فؤاد معوض يكتب: حوار فى الحب عمره 45 عامًا.. وحوار بـ«الأمس» مع «روح» عبد الحليم!

مقالات الرأي



لأنه مغرم بتواجد الأصدقاء حوله من أجل السهر والضحك كانت تسعده «الصحبة» ويهلل لمجيئها فرحًا عندما يلزم البيت ولا يخرج بناءً على أوامر صارمة من طبيبه الخاص د. هشام عيسى أو «الشاويش» هشام كما كنت أناديه!

السرير بالنسبة لـ«عبدالحليم» سجنًا لا يطاق محبوسًا داخله إلى أن تجىء «الشلة» ليستقبلها مبتسمًا!.. نلتف حوله فى غرفة النوم أنا وكامل البيطار ومحمد حمزة ووجدى الحكيم وعصام بصيلة حتى لا يشعر بالضيق أو الملل!.. فى هذه الجلسة نتكلم كثيرًا فى الشعر.. فى الموسيقى فى الغناء وحتى فى النميمة وإطلاق التشنيعات على من ينافسه فى مجال الغناء سواء محرم فؤاد أو هانى شاكر أو محمد رشدى الذى قلنا عنه إن معظم معجبينه من السفرجية والبوابين وخدم المنازل مع احترامنا لكل أصحاب هذه المهن!

1- حوار فى الحب عمره 45 عامًا

حجرة النوم التى يرقد فيها عبد الحليم «مريضًا» أشبه بغرفة الإنعاش.. أدوية.. محاليل.. أنبوبة أكسجين.. ترمومتر لقياس درجات الحرارة.. قطن طبى وشاش ومنبه بجرس للإعلان عن موعد تناول الدواء.. وأكثر من باقة ورد على بابها الخارجى تحمل بين طياتها كروتًا صغيرة بأسماء نجلاء فتحى وميرفت أمين ونجوى إبراهيم ومنى جبر وباقة ورد أخرى بلا كارت يبدو أنه كان قد أمر بنزعه من عليها قبل مجيئنا حتى لا نتعرف على من هى مجهولة الورد هذه.. كلهن تتمنين له الشفاء.. ووافر الغناء!

قلت له: سلامتك!

ضحك عبد الحليم و«بربش» بعينيه وقال بطريقة ساخرة كأنه يقرأ الغيب وهو يرانى ممسكًا بمجموعة من أوراق «الدشت» التى يكتب عليها الصحفيون عادة وقد أفردتها على حجرى وأنا جالس بجواره على حافة السرير.. شكلك جاى تاكل عيش.. عاوز تعمل حوار طبعًا..

بصراحة كثيرًا ما كنت انتهزها فرصة وهو مريض لإجراء الكثير من الحوارات الصحفية.. الحوار فى الحب ما رأيك؟!

قال: اتفضل!

تفضلت وسألته: وأنت فى العشرين من العمر كيف تخيلت الحب؟!

نظر إلى من حوله وانطلق فى الكلام حالمًا: كنت أتخيله إذا لم أكن عبد الحليم حافظ وكنت عبد الحليم إسماعيل شبانة الذى يعمل مدرسًا للموسيقى فى إحدى مدارس البنات بطنطا.. بالزواج من واحدة بسيطة بنت ناس طيبين وجذابة من «الحلوات» أو قرية أخرى مجاورة ليس لها عمل سوى ترتيب البيت والوقوف فى المطبخ من بعده تجهز لنا الطعام وعند الانتهاء تذهب إلى «البلكونة» تجمع الغسيل وبالمرة «قال وهو يضحك بصوت عالٍ» تنادى على العيال من الشارع.. اطلع يا مقصوف الرقبة أنت وهو بابا زمانه جاى من الشغل.. فكرة الاستقرار والدفء العائلى كنت أتمناها!

سألته عن الحب منذ عصر «قيس وليلى» هل هو ذلك الحب الموجود حاليًا فى عصر «لبلب ولبلبة» و«فتحية ومفتاح»؟!

أجاب بضحكة أعلى: مين فتحية ومفتاح دول؟! ثم أكمل وضحكته مازالت قائمة: بالطبع يختلف.. قيس كان راجل خالى شغل «عواطلى» ولذلك تجده ملطوعًا بجوار «خيمة» ليلى يناجيها من أول النهار حتى آخره متغزلاً فيها وفى مفاتنها.. حبيبة هذه الأيام من عينة «لبلب ولبلبة» و«فتحية ومفتاح» مشغولين ومهمومين بالكثير من الأزمات المعيشية.. فتحى عاوز يلحق طابور الجمعية يجيب «فرخة» و«فتحية» تجيب كيس أرز أو إزازة زيت.

