عادل حمودة يكتب: أغنى مصرى فى العالم يساهم فى إدارة المجموعة المالية التى تختار الرئيس الأمريكى

مقالات الرأي



استعينوا بخبرة فؤاد سعيد المالية وقوته السياسية فى إنقاذ مصر

■ حاول استثمار أموال فى مصر لكنه خرج منها بعد أزمة حادة مع ناصف ساويرس لم ينصفه فيها مبارك رغم توصية جورج بوش الأب بحلها 

■ ساهم فى تأسيس مجموعة كارلايل جروب التى شاركه فيها رؤساء جمهورية ووزراء دفاع وخارجية فى الولايات المتحدة ويدير بنكا استثماريا رأسماله 20 مليار دولار ويسكن قصر روتشيلد فى جنيف

■ بدأ فى تكوين ثروته باختراعات وفرت على صناعة السينما نصف تكلفتها ودخل الإعلام على يديه عصر البث المباشر عبر الأقمار الصناعية وفاز بالأوسكار عام 1969 ولم نعرف بالخبر إلا عند تكريمه فى مهرجان القاهرة السينمائى عام 2010


تأخذ البحيرة من الجو شكل الهلال.. وتزيد مساحتها على 528 كيلومتراً مربعًا.. وتمتد بين فرنسا التى تسميها بحيرة ليمان وسويسرا التى تسميها بحيرة جنيف.

على البحيرة شيد البارون إسحق إكانان قصرا وضع عليه رمز الدرع الأحمر أو روت شيلد وسرعان ما أصبح الرمز اسم عائلته.. عائلة روتشيلد.

منذ سنوات ليست بعيدة اشترى القصر وحافظ عليه وعاش فيه أغنى مصرى فى العالم هو فؤاد سعيد.

فؤاد سعيد عاش طفولته يتيما.. تولى خاله المصور السينمائى تربيته.. لكنه.. لم يعش عالة عليه.. فقد ساعده فى حمل الكاميرا أثناء تصوير فيلم المغامرات الأمريكى وادى الملوك فى مصر.

فى ذلك الوقت من عام 1954 أقنعه مخرج الفيلم روبت بيروش بدراسة السينما فى هوليوود.. واستجاب الشاب الطموح للفكرة.. لكنه.. ما أن تخرج مصورا فى أحد معاهد هوليوود حتى فوجئ بالنقابات الفنية تحاربه وتمنعه من العمل فى الأفلام.. فقرر فرض إرادته عليها.

اخترع ما سمى موبيل ستديو.. وهو ستديو صغير متنقل.. يوفر أكثر من نصف تكاليف التصوير الخارجى.. ونجح الاختراع.. وباعه لشركات متخصصة.. ليضع الشاب الأسمر قدميه على أول طريق الشهرة والثروة.. بل.. أكثر من ذلك حصل اختراعه على الأوسكار 1969 دون أن نهتم بالخبر إلا بعد سنوات طويلة.

فى مهرجان القاهرة السينمائى (عام 2010) طلبت منى سهير عبد القادر استضافته وتكريمه بعد أن كتبت عنه أكثر من مرة.. وفى ندوة مفتوحة (احتضنها فندق سوفتيل الجزيرة) أعدت إليه حقه فى الضوء الذى يستحقه وغاب عنه طويلا.

لقد قفز بالإعلام إلى السماء عندما نقل فى بث مباشر زيارتى الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون إلى بكين وموسكو لتدخل الصورة التليفزيونية على يديه عصر الأقمار الصناعية.. بل.. أكثر من ذلك مهد الطريق أمام اختراع أهم.. أحدث انقلابا فى حياة البشر.. التليفون المحمول.

لكن.. فى ذلك اليوم لم يكشف فؤاد سعيد عمّا فى صدره من ألم بسبب ما جرى له عندما قرر استثمار ملياراته فى مصر.

بدأ بمائة مليون دولار.. لكن.. حظه العثر أوقعه فى طريق ناصف ساويرس.. أقنعه بمشاركته فى شراء مصنع أسمنت قررت الحكومة خصخصته، مؤكدا أن الصفقة مغرية.. فوافق.. ولم تمر سوى فترة قصيرة حتى أقنعه بأن صناعة الأسمنت لم تعد مربحة وعليه تفويضه فى بيع حصته.. فوافق.. على أنه اكتشف أن هناك أمرًا ما غير مريح.. فدخل فى نزاع قضائى معه استمر أكثر من عشر سنوات.. كسبه بعد طول صبر فى كل درجات التقاضى.. وكان محاميه فريد الديب.

تعرفت عليه فى عام 2003 عندما دعانى أنا ومحمود عبد العزيز (الرئيس الأسبق للبنك الأهلى) على عشاء متواضع فى فندق ماريوت القاهرة.

يومها تحدث بألم شديد عن فساد الاستثمار لارتباطه بالنفوذ السياسى.. والتحالف غير المقدس بين الثروة والسلطة.. وضرب أمثلة عفنة أصبحت قضايا جنائية فيما بعد.. بعد ثورة يناير.

وكشف عن رشوة دفعت لمسئول كبير بعد أن منح رجل أعمال شهيرًا صفقة خصخصة نقلت عائلته إلى قائمة الأكثر ثراء فى العالم.

والمثير للدهشة أن فؤاد سعيد بحكم امتلاكه بنكا استثماريا فى جنيف جاء بكود الرشوة التى وضعت فى بنك سويسرى فأخذه محمود عبد العزيز فى سيارته وذهبا إلى عمر سليمان وقدما إليه تلك المعلومات.. وكل ما حدث فيما بعد هو إقالة المسئول الكبير دون التحقيق معه.. ودون مكافأته بشركة أو بنك كما كان مبارك يفعل عادة مع مساعديه فى نهاية خدمتهم.. فقد اعتبر على ما يبدو الرشوة التى دفعت إليه هى المكافأة.

وما يثير الوجع أن المسئول الكبير عاد إلى سطح السلطة بعد ثورة يناير بدعوى أنه اضطهد قبلها.. ولا يزال فى الاحتفالات والمناسبات يجلس فى الصفوف الأولى.. إنها قضية تستحق أن تفتح من جديد.

وفى ذلك اليوم أيضا.. تنبأ فؤاد سعيد بأن عائلة ساويرس سوف تصفى غالبية ما تملك فى مصر لتستثمر المليارات التى كسبتها خارجها.. وهو ما حدث فيما بعد.. وتنبأ بسعى نجيب ساويرس للسيطرة على الإعلام.. والتحكم فيه.. تمهيدا لدور سياسى يحلم به.. وهو ما حدث فيما بعد.. وربما تجاوز هذا الدور الخيال ووصل إلى الحلم بمنصب الرئيس ذاته.. ونحن فى الانتظار.

لم تكن نبوءات فؤاد سعيد نوعا من التنجيم أو قراءة الطالع وإنما كانت تقديرات بنيت على ما يملك من معلومات بحكم دوره المؤثر فى أهم شبكة استثمارية فى العالم.. شبكة كارلايل جروب.

لقد سمعت الاسم منه أول مرة ونحن نستقل سيارة تاكسى فى القاهرة أوقفناها فى عرض الطريق بعد أن تناولنا سندوتشات فول وطعمية فى شقة يمتلكها فريد الديب وتطل على مسجد السيدة زينب.. ففؤاد سعيد رجل شديد التواضع.. لم تصبه الثروة بالغطرسة أو بالفشخرة.

وشبكة كارلايل جروب تحكم الولايات المتحدة.. وتتحكم فى اختيار رئيسها.. بل.. وتعرفه مسبقا بعيدا عن المسرحيات السياسية والحزبية التى تصاحب ترشحه.. وليست صدفة أن اثنين من المساهمين فيها حكما البيت الأبيض.. جورج بوش الأب وجورج بوش الابن.. بجانب مساهمين آخرين تولوا مناصب وزارية حساسة.. مثل ديك تشينى وزير الدفاع الذى أصبح نائبا للرئيس.. وخليفته دونالد رامسفيلد.. وجيمس بيكر الذى تولى وزارة الخارجية.

تأسست كارلايل جروب عام 1987.. تولى رئاستها عام 1988 أول مرة فرانك كارلوتشى.. أحد نجوم السياسة فى واشنطن.. كان زميل رامسفيلد فى جامعة برنيتاون.. ولعبا معا المصارعة الحرة.. وانضم إلى وكالة المخابرات المركزية تحت رئاسة جورج بوش الأب، قبل أن يصبح مساعدا لوزير الدفاع كاسبر واينبرج.

فى سنوات قليلة أصبحت المجموعة أهم شركة قابضة أمريكية مؤثرة فى السياسة.. تدير 89 صندوقا للاستثمار بفريق يتكون من 500 خبير.. يعملون فى 35 مكتبًا على خريطة الدنيا.. منها بيروت ودبى والقاهرة.

وتتشعب المجموعة فى غالبية مجالات الاستثمار المؤثرة فى صناعة القرار.. الدفاع.. الطيران.. الخدمات الحكومية.. السلع الاستهلاكية.. الطاقة.. الخدمات المالية.. الرعاية الصحية.. العقارات.. البنية التحتية.. التكنولوجيا.. الاستشارات التجارية.. الاتصالات.. الصحف والقنوات الفضائية.

كانت الصناعات الحربية نقطة تحول فى ثقل كارلايل جروب.. وكانت تلك الصناعات قد وصلت إلى ذروتها فى سنوات حكم الرئيس رونالد ريجان الذى سعى بالإنفاق السمين عليها إلى إرهاق الاتحاد السوفيتى حتى أجهز عليه بعد سقوط حائط برلين.. لكن.. بعد نهاية الحرب الباردة اكفهرت السماء فى عيون صناع وتجار السلاح.. وبدأ أغلبهم يتخلصون من شركاتهم بالبيع برخص التراب.

هنا.. تقدمت كارلايل جروب لشراء درة تلك الشركات.. شركة فورد الفضائية المتخصصة فى صناعة الطائرات العسكرية والمدنية.. ولم يكن الشراء اعتباطا.. فقوة النفوذ السياسى لـملاك كارلايل جروب وفرت لديهم معلومات عن حرب محتملة فى الخليج العربى.. وربما.. دبروا هم أنفسهم هذه الحرب التى وقعت بالفعل بعد دفع صدام حسين إلى احتلال الكويت.. فيما سمى بحرب الخليج الأولى.. وقادها جورج بوش الأب أحد نجوم كارلايل جروب.. ليلحق به ابنه فى حرب الخليج الثانية لغزو العراق.. وهو أيضا أحد نجوم كارلايل جروب.. وكانت الحرب الأخيرة بداية للحروب الإقليمية التى تشتعل فى المنطقة الآن بخطة الشرق الأوسط الجديد التى وضعها المحافظون الجدد.. أبرز المساهمين فى كارلايل جروب.. لتساهم تلك الحروب فى إنعاش صناعة السلاح الأمريكى من جديد.. ولتكسب من ورائها كارلايل جروب المليارات.. ولتصبح صاحبة القرار فى توجيه السياسة الداخلية والخارجية واختيار رؤساء البيت الأبيض.. بمن فيهم الرئيس القادم.

إن ولاية تكساس.. ولاية عائلة بوش التى تؤمن بالله والدولار.. مفتاح كارلايل جروب.. واستوعب تلك الحقيقة سالم بن لادن.. وبالفعل وظف ما ورث عن أبيه اليمنى الأصل محمد عوض بن لادن فى صناعة الطائرة الحربية إف 27 شريكا لكارلايل جروب بينما أنفق شقيقه أسامة الخمسين مليون دولار التى ورثها على تنظيم القاعدة.

ومثلت صفقة سالم بن لادن بداية دخول عدد كبير من رجال الأعمال السعوديين فى صناديق استثمار مشتركة مع كارلايل جروب وضاعف ذلك من قوة اللوبى السعودى فى واشنطن إلى حد رفض جورج بوش الابن وهو رئيس للولايات المتحدة الربط بين السعودية والإرهاب بعد هجمات سبتمبر رغم وجود عدد لابأس به من الشباب السعودى بين منفذى الهجمات.

والحقيقة.. أن أول من شجع السعوديين على الاستثمار فى كارلايل جروب كان بندر بن سلطان.. سفير الرياض فى واشنطن الذى نجح فى السيطرة على عائلة بوش.. ونشرت له صورة التقطت فى أغسطس 2002 وهو يتبادل الحديث مع جورج بوش الابن فى منتجع كراوفورد بتكساس.. تبادل فيها السفير السعودى والرئيس الأمريكى الأدوار.. بندر يجلس دون تكلف ولا مبالاة على طرف الكنبة بينما يجلس بوش على كنبة أخرى أمامه.. ووجه الإثارة هنا أن السفير اتخذ مقعدا أعلى من مقعد الرئيس.. والتفسير الوحيد المقبول هنا.. أن السفير أصبح أحد مصممى كارلايل جروب التى يكسب من ورائها الرئيس الكثير.

ووصل نفوذ السفير فى الإدارة الأمريكية إلى حد إجبارها على تسفير أفراد عائلة بن لادن بعد هجمات سبتمبر رغم أنف الأجهزة الأمنية التى طالبت بمنعهم من مغادرة البلاد.. وكانت كارلايل جروب هى التى وضعت الطائرة تحت تصرف السفير وعائلة بن لادن.. إن الشراكة المالية أقوى من الاعتبارات السياسية.

وظهر على السطح الوليد بن طلال عارضا ضخ 600 مليون دولار نقدا فى حساب بنك سيتى جروب الموشك على الإفلاس دون أن يطالب بمقعد فى مجلس الإدارة.. وهاجت الأوساط المالية والمصرفية خشية أن يكون العرض غطاء لعصابات الأموال فى الشرق الأوسط.. لكن.. سرعان ما تبين أن ما يجرى مسرحية متفق عليها.. فقد دخلت كارلايل جروب على خشبة المسرح مؤدية دور المنافس الوطنى الذى يحتفظ بدرة البنوك الأمريكية بعيدا عن الغرباء.

وهناك بالقطع عشرات الأمثلة التى تدعم الثقل المالى والنفوذ السياسى لـتلك المجموعة التى تعمل فى صمت وسرية وتقدر على حل الأزمات الخارجية التى تكون الولايات المتحدة طرفا فيها مثل الأزمة بينها وبين مصر بعد ثورة يونيو.. بل ربما ساهمت فى حل جزء من الأزمة بعد أن ضغطت بحكم مصالحها على البيت الأبيض لفك الحظر على تصدير الطائرات الحربية المتفق عليها بين القاهرة وواشنطن، طبقا لجداول المعونة العسكرية.. وتركزت مصالحها فى حصولها على ثمن تلك الطائرات لمصانع تساهم فى شركاتها.

وأتصور أن فؤاد سعيد بنفوذه القوى فى كارلايل جروب يمكن أن يخدم مصر فى التخفيف من حالة العداء التى تكنها الإدارة الأمريكية لها.. لكن.. لا أحد فكر فى الاستعانة به.. بل.. لا أحد فكر فى ذلك.

والمؤكد.. أن الرجل رغم تجربته السيئة فى مصر لن يتردد فى أن يلبى ما يطلب منه.. ولا تتمثل التجربة السيئة فيما جرى له مع عائلة ساويرس فقط وإنما امتدت إلى شعوره بضعف مبارك حينما التقاه حاملا رسالة من جورج بوش الأب لإنهاء المشكلة التى تعرض لها.

سمعت منه أن مبارك استجاب لضغوط أحد أبنائه بعدم التدخل فى حل المشكلة بما يوحى بأن شراكة الأبناء فى بيزنس رجال الأعمال ضرب الاستثمار فى مقتل.

وبمعرفتى بفؤاد سعيد فإنه لن يتأخر فى مساعدة مصر سياسيا واقتصاديا واستثماريا.. إن الدم الذى يجرى فى عروقه، حسب ما قال، مخلوط بمياه النيل.. وخلاياه مصنوعة من الطمى المصرى الخصب والأسمر.. وربما يكون آخر أهم عمل يقوم به فى حياته إلقاء طوق نجاة لبلاده.. وربما ينتظر الإشارة.

وربما لا نعرف أن مجموعته تمتلك أصولا تصل قيمتها إلى 153 مليار دولار.. وهو وحده يدير بنكا استثماريا يصل رأسماله إلى عشرين مليار دولار.. وفى سجلات أعمال المجموعة لجوء 75 دولة إليها سعيا لعلاج الخلل فى اقتصادياتها وعملاتها المحلية.

ويتولى هذه المهمة 500 خبير ينتشرون فى 35 مدينة مؤثرة منها بيروت ودبى والقاهرة.. لكن.. فؤاد سعيد بنفسه تولى إصلاح الهياكل المالية والاقتصادية وإدارة أصول القطاع العام فى المكسيك عام 2004 بحكم صداقته برئيسها فى ذلك الوقت.. ونجحت التجربة.. وقفزت المكسيك إلى معدلات نمو غير مسبوقة.

إننا إذا لم نستفد منه سياسيا استفدنا منه اقتصاديا.. يمكن أن يضع خبرته فى إعادة هيكلة البنوك التجارية.. ودفع شركات القطاع العام ومصانعها إلى مستوى الربح.. وجلب استثمارات عربية وأجنبية فى وقت نحن فى أشد الحاجة إليها.. بل.. يمكن أن يساعدنا فى تجاوز أزمة السياحة الحرجة.

وأتصور أن النظام السياسى فى مصر نقى.. لن يخلط البيزنس بالنفوذ.. أو الثروة بالسلطة.. مما يوفر مناخا أفضل لتنفيذ روشتة فؤاد سعيد.. بشرط أن يكون تعامله مع القمة.. بعيدا عن الثعالب الصغيرة التى تفسد العنب قبل أن ينضج.

سيادة الرئيس ادع فؤاد سعيد للقائك.. فهو خبرة حقيقية.. كون ثروته باختراعات توصل إليها.. وأفكار جديدة نفذها.. ولم يكونها بمضاربات البورصة.. وفساد الخصخصة.. وتسقيع الأراضى.. وتهريب ما نهب من مليارات خارج مصر.

جرب.. لن تندم.. ولن تخسر شيئا.