عبد الحفيظ سعد يكتب: «الفهلوة» فى قضية ريجينى تهز عرش عبد الغفار

مقالات الرأي



عدم الشفافية والروايات المتناقضة أفقدنا المصداقية أمام أوروبا

أخطر ما فى قضية الطالب الإيطالى «ريجينى» الذى وجد مقتولا فى طريق الإسكندرية الصحراوى فى 4 فبراير الماضى، بعد أسبوعين من اختفائه فى القاهرة، أنها كشفت فقدان الإدارة فى مصر للمهنية والاحترافية فى التعامل مع القضية منذ تفجرها، ما دفع أن تتحول القضية لخطر ضد البلد، وربما تؤدى لأزمة سياسية مع إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبى بعد أن أثار البرلمان القضية بعد الاستماع لوالد الطالب واهتمام الرأى العام فى أوروبا بالقضية.

وبعيدا عن تحديد من المتورط فى عملية قتل الطالب الإيطالى، سواء كانت أجهزة أمنية، كما ترجح وسائل الإعلام الأوروبية وعلى رأسها الإيطالية، أو تورط عصابات مجهولة أو أشخاص غير معلومين كما تردد الروايات المصرية، فإن القضية كشفت عن طريق «الفهلوة» المصرية التقليدية فى التعامل مع القضية، والاعتماد على المماطلة فى توضيح الحقائق على أمل أن القضية ستموت مع طول الوقت.

ونجد أن تعامل الأجهزة الأمنية مع القضية، مثل القضايا الداخلية التى تخص ملف المواطنين. وغاب عنها التصرف بحرفية معها، ما أدى لأن تأخذ بعداً إقليميا خاصة مع إيطاليا التى تعد من أهم الشركاء الاقتصاديين والسياسيين لمصر.

ونجد أن التعامل بتهاون مع قضية «ريجينى» منذ البداية، حولها لـ«كرة الثلج» التى بدأت صغيرة ثم تحولت مع الوقت إلى جبل جليدى ضخم، ربما تؤدى لنتائج لن تحمد عقابها فى حالة فشل الوفد المصرى الذى سافر لإيطاليا يوم الثلاثاء فى إقناع الجانب الإيطالى بالنتائج التى توصلت لها الأجهزة الأمنية المصرية فى كشف ملابسات مقتل الطالب.

ونجد أن التعامل العشوائى وعدم الاحترافية والاعتماد على عدم الشفافية، استحوذ على القضية منذ بداية تفجرها، مع الإعلان عن اكتشاف جثة القتيل فى مطلع فبراير الماضى فى طريق الإسكندرية الصحراوى، أدت لوجود شبهات لتورط الشرطة المصرية فى الحادث، خاصة بعد وجود آثار تعذيب على جسد الطالب، ما يزيد المزاعم بأنه تعرض لعملية استجواب.

ورغم نفى الداخلية المصرية عن وجود أى شبهة سياسية وراء قتل الطالب، غير أن ذلك لم يكن مقنعاً لإيطاليا التى شكلت فريق بحث فى القضية، للتنسيق مع جهات التحقيق المصرية على أساس أن الجريمة تخص أحد مواطنيها.

لكن يبدو أن الاهتمام الإيطالى والأوروبى بقضية الطالب، لم يكن كافيا أن تنتبه الإدارة فى مصر لخطورة الأمر وتتعامل مع القضية بمزيد من الشفافية والمصداقية، غير أن ما حدث كان العكس تماماً، فنجد تسريبات لإعلاميين ربطوا أنفسهم بمصادر أمنية، عن سيناريوهات جنائية للقضية، كان أولها حول وجود فيديو لمشاجرة بين ريجينى وشخص إيطالى آخر خلف القنصلية الإيطالية، للإيحاء بأن هناك دوافع جنائية وخلافات شخصية ربما تكون السبب فى مقتله.

وأدت هذه التسريبات لاستفزاز الجانب الإيطالى، رغم صدور نفى رسمى من وزارة الداخلية بعدم صحتها وأن جهود البحث لم تتوصل إلى الجناة أو خيط فى القضية.. لكن ارتباط التسريبات بمصادر أمنية، تتدعى دائما أنها على صلة بوزارة الداخلية، دفع وسائل الإعلام الأوروبية للتعامل مع كل تسريب يصدر بأن وراءه مصدر رسمى أو كاشف عن توجهات مصر الرسمية..!

ورغم أنه بات معلوماً أن القضية، تحظى باهتمام من وسائل الإعلام الإيطالية. وأصبح كل ما ينشر عنها يقال حتى لو فى وسائل إعلام مصرية محل تحليل وتدقيق من الجانب الإيطالى على جميع المستويات، لكن مسلسل عدم الشفافية و«الفهلوة» استمر فى التعامل معها، وهو ما ظهر بشكل واضح بعد إعلان وزارة الداخلية فى 24 مارس الماضى، عن تصفية 4 أفراد من تشكيل عصابى ينتحل صفة ضباط شرطة ويخطف الأجانب ويسرقهم بالإكراه.

وذكرت الداخلية فى بيانها عن عصابة السرقة، أنها «عثرت فى منزل شقيقة أحد أفراد التشكيل العصابى، والتى كانت على علم بنشاط شقيقها الإجرامى على المتعلقات الشخصية التى تخص الطالب الإيطالى القتيل، عبارة عن جواز سفره ومحفظة جلد بها بطاقة انتسابه إلى الجامعة الأمريكية فى القاهرة بصفة باحث مساعد وبطاقة انتسابه إلى جامعة كامبريدج وبطاقتى ائتمان وجهازى هاتف محمول، إضافة إلى مقتنيات شخصية أخرى».

وأثار بيان الداخلية عن تصفية العصابة والربط بينها وبين عملية مقتل ريجينى، القضية أكثر وبدأ تفاعل وسائل التواصل الاجتماعى فى إيطاليا معها واتهام الحكومة هناك بأنها تتراخى فى التعامل معها مقابل مصالحها الاقتصادية مع مصر.

ورغم تأكيد وزارة الداخلية أن بيانها لم يشر إلى أن عصابة سرقة الأجانب، هى المتورطة فى مقتل ريجينى، إلا أن البيان -فى حد ذاته-كان سببا فى فقدان مصر لمصداقيتها لدى الجانب الإيطالى فى التعامل مع التحقيقات.

وعلى فرض أن بيان الداخلية لم يربط بين العصابة ومقتل الطالب، إلا أنه أشار لوجود المتعلقات بحوزة أسرة أحد أفراد العصابة، وكان يجب على جهات التحقيق فى القضية، ألا تعلن عن وجود متعلقات تخص الطالب المقتول لوسائل الإعلام حتى تحافظ على سرية التحريات وعدم إعطاء فرصة لباقى المتهمين أو من له صلة بوجود المتعلقات لدى أحد أفراد العصابة بأن يخفى أى خيط يربطه بهم، وذلك على فرض مصداقية ما ذكرته الداخلية بوجود متعلقات الطالب -كانت بالفعل- فى حوزة شقيقة أحد أطراف العصابة.

لكن يبدو أن أسلوب «الفهلوة» فى التعامل مع القضية ومحاولة البحث عن فاعل، ساهم دون أن ندرى فى تعقيد القضية أكثر، ما يضع وزارة الداخلية ووزيرها اللواء مجدى عبدالغفار فى محل مساءلة، ما يهدد بقاءه فى منصبه، على الأقل بسبب غياب المهنية والاحترافية فى التعامل مع القضية، ما يحمله المسئولية السياسية، باعتباره المسئول الأول عن الأمن الداخلى..

ويجب أن تكون هذه القضية ناقوس خطر يجعلنا نضع حدا لحالة «الفهلوة» وعدم الاحترافية التى نتعامل بها فى العديد من القضايا، فلم يعد لدينا فرصة لإخفاء الحقائق، ليس فى قضية ريجينى وحدها ولكن فى جميع مشاكلنا الداخلية والخارجية، فلم تعد نظرية صباع الكفتة قادرة على إنقاذنا من أزمتنا.. ولابد من تحرك مسئول حتى لو كان الثمن الإطاحة بوزير، على أمل أن نعيد الأمور لنصابها.