قلت له وكل من فى الغرفة راح يضحك! وأنت طالب فى أى صفحة من صفحات كتاب الجغرافيا كنت تضع بداخله صورة حبيبتك؟!

قال: بالقرب من خط «الاستواء» المكان الحار جدًا كما هو معروف!

قلت أسأله: الحرف الأول من اسمك واسمها هل حفرته ذات يوم داخل رسم للقلب على جذع شجرة؟!

قال: فى فيلم «الوسادة الخالية» تخليدا لاسم من كانت حبيبتى فقد كان اسمها أيضًا «سميحة»!

قلت: متى يهتف القلب قائلاً «يحيا الحب»؟!

قال: عندما يقع فى الحب!

قلت: ومتى يهتف القلب قائلاً «يسقط الحب»؟!

قال: فى حالة الخيانة!

قلت: متى تقول المرأة للرجل «وبدون أن أدرى تركت له يدى لتنام كالعصفور بين يديه»؟!

قال وهو يأخذ وضع إحسان عبد القدوس: عندما تجد الرجل الذى يحميها ويحترمها ويعاملها بمنتهى الرقة والحنان!

قلت: ومتى تقول له.. دى ما بقيتش عيشة.. وحياة ماما ما أنا قاعدة لك فى البيت.. حا خد هدومى والعيال وعلى بيت أبويا دوغرى؟!

قال وهو يغير من وضع إحسان عبدالقدوس متخذًا وضع عبدالمنعم السباعى محرر باب «جراح قلب» بمجلة «روزاليوسف».. عندما يحدث موقف فردى لا يأخذ رأيها فيه ويصمم باعتباره «سى السيد».. كلامه أوامر لا تصد أو ترد بل تنفذ فورًا حتى ولو كان على خطأ.. الزواج فى نظرى تناغم وانسجام بين الطرفين كل منهما مهمته إسعاد الطرف الآخر!

قلت له: هل أنت حاليًا فى حالة حب؟!

قال متألمًا: أنا حاليًا فى حالة «عيا» و«نزيف» بعيد عنك!

قلت أسأله: ما أغنية الحب التى تحب سماعها من أغنيات أم كلثوم؟!

قال: أنت عمرى وبالذات الجملة التى تقول فيها «اللى شفته قبل ما تشوفك عينيه.. عمر ضايع يحسبوه إزاى على»!

قلت: وفريد الأطرش؟!

قال: سألنى الليل بتسهر ليه.. مادام قلبك صبح خالى.. سهرت ياليل أنادى عليه.. وأعيد الذكرى على بالى!

قلت: وأغنية الحب التى تحب سماعها من أغانيك؟!

قال: كان يوم حبك أجمل صدفة!

قلت: لماذا؟!

قال: لأننى التقيت بـ«د.ا» صدفة على باب الأسانسير داخل العمارة التى كنت أقطنها فى سيدى بشر ووقعت كما يقولون من أول نظرة فى غرامها ومن ساعتها إلى أن افترقنا وهى فى خيالى أناجيها بل كثيرًا ما أمسك بـ«العود» أدندن لها «فى يوم من الأيام كان لى قلب.. ويا المحبة هام وياريت ما حب!

سألته: ولماذا ياريت ما حب؟!

أجابنى قائلاً: بسبب تقدمى لخطبتها لأفاجأ بالرفض من الأسرة ذات المقام العالى.. وقتها كنت فى بداياتى «المقام العالى» ما يصحش ياخد واحد من «المقام السيكا بيكا»! ها ها ها!

سؤال تقليدى يجب أن ينتهى به الحوار: هل لديك أقوال أخرى!

قال مبتهجًا كأنه انتهى من امتحان ثانوية عامة: أقوال أخرى ما عنديش عندنا قعدة ثانية.. يضغط على زر جرس معلق بالسرير ثم يدخل علينا عبد الرحيم السفرجى بنفس الابتسامة المطبوعة دومًا على وجهه ليطلب عبد الحليم منه «الكوتشينة» لنلعب لعبة «الكومى».. أحيانًا كان ينضم إلينا محمود لبيب الكوافير المعروف عندما يجىء ليصفف شعر عبدالحليم.. يمنحه عبدالحليم خمسين جنيهًا ثمنًا للحلاقة ليأخذها منه مرة ثانية بعد أن يفوز عليه فى لعبة «الكومى» ومعها كل ما فى جيب محمود لبيب من نقود حصل عليها قبل مجيئه من زبائن آخرين منبهرًا من «حرفنته» فى اللعبة لثوان من بعدها يرد له كل المبالغ التى حصل عليها عند مغادرته المنزل!

■ ■ ■

انتهى الحوار الذى سبق أن أجريته معه فى بداياتى الصحفية عندما كنت محررًا فى «الكواكب» عام 1969 وقد يسألنى أحدهم ولماذا إعادة نشر مثل هذا الحوار القديم معه مرة ثانية؟!

أقول لندعو له ونترحم عليه فى ذكرى رحيله!

2- وحوار بـ«الأمس» مع «روح» عبد الحليم!

الأربعاء 30 مارس 2016 أى بـ«الأمس» كان موعد حضور الجلسة! والجلسة كانت لتحضير الأرواح وبالتحديد «روح» عبد الحليم حافظ!

المكان الذى يجمعنا فى منتهى اللطافة والهدوء لا «زيطة» سعد الصغير ولا «زمبليطة» أوكا وأورتيجا ولا وجع دماغ «حكيم» وإنما الصمت الرهيبى الذى كثيرًا ما كان يتغنى به!

المهم جلست أو بالتعبير العامى «قعدت» والخوف بعينى أتأمل منظر ذلك الرجل «أبو سبحة ودقن بمبى» الذى راح يهذى ببعض الكلمات غير المفهومة «شنكوح بنكوح شرشوح» وسط دخان البخور المتصاعد إلى سقف المكان ينادى بصوت متهدج على «روح» عبد الحليم قائلاً: يا سامع ندايا حبايبك معايا.. تعال قابلهم ماتخفش منهم «شنكوح بنكوح شرشوح».. وفجأة ونحن فى القاعة قاعة كبار الأرواح «اللى على إيدك الشمال وأنت خارج من الأسانسير سمعنا صوتًا هاتفا من السحر جاء يهمس وكأنه يتغنى بالرد.. نعم يا حبيبى نعم.. نعم يا حبيبى نعم!

يا خبر... يا خبر

صوته بـ«المظبوط «صوته بـ«السكر زيادة» الخالق الناطق صوت عبد الحليم! صاحبى وعارفه كويس يا ناس.. لذلك لم أتمالك نفسى وأنا أجهش بالبكاء ساعة أن قمت واحتضنت «الهوا بإديا» وأنا أردد: وحشتنا يا عبد الحليم.

مدت «الروح» يديها الحانيتين تطبطب بهما على كتفى قائلة: لا تحزن يا ولدى فالموت علينا هو المكتوب!

قلت للروح: ما حدش واخد منها حاجة غير «نشاز» المطربين اللى بيغنوا الأيام دي!

قالت الروح: أدخل فى الموضع طوالى.. عايز إيه؟!

- عايز أسأل حضرتك كام سؤال..

- اتفضل!

- متشكر قوى.. لسه متغدى!

- إيه هو اللى لسه متغدى؟!

- الأكل يعنى.. أنت مش بتقول لى أتفضل!..

- هو يعنى لما أقولك أتفضل يعنى تتفضل تاكل؟! أتفضل اسأل علشان ماعنديش وقت!..

قلت للروح: ما رأيك فى الآخرة؟

قالت: هادية وجميلة مافيهاش «محمد نور» ولا «محمود العسيلى» ولا «مصطفى قمر» ولا «إيهاب توفيق» أو «هيثم شاكر.. أنا هنا مبسوط قوى!»

- على كده الآخرة عاجباكى؟!

- جدا علشان ما حدش من العيال دى أتجرأ ييجى ويغنى لنا!..

- عاوز أعرف يا ترى بتقرا الجرائد لغاية دلوقتى يا عبدالحليم؟!

- طعبا ما أنت عارف إن دى عادتى من زمان!..

- وإيه اللى لفت نظرك فيها اليومين دول؟!

- مقاطف الطوب اللى شايلها على أكتافه تامر حسنى وكل شوية بيحدفنى بـ«طوبة» أنا زعلت «الواد» ده فى حاجة؟! بيقلل من شأنى ليه؟! قال على رأى المثل سكتنا له دخل بـ«حنجرته» ينشز فى أوداننا!..

- ما مصلحة تامر حسنى فى ذلك؟!

- مش قادر أفهم إيه الـ«مصلحة» دى.. تكونش «مصلحة» الطرق والكبارى أو «مصلحة» السكة الحديد.. هاها.. ها..

- إحنا ما بنهزرش يا «روح» عاوز أعرف ما هى أحلى أغنية تحبين سماعها من أغانى تامر حسنى؟!

- طبعا ولا واحدة.. وبنحمد ربنا إن ما عندناش هنا راديوهات أو تليفزيونات!..

- طيب بتسمع سمير الإسكندرانى؟!

- هوه الإسكندرانى لسه على «قيد» الغناء؟!

- أمال فاكره على «قيد» المعاش؟!

- حيث كده ربنا يديله طولة العمر!..

- وما رأيك فى إيمان البحر درويش!..

- كويس إنه مشغول اليومين دول بالقضايا اللى بينه وبين مصطفى كامل.. إنما إذا حاول يرجع ويغنى ثانى حاضطر اشتكيه لـ«جدو» الشيخ سيد.. المسافة بينى وبين الشيخ سيد يا دوب «فركة» طربة!..

- ورأيك فى صوت شعبان عبدالرحيم؟!

- دا جدع طيب وابن بلد.. بس صوته محتاج لعملية «غسيل ومكوة».. غسيل بالبخار و«الليفة» مع دعك بـ«فرشة مسح بلاط» وبعدين تدوس كويس بـ«مكوة الرجل» علشان ينفرد وتقدر تسمعه!..

- طيب وسمير صبرى؟!

- يا ريت يروح العراق أو ليبيا يغنى لـ«بتوع داعش»!

- ليه هو ما عندوش وطنية علشان يغنى للإرهابيين؟!

- بالعكس دى الوطنية إنه يغنى لهم.. علشان يطفشوا من هناك!

- و«أنوشكا» إيه رأيك فيها؟!

- دى «قزازة شامبو» واللا ماركة صابونة بـ«ريحة»؟!

- يا أستاذ «أنوشكا» دى مطربة!.

- بتقول مقرئة؟!

- يا دى النيلة.. أنت مابتسمعش؟! مالها «أودانك»؟!

- بعيد عنك «ميت» جديد لسه جاى عندنا كان جايب معاه شريط لـ«هشام عباس» قعدنا نسمعه لغاية ما حصل اللى حصل فى «ودنى»!..

- إيش جاب هشام عباس لسمعك الثقيل؟!

- صوته السبب!.. قوللى بالمناسبة هشام عباس ده مصرى؟!

- مصرى طبعا.. إيه اللى خلاك تفتكر إنه هندى؟!

- علشان لما بيغنى مابفهمش من كلامه ولا كلمة وبعدين «الأمن الغنائى» إزاى ساكت عن الناس دى لغاية دلوقتى؟!

- أنت ما تعرفيش يا «روح» إن إحنا حاليا بنعيش أزهى عصور الديمقراطية وكل واحد حر حتى ولو كان حمدين صباحى يعمل اللى مزاجه فيه.. ان شاللا يقف فى ميدان التحرير ويغنى «بحلم بيك أنا بحلم بيك».. بـ«الكرسى» أنا باحلم بيك!

- والديمقراطية دى مابتصعبوش عليها من عذاب الأصوات اللى بتغنى دى؟!

- حتى لو بنصعب عليها لازم تسيب سامح يسرى وأحمد برادة ومحمد عطية وكريم أبوزيد يغنوا عملا بمبدأ.. أعطنى حريتى أطلق «نشازى».. إننى أعطيت للـ«أودان» ما استبقيت شيئا!

- هاها.. ها..

- أنت بتضحكى «ياروح» باين عليكى مبسوطة!

- مبسوطة من خيبتكم.. مستحملين الأصوات دى إزاى ومش قادرين تعملوا مظاهرة أو اعتصام أو حتى ثورة!..

- ثورة إيه واعتصام إيه؟! إحنا يهمنا الأهلى ياخد الدورى!..

- هاها.. ها.. دمك خفيف زيى بالضبط.. اسمع النكتة ديى.. اثنين مطربين من الصنف اللى بيغنى لكم حاليا قابلوا بعض الأولانى بيقول لزميله: كان عندى كلب يفرح قوى ويهز ذيله لما يسمع مطرب صوته حلو و«يهوهو» لما يسمع صوت مطرب بينشز يجرى وراه «يعض» رجليه!..

زميله سأله: وياترى الكلب ده لسه عندك؟!

قال له: لأ.. سربته من كام يوم.. علشان دايما كان بيعضنى!..

- هاها.. ها.. حلوة ما عندكش واحدة ثانية؟!

- كفاية كده.. علشان قاعد باسمع أغنية جديدة لـ«وائل جسار» بصراحة «وزنت» دماغى!..

- ويا ترى لما «وزنتها» طلعت كام كيلو؟!

- كيلو إيه وهباب إيه؟! أنا كل ما أجاوب على سؤال عاوز تهزر.. عموما دلوقت أنا حاقوم و«انصرف»!..

- «تنصرف» منين؟!

- من القعدة دى.. أمال فاكرنى حانصرف من البنك الأهلى؟! عموما الله يرحمنى ويعوض عليكم بـ«عندليب» تاني!

وهنا اضطر الرجل «أبوسبحة ودقن بمبى» إلى صرف «الروح» بعدها خرجت من القاعة.. قاعة كبار الأرواح إلى الشارع مستقلا تاكسى «متحضر» طالبا من الأسطى السواق أن يتوجه بى إلى الجريدة لبدء كتابة كل ما دار فى هذه الجلسة.. ومن هنا ورايح حانعمل جلسات لطيفة بالشكل ده.. تابعونا..