتين بعد أن أوكل إليها.. ولم تجد ثغرة واحدة يمكن النفاذ منها.. فما تحت يديها من وثائق مصرية ودولية تثبت ملكية الجزيرتين للسعودية.

ولم يبق سوى تحذير السعودية بأن استعادة سيادتها على الجزيرتين سيجبرها على التعامل المباشر والعلنى مع إسرائيل.. لكنها.. أكدت أنها لن تخل بالترتيبات الأمنية التى فرضتها معاهدة السلام مع مصر.. ولن تثير ما يتعارض مع التزاماتها الدولية والإقليمية.. مهما كلفها الأمر.

وفى 20 مارس 2016 بدأ رئيس هيئة المساحة السعودية عبدالعزيز الصعب وفرقه الفنية والقانونية فى مشاركة الخبراء المصريين فى ترسيم الحدود.. تمهيدا لتوقيع الاتفاقية التى تنظمها.. وستعرض هذه الاتفاقية بالطبع على مجلس النواب.. حسب ما يفرض الدستور.. فالاتفاقية لا وجود فعلى لها إلا بعد إقرارها من السلطة التشريعية.. هى صاحبة القرار الأول والأخير وليس رئيس الجمهورية وسلطته التنفيذية.

والمؤكد أنه خلال العامين الماضيين اجتمعت لجان تضم ممثلين عن الخارجية والدفاع والمخابرات العامة وخبراء مثل مفيد شهاب للبحث عن وثيقة واحدة تغير دفة جنسية الجزيرتين ناحية مصر.. لكنها لم تجد.

بل يمكن القول بأنها وجدت وثائق إضافية تدعم الملكية السعودية منها:

(1) خطاب من مدير حرس الحدود إلى الخارجية فى 13 ديسمبر 1928.

(2) مذكرة من رئاسة أركان الجيش فى 17 يناير 1950.

(3) خطاب من عصمت عبدالمجيد إلى سعود الفيصل فى 3 مارس 1990 ردا على خطاباته بشأن الجزيرتين أقرت فيه مصر بسيادة السعودية عليهما.

(4) قرار جمهورى موقع من حسنى مبارك يحمل رقم (97) لسنة 1990 بشأن النقاط البحرية لمصر لا يتضمن الجزيرتين.

(5) خطاب من ولى العهد السعودى الأمير عبدالله بن عبدالعزيز فى 11 يوليو 2004 إلى الرئيس حسنى مبارك.

(6) خطاب من الملك عبدالله إلى الرئيس المصرى فى 28 أكتوبر 2007.

(7) خطاب من وزير الخارجية السعودية إلى نظيره المصرى فى 3 مارس 2008 لوضوع الخطوط البحرية بين الدولتين فى المنطقة المشتركة.

وحسب ما سمعنا من كواليس اللجان المشتركة التى بحثت الأمر فإن قرار القبول بجنسية الجزيرتين نوقش بجوانبه الفنية والأمنية والسياسية المختلفة.. ولو كانت الوثائق تؤكد جنسيتهما للسعودية فإن الأمر لن يقتصر على ذلك.. فهناك طرف ثالث فى المعادلة هو إسرائيل.. ولو كانت السعودية قد أقرت بالتزامها بتعهدات مصر الدولية والإقليمية ومنها معاهدة السلام مع إسرائيل فإن على السعودية الدخول فى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل لضمان استمرار الأوضاع على ما هى عليه.. ولن تكتفى بما سبق أن صرحت.. بجانب بحث ترتيبات الأمن فى الجزيرتين ومن يشرف عليهما.. وأغلب الظن أن مصر ستكون طرفا ثالثا فى هذه المفاوضات.

إن التوقيع على الاتفاقية مجرد خطوة أولى فى مشوار طويل لن ينتهى بين يوم وليلة.. وكل ما علينا انتظار الخطوة الثانية وهو موقف مجلس النواب منها.. والكرة الآن فى حجره.. وعليه اتخاذ ما يراه مناسبا.. ليكون لنا حديث آخر بعد قراره.