ازدراء الأديان.. البرلمان يسعى لوقف محاكمة الحريات (تقرير)
كانت التوقعات تشير إلى أن مصر بعد ثورة 25 يناير ستشهد مناخًا أكثر حرية، والتزامًا بمواد الدستور التي أقرت بحرية الفكر والرأي، وكفالة حق التعبير عن الرأي بأي وسيلة من سائل التعبير والنشر، لكنّ الأمر لم يختلف كثيرًا.. فمصر قبل خمس سنوات وجه مشابه جدًا لمصر الآن، بل إن مثقفين وكتّاب يتخوفون من التضييق على حرية الرأي خصوصًا في ما يتعلق بالأمور الدينية.
وكان من المتوقع أيضًا أن تكون النتيجة البديهة بانفتاح المجال العام ليكون أكثر تسامحًا مع الرأي والاجتهادات الدينية وتعزيز حرية الفكر والإبداع، وذلك بعد سقوط نظام ديني سعى لتوظيف الخطاب الديني لخدمة مصالحه السياسية، وأقام محاكم تفتيش في ضمائر الأمر الذي ساهم في تأجيج الأوضاع وحفّز الملايين للخروج ضدهم لإسقاط نظامهم في 30 يونيو، إلا أن مجال الحريات مازالت تحكمه قوانين تقر بالحبس، كما نصت المادة "98" من قانون العقوبات (الشهير بقانون ازدراء الأديان) على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز خمس سنوات، أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تتجاوز ألف جنيه، كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى، لأفكار متطرفة، بقصد إثارة الفتنة، أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية، أو الطوائف الدينية المنتمية إليها، أو الإضرار بالوحدة الوطنية".
3 قضايا ازدراء أديان في عامين
ولم تكن الكاتبة والشاعرة فاطمة ناعوت الوحيدة التي حوكمت خلال العامين الماضيين بالحبس لمدة ثلاث سنوات بتهمة ازدراء الأديان لتدوينة لها على "فيسبوك" قالت في فقرة فيها "إن شعيرة الذبح في العيد مؤلمة للأضاحي"، بل كان قبلها الباحث إسلامي البحيري الذي حُكم عليه بالتهمة ذاتها، بالسجن عام، نتيجة تعرضه للتاريخ الإسلامي وتفنيد صحيحي البخاري ومسلم في الأحاديث وتأكيده أن ليس كل ما ورد فيهما صحيح ويمكن تصديقه، وكانت الواقعة الثالثة بسبب فيديو مدته ثلاثين ثانية لأربعة أطفال أقباط تتراوح أعمارهم ما بين 15 و17 عامًا من بني مزار بالمنيا، حوكموا بالحبس لمدة خمس سنوات، بتهمة "ازدراء الدين الإسلامي عبر السخرية من شعائر صلاة المسلمين".
"ازدراء الأديان" كارثة
خلّفت محاكمات "ازدراء الأديان" موجة من الهجوم على هذه المادة، واعتبرها كتاب ومثقفين، مادة سلطوية ومطاطة وعقوباتها تخضع لتأويلات هلامية يحددها القاضي، ويقول البرلماني والكاتب يوسف القعيد، إن قانون "ازدراء الأديان" يمثل كارثة تهدد المجتمع المصري، وتتطلب من مؤسسات الدولة التدخل وإعادة النظر في هذا القانون، مؤكدًا أن أعضاء البرلمان بصدد إعداد مشروع قانون لتعديله.
البرلمان يتجه لإلغاء العقوبة
وأمس قدمت النائبة آمنة نصير، مقترحًا بمشروع قانون موقّع من 68 نائبًا لحذف الفقرة (و) من المادة 98 الخاصة بـ"ازدراء الأديان" والتي تنص على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي".
وقالت آمنة نصير إن المادة تتعارض مع فلسفة وأحكام الدستور المصري الصادر في 2014 وبالأخص في مـواده أرقام 64، 65، 67، 71، 92، 95.
ارتباط المادة بفترة سياسية ماضية
وطالب مثقفون وكُتّاب بإعادة النظر في المادة، خصوصًا أنه كانت ترتبط بقترة سياسية بعينها إذ وضعها الرئيس الأسبق محمد أنور السادات المادة (98/ و) من قانون العقوبات، ولذلك للسيطرة على التيار الإسلامي في ذلك الوقت والقبض عليهم بالقانون، حيث وُضعت عقب أحداث الزاوية الحمراء يونيو 1981، التي راح ضحيتها حوالي 81 قبطيًا على يد مسلمين، وبالتالي فالفترة التي سنّت فيها القانون كانت مشحونة بصراع كبير بين الإخوان المسلمين والدولة الإسلامية، لذلك يتطلب إعادة النظر في القانون ضرورة خاصة مع مطالبة الرئيس عبد الفتاح السيسي بتجديد الخطاب الديني وجهود الأزهر بالقيام بمراجعات فقهية لتجديد خطابه.
آراء مغايرة: إلغاء "ازدراء الأديان" يحول مصر لغابة
واختلفت بعض الآراء حول الإبقاء على مادة "ازدراء الأديان، فيقول المفكر الإسلامي ناجح إبراهيم، إن "ازدراء الأديان يعني السب والطعن دون وجه حق"، مؤكدًا أنه لا يجوز أن يصف أحد أئمة الأئمة الأربعة بالنصابين الأربعة، في إشارة إلى الباحث إسلام بحيري، إلا أن "ناجح" رفض خلال تصريحات تلفزيونية، رفض حبس أي شخص يهاجم الإسلام أو حتى خرج منه وألحد، مؤكدًا أن الأديان لا تحتاج إلى دساتير لحمايتها.
ويرى الباحث بالأزهر وإمام مسجد السيدة نفيسة عبدالله رشد، أنه الحرية يجب أن تكون مقيدّة بقوانين؛ لأنه لا يوجد حرية مطلقة حول العالم، مؤكدًا أن إلغاء مادة "ازدراء الأديان" سيؤدي إلى مجازر دينية وسيحول مصر إلى غابة، ويجعل كل شخص يسب الكتب السماوية وهو منافيًا للأديان كافة